الفصل الثالث
١
حملتُ حقيبتي وترجَّلتُ. سِرتُ فوق الرصيف وقد مال جسمي مع الحقيبة. توقَّفتُ ونقلتُها إلى اليد الأخرى. كانت الساعة قد تجاوزَت منتصف الليل. والمباني التي أسير بجوارها مظلمة هي ومثيلتها على الجانب الآخر من المدينة، الذي يفصلني عنه سياجٌ من الأسلاك الشائكة والحائط الشهير.
نقَّلتُ البصر بين أربعة جنود بعرض الشارع، وآخر يخطو حاملًا مدفعه الرشاش على كتفه وهو يتفحَّص المكان الذي أضاءته الكشَّافات العالية. استقرَّت عيناي على كلبٍ مقيَّد بسلسلةٍ معدنية إلى الأسلاك الشائكة وتُتيح له أن يجري بمحاذاة الحائط فيصل لأي نقطة في لمح البصر. لن يستطيع هو الآخر العبور إلى الناحية الأخرى.
دفعتُ باب المبنى وأضأت نور السلَّم. صعدتُ ثم توقَّفتُ أمام باب شقتها وضغطتُ الجرس. فتحَت لي بعد بُرهة. دفعتُ المصراع الخارجي ناحيتي بينما كانت تُدير مفتاح القفل وتجذب المصراع الآخر.
قالت وهي تجذب رداءً خفيفًا حول جسدها: سهرتُ أنظِّف النوافذ وأغسل الملابس حتى فقدتُ الأمل في مجيئكَ وغفَوتُ. ظننتُ أنكَ عُدتَ مباشرةً إلى منزلك.
قلتُ: لقد وعدتُكِ بالمجيء. كما أني اشتقتُ إليك.
تركتُ الحقيبة بجوار الباب. وعبَرتُ الردهة إلى الصالة التي تقع غرفة النوم الصغيرة في نهايتها.
سألَتني: جائع؟ أعددتُ لك سبانخ مفروكة مقلية وبطاطس مسلوقة.
قالت: نام عند الجارتَين.
أحضرَت لي زجاجة بيرة وجلسَت بجواري على الأريكة.
سألت: قابلتَ فتياتٍ جميلات؟
أشعلتُ سيجارة وأجبتُ: لا.
قالت: ضاع اليومُ مني بسبب رجلٍ عجوز وجدتُه جالسًا في منتصف الطريق. كان هاربًا من دار المسنين القريبة. ويُريد أن يمشي لكنه عجز عن ذلك. وكان لا يفتأ يردِّد أنه يريد أن يأكل قطعة لحم ويشرب لترًا من البيرة في مطعم. تجمَّع البعض، وقالت واحدة من السكان إنها تعرفه، وإنه كان في المستشفى وهرب منها. وقال آخر: إن الدار ليس بها كفايتها من العاملين، وإن كل عجوز بها يجب أن يعتني بغرفته ويُعِد طعامه بنفسه.
– يقول: إن الشك يعذِّبه لأن أختها لا تكتب له. وإنه منذ حادثة الطبيب التركي لم يعُد يثق بها ويشُك دائمًا في سلوكها.
سألتُها: ماذا حدث؟
– كانت تريد الإجهاض وحاول الطبيب اغتصابها.
كان الخطاب من أربع صفحاتٍ طويلة. سألَتني: ماذا تظن يجب أن أفعل؟
قلتُ: ابعثي إليه ببرقية.
– ماذا أقول فيها؟
– قولي إنه مخطئ في ظنونه.
طوَت الخطاب، وقالت: إن أصدقاء صديقاتها وأقاربها يلجئون إليها دائمًا. ثم قالت: إن الطفل ازداد وزنه؛ لأن الجيران يَحشُونه بالطعام والحلويات. وإن أحد رؤسائها في الوكالة انتقد شرودها.
انهمكَت في الكتابة إلى صديق أختها ثم نظرَت في الساعة، ولاحظَت أننا يجب أن نستيقظ في الغد مبكِّرين.
دخلتُ المطبخ/الحمَّام وغسلتُ أسناني. حاولتُ أن أتذكَّر مواعيد دورتها الشهرية لأحسب أيام الأمان. ثم أطفأنا نور الصالة وذهبَت إلى الحمام تغتسل بعد أن أحضرَت لي شبشبًا (لم تكن تُحب أن أستعمل شبشبها الأحمر).
مضيتُ إلى المخدع وخلعتُ ملابسي. دخلتُ فراشها الضيق. وانضمَّت إليَّ وتمدَّدَت بجواري. تحسَّست ثديَيها بأصابعي ثم بفمي. كان لحمها ساخنًا ناعمًا. ثم امتدَّت يدي بين فخذَيها. انتظرتُ اللحظة التي تكون فيها مستعدة فتجذبني إليها. وسرعان ما بدأ الفراش يهتز تحتنا. لم يبقَ إصبعي داخلها سوى لحظاتٍ ثم أخرجتُه ومسحتُه في جسمها، وأحطتُ رأسها بساعدي مبعدًا إصبعي عن أنفي. وأدخلتُ نفسي في جسمها ببطء. ظلَلتُ أرهز في رقة أحيانًا، وسرعة وعنف أحيانًا أخرى، وهي تئن تحتي وتتلاشى. وتطلب مني أن أتقدَّم أكثر إلى الداخل وأفعل حتى تلاصق جسدانا تمامًا واصطدم رأسها بالحائط عدة مرات، بينما كنتُ أبذل جهدي للسيطرة على نفسي، فأبطئ ثم أتوقَّف فجأة ثم أُعاود.
قالت بعد برهة: إن الأمر جميلٌ للغاية. ومدَّت يدها أسفل وسادة الفراش، واستخرجَت منديلًا من القماش.
سألَتني: هل استمتعتَ؟
قلتُ: بالطبع.
عُدتُ إلى فراشي واستأنفتُ التدخين، ثم دعستُ السيجارة في المطفأة. ونمتُ.
٢
قلتُ: رائعة.
قال: قابلتَ فتياتٍ جميلات؟
وجم وتلاشت الابتسامة من عينَيه وهبط بهما إلى ورقةٍ أمامه. كان يتجنَّب أي حديث يمسُّ البلاد العربية التي اعترفَت لتوِّها ببلاده.
أجاب في غير حماس: سأُكلِّم الإدارة.
حيَّيتُها قائلًا: لم أركِ من مدة.
قالت: وعندما رأيتَني تجاهلتَني.
كانت تشير إلى اليوم السابق على بداية العطلة. وكانت قد وفدَت على القسم العربي عدة مرات بذرائعَ واهية، لكني تجاهلتُها.
قلتُ: أبدًا. كنتُ مشغولًا بالتفكير في السفر.
قالت وهي تتطلَّع حولها في حذَر لتتبيَّن ما إذا كان أحدٌ يتابعنا: كيف كانت العطلة؟
قلتُ: رائعة.
قالت: كنتَ وحدكَ؟
قلتُ: أجل. لم أتصوَّر أنكِ تقبلين المجيء معي.
قلتُ: لا بأس.
قال: هل كانت هناك برلينيات؟
قلت: لأ.
– ولا واحدة من الوكالة؟
قلتُ: أبدًا. كلهن من الأقاليم، ومن هيئاتٍ أخرى.
قال: خسارة. البرلينيات لا يُعوَّضن.
سألتُه: وأنت ماذا فعلتَ؟
أجاب: سآخذ عطلتي في الشهر القادم.
اقتربنا من الباب وأصبحنا أخيرًا على عتبته. ثم أشار إلينا نادلٌ متعجرف بالدخول والجلوس إلى مكانَين حول مائدةٍ لأربعة أشخاص.
واجهنا سيدةً متقدمة في السن برفقة شابٍّ يبدو من ملامحه ابنًا لها. كان في العشرينيات ويتمتع بوسامةٍ بالغة لفتت انتباه فتاةٍ جميلة حول المائدة المجاورة. لم ترفع عينَيها عنه، وما لبثَت أن غادرت مقعدها إلى التواليت.
بعد انتظارٍ طويل وضع النادل نصف دجاجة مع البطاطس المحمَّرة وكوبًا من البيرة أمام كلٍّ منا. وأقبلنا نلتهم الدجاج الشهي.
سألتُه: نمتَ معها؟
قال: طبعًا. تعشق الجنس. تُحب أن تُجرِّب معها؟
قلتُ: هل هذا ممكن؟
قال: حدِّد الموعد فقط وأنا أُحضرها لك. لا يمكن الذهاب إلى منزلها لأنها متزوجة.
– أنت ترى ما يحدُث للأكراد. التحالُف الحالي مع البعثيين ألا ينقلب علينا في أي وقت فهذا تاريخهم. أظن أني سأقيم هنا إلى الأبد. زوجتي ألمانية وتعمل في التمريض. وهي مهنةٌ جيدة. وهناك أولادي أيضًا. التعليم والصحة متوفِّران لهم. ومستقبلهم مضمون.
سألتُه: كيف؟
قال: الناس هناك ودودون وكل شيء موجود، الكتب والسلع المختلفة؛ لأنهم يستوردون الكثير.
كان في يده إصبع من أقراص النعناع وعرض عليَّ منه؛ بعد تردُّد فقبلتُ.
هزَّ رأسه: أنا أفهم جيدًا كيف يقاسي الأجانب هنا لأنني أيضًا أقاسي …
انتقل الحديث إلى سنوات الشباب والجامعة؛ الحماس والأفكار والمشروعات، الثقة في أنك ستفعل شيئًا أو تكون شيئًا، ثم التخرج والانزواء في ركن، أو ترسًا في عجلةٍ ضخمة. وتدرك أنه يتعيَّن عليك أن تقبل بقوانين «الحياة» وتمضي الأيام سريعة ومع كل عامٍ تتنازل عن أحد أحلامك القديمة أو مُثُلكَ أو رغباتكَ أو أفكارك.
فكَّرتُ أنها رسمَت خطة لكل شيء. نذهب سويًّا لنشتري شيئًا، ثم منزلها والطفل والعشاء، وأخيرًا النوم لنستيقظ مبكِّرين.
قلتُ: لن أستطيع فلديَّ أمرٌ ما.
غضبَت وتركتُها محرجة أمام صديقها. وكنتُ هادئًا، ولم أشعر بأي رغبة في أن أكون رقيقًا.
٣
شيءٌ ما في لهجتي جعلها تتطلَّع إليَّ في تساؤل.
كانت حرارة الجو خانقة بلا نسمة هواء.
– تركتُها عندما أرادتِ الزواج.
– ولماذا لم تتزوَّجها؟
– لم أكن جاهزًا وقتها للفكرة.
حوَّلَت نظراتها إلى الأرض: والآن؟
– ما زلت. هناك أشياءُ أريد عملها، وأماكنُ أريد أن أزورها.
وجمَت وفكَّرتْ لحظةً ثم قالت: يمكنك أن تفعل كل هذا مع زوجتك.
ظهرَت فتاة بعويناتٍ طبية فوق دراجة على مدخل الحديقة. ترجَّلت وركنَت دراجتها جانبًا وتقدَّمَت منا.
كانت قمحية البشرة طويلةً يتدلى شعرها على وجهها طليقًا لتُزيحه بالطبع كل برهة، فتكشف عن شفتَين ممتلئتَين ووجهٍ مستطيل وعينَين عسليَّتَين مكحَّلتَين. وترتدي بنطلونًا كحلي اللون وبلوزةً بيضاء لها رقبةٌ مطوية وكُمَّان مطويان إلى المرفقَين. وأحاط برقبتها وشاحٌ أحمر معقودٌ من الأمام.
أبديتُ تعجُّبي من أن تكون هناك مدرسة للدين في بلدٍ اشتراكي.
تطلَّعتُ إلى قدمَيها البارزتَين من حذاء صندلٍ عقدَته برباطٍ دار حول مقدمةٍ ساقها في دوراتٍ حلزونية. وكانت أظافرها مصبوغة بلونٍ أحمرَ قانٍ.
قلتُ: الشيوعيون أيضًا. كانوا أكثر سعادةً منذ عشرين سنةً أو أكثر عندما كانت الشيوعية كالدين.
قالت: الشعور الديني قوي. بعض الرفاق كانوا يحضُرون قدَّاسًا في كنيسة فانفعلوا وألفَوا أنفسَهم يرسمون الصليب.
حدَّثتُهما عن صلاة عيد الأضحى والنشوة التي أشعر بها عندما أسمع ترنيم آلاف المصلين في الفجر: الله أكبر كبيرًا …
قال: ما زال في المرسى.
قلتُ لها: للوهلة الأولى لم أظنك ألمانية.
لم أعرف بماذا أجيب.
قلت: المباني ليست مهمة.
قلتُ: الأخلاق نسبيةٌ حسب الزمان والمكان.
٤
«العزيز صادق
أشعلتُ سيجارة. وقرأت الخطاب مرةً ثالثة.
– في المطار؟
– الآن؟
أخفيتُ حماسي للخروج بجهدٍ خارق.
قال بلهجة استنكار لفكرة الانتقاص من وقت العمل: في نهاية اليوم.
قلتُ: لا بأس.
تلَفتُّ حولي: أين هما؟
– أعمل هنا. في وكالة الأنباء.
قالت: تعالَ نجلس قليلًا.
قلتُ: أنا الآن في مهمة عمل.
قالت: متي تنتهي؟
– لا أعرف. بعد ربع ساعة وربما أكثر.
قالت: أوكي. كلِّمني عندما تكون جاهزًا. لا بد أن أراك الليلة لأني سأُسافر غدًا.
كان أربعينيًّا طويل القامة عريضها، ذا وجهٍ يميل إلى السمرة بابتسامةٍ متكلَّفة وعينَين صفراوَين. وكانت له ذراعان قصيرتان لا تتناسبان مع حجم جسمه.
كانت إحداهما تُواجهنا مباشرة، شقراء ذات عينَين شديدتَي الزرقة، ومَلاحةٍ ظاهرة شابَتْها مسحةٌ من الحزن. وكانت الأخرى ذات ملامحَ عادية وجسمٍ ذكوري.
أجبتُ على الفور: فاتنة.
ابتسَم راضيًا وحاول القيام ليذهبَ إليها لكنه لم يستطع. أشار إليها لتنضَم إلينا، فتجاهلَته ومالت على رفيقتها وهمسَت لها بشيءٍ ما.
طلب لهما كأسَين من البراندي فاحتستاهما، ثم عرض عليهما الصعود إلى غرفته حيث يُوجد لدَيه براندي فرنسي أطيب مذاقًا. تهرَّبتا من الإجابة لكنهما ظلَّتا جالستَين كأنما تنتظران أحدًا أو شيئًا. ولحظتُ أن يد الشقراء ترتعش وهي ممسكةٌ بكأسها.
ران علينا الصمت. وشعرتُ به على وشك النعاس فقلتُ: يحسُن بكَ أن تصعَد لتنام.
حانت مني نظرةٌ إلى البهو ولمحتُ الفتاتَين تتجهان إلى باب الفندق، ولحظتُ أن الشقراء تجرُّ ساقًا يسرى معطوبة.
جاءني صوتها على الفور: اصعد.
أخذتُ المصعد إلى غرفتها. فتحَت لي الباب. جذَبَتْني إلى الداخل في أُلفةٍ وقادتني إلى الفوتي الوحيد بينما اقتعدَت حافة الفِراش الذي تناثَرَت أغطيتُه في فوضى. أخذَت تحكي انطباعاتها منذ وصولها قبل ثلاثة أيام. وأُنصِت إليها متأملًا.
كانت قد خلعَت سترتها كاشفةً عن صدريةٍ بيضاء بكُمَّين قصيرَين، يكمُن خلفها صدرٌ عامر. واستقرَّت عيناي على شفتَين رفيعتَين جافَّتَين.
فكَّرتُ في إجراء حوارٍ للوكالة معها. وفكَّرتُ في أشياءَ أخرى. ولحظتُ أنها لم تُعنَ بتنظيف أسفل أظافر يدَيها.
تطلَّعتُ إلى ساعتي وقلتُ: لا بد أن أنصرف الآن. أمامي مسافة حتى منزلي.
نهضَت واقفة واقتربَت حتى وقفَت أمامي مباشرة وقالت مُستنكِرة: هو احنا مش عاجبين ولَّا إيه؟
وقفتُ وعيناي ملتصقتان بأظافر يدَيها وابتعدتُ خطوة قائلًا: أشعر بالتعب، ثم لا بد أن أنام مبكرًا. تعرفين هؤلاء الألمان. سأُكلِّمكِ غدًا.
رافقَتني حتى باب الغرفة وفتحَته قائلة: لن تجدني. سأكونُ مشغولةً بالاستعداد للسفر.
خطوتُ إلى الممر الخارجي قائلًا: مع السلامة إذن. سنلتقي مرةً أخرى بالتأكيد.
٥
قالت إحداهما: عندما ذهبتُ إلى المدرسة لم يكن هناك شيءٌ من هذا كله. فقط لوح إردواز ومقلمة.
تجمَّعنا حوله في الصالة وهما تُلبِسانه البنطلون. اكتشفَتا أنه أطولُ مما يجب، فانحنتا عليه وركعتا على الأرض، واحدة إلى يمينه والأخرى إلى يساره تطويان طرفَيه وتشبكانه بالإبر تمهيدًا لحياكة التعديل.
أحضرتُ الكاميرا والتقطَت لهم عدة صور.
تبعتُها إلى المطبخ وقلت: إنهما تعشقانه.
ردَّت بالإنجليزية: تريدان الاستحواذ عليه تمامًا. تشاجرتُ معهما بالأمس لأنهما تحشُوانه بالطعام طول الوقت.
لاحظتُ أن كمية الدقيق التي تستخدمها أكثر من المعتاد. علَّقتُ على ذلك، فقالت وهي تبتسم في رضًا: سأصنع ثلاث كعكاتٍ؛ واحدة ندعو إليها العجوزتَين غدًا مع القهوة، والأخريَين نأخذهما إلى الكوخ للأصدقاء الذين جلبوا هدايا للطفل.
قالت متفكِّرة: كانت هناك فترةٌ فكَّرتُ فيها في الانتحار. لم أكن أشعر برغبة في القيام من الفِراش. وتغيَّر كل شيء عندما حملتُ وولدتُ.
أضافت وهي تتحاشى النظر إليَّ: لا مانع لديَّ من طفلٍ جديد.
لم أعلِّق فحوَّلَت عينَيها إليَّ وسألَتني: ألم تفكِّر في إنجاب أطفال؟
أجبتُ باقتضاب: لا.
خرجتُ إلى الصالة. تمدَّدتُ على الأريكة شاعرًا بالرغبة في النوم. ونادت عليَّ من المطبخ لأرى الكعكة التي اكتمل إعدادها.
قلتُ إني سأنام.
جلبَت الكعكة لتُريها لي. كان سطحها موزَّعًا بين اللونَين الأبيض والبني.
قلتُ: تُشبِه البقرة.
استدَرتُ معطيًا ظهري لها، فقالت إنها ستغسل بعض الثياب. وسمعتُ المنبِّه يدقُّ عدة مراتٍ ثم سمعتُها تُدير الغسالة ورحتُ في النوم.
أقبل على الطعام بلهفةٍ وأخذ يزدرد اللقيمات وهو يلهث ويُمصمِص بشفتَيه. وأكلَت هي ببطء وحرص، ومع ذلك أسقطَت نتفة بيضٍ على ساقها. وفكَّرتُ أنها مثلي تمامًا، وأننا نشترك في أننا بليدان نرتبك بسهولة أمام أبسط الأمور.
أزلتُ البقايا والصحون وحملتُها إلى المطبخ. ودار صراعٌ بينهما حول غسيل اليدَين والفم انتهى بأن أجبرَتْه على ذلك. ثم عادت إلى الفراش واحتل هو الأريكة مع برج التليفزيون.
غسلتُ الصحون ثم حلقتُ ذقني وذهبتُ إليها. وجدتُها قد تغطَّت باللحاف رافعةً ركبتَيها. ولحظتُ اختفاء يدها اليمنى أسفل اللحاف. أغلقتُ باب الغرفة بالمفتاح، وجلستُ على حافة الفراش.
قالت: أمسِ في المكتب سقطَت أشعة الشمس على فخذي فشَعرتُ بإثارةٍ شديدة وفكَّرتُ فيك.
انحنيتُ فوقها وقبَّلتُها. شَعرتُ بشفتَيها رطبتَين فتحسَّستُهما بشفَتي التحتية. أخرجَت يدها من تحت اللحاف وتحسَّسَت خدي. جاءتني رائحةُ فرجها فأبعدتُ وجهي. خلعتُ ملابسي وتمدَّدتُ فوقها.
همسَت: أطِل قليلًا.
لم أتمكَّن أو أُحاول، بل فكَّرتُ في فتاة بالوكالة تتمتَّع بفخذَين رائعتَين. وعندما أوشكتُ على القذف انسحبتُ منها وأنزلتُ فوق بطنها.
قالت منزعجة: لماذا؟ إنها فترة أمان.
قلتُ وما زلتُ راقدًا فوقها: أليست الحبوب أفضل؟
قالت في حدة: سبق أن ناقشنا هذا. جسمي لا يتقبَّلُها.
أضافت بصوتٍ أقلَّ حدة: كثير من الألمانيات يُعانين نفس المشكلة مع الحبوب. هل تعرف محرِّرة القسم الروسي؟
أومأتُ برأسي. عنَت سيدةً أربعينيةً فارعة الطول ذات وجهٍ حزين.
– عندها ستة أطفال لهذا السبب. فشلَت علاقاتها، وكلما تعرَّفَت بواحدٍ أنجبَت منه على الفور.
تحرَّكتُ محاولًا النهوض، فاستبقَتْني قائلة: هذا الصباح حلمتُ أنكَ سترحل بعد أسبوعَين أو شهر، وكنتُ أفكِّر فيما إذا كانوا سيُعطونني إجازةً لهذا السبب.
لم أعلِّق فوجمَت، ثم حانت منها نظرة إلى النافذة، فهتفَت: انظر. شمس. لنذهب إلى الكوخ.
قلتُ: وموعدنا مع العجوزتَين؟
قالت: ستأتيان في الرابعة. سنعود قبل ذلك.
نهضتُ واقفًا وسوَّيتُ ملابسي قائلًا: أنا أُفضِّل البقاء هنا.
قلتُ دون أن أرفع عيني عن الكتاب: اخرجا أنتما الاثنان.
دخلَت المطبخ ثم عادت وخاطبَتْني: دعنا نلعب معه لنُعوِّضه عن سجن اليوم.
اقتعَدنا الأريكة والطفل أمامنا. أخذا يلعبان الدومينو بينما واصلتُ القراءة.
قالت في تحدٍّ: وماذا لو سمعتَها مرةً أخرى؟
– ثم حديث عن الجو. ثم تقولين: أَرِنا صور أختكَ وأولادها.
– عمَّ تريدنا أن نتحدَّث؟
لم أَرُدَّ فأزاحت قطع الدومينو جانبًا ونهضَت واقفة: لم تعُد تكلِّمني عندما نكون وحدنا.
مضت إلى المطبخ وعادت بطاولة الكي. بسطَتْها وسط الصالة وتناولَت ملابس الطفل. قالت: هناك شيءٌ غريب في علاقة الرجل بالمرأة. الرجال دائمًا يبدءون بالإعلان أنهم لا يريدون الزواج ويُفضِّلون الحرية. وتَقبَل الفتياتِ ذلك ثم بصورةٍ ما ينجحن في الزواج بهم.
هزَزتُ رأسي معترضًا: يكون الرجلُ قد قرَّر الاستقرار عندما يكون هدفُه في الحياة هو منزل وأطفال وسيارة والذهاب إلى الأوبرا بالملابس الكاملة.
وأضفتُ بعد قليل: ليس هذا هو هدفي.
– ما هو إذن؟
– لم أُحدِّد بعدُ.
قالت وهي تُمرِّر المكواة فوق بنطلون الطفل: حبيب إحدى صديقاتي البدينات يطلُب منها أن تكُفَّ عن الريجيم وكذلك حبيب أختي.
وضعَت المكواة جانبًا وهي تتطلَّع إليَّ متسائلة. هل تسألُني عن رأيي في سمنتها؟
قالت عندما لم أعلِّق: تقول العجوزتان إن الرجال بعد سنٍّ معينة يُفضِّلون الفتيات الصغيرات.
نشرَت على المائدة طاقمًا خاصًا للقهوة والكعك من الخزف الأبيض. وفي الرابعة تمامًا وفدَت العجوزتان. أحطنا بالمائدة وهما تردِّدان: يا … يا.
سألَتني إحدى العجوزتَين وهي تلتهم القطعة الرابعة من الكعك عما إذا كانت ستقع حربٌ في الشرق الأوسط.
قلتُ: لا أعرف.
هزَّتِ العجوزتان رأسيَهما مؤمنَّتَين. فكَّرت: إدراكٌ للحقائق أم بقايا الكراهية النازية؟
قلتُ بلهجة الحكيم: الإرهاب النازي واضطهاد الشعوب الأخرى لليهود هو الذي صنع مأساتَهم وأدَّى إلى تطرُّفهم واضطهادهم للعرب. الوحشية والتعصُّب طاقة تنتقل من شعب إلى آخر على مدى التاريخ.
أجبتُ: أقبل ذلك، ولكن ليس على حساب شعبٍ آخر.
٦
رحَّبتُ بهما وقُدتُهما إلى الصالون. جلسا متجاورَين على الأريكة وجلستُ أمامهما على أحد المقاعد.
قدَّمَنا إلى بعضٍ ثم سألَني عن رفاق الشقَّة. قلتُ: لم يأتوا بعدُ.
تطلَّعَت حولها بمزيجٍ من الانبهار والحسد. سألَتني: كم غرفة في هذا القصر؟
نهضتُ واقفًا وأنا أمُدُّ يدي إليها: تعالَي أُريكِ.
صحبتُها في جولة حول الشقَّة. وأبدت امتعاضها من الفوضى والفُرُش غير المرتَّبة. وازداد امتعاضُها عندما وصلنا المطبخ ولمحَت نافذته التي لم ننظِّفها مرةً واحدة.
تأمَّلَت أرضية المطبخ التي يغطِّيها كاوتشوك رمادي اللون. وكانت بقع الزيت واضحةً أسفل موقد البوتاجاز.
رفعَت أصابعها إلى شفتَيها قائلة: في بيتي يمكنكَ أن تأكل مباشرةً من فوق أرضية المطبخ.
سألتُها ماذا تُحبين أن تشربي، فاختارت الشاي.
اختارَ الشاي. عاونَتني في إعداده وحملناه إلى غرفة المعيشة.
لمحَت البيك أب فقالت: أي موسيقى عندك؟
قلبَت شفتَها: لا أغاني ألمانية؟
– للأسف لأ.
قال: محرَّم قطعيًّا. كل امرأة لا بد أن تكون ملتحقة بدراسة أو عمل. وتتعرَّض للملاحقة القضائية في غير ذلك. لكن القانون يتضمَّن صيغةً للمرأة التي تُباشِر علاقاتٍ جنسية أكثر من المألوف. لا بد أن تُسجِّل نفسها لدى الشرطة وتعرض نفسها على الطبيب بشكلٍ دوري.
أشرتُ بيدي إلى الحمام: هل تُعطيها شيئًا؟
لم أفهم. قال: سأنام معها بعدك. لا أظُنكَ ستتأخر.
تقدَّمتُها إلى غرفتي. دخلنا وأغلقتُ الباب. ثم أسدلتُ ستارة النافذة. وأضأتُ مصباح القراءة الضعيف.
وقفتُ مرتبكًا. وأعطتني ظهرها وبدأت تخلع ملابسها. بلوفر صوفي خفيف وتحته مباشرة قميصٌ بحمالات من النايلون الأبيض، ثم سوتيان أبيض أيضًا، نزعَته مُعرِّيةً ثديَين صغيرَين متباعدَين على شكل الكمثرى. كانت تفعل ذلك ببساطة دون خجل. جلسَت على حافة الفِراش لتخلع الكولون، ثم جاء دور الكيلوت فجذبَتْه إلى أسفل كاشفةً عن شعر عانة ذهبي اللون.
استلقت على الفِراش فخلعتُ ملابسي ورقدتُ فوقها. أغمضَت عينَيها واسترخت. قبَّلتُ شفتَيها الرفيعتَين لكنها ظلَّت مغمضةَ العينَين، وظلَّت شفتاها على جفافهما.
لم أجد صعوبة في ولوجها، لكن الأمور تعقَّدت بعد ذلك.
كانت رفيعةً مثلي. والنتيجة أن عظامنا كانت تصطدم ببعضها بصورةٍ غير مريحة. جرَّبتُ عدة أوضاعٍ دون جدوى. وأخيرًا مللتُ فتحركتُ بسرعة من أجل الانتهاء. ولأول مرة في حياتي استعصى عليَّ الأمر.
بدا الأمر كأن قضيبي تجمَّد على حالته المنتصبة رافضًا تغييرها. أما هي فبدت غارقة في عالم آخر كأنها غير موجودة أو تحلُم.
انفصلتُ عنها أخيرًا وأنا ما زلتُ منتصبًا. ووقفتُ حائرًا، ثم قلتُ: يكفي هذا.
عُدتُ إلى غرفتي فوجدتُها قد ارتدَت ملابسها.
لم تعلِّق.
سألتُها: تُحبين أن تشربي شيئًا؟
قالت: لا. يجب أن أنصرف.
قالت: لا بأس. ومدَّت فمها إليَّ.
قبَّلتُها فابتسمَت، وقالت: خذ تليفوني، واتصل بي عندما تريد أن نلتقي.
سجَّلتُ الرقم على ورقة، ثم صحبتُها إلى الباب.
قلتُ: أكيد.
أغلقتُ الباب خلفها، وأسرعتُ إلى الحمَّام.
٧
ناولَتني الممرضة كأسًا فارغة، وأشارت إلى حجرةٍ جانبية وهي تداري ابتسامةً خفيفة: أعطنا عيِّنة.
حملتُ الكأس وولجتُ الحجرة وأغلقتُ بابها خلفي. كانت ضيِّقة، زحمَتْها أكياس الضمادات والقطن والملاءات، وثلاجة ودواليب زجاجية بها قوارير وكئوسٌ فارغة مختلفة الأحجام.
جلستُ فوق مقعدٍ معدني وتأمَّلتُ الكأس الفارغة في يدي، ثم قمتُ وفكَكتُ بنطلوني وأنزلتُه.
كانت الغرفة باردة، بلا تدفئة. وتبدَّت لي صعوبة المهمة التي أنا مُقدِم عليها.
كانت في فستانٍ أخضر بلا خصرٍ من قماشٍ خشن، وعندما نزعَته وجدتُها عاريةً تحته. تحسَّستُ جسمها بأطراف أصابعي. قالت: مع من فعلتَ ذلك؟ فكَّرتُ أني لم أفعل ذلك من قبلُ مطلقًا. نزعتُ ملابسي والتصقتُ بها فتأوَّهَت. ضغطتُها إليَّ وحرَّكتُ جسمي حركةً مروحية. قبَّلتُها وشممتُ رائحتها. فهمسَت بكلماتٍ غير مفهومة. ولجتُها وتحرَّكتُ حتى أوشكتُ أن أتلاشى فتوقَّفتُ. انفصلتُ عنها وقمتُ وأشعلتُ النور وقلتُ إني أُريد أن أراها. فوضعَت يدَها على مُنفرجها. جلستُ بين ساقَيها وراقبتُ نفسي وأنا أتحرَّك داخلها بينما يداي تتحسَّسان ثديَيها. قلتُ: أحبُّكِ. قالت: هي فقط هذه اللحظة وأنت داخلي. شعرتُ أني سأنتهي وبدأتُ في القذف وهي لم تأتِ بعدُ. واصلتُ الحركة ثم شرعَت تأتي. قالت: تأخَّرتُ عليك. وأغرقَت وجهي بقبلاتٍ سريعة متلاحقة.
نجحَت هذه الذكرى في تحقيق المراد. وحملتُ الكأس بمحتوياتها الثمينة إلى الممرِّضة.
قالت: يمكنك أن تنتظر هنا أو تأتي بعد ساعة.
استقبلنَي في غرفةٍ واسعة عالية السقف، من آثار ما قبل الحرب. وحفلَت الجدران بالخرائط الملوَّنة للجسم البشري والجهاز التناسلي للرجل والمرأة. وأمام دولابٍ زجاجي يضم عيِّناتٍ من الأدوية جلس الطبيب الذي بدا أيضًا من مخلَّفات الحرب؛ نحيلًا، أبيض الشعر، في حوالي السبعين، ذا وجهٍ جامد التعابير.
أجبتُ: أبدًا. لا أحبه.
تطلَّع إلى ورقةٍ أمامه ثم قال: ليس عندك شيء.
– لكني أتألم إذا ما حدَث انتصاب، ثم هناك دائمًا آثار دماءٍ في المني.
هزَّ رأسه: التحليل سلبي تمامًا. ربما تكونُ بعض الشعيرات الدموية قد تمزَّقت.
واصلتُ: كما أني شكوتُ قبل ذلك من انتصابٍ دائم.
ظهرَت في عينيه نظرةٌ حِرتُ في تفسيرها. شماتة أم حسد؟
قلتُ في نفسي: لا وحياة أهلك.
سطَّر شيئًا على ورقة وهو يقول: كتبتُ لك مضادًّا حيويًّا من باب الاحتراس. إذا استمرَّت الأعراض تعالَ.