الانفجار الرهيب!
انطلقت السيارة بسرعة تخطَّت سرعتها العادية، وقطعت الطريق من ميدان «الرماية» حتى «كوبري أكتوبر» دون عوائق.
وكانت المفاجأة ﻟ «أحمد» أنْ رأى أمامه «عثمان»، ولم يمضِ على اتصاله به عشر دقائق، فحكى له الموضوع في سرعة، ثم أكملا سويًّا مطاردة السيارة الطائشة حتى كادا أن يصلا إليها.
غير أنها اصطدمت بسور الكوبري فجأة، ثم قفزت إلى الشارع وسط دهشة المارة، وحيرة «أحمد» و«عثمان» اللذان غادرا سيارتيهما، ووقفا يتابعان الموقف في ترقب، وانتظرا سماع انفجار السيارة من تأثير اصطدامها بالأرض.
غير أنها ما لامست عجلاتها الطريق العام حتى انطلقت في اتجاه المتحف المصري، وكأنها لم تسقط من ارتفاع ثلاثة طوابق، وهو ارتفاع الكوبري.
وكأن لها أجنحة حملتها إلى أن استقرت على أرض الطريق بسلام.
ولم يكُن أمامهما قرار يتخذانه غير تسلُّق أعمدة الإنارة والهبوط من فوق الكوبري حتى لامست قدماهما الأرض، فلم يجدا لها أثرًا.
فأوقفا أول تاكسي قابلهما، وأزاحا سائقه إلى الكرسي الخلفي، وانطلقا به في الاتجاه الذي سلكته السيارة الطائشة.
وقبل أن يصلوا إلى المتحف دوَّى صوت انفجار مروِّع، وتناثرت شظايا حديدية في الهواء.
ومن قلب دهشته قال «عثمان»: إنها السيارة الطائشة!
أحمد: وما سبب انفجارها؟
عثمان: قد يكونوا هم!
أحمد: تقصد أنها عملية انتحارية؟
عثمان: ولكن لم أرَ لهم أثرًا وسط حطام السيارة المتناثر!
أحمد: وأنا أيضًا!
عثمان: إذَن فقد فروا.
أحمد: وانفجرت السيارة بعد أن غادروها بفعل قنبلة زمنية.
عثمان: ألم ترَ منهم أحدًا؟
أحمد: لا، وكنت أود القبض عليهم داخل السيارة.
عثمان: أي إنك لا تعرفهم؟
أحمد: نعم.
عثمان: إذَن فليس أمامنا إلا العودة، فقد فشلت العملية.
أحمد: لم تفشل، فبين يدي حتى الآن رجلهم الذي في المستشفى.
عثمان: ولكنك تقول إن حالته خطيرة!
أحمد: ادْعُ معي أن نجده قد تحسَّن.
عثمان: وماذا ننتظر؟ اتصل بالمستشفى لتطمئن عليه!
أحمد: سأتصل أولًا بقسم «العجوزة» لأعرف أين هو.
عثمان: أكنتم في دائرة «قسم العجوزة»؟
وبالفعل، قام بالاتصال ﺑ «مستشفى العجوزة»، وعرف أن الرجل المصاب في غرفة العمليات، فحالته حرجة للغاية، فقد أصابت الرصاصات معظم أجزاء جسده، وأن غرفة العمليات تحت الحراسة المشددة …
وبالاتفاق مع «عثمان»، قام بالاتصال ﺑ «إلهام»، وطلب منها إبلاغ بقية الزملاء أن يستعدوا لعقد اجتماع عاجل، فقامت بتسجيل الأمر على الكمبيوتر.
وعلى شاشته ظهرت رسالة وبجوارها قائمة بأرقام تليفونات الشياطين المحمولة، فقامت بالمرور بالماوس على جميع الأرقام.
وعندما أخبرها الكمبيوتر أنه نفَّذ جميع المكالمات، كانت الاتصالات تنهال على المقر من الشياطين يتأكدون من ميعاد الاجتماع، ويسألون عن سببه، ومَن الذي أمر به.
وفي خلال ساعة، كان جراج المقر السري بالهرم قد استقبل سياراتهم جميعًا، وكانت قاعة الاجتماعات مضاءة الأنوار، وجميع مقاعدها الأمامية مشغولة بالشياطين.
ولم يتبقَّ غير «أحمد» و«عثمان».
وبعد مكالمة قصيرة في تليفونها المحمول، أمرت «إلهام» بإغلاق أنوار القاعة، وإضاءة شاشتها العملاقة.
وساد الصمت القاعة، وساد الشياطين الدهشة والترقب، وهم يرون على الشاشة وجه «أحمد» يحادثهم قائلًا: مساء الخير.
أحدِّثكم وبجواري الآن «عثمان».
وتوارى تدريجيًّا وجه «أحمد»، وظهر تدريجيًّا وجه «عثمان» يبتسم لهم، ثم عاد وجه «أحمد» مرة أخرى.
وهنا علَّق «مصباح»، قائلًا: إنها الكاميرا الخاصة بشاشة السيارة.
وقطع كلامه صوت «أحمد»، يقول: طبعًا تتساءلون: لمَ هذا الاجتماع؟ ولماذا لم أحضره شخصيًّا؟
إلهام: يكفينا أنك تحضره إلكترونيًّا.
أحمد: شكرًا يا «إلهام»! أمَّا لماذا هذا الاجتماع؟ فسأحكي لكم ما حدث بالضبط.
قرأتم طبعًا عن حادث إبرة «الكوبالت» المشع الذي عَثر عليها أحد المواطنين في قرية «ميت حلفا»، وقام بالاحتفاظ بها في منزله.
ريما: لقد تسبَّب في موته وموت ابنه!
مصباح: وبقية أولاده قد أصابتهم إصابات خطيرة.
إلهام: وأيضًا زوجته.
أحمد: لقد وصلت الإصابة إلى بعض الجيران.
وقد دفعني الفضول إلى تفقُّد موقع الحادث، وموقع العثور على هذه الإبرة المشعة، فرأيتُ في نفس القرية سيارة نصف نقل مغلقة الصندوق، والكابينة الأمامية مغلقة الزجاج، فظننتُ أنها مكيَّفة، ولكني عدتُ وتساءلت في دهشة: هل هناك سيارة نصف نقل مكيفة؟ ولماذا؟
وماذا تفعل سيارة مكيفة في قرية صغيرة كهذه؟ ومَن صاحبها؟
وقرَّرتُ الإجابة عن كل هذه الأسئلة، فغادرت سيارتي التي توقفت بها بعيدًا عن مكان الحادث، ورحت أحوم حول النصف نقل، وأتفحصها بعناية، فرأيت ما أكَّد شكوكي بأنها ليست سيارة عادية.