مطاردة مستحيلة!
أسوأ مطاردة هي التي تستعين فيها بآلة ضخمة لمطاردة جسم صغير، وهذا ما جعل «أحمد» يغادر السيارة الثلاجة التي يقودها، ويتركها في أحد الشوارع ويقفز فوق دراجة بخارية كانت تقف على جانب الطريق، وينطلق بها مطاردًا رجل العصابة الذي اختفى تمامًا بدراجته البخارية. ولحسن حظه، كانت الدراجة حديثة وذات إمكانيات خارقة، فساعده ذلك على مسح كل الشوارع المحيطة به في زمن قصير.
حتى لمح مؤخِّرة دراجة رجل العصابة، وهي تغادر أحد الشوارع الرئيسية في اتجاه «كوبري أكتوبر».
فدار بالدراجة حول نفسه، ثم انطلق كالقذيفة في شارع موازٍ.
حتى وصل إلى مطلع «كوبري أكتوبر»، مع وصول رجل العصابة، فقطع عليه الطريق.
وفي الوقت الذي حاول فيه رجل العصابة الالتفاف حوله بالدراجة كان هو قد قفز من فوق دراجته. وقبل أن يستقر على الأرض، كان قد أطاح بالرجل الذي تطوح في الهواء، ثم سقط على الأرض، وعندما حاول الوقوف مرَّة أخرى انطلقت قدما أحمد كالصاروخ إلى كتفه، فصدمته بالأرض.
فلم يكرِّر المحاولة مرة أخرى.
وفي هذه اللحظة، مرقت سيارة طائشة بجوارهما، وقبل أن تعلو فوق مطلع الكوبري.
كانت دفعة رشاش قد خرجت منها، واستقرَّ معظمها في جسد الرجل، ولم تُصِب «أحمد» رصاصة واحدة، لأنه انبطح في سرعة ومهارة خلف الدراجة.
وما إن اطمأنَّ إلى ابتعاد السيارة حتى قام بالاتصال برجال البوليس، وطلب منهم القيام باللازم تجاه الرجل المصاب، والتحفُّظ عليه، وحراسته في المستشفى حراسة شديدة، لأنه رجل مطلوب من العصابة ومن المنظمة.
ثم انطلق بدراجته البخارية في أثر السيارة، وترك الدراجة الأخرى لرجال البوليس ليعيدوها من حيث أخذها.
وانطلق في أثر السيارة الطائشة التي بدَت عن بُعد مميزة في سرعتها الخارقة، وفي مظهرها الصاروخي، وفي حركتها المتعرِّجة، والتي يحاول بها قائدها تفادي السيارات المزدحمة فوق الكوبري، ممَّا أثار دهشته.
فرغم رغبته المحمومة في القبض عليهم، إلا أنه لم يمكنه إخفاء إعجابه بالسيارة وبقائدها، ووجد نفسه مدفوعًا لمنافسته مهارة بمهارة.
فطلب من الدراجة مزيدًا من السرعة، فلم تبخل، بل فاقت في سرعتها السيارة الطائشة.
وبمهارة المحترف تفادى كلَّ السيارات التي في طريقه.
غير أن الطريق توقَّفَ فجأة، ولم يعُد فيه مكان حتى لدراجة أطفال، فاضطر لصعود الرصيف، ومخالفة كل قواعد المرور للوصول إلى السيارة الطائشة.
وتحرَّك الطريق مرَّة أخرى، وانطلقت السيارات فوق الكوبري، وأصبح في سباق مع الزمن، فهل سيلحق بالسيارة أم لا؟
ودائمًا في الأوقات الحرجة تقع أحداث غير متوقَّعة، فقد أضاء ضوء أحمر في عداد الوقود، وهذا يعني أنه قارب على النفاد.
وفجأة، توتَّرَت أعصابه، وشعر أن صيده على وشك أن يفلت منه، ومن خلفه سمع سارينة سيارة شرطة، ونظر في المرآة فوجدها دراجة بخارية، يقودها أحد ضباط المرور.
فأشار له فاقترب منه حتى تجاوزا، فشرح له الأمر كله، ولم يتبقَّ غير الإثبات الرسمي، فأخرج له بطاقته الأمنية.
فنزل الضابط عن دراجته وقفز فوقها هو، وانطلق في أثر السيارة الطائشة.
كان الطريق على الكوبري مزدحمًا، فلم تستطع السيارة الابتعاد كثيرًا.
ودقَّ قلبه عندما اقترب منها حتى كاد أن يرى ما بداخلها.
فأخرج مسدسه استعدادًا للقبض عليهم.
واتصل في نفس الوقت ﺑ «عثمان»، طالبًا منه اللحاق به عند منزل «كوبري أكتوبر» الموصل إلى شارع «رمسيس».
فاتصل «عثمان» بمركز معلومات المقر، وطلب منهم إخباره بأقصر الطرق إلى ميدان رمسيس، وأقلها ازدحامًا، وبثها على كمبيوتر سيارته، ثم قفز داخل السيارة، وأدار محركها وانطلق مغادرًا جراج المقر، فحديقته.
ومن الباب الذي انفتح تلقائيًّا، غادرَ المقر إلى ميدان الرماية.
ثم انعطف في اتجاه طريق «الإسكندرية الصحراوي»، وقبل أن يبلغه انحرف إلى اليمين قليلًا حيث الطريق الدائري. فقد عرف من كمبيوتر السيارة أن هذا الطريق سيوصله إلى ميدان «رمسيس» في أقل من ربع الساعة.
وما إن أصبح على الطريق حتى قفز إلى ذهنه سؤال لم يسأله لنفسه منذ أن اتصل به «أحمد»، وهو: ماذا يحدث الآن في ميدان رمسيس حتى يطلب منه «أحمد» التوجُّه إلى هناك؟
وفتح هذا السؤال بابًا لأسئلة أخرى:
فماذا يفعل أحمد هناك؟
وهل هناك مهمة محددة لهما هناك؟
وما نوع هذه المهمة؟
وفكر أن يتصل به ليسأله كل تلك الأسئلة، غير أنه تراجع، فقد يكون موقفه غير مناسب لتلقِّي اتصالات من أي نوع.
وفي نفس الوقت، وعلى «كوبري أكتوبر»، كان أحمد يقترب في حذرٍ من السيارة الطائشة، محاولًا الحفاظ على مسافة مناسبة بينه وبينها، بحيث لا تغيب عن عينيه فتفلت منه، وفي نفس الوقت لا يراه مَن بها، فيشتبكون معه قبل حضور «عثمان».
وأثار حرج الموقف أعصابه، فقام بالاتصال به، فأجابه قائلًا: كنت سأتصل بك!
أحمد: أين أنت الآن؟
عثمان: أنا الآن فوق كوبري مايو.
أحمد: وأنا عند المنحنى الذي يعلو ميدان «عبد المنعم رياض».
عثمان: هل الموقف خطير؟
أحمد: إلى حدٍّ ما!
عثمان: هل هناك ما يهدِّد حياتك؟
أحمد: لا.
عثمان: إذَن فهي عملية جديدة؟
أحمد: نعم.