شاعرة بثلاث لغات
عبقريتها اللغوية
قالت التيمورية شعرها بالعربية لغة وطنها المصري. وبالتركية لغة آبائها، وهي لغة لا يزال التخاطب بها في بعض الأسر ذات الأصل التركي. وقالته بالفارسية التي هي لفئة من أدباء العرب والترك لغة «مدرسيه»، شأنها عندهم شأن اليونانية واللاتينية عند الغربيين. والسبب في ذلك علاقة الفرس بهذين الشعبين الشرقيين من حيث السياسة والتاريخ.
ليس بوسعي درس شعرها غير العربي لجهلي اللغتين اللتين كتب بهما. على أني أذكر هنا شبه شهادة سمعتها عرضًا من شقيقها أحمد تيمور باشا. وهي قول المغفور له السلطان حسين لسعادته أنه «يفكر فيه كلما رأى ابنته قدرية تقرأ في ديوان السيدة عائشة.» وهناك شهادة مسجلة في آخر الديوان المذكور «كشوفة»، وهي رسالة من «إيران دولت عليه سي مصر قاهرة قونسولي سعادتلو دوقتور ميرزا محمد مهدي بك أفندي حضرتلي.»
ولكن هل تعني الشهادة والإنكار دومًا كل ما يرصف فيهما؟ نقرأ أحيانًا وصف بعض نتاج الأقلام عندنا فنحسب أننا مقبلون على مثل ما أبرز أوربيدس ودانتي وشكسبير. فنحملق بالعيون والقلوب فإذا بنا نطالع شيئًا حسنًا قد يجوز «تشجيع» صاحبه. أو شيئًا غير حسن يتحتم أن يحرم كاتبه من الفاكهة والحلوى طيلة أسبوع على الأقل.
لنكونن إذن من أنصار اللا شهادة ما بقينا في هذه الفوضى الإطنابية. غير أننا لا يسعنا إلا الإعجاب بقلم يعالج الشعر والآداب في لغات ثلاث.
لا يذهلنا الآن أن يتكلم الشخص الواحد بثلاث لغات أو أربع، وأن يتكلم باعة الدكاكين وغلمان البواخر والمقاهي والفنادق بما يربو عليها، لعلمنا أنهم لا يستعملون إلا الكلمات المألوفة التي تفي بالأغراض السطحية. لا يذهلنا ذلك لتتابع الاحتكاك والاختلاط بين الأمم. بيد أنه ندر حتى بين مشاهير الشعوب من الأفذاذ من عرف أكثر من لغتين معرفة عبقرية.
•••
عبقرية اللغات عبقرية مستقلة. هي حذق عميق رشيق ينفذ في أرواح الشعوب ويأوي إليها، ثم يتحول اتساعًا وعلوًّا فيشملها. كأن الفرد الموهوب يتقمص في كل شعب يدرس لغته فيتوحد وإياه حيًّا بحياته، ناطقًا بلهجته، مدركًا منها الخصائص والمستعصيات. ويفسر الروحانيون هذه الموهبة بما يفسرون به المواهب الأخرى والعبقريات. أعني نظرية الأعمار المتكررة بالتناسخ والتجسد بين شعوب مختلفة.
وقبل الإلماع إلى الشعر العربي والكلام عن شعر عائشة أعلم أن قولي لن يرضي أنصار القديم ولا أنصار الجديد. ولما كنت من ألين الطبائع عريكة كنت مستعدة لتغيير فكري بشرط أن يقنعني السادة المثقفون. وبعد فلنبدأ متوكلين على الله.
ليس أعسر من تعريف الملكة الشعرية وتحديد الشاعر. أصحيح أن الشعر كله رقة وعذوبة وإحساس وموسيقى دون تفكير ومعرفة وبحث وقوة؟ أم هو مزيج من كل ما تفنيه الحياة وتولده من المدركات والمحسوسات، سبك في قوالب متعددة وفقًا لأنظمة بديهية تتملص كالشعر نفسه من حظيرة التفهم والإدراك؟
الشعر أحد أساليب التعبير عن خواطر وعواطف وحاجات ما فتئت الإنسانية تستوحيها وتنفعل بها. قليلة هي تلك المعاني الأساسية. بيد أن شعبها ومناحيها تذهب كل مذهب وتضرب من أعماق البحار إلى أقطاب الأرض، إلى فسيح السموات، إلى رحبات الزمن في الأزل منها والسرمد.
ولقد بدأت الهمهمة الشعرية عند كل قوم بوسيلة من الوسائل. عن طريق العبادة، أو تعظيم الأبطال، أو شكوى الآلام وبث الغرام. ويظهر أن الداعي إليها عند العرب هو سير الأظعان في البوادي وانتقال القوافل في وحدة القفار فاهتدوا إلى الحداء مستحثين الإبل في مستعر الرمضاء. فخفت الإبل سيرًا وانتعش منها النشاط، وارتاح الحادون إلى النشيد يجدون فيه ملهاة عن المشقة وتسلية التعب والضجر. وتطرقوا بعدئذ إلى تنويع الموضوعات فتغنوا بمزايا المحبوب وشبهوه بما يعجبهم من خصائص الحيوان في الفلوات التي يجتازون. ووصفوا وحشة المضارب المتنقلة والآثار العافية، ومرارة الوداع والفراق. وعدَّدوا مفاخر القبيل والنسب ولذائذ العشق والحرب والغزو والتطعين والإخضاع.
وكان من ثروة اللغة في الألفاظ والاستعارات «لكثرة القبائل المتكلمة العربية» مساعد على الْتزام البحر والقافية في تنظيم الحداء. فأوجد هذا في الشعر العربي طلاوة وغنى في الوتيرة الواحدة. وجزالة ونكهة بدوية ودقة لفظية تغرد بها دون غيره. ومنه كذلك جميع العيوب التي يسبح فيها شعرنا إلا القليل كما في بحرٍ طام.
يصمم أكثر شعراء العرب على تقليد هذا الشاعر أو ذاك من القدماء بدلًا من أن يجروا وراء سليقتهم الفردية، فينجم لنا «طبعات» جديدة مشوهة من الشاعر المقلد. ويخاطبوننا بلغة عصور خلت ونحن اليوم في عصر الحيرة والتردد والثورة الكبرى. فمن الإعجاب بالجزالة البدوية جاء حب النسخ والتقليد، وعنه نجم الفقر في الخيال العربي، والتقيد باللفظ دون المعنى، وجمع الفكرة في كل بيت بمفرده، والخلل في اتساق الخواطر، والقصور في تنظيم أجزاء الخطاب. حتى إنك كثيرًا ما ترى وجوب جعل آخر القصيدة أولها ومنتصفها آخرها.
وعن التقليد نتج حصر الشعر في أبواب المدح والهجو والرثاء والحماسة والفخر والنسيب، والحكمة أحيانًا. وعند ترتيب الدواوين على الحروف الأبجدية لأن التواني وشيوع الموضوع يفقدان كل قصيدة عنوانها كما يفقدان كل ديوان فهرسه. وعنه خصوصًا نجم إهمال التاريخ في قصائد الشاعر ومؤلفات الكاتب. كأن نمو الفكر ومماشاة التطور دورًا بعد دور شيء لا يُلتفت إليه. مع أن معرفة التاريخ ليست دون معرفة الحوادث والمؤثرات وألسن البيئة أهمية في تفهم فصل أو كتاب.
•••
-
شعر المجاملة.
-
الشعر العائلي.
-
الشعر الغزلي.
-
الشعر الأخلاقي.
-
الشعر الديني أو الابتهالي.
ففي الأقسام الثلاثة الأولى تلقت التأثر من الناس فأعادته إليهم نشيدًا. وفي القسمين الأخيرين تلقت التأثر من مختلف الجهات فخاطبت نفسها وناجت نبيها الكريم مبتهلة إلى العزة الإلهية.
شعر المجاملة
لقد حلَّت المجاملة عندنا مكان الصدق في أمور جمة لخلو محافلهم الاجتماعية من النقد المنصف الحصيف. فإن نحن استنكفنا هذا التطفل من المجاملة، وتأفَّفنا لإدمان معالجيها والراضين بها، فهذا لا يحول دون التقرير بأنها في حالتها المعتدلة علامة للثقافة النفسية. المرء يعيش في بيئته فعليه أن يقلع عما يزعج بني جلدته لغير ما سبب. لذلك هو يضبط خوالج نفسه، ويحاول الشعور معهم والتلطيف إليهم لا خبثًا ولا كذبًا بل تمرنًا على الغيرية بتهذيب ذاته في فن الإرضاء «والدوزنة» واقتبال التضحية الصغيرة التي تسهل بالمران وتتحول شيئًا فشيئًا إلى سرور وقتي مأنوس استبدل كلمة «نرجو تشريفكم» في دعوة بكلمة «احضر عندنا يوم كذا ساعة كذا» تعلم أن الصراحة ليست هي الخشونة، وتقدر المجاملة المعتدلة وآداب اللياقة. وتعلم لماذا هذه الملح في حالة الدقة والإحكام تلقى في اجتماعات الأنس رونقًا سطحيًّا مستحسنًا.
أما عائشة فلديها الوقت الكافي لتتفنن في تنميق الدعوة على هذا النسق:
وفي الوليمة يقرأ المدعوون هذه المجاملة الأخرى على لوحة كبيرة:
وتطرز اسم رجال الإنشاء:
وتحيي دولتلو حسين باشا، «أليس هو السلطان حسين بعدئذ» لقدومه من السفر فتقول:
أكثر المجاملة في شعرها لامتداح الخديوين «عشر قصائد تقريبًا».
هاك كلامًا حلوًا رنانًا في تهنئة الخديوي بالعودة:
في منتهى اللطف هذان البيتان لا سيما الثاني. وفي الشطر الأخير نفحة شعرية منعشة. وهذا مثله:
•••
أكل هذا محض رغبة في المجاملة والإرضاء؟ بل فيه بعض الصدق، إن للأعياد العمومية والاحتفالات بهجة و«جوًّا» ينفث في الجماهير فكرة ويبث فيهم توقعًا. ويخلق في ذوي الشعور المتيقظ مختلف العواطف. فكيف لا تتأثر المرأة المحجوبة إذ تمر في مركبتها المسدولة الأستار بين معالم الزينة والألوية والأنوار وصفوف الجنود وقرع الطبول؟ كيف لا تهتم بالذات العلية التي تهتز البلاد لحركاتها وهي القريبة إليها بمنصب أبيها، المدينة لها بعض الشيء بمرتبة أسرتها، الملمة ببعض أحوالها بالاختلاط بنسائها؟ فكما تهنئ خديويًّا بالعودة تهنئ الخديوي التالي توفيق باشا بالتولية:
وإذ يمر الخديوي ببنها العسل تنظم هذه الأبيات لتكتب على لوحات الزينة:
وحين مولد ولي عهده:
إلا أن هذه اللهجة تصطبغ بالجد في قصيدة الترحيب بالخديوي بعد الثورة العرابية:
ومن ثم تمضي في إنكار تلك الثورة التي لم يرضَ عنها الخديوي:
هذه مصارحة خطيرة وهي الغمزة السياسية الوحيدة في كتابات التيمورية إذا استثنينا مشايعتها للعرش في قصائد الثناء. مشايعة فيها تتلخص عاطفتها «الوطنية» وبها تحب جو «مصر السعيدة» ونيلها الفياض، وألحان أفراحها. تريد لمصر الخير والصلاح والهناء بواسطة الخديوي الذي ترى فيه أقدر عامل على ذلك، ليس لأنه مصلح أو خيِّر بطبيعته، بل لأنه صاحب الأريكة. فكما أنه فوق رعاياه في المكانة فهو كذلك لهم في الصلاح والعدل المثل الأعلى.
والتيمورية في هذه «المحافظة» السياسية متفقة وطبيعتها؛ لأننا رأينا فيما مضى وسنرى في الباقي من آثارها أنها غير ثائرة.
شعرها العائلي
أليست المجاملة وحب التساهل لتيسر العلاقات بين أعضاء البيت الواحد، وتحل من المشاكل ما قد لا يفلح في حله الصراحة والعناد؟
تكاد تتوحد العاطفة والمجاملة في بعض شعر عائشة العائلي؛ لأن الملاينة تتخذ لهجة أقرب إلى النفس في مثل ترحيبها هذا بولادة شقيقها:
وفي قولها يوم بدأ يقرأ، كأنما هي رأت في المستقبل المرتبة العلمية التي هو بالغها:
وفي وصف هدية بعث بها خطيب شقيقتها إلى عروسه:
وفي قولها في ختان ولدها:
هذا شعور الأم. ولأنها ترمق ولدها بالبشر، وتصفو له روحها، فهي لا تقبل في الثناء عليه بعدئذ معارضة ولا إنكار؛ فتكتب إليه مرة تطلب كتاب «درة المختار»:
وتكتب إليه مرة أخرى مشتاقة صادقة، وفي الشطر الأخير مثال من ذكرها لاسمها، أما السطر الأول فمن ألذ أحاديث الأمومة:
وأصدق صورة من شعرها العائلي في المراثي، ولا سيما مرثاة ابنتها المحبوبة توحيدة وهي القصيدة الوحيدة تقريبًا التي يذكرها الناس من شعرها زاعمين أنها خير ما نظمت التيمورية، وحكمهم في هذا حكمهم في كثير من الشئون؛ يقرون رأيًا ما، ويعززونه، ويتعصبون له قبل الاطلاع على سواه، بروح التساهل، وقبل أن يصرفوا ولو دقائق في البحث والمقارنة.
وأضيف إلى هذه المرثاة مرثاتها للشيخ إبراهيم السقَّا الذي يلوح كأنه عضو من عائلتها المعنوية. فتتوجع لفقده:
اسمها من جديد، يصحبه وصف كارب من التحجب؛ إذ تدعو خدرها «خدر فنائها».
أما في مرثاة والدتها فتطلب للراحلة الرحمة، وتهنئ القبر بنزيلته المخدرة التي لم تسفر لغريب:
وبعد هذا الامتثال تنتفض صائحة بالموت الذي فطر حشاشتها. إلا أن صيحتها تظل استرحامًا. وما أبلغ وصفها الردى «بمنهل التشتيت» على قياس النظرة الدنيوية التي تختبر به الفراق المر، دون الأمل الروحي الذي يرى فيه وسيلة الاجتماع والاتحاد.
وفي رثاء شقيقتها:
وفي هذه المرثاة ترتفع التيمورية لحظة إلى ما فوق الندب والرثاء:
وفيها هذا البيت الذي يسجل بداهة وجوب انحلال الصور الكونية ليتسنى لها أن تتألف وتتشكل مرة أخرى. فيتم بذلك ناموس من أكبر النواميس في الوجود:
•••
تولد المرأة أحيانًا صنوف التوليد المحسوس. فأحوال حياتها جميعًا تتهيأ لهذه الوظيفة وتتجه نحوها اتجاه الأنهار إلى البحر. ولقد شُبهت الأم دوامًا بالطبيعة، تلك الأم العظمى. وكان ما يرمز إلى أمومة الطبيعة ووظيفة التوليد الرائع فيها، أنثى في جميع أديان الأقدمين؛ فإيزيس المصريين «تلك الإلهة التي بدأت التوليد الإلهي، الأم الإلهية التي ولدت جميع الأشياء»، واللواتي قمن مقامها في الميثولوجيات الأخرى، يرمزن إلى المرأة القادرة بأمومتها، الممثلة الطبيعية بوظيفتها، القائمة حلقة مغناطيسية بين الحياة والحياة.
فما هو شعورها يوم ترى مخلوقها جامدًا في حضنها هامدًا؟
لا عجب أن يبدو الكون عندئذ متهدمًا في نظر الثكلى وأن ينقلب الروض قفرًا، وأن يغشى النور ظلام.
ولا عجب أن يكون غمها الأكبر الذي لا يُحتمل أن يظل هذا الكون المتهدم لها عامرًا لسواها، ويظل هذا النور منتشرًا ينير الناس ويفرحهم في حين يدلهم الجو حولها.
أي مأساة هذه التي تتصدع من جرائها الخليقة؟
أغمضت توحيدة عينيها، فكل الحياة عند عائشة سواد وتهدم وتفجع وتناقض أليم.
من أرق قصائد تنسن الإنجليزي وأدلها على شاعريته الحنون قصيدة «ملكة مايو» وهي عادة جرى عليها الإنجليز في بعض المقاطعات أن يختاروا كل عام من بناتهم ملكة للربيع.
و«توحيدة» تقول:
وتقول:
وتوحيدة لا تذكر اسمًا، إنما تشير إلى الزواج الذي كان قريبًا لولا الموت:
وكما تطلب فتاة تنسن الصلاة، وتبارك الكاهن الذي أسر إليها بكلمات الرحمة والسلام فأفهمها عذوبة الغفران، وحبب إليها الموت بعد أن كان مخيفًا، وأكد لها أن المسيح الذي «مات لأجلها سيبلغها السماء» كذلك تطلب توحيدة أن يُزار قبرها وأن تُتلى الصلوات على روحها لتحظى برحمة الرب الغفور:
الأم عند تنسن لا تسمعنا صوتها. أما عائشة فتنتحب وتعود فتبكينا:
إنها تؤمن بالخلود، لذلك يعقب تفجعها الخضوع، وبينا هي تقول بلسان الجسد:
إذ بها يتجه انتباهها إلى ما وراء الموت فتذكر أن الفراق الطويل والانفصال المحسوس لا يجردانها من فخر الأمومة واغتباطها. فتقول بامتثال حزين وقد نما أملها بالاجتماع المنتظر:
وتشكر الله على كل حال:
ابنتها إن فقدت بها «كبدها ولوعة مهجتها» فإنها رغم ذلك، الفتاة الصغيرة التي لا تستطيع أن تكون لوالدتها الحصن الحسي والمساعد الذي يخفف الأثقال ويروج الأعمال. صدر والدها هو لها ذلك الملجأ في الحزن واليأس، ومن قلبه التعزية ومن مقدرته المعونة فيوم تفقده تفقد الشاعرة هذه الشفقة التي تلذ لها من أبيها، وتذلها من الناس ولهذا تقول في رثائها له:
وهذا الأنين يستحضر لذاكرتي أنين ابن أخيها المرحوم محمد تيمور فيما بعد، عند ضريح والدته في ساعة غم متفجع قانط:
والفرق بين التيمورية وابن أخيها في هذا الانتحاب أن الشاعر الفتى همه الشكوى وطلب الشفقة؛ إذ ليس من يسمع له ويواسيه غير الأم في قبرها.
أما عائشة فتعود إلى انتباه لطيف في حسرتها، وهو دليل رقة نسائية حلوة، تعنى برضى والدها ميتًا وحيًّا. وفيه كذلك دليل على الأثر الذي تركه الوالد الصالح الحكيم في حياتها:
•••
أسمعت القصب يشدو؟
ذلك القصب الشرقي الساذج الذي سبق شدو جبروت الفراعنة وجلال الأهرام وكتمان الهياكل — أسمعته يشدو تحت النخيل على ضفاف النيل عند حلول الشفق؟
لكأن شدو عائشة شدوه.
إنها تجرب مزمارها في المجاملة، وتنتحب فيه بالرثاء، لتبلغ منه أشجى قرار وأحر زفير في شكايات الغرام. وتسمو به بعدئذ مرفرفة كالألحان المجنحة، في الابتهال إلى المهيمن على دوران الأكوان وحظوظ بني الإنسان.