السيارة المجهولة!
كانت الكابينة التي يجلس بها السائق معزولة تمامًا عن الصندوق الخاص، وكان السائق يرتدي قفازات.
وعندما سألت عنه أحد شباب القرية، قال إنه يراه لأول مرة، وكذلك السيارة.
فطلبت منه أن يستطلع أمره ويخبرني، فظن أني من رجال المباحث.
لكنه لم يتحدَّث بظنونه لأحد، وعاد سريعًا ليخبرني في سعادة أنه استطاع كشف هوية هذا الرجل.
ولم يحتمل فضول «ريما» الانتظار فسألته قائلة: ومن كان هذا الرجل؟
أحمد: إنه مندوب إحدى شركات الأسمدة.
إلهام: وماذا يفعل في قرية صغيرة كهذه؟
أحمد: يقوم بتوصيل شحنة أسمدة وأعلاف للدواجن، مشاركة من الشركة للقرية.
رشيد: لتخفيف آثار المحنة؟!
أحمد: هكذا يقولون.
إلهام: هل آثار الأمر فضولك؟
أحمد: نعم، فطلبت من الشاب أن يأتيني بحفنة من السماد ومثلها من الأعلاف!
خالد: وهل أحضرها؟
أحمد: نعم، وقد كشفت عليها بجهاز الكاشف الموجود معي في السيارة، فوجدت أن بها نسبة خطيرة من أشعة «جاما» المدمرة للنخاع الشوكي والخلايا الحية.
ولم أنتبه إلا والسيارة النقل تنطلق، وسائقها يتحدَّث في المحمول ووجهه متجهم، وبالطبع انتظرت حتى ابتعد قليلًا، ثم انطلقت في أثره.
ريما: حتى لا يلاحظ أنك تراقبه؟
أحمد: ولكنه لاحظ.
مصباح: كيف؟
أحمد: لقد كان هناك مَن يتبعه عن بُعد راكبًا دراجة بخارية.
إلهام: لقد حسبوا حساب كل شيء.
بو عمير: إذَن فقد رأيت رجلين من رجالهم؟
أحمد: نعم، ولكن أحدهما مات.
بو عمير: كيف عرفت؟
أحمد: لقد تسببت في موته.
وهنا اندفعت «ريما» تسأله في لهفة قائلة: من منهما؟
أحمد: إنه سائق النصف نقل.
إلهام: وكيف تسببت في موته؟
أحمد: لقد عرف بمطاردتي له، وحاول الفرار، فلم أمكِّنه من ذلك، فاشتبك معي.
ريما: وسائق الدراجة البخارية؟
أحمد: إنه الرجل المصاب والموجود بالمستشفى الآن.
قيس: وهل إصابته نتيجة اشتباك معك أيضًا؟
أحمد: لا، لقد طاردته حتى «كوبري أكتوبر» بشارع «النيل» في «العجوزة»، وتمكَّنت منه.
ريما: ربما انتحر؟
أحمد: لا، بل أصابته دفعة رشاش سيارة مجهولة، فقمت بمطاردتها، ثم استعنت ﺑ «عثمان»، ولكنها انفجرت!
مصباح: ومات مَن فيها؟
أحمد: لا، بل لم يكُن بها أحد.
علَت همهمات الشياطين وتساؤلاتهم.
ولم يسمع غير صوت «إلهام» وهي تسأله قائلة: هل كانت تسير وحدها؟!
أحمد: لقد فروا قبل أن تنفجر.
رشيد: وكيف تركتهم يفرون؟!
أحمد: هذا ما حدث، وستعرفون التفاصيل في تقريري لكم.
خالد: والمطلوب منا؟
أحمد: حتى الآن لا أعرف سبب وجود هؤلاء الرجال في القرية، وفي هذه الظروف بالذات، ولماذا يقومون بتوزيع هذه الشحنة من الأسمدة والعلف أيضًا، ومع من يعملون، وإلى أي جهة ينتمون؟
إلهام: سنقوم بإعداد تقرير يشمل تحرياتنا وتصوراتنا.
أحمد: وسأتابع أنا حالة الرجل المصاب في المستشفى.
ريما: و«عثمان» ماذا سيفعل؟
عثمان: سأشجعكم وأتمنَّى لكم التوفيق.
ابتسم «أحمد»، وعلَّق قائلًا: «عثمان» عليه مهمة خطيرة.
إلهام: وما هي؟
أحمد: السيارة النصف نقل انقلبت على طريق القناطر وبها سائقها …
وهنا قاطعه «قيس»، قائلًا: والمطلوب الكثير من التحريات عن السيارة وأوراقها من رخصة وأوراق ملكية.
أحمد: وأيضًا أوراق السائق وبطاقة هويته.
ريما: وسيحتاج «عثمان» للسيارة لكي يقوم بالمهمة.
أحمد: وستقومين أنت بإحضار سيارتي إلى مستشفى «العجوزة».
حقًّا كانت مفاجأة ﻟ «ريما»، ولكنها مفاجأة سارة، دفعتها لتنفيذ الأمر بمجرَّد سماعه.
فانطلقت إلى جراج المقر، وأخرجت سيارة «أحمد»، من بين سياراتهم.
ثم انطلقت تغادر الجراج ومن بعده حديقة المقر، ثم من البوابة الرئيسية انطلقت كالرصاصة عند خروجها من المسدس، وكلها حماس لاشتراكها المفاجئ في عملية لم يكُن أحد ينتظرها … لقد اصطادها «أحمد» عندما شغلته هموم وطنه، فخرج يبحث عن الحقيقة ليساعد في الكشف عمَّن يعبث بأمنه، وأمن مواطنيه.
إن رقم «صفر» حتى الآن لا يعرف أنهم أصبحوا في داخل العملية.
انتهى طرف المحور، ووجدت «ريما» نفسها فجأة في ميدان «لبنان»، كيف؟ لا تدري، فذهنها مشغول.
وها هي تقترب من «مستشفى العجوزة».
وقبل أن تنحرف إلى بوابتها، قامت بالاتصال ﺑ «أحمد»، فوجدت المحمول لديه مغلقًا.
فتساءلت عن السبب في إغلاقه للتليفون …
هل لأنه الآن في غرفة العمليات يطمئن على المصاب؟
إنه أقرب الاحتمالات حتى الآن، وعليها إثبات صدقه أو كذبه.
فتوجهت إلى بوابة المستشفى، وأخرجت بطاقتها الأمنية لرجل الأمن، فسمح لها بالمرور.
وتحت مظلة تصطف تحتها السيارات، أوقفت سيارتها، ثم قامت بالاتصال ﺑ «أحمد» مرة أخرى، فوجدت تليفونه مغلقًا.
فقامت بالاتصال به على ساعته، فلم تجاوبها أيضًا.