عَصْرُ الشَّاعرة
الحياة الفكرية والاجتماعية
بزغ القرن الخامس عشر على ربوع الغرب فجرًا ما برح ينتشر ويعمم حتى شمل بنوره نهضة التجدد الكبرى. وما تولى إلا وقد جاء بحادثين بدَّلا حظَّ البحر الأبيض المتوسط وحظَّ مرافئه في الحركة التجارية والعمرانية. وهما اكتشاف فاسكو دي جاما طريق الهند عن طريق رأس الرجاء الصالح، بعد أن شق كولمبس البحار وصولًا إلى الأقطار الأمريكية. وبينا التطور يتتابع في الغرب حثيثًا سواء في العلم وأسباب المواصلات وامتزاج الشعوب والصناعة والتجارة والثروة والحرية الفردية والكرامة القومية — كانت مصر، وقد حُرمت من مرور تجارة الشرق، تتقهقر ببطء حتى انقطعت العلاقات بينها وبين العالم. وظلَّت ثلاثة قرون يحكمها بالاسم ولاة عثمانيون وتدفع الجزية السنوية إلى تركيا إلا أنها تعثو فيها تلك الفئة الطاغية من المماليك «البكوات». ففشت في أنحائها الخزعبلات والأوهام، واشتد العوز مهددًا بالأمراض والمجاعات. والدول التي تتنافس الآن في اكتساب صداقاتها كانت قد نسيت حتى الوجود من هذه البلاد الفريدة بتربتها وتاريخها وحضارتها العريقة، الفريدة بموقعها الحربي المنيل النفوذ السياسي والرواج التجاري لجمعه بين القارات الثلاث وسيطرته على طريق المشرقين.
أي عجاجة لا تثير أعمال الرجل العظيم! هبط نابليون الشرق يستغله ويقيم عليه الركن الأول من عرش، أراد أن يخيم ظله على الشرق والغرب جميعًا. فهبَّت الدول تقاتل الجبار وتتحالف لهزيمة جحافله. وصار القطر المهجور محجة للغايات؛ لأن البطل أدخله في خريطة أطماعه.
جاءت القوة العثمانية بقيادة القبطان حسين باشا وتكاتفت والحملة الإنجليزية في الرحمانية فزحفتا معًا على القاهرة. فسلم الفرنسيون نهائيًّا في سبتمبر ١٨٠١ بعد الاحتلال بثلاثة أعوام دون جني أية فائدة حربية. وكم من عمل يؤتى في سبيل غاية تفشل، فإذا به موفور العائدة لغاية أخرى!
- الأولى قومية: إذ شعر المصريون بأهمية بلادهم وبمقدرة الشعب على إزعاج الحكومة المستبدة إذا هو اتحد وتضامن. كما لمحوا وميضًا من المدنية الأوروبية الحديثة ورغبوا في اقتباسها.
- الثانية علمية: إذ استصحب نابليون جماعة من العلماء الأخصائيين. فدرسوا طبيعة البلاد ومواردها، وأدخلوا الطباعة ونشروا الصحف وأسسوا «المجمع العلمي المصري»، وجاءوا في مختلف الموضوعات بأبحاث قيمة، منها وصل البحر الأبيض بالبحر الأحمر الذي سيستفيد منه دلسبس، وأحدثوا إصلاحات كثيرة ذهب جلُّها إنما بقي منها جرثومة ستنمو بعد الآن على يد حكومة البلاد.
- الثالثة سياسية: أن بين ضباط القوة العثمانية كان ذلك الرجل الذي وُلد هو ونابليون وولنجتون في سنة واحدة «١٨٤٧م» وحكم مصر بعد محوه المماليك … وبين رجال محمد علي رجلان يختلفان أصلًا وعملًا أحدهما كردي وهو محمد تيمور بن إسماعيل بن علي كرد، الذي كان ضابطًا وساعد في استئصال دولة المماليك حتى صار من خاصة الوالي. فترقى في المناصب من كاشف، إلى محافظ، وتُوفي سنة «١٢٦٤ﻫ/١٨٤٧»، والآخر تركي الأصل وهو عبد الرحمن أفندي الإستانبولي الذي كان كاتبًا في الديوان الهمايوني عند السلطان سليم الثالث ثم صار ذا مكانة عند محمد علي حتى أنه بعد وفاته دفنه في القلعة. وكان لسلالة هذين الرجلين أن تحمل علامة اليُمن. فقد تزوج محمد تيمور بابنة عبد الرحمن أفندي فكانا جدَّي الشاعرة.
•••
وُلدت عائشة سنة ١٢٥٦ هجرية قبل وفاة محمد علي بتسعة أعوام، وتوفيت بعد تولية عباس الثاني بعشرة أعوام؛ أي إنها شهدت تطور بلادها على عهد أربعة ولاة هم: محمد علي وإبراهيم وعباس الأول وسعيد، وثلاثة خديوين هم: إسماعيل وتوفيق وعباس الثاني.
كان لمحمد علي مطامع سياسية معينة فبذل المجهودات لتأييدها في الداخل بإنشاء المدارس الحربية والمستشفيات العسكرية، وتنظيم الجيش وتخريج الأطباء، ونشر المعارف وإرسال البعوث إلى أوروبا لتتلقى العلوم الفنية والميكانيكية والحربية. أما في الخارج فكان يؤيد مطامعه بالحروب والفتوح.
وتتابع التطور ضئيلًا خلال ولاية إبراهيم التي لم تدم سوى شهرين اثنين، وولايتي عباس الأول وسعيد حيث كان غرض التعليم محصورًا في تخريج موظفين للحكومة وضباط للجيش. وإن امتاز عهد سعيد بأمور ذات شأن، منها وفاء ديون الحكومة، وحذف الجمارك الداخلية والاحتكارات، وإرجاع الحرية الفردية وحق الملكية إلى الفلاحين — بعد أن كان محمد علي قد جمع الأملاك بين يديه جاعلًا الحكومة تسيطر على كل تجارة مع الخارج. وتمَّ في عهد سعيد إنشاء القناطر الخيرية التي بُدئ بها بأمر من محمد علي. وسعيد هو الذي فوَّض إلى صديق طفولته دلسبس أن يباشر حفر قناة السويس.
بيد أن الاندفاع الأكبر جاء في عهد إسماعيل فعاد إلى معالجة مشروعات محمد علي مرسلًا البعثات إلى أوروبا، موجدًا المكتبة الأهلية ومتحف الآثار المصرية، حافرًا الترع للري ومجمِّلًا المدن الكبيرة.
وأصدر أمرًا في أواخر عهده يعلن رغبته في أن يحكم بواسطة مجلس نظار، بعد أن كان أصدر أمرًا بتشكيل مجلس نواب تأخذ الحكومة رأيه فيما تسن وتحور من النظم والقوانين وكان كاهل مصر قد أُثقل بالديون مما أدى إلى قبول الرقابة الأجنبية على المالية المصرية. فقام يومًا ينكر على الموظفين الأوروبيين حق التدخل في شئون بلاده. فحملته الدول أثر ذلك على التنازل لولده توفيق تحت الرقابة الفرنساوية الإنجليزية فيما يتعلق بالمالية.
نشر قاسم هذا الكتاب سنة ١٨٩٤. ولما توفيت عائشة بعد ثمانية أعوام كانت حركة التطور في ازدياد وقد أُضيفت إليها عناصر فنية متنوعة.
•••
أهي يقظة الفكر عند الأفراد تهيئ اليقظة القومية أم هي يقظة الجمهور ومطالبه والأحوال المحيطة به التي تخلق الأفراد وتحبوهم بالمواهب الضرورية ليتكلموا بصوت الجماعة؟
أظن أن التفاعل هنا محتم كما هو في كل أمر آخر. فالأفراد يخلقون الجمهور والجمهور يخلق الأفراد؛ لأن القوى البشرية محكمة الترابط فيما بينها، فإذا انتبهت إحداها تأثرت بذلك الانتباه جميع القوى وهبت متجددة نابضة، مبدعة. كأنها الصوت الواحد يحدث هزة في مكان من الهواء فتتناقله الموجات المسارعة حتى يرن في أقطاب الفلك جميعًا.
ولكن يُخيل أنه قبل تنفيذ أي عمل يقتضي رسم خريطة خيالية جلية في الذهن الناضج الصافي، خريطة من الخرائط التي يسمونها المتهكمون «نظريات» وهذه النظريات التي تثني لذكرها شفاه العلميين هي من الأهمية بحيث إن الطبيعة لا تجمع عادة (وإن فعلت نادرًا بشذوذ جميل) بين مقدرتي النظر والعمل في شخص واحد؛ إذ إن لكل منهما صفات تنافي صفات الأخرى. يُهيئ النظريون الخرائط الذهنية، فينظر فيها سواهم بعين النقد والتمحيص مستخرجين منها ما لاءم حاجة الوقت، وينفذها آخرون فتصير شيئًا محسوسًا يستخدم ويخدم. كأنما هي «المثل الأفلاطونية» التي بموجب نظريتها لا تكون المحسوسات إلا انعكاس أفكار كائنة في ذهن الإله الأعظم. تلك هي حكاية التلغراف اللاسلكي التي ابتدأت مع مكسويل وهرتز وبرنلي نظريات وتعديلات علمية، فصارت مع ماركوني عاملًا آليًّا تعنو له مجاري الجواء في نقل الأفكار. وتلك هي حكاية الغواصات التي كانت في كتب جول فرن الفرنسوي رؤى وأخيلة علمية. فبسط أديسن الأمريكاني لوزارة بحرية بلاده إمكان إنشائها في تقرير نسخه الألمان سرًّا، وسيروها خلال الحرب مدنًا متحركة تخفر البحار وتصادر سفن الأعداء وسفن من كان لهم مواليًا وظهيرًا. وتلك هي حكاية الثورة الفرنساوية أعدها الكتاب والمفكرون، والثورة الروسية التي مهد لها الروائيون والشعراء سبيلًا.
•••
وانتحت الحياة الجديدة في مصر هذا النحو. فإنه إلى جانب التحسين الزراعي والحربي والميكانيكي والمدرسي، ظهرت حركة أخرى راودها الغموض في البدء، إنما جعلت تتسع وتنجلي مع الأيام. نشأت عن تواصل الاحتكاك بمدنية الغرب سواء بواسطة النزلاء المقيمين في هذه الديار، وبعوث الشبان العائدين من أوروبا وقد تطعَّمت نفوسهم بجديد النزعات وحديث الآراء، وجماعات خريجي المدارس المصرية وقد سرت إليهم عدوى الفكر العصري خلال ما تلقنوا من الدروس الأوروباوية. وقدم مصر جماعة من نوابغ السوريين وأحرارهم النازحين أثر النكبات فكان صدم أفكارهم بأفكار المصريين جزيل النفع للفريقين وللفكر العربي عمومًا.
شعر الفكر المتغير المتكيف بوجوب تبديل أستاره والتجلي بزي يوافق صورته الخفية فكان ذلك التطور في نتاج القرائح والأقلام من شعر ونثر، وإن كان في الشعر أسبق أما في النثر فأوضح. وظهرت مع الشعر الفصيح ضروب من الشعر العامي كالمواليا التي لم يألف معالجتها نفر من كبار الشعراء. وتجدَّد «الزجل» الطلي. وأما وضوح النثر فجاء من انتشار العلوم الطبيعية والرياضية، فمال الناس معها إلى إحكام المعنى وإخراجه من معمعة السجع والجناس والاستعارة والتورية. وبديهي أنه لم يفلح في ذلك أولًا غير النفر اليسير، وتفرقت من الآخرين الطرق. فتحدى بعضهم أسلوب الأقدمين من صدر الإسلام أو من صدر العباسيين. وتسربت إلى أسلوب غيرهم ركاكة لغة الدواوين التي لم تخلص منها حتى في هذه الأيام. ولعل أقرب الأساليب منالًا هو أسلوب الصحافة التي كانت وما زالت عندنا ميدانًا للعلماء والشعراء والأدباء، وقد تحتم عليها التوفيق بين مختلف الأذواق والكتابة بلغة يفهمها الجميع على السواء. ولصحافتنا في ذلك تاريخ أعز. وما فتئ التحسن يبدو عليها من عام إلى عام وهي عامل كبير في رفع فكر المجموع، وربما كانت العامل الأكبر؛ لأنها العامل الأشمل.
•••
وإذا كانت الحالة الفكرية والاجتماعية في تفاعل مستديم، فكيف كانت يا ترى العيشة العائلية؟ كيف كانت حالة المرأة؟ أكان يصل إليها صدى الخارج؟ أكانت تشتغل لرقي بلادها في دائرة الأسرة وتدرك معنى المطامع القومية؟
كانت عامة الفتيات تتعلم التطريز وأشغال الإبرة سواء في بيوتهن أو بالتردد على المعلمات القبطيات وغيرهن. ومنهن من يتعلمن القرآن على فقيه البيت. ونفسي تحدثني أن ذلك الفقيه كان ينطبق عليه وصف صاحب مذهب «هذا جناه أبي عليَّ وما جنيت على أحد.»
•••
أليس هذا قد كان رأي أكثر الأهل في معارف البنت وفي الذين يتولون تعليمها؟ بيد أن السيل متابع مجراه والوفود الأوروبية ترد أفواجًا ومعها البعوث الدينية تؤسس المدارس للبنين والبنات. فأُنشئت مدرسة راهبات الراعي الصالح في شبرا منذ ١٨٤٤، وتلتها مدرسة الأمريكان للبنات بالأزبكية سنة ١٨٥٦، ومدرسة راهبات الفرنسيسكان الإيطالية سنة ١٨٥٩. وبينا مدارس الجوالي تتكاثر في أنحاء القطر أسست مدرسة البنات بالسيوفية سنة ١٨٧٣ (ولم يسبقها من المدارس الأميرية سوى مدرسة الممرضات والقوابل منذ عهد محمد علي). وهي المدرسة التي تُعرف اليوم بالمدرسة السنية. وتلتها مدرسة القربية سنة ١٨٧٤ ثم انضمت ومدرسة السيوفية وعُرفت بها. وكان عدد المدارس للبنات والبنين في ازدياد سريع حتى أُنشئ منها في حياة «عائشة» ما يقارب الألف من مدارس أميرية ومدارس تابعة لمجالس المديريات أهلية وأجنبية عدا المعاهد الدينية والكتاتيب.
بيد أن المرأة لم تكن وصلت إلى دور تثقيف نفسها. بل كانت راتعة في انقطاعها وجهلها شأن من اعتاد الهواء الفاسد يضيق منه النفس ويعتل إذا هو انتقل إلى حيث الهواء نقي. وإنما هي الأقلية المتنورة من الرجال التي كانت تطلب في الزوجة شريكة وصديقة، وللأبناء التربية المنزلية الصالحة، وللبيت ذلك الجو المفرح الذي تخلقه المرأة بعذوبة حبها إذا هي قُرنت بالحصافة والمعرفة. وكان أولئك الرجال يتشاكون الغم فيما بينهم، وليس من يقتحم مصادرة الرأي العام. حتى انبرى قاسم لا يبالي بتطعين الحراب، هادئًا كمن جس مقاتل الخصم وتسلَّح بصارم الحق واليقين.
الحياة المنزلية
نحن حوالي منتصف القرن التاسع عشر، في مدينة القاهرة عاصمة الديار المصرية قبل أن تبدل معالمها يد الهدم والبناء. وقبل أن تصقل بعض جوانبها يد التحسين الجديد. مدينة شرقية توالت عليها نوائب التاريخ واختلطت فيها أجناس الشعوب وهي لسرها الطويل كتوم توزعت في مختلف الجهات، منها البقايا الأثرية والجوامع البديعة الفائقة على الثلاثمائة، والحمامات والأسواق و«السبل» المرمرية المقدمة ماءها العذب لكل ظمآن يرتوي وفوق المدينة الجاثمة ترتفع تلك المآذن بقاماتها الهيفاء فيخيل أحيانًا أن الإنسانية أعلت هياكلها في الهواء الأزرق ليس ليصل صوت المؤذن إلى المؤمنين على مسافة بعيدة فحسب، بل ليكون المبتهل في صلاته أقرب إلى باريه وأرسخ في الثقة بالاستجابة. وطورًا تبدو تلك المآذن كأنها حراب أرسلتها أيادي الإسلام تنبئ الجائب بأنها على دوام الاستعداد لدفع الطوارئ عن الذمار.
•••
كاتب أجنبي يجيئنا بهذا القول لا يرى في ذلك «الحاجز» سوى رمز «للغيرة». كأن الغيرة من واردات الشرق التي يتفرج عليها الغرب ولا يكابدها. ولكن هلم نقف أمام أحد هذه المنازل، أمام المنزل الذي نتطلع الآن نحو الماضي لأجله. هلم نستعين بالخيال حين لا وسيلة سواهُ، فنخترق جانبًا من الحديقة الحافلة بالورد والرياحين تحت رعاية الأشجار ذات الظل الوارف. هو ذا الآغا يسير بنا إلى دار الحريم حيث تلقانا طغمة من الجواري والخادمات وتدعونا إلى الجلوس في الفسحة الواسعة الموفورة النور والهواء أرضها تختفي وراء البسط العجمية والطنافس الفاخرة. والمقاعد والأرائك تدور في جوانبها، تتخللها الطاولات الصغيرة وعليها أدوات التدخين من علب اللفائف وأطباق صغيرة للرماد (منافض). وعلى جدرانها تتألق مياه المرايا العميقة الصافية. وقام في وسطها خوان كبير من الخشب المموه بالذهب، تتدلى فوقه الثريا العديدة الشموع المنحدرة من السقف المصنوع من خشب الجوز المجمَّل بالنقش والزخرف بل هي هبطت من صميم رسم مثل وردة كبيرة تناوب فيها الحفر والتخريم بنتوء مستدير وسيم. فكان النور خلال تلك التخاريم من جهة إلى جهة نفيذًا.
هذه هندسة أكثر منازل الطبقة العليا وما دونها قليلًا في ذلك العهد وما بعده حتى أوائل القرن العشرين. أما البذخ والترف في بيوت الكبراء فيبدو في اتساع الغرف والردهات، وفي تعدد المقاعد والمرايا ونفاسة الأقمشة والثريات والطنافس. ولا بد من قاعة أو قاعات للاستقبال. على أن السيدات يقابلن عادة في هذه «الفسحة» فسحة الدار، كل شهور الصيف الطويلة. وهنا تنعقد اجتماعات الأسرة سواء في الليل والنهار.
فلتكن إذن «نية سليمة» دليلنا.
•••
كم من نبل وكياسة في التحية التركية، وكم تنويعها ميسور؛ فاليد اليمنى تنفتح بهيبة وبلا توتر وتستطيل في تحدر أكثر أو أقل بعدًا حتى ليصل إلى الأرض عند الضرورة. ثم إن النصف الأعلى من الجسد الذي انحنى يعود إلى التقويم والاعتدال مسايرًا حركة اليد التي تدنو من الفم أولًا، ثم من الجبهة دون أن تمسها، وتركن أخيرًا إلى موضعها تاركة خلاء في الهواء كما يترك مرور جناح الحمامة.
لطيف هذا! ومعناه المشيعة تسهل لزائراتها السبيل وأنها تخرج من منزلها على نوع ما بخروجهن أو هي تودع معهن شيئًا منها. وإني لأوثر هذا على السير وراء الزائرات كما تطردهن طردًا وتقتفي أثرهن لتكون على ثقة من ذهابهن والتثبت بأنها تخلصت لحين ما من ورطة وجودهن …!
•••
ألا فاعلم أن عائشة اليوم بنية صغيرة لا تحضر مجالس «السيدات» ولا تختلط بالزائرات إلا لتقبل أيديهن إن كنَّ من صديقات والدتها وقريبات أسراتها. وإذا شئت أن تراها فعليك بذلك المخدع المنفرد حيث تجدها مع أختيها.