المنظمة المشبوهة!
في المقر السري بالقرب من ميدان الرماية … كان الشياطين يعملون في دأبٍ، ويسابقون الزمن في محاولةٍ لحلِّ لُغز العلف والسماد المُشع.
وقد طال بينهم النقاش … واحتاج الأمر للاتصال برقم «صفر»، والذي رأى أن الموضوع يحتاج لعَقْد اجتماع عاجل.
ولأن المجموعة كلها كانت موجودة في غرفة المعلومات خلف أجهزة الكمبيوتر، فقد بدأ الاجتماع فور إعلان رقم «صفر»، عنه.
وملأت الخطوط البيانية المتراصة شاشات أجهزتهم.
وبدأت تتراقص عندما قال لهم: ألم تصلوا إلى شيء؟
إلهام: لقد راودني خاطر بأنهم أصحاب إبرة «الكوبالت المشع».
رقم «صفر»: لماذا؟
إلهام: لأنهم أصحاب السماد والعلف المشعين.
رقم «صفر»: لا أعتقد ذلك … لأن أصحاب إبرة «الكوبالت» معروفون.
إلهام: هل تم تحديدهم؟
رقم «صفر»: نعم، وتم القبض عليهم.
خالد: أنا أعتقد أنهم جماعة يتبعون جهاز مخابرات دولة غير صديقة.
رقم «صفر»: ولماذا تظن ذلك؟
خالد: لأنهم ليسوا من رجال العصابة.
رقم «صفر»: وكيف عرفت؟
خالد: رجل العصابة يقصد بأعماله الربح … فما الربح الذي سيجنونه من وراء القتل والتشويه؟
رقم «صفر»: استنتاج ممتاز.
رشيد: بذلك يكون هدفهم هو بث الرعب في نفوس أهل القرية … عندما تكثر الوفيات، ويزيد عدد المشبوهين.
قيس: ويفقد الناس ثقتهم في قيادتهم أو حكومتهم التي قالت لهم إنها احتوت الموضوع كله.
هدى: ولن يبحث رجال الأمن عن الجناة، فلديهم جناة جاهزون.
رقم «صفر»: وتضيع معالم القضية، وتبقى الجريمة لغزًا بلا حل.
تحليل ممتاز … وعليكم أن تدعموا زملاءكم، فالموضوع جد خطير … وسأتدخل في الوقت المناسب.
كونوا على اتصال دائم بي، لكم تحياتي.
اختفت الخطوط البيانية على شاشات أجهزتهم، فأعطوها ظهورهم، وتوجهوا ينظرون لبعضهم مبتسمين، راضين عن النتيجة التي وصلوا إليها.
وكان عليهم الاتصال ﺑ «أحمد» و«ريما» و«عثمان» لإخبارهم بالنتيجة حتى يتخذوا حذرهم، فرجال المخابرات ليس لديهم قلب، ومصادر معلومات كثيرة، وهم يُجيدون فن تجنيد العملاء، ممَّا يجعل مهمة الشياطين محفوفة بالمخاطر.
وعندما انطلقت الموسيقى الرقيقة من تليفون «أحمد» المحمول ضغط زرًّا به، فظهرت له على شاشته رسالة من المقر، ولم يكن مضمونها مفاجأة له، فقد بنتيجة اجتماعهم مع رقم «صفر»، وكان هو قد توصل وحده إلى نفس النتيجة.
وقبل أن يغلق التليفون سمع أزيرًا مزعجًا يصدر منه، فخفت منه حِدَّة الصوت، وأنصت جيدًا … وبكثير من التركيز عرف أن هناك جهازًا بالمستشفى يصدر ذبذبات ذات ترددات عالية تُصيب مَن يسمعها بالإجهاد الشديد، أما بالنسبة لمريض في غرفة العناية المركزة فقد تتسبَّب في موته.
فأغلق التليفون، وأدار جهاز التتبع في ساعته، وسار مستعينًا بالإشارة التي يصدرها حتى وصل إلى غرفة التحكُّم في مولدات الطاقة، فتوقف الجهاز عن العمل تمامًا.
فأعاد برمجة الجهاز مرة أخرى لكيلا يتبع الترددات التي تصدر من المولدات.
وعاد للجري بين الطرقات بحثًا عن مصدرها، فقد تتسبَّب هذه الترددات في موت الرجل المصاب قبل أن يصل إلى مصدرها.
وأثناء جريه شعر أن هناك مَن يُراقبه، فرأى أن يستفيد منه في الوصول إلى مصدر الذبذبات.
فأوحى له أن يحاول الفرار منه بالجري على سلم الصعود إلى الدور العلوي، فجرى خلفه.
فتوقف فجأة ودفع بقدمه إلى الخلف، فاصطدمت بوجه الرجل، وأفقدته توازنه، فترنَّح قبل أن يسقط على ظهره.
وقبل أن يفيق من الضربة كان «أحمد» واقفًا بقدمَيه على كتفَيه.
فصرخ من الألم وهو يقول: لماذا تضربني؟
أحمد: ولماذا تطاردني؟
الرجل: أنا لم أطاردك!
فضغط بإحدى قدمَيه على كتفه، وقال له أثناء صراخه: أنا كاذب.
الرجل: لا أقصد يا سيدي، ولكن لماذا سأطاردك؟
أحمد: هذا ما أُريد معرفته.
وعاد يضغط على كتفه مرة أخرى، ولكن بقوة أكثر، فصرخ الرجل وهو يقول: ماذا تريد معرفته؟
أحمد: أين مولد الذبذبات القاتل؟
الرجل: لا أعرف.
أحمد: إنه يؤدِّي إلى المشرحة.
ارتعد الرجل ولكنه عاد يقول في ثبات: لن تستطيع أن تقتلني، فصوت الطلقات سوف يلفت أنظار الجميع هنا إليك.
أحمد: مسدسي مزوَّد بكاتم الصوت.
قال هذا ثم أطلق طلقة مرَّت بجوار أذنه، فصرخ صرخة مروعة، ثم انتفض بقوة، وتوقف بعدها عن الحركة تمامًا.
فظنَّ «أحمد» أنه يمثل، غير أنه شعر بقدمَيه تنزلقان من فوق جسد الرجل، فعرف أنه أصبح جسدًا بلا روح، فصدمته الدهشة وتملكته الحيرة، وانحنى فوق الرجل يبحث عن الرصاصة التي أصابته، فلمح أثر الرصاصة على درج السلم، فعرف أنها لم تصبه، فحمله ونزل به السلم مسرعًا، وتوجَّه به إلى غرفة الطبيب النوبتجي، ثم عاد يجري إلى غرفة العناية المركزة ليطمئن على حالة المصاب، فلم يجد الشرطيين، فغرق فجأة في بحر من علامات الاستفهام، وأخذ يسأل نفسه قائلًا: أين هما؟ هل مات الرجل؟ ولماذا لم تتصل بي «ريما»؟ وأين «ريما» الآن؟
وأخذت الأسئلة تتسارع على ذهنه، وخطواته تتسع، وأنفاسه تتلاحق، حتى وصل إلى باب غرفة العناية المركزة.