أشباح في المشرحة
لم يفكِّر «أحمد» كثيرًا، فقد فتح الباب، وجرى في أثر الرجل متتبعًا خطواته، وكان الوقت ليلًا، وطرقات المستشفى خالية تمامًا، لذا كان من اليسير أن يتتبع الرجل.
وقد سمع وقْع خطواته على درجات السلم المؤدِّي للدور العلوي.
فانطلق كالصاروخ إلى هناك، وقفز صاعدًا درجات السلم في مهارة وخفة.
غير أنه لم يعُد يسمع وقْع أقدام الرجل.
فتوقَّف للحظات يُصيخ السمع، فعادت الخطوات للصعود مرَّة أخرى.
وسمع صوت باب يُفتح، فأسرع قبل أن يهرب منه الرجل، فرأى في نهاية الطرقة بابًا مفتوحًا، فجرى إليه، وقبل أن يبلغه دوَّى صوت انغلاقه، فبحث عن مقبض يفتح منه فلم يجد، فأخرج مسدسه وأطلق رصاصة على قفله ثم دفعه بقدمه، ودخل يجري متتبعًا الصوت.
فوجد يافطة مكتوبًا عليها «إلى الثلاجة»، ومرسومًا في أسفلها سهم.
فعرف أنه في المشرحة.
وعندما همَّ بالعودة لم يجد للباب طريقًا، أو لم يجد الباب.
فلم يشأ أن يضيع وقته في البحث عن الباب، ومشى بهدوء وخفة يبحث عن الرجل الضخم ذي العفريتة الزرقاء.
وكأن الرجل قد اطمأنَّ لعدم سماع خطوات «أحمد»، أو أن الفضول غلبه فعاد يبحث عنه، وما إنْ لمحه «أحمد» حتى أخرج مسدسه وقال له: لا تتحرك.
إلا أن الرجل اختفى.
وانفتح باب إحدى الثلاجات، ثم عاد وانغلق مرَّة أخرى وحده.
ودفع الفضول «أحمد» لأن يرى ما بهذه الثلاجة.
فذهب إليها على مهل وفي خشوع، فمَن بها موتى، ضحايا حوادث، أو أمراض.
وقام بفتح نفس الثلاجة فرأى الرجل ذا العفريتة الزرقاء ممدًّا ليس في وجهه حياة.
أصابت الدهشة «أحمد»، وشعر أن الإجهاد تملك منه، وأن ما يراه غير حقيقي، وأنها أوهام من صنع عقله المجهد.
فتراجع بخطوات بطيئة حتى بلغ الباب، فخرج منه بظهره، وظلَّ هكذا ماشيًا بظهره حتى توقف فجأة متسائلًا في دهشة: فها هو الباب الذي كان يبحث عنه فلم يجده قد عثر عليه دون معاناة، بل ووجده مفتوحًا.
وفجأة، تذكر مريض الغيبوبة، ونتائج الفحوص التي تجرى له، فجرى يقطع الطريق قفزًا حتى وصل إلى غرفة الطبيب، فوجدها مزدحمة برجال الأمن ومدير المستشفى وبعض الأطباء والممرضات.
وعندما رآه الطبيب أشار عليه بسبابته، فشهر رَجُلا شرطة مسدسيهما في وجهه.
فرفع يدَيه مستسلمًا لهما.
فقال له الطبيب في حدة: أين الرجل؟
أحمد: أي رجل؟
فالْتَفتَ الطبيب إلى كبير الضباط يحكي له قائلًا: لقد قال لي إنه ضابط شرطة، وأن هذا الرجل مقبوض عليه.
وحكى له عن عملية توزيع أسمدة ملوثة إشعاعيًّا، وقال لي إن هذا الرجل مصاب.
أحمد: أنا لم أقُل لك إنني ضابط شرطة، بل أنت الذي استنتجت ذلك.
وموضوع الأسمدة المشعة حقيقي.
كبير الضباط: إذَن، من أنت؟
فأخرج له «أحمد» بطاقته الأمنية، فنظر فيها الضابط مليًّا ثم سأله قائلًا: وأين كنت الآن؟
أحمد: كنت أطارد رجلًا ضخمًا شكله مريب.
الضابط: وأين هو؟
أحمد: في ثلاجة المشرحة.
شعر «أحمد» أن الجميع ينظرون إليه ربية، وتأكَّد من ذلك عندما سأله الضابط قائلًا: منذ متى وأنت هنا؟
أحمد: منذ الصباح.
الضابط: ومنذ متى لم تنم؟
أحمد: صدقني سيادة الضابط، أنا لا أهذي.
الضابط: وكيف أصدقك؟
أحمد: لا زالت آثار رصاصتي على الباب، والرجل الضخم الذي ينام بملابسه في الثلاجة.
الضابط: سأذهب معك إلى هناك لأرى بنفسي.
واصطحب الضابط «أحمد» إلى المشرحة، ومعه بعض الجنود، فوجد بابها بالفعل مفتوحًا، وقفله مكسورًا، فتهلل «أحمد» لذلك.
وعندما توجَّهوا إلى الثلاجة ازدادت ضربات قلبه.
وتوقف الضابط ينظر له منتظرًا منه أن يفتح بابها.
فمدَّ «أحمد» يده في تردُّد، وفتح الدرج الذي ينام به الرجل الضخم، ثم سحبه.
فوجده فارغًا، فندت عنه آهة دهشة، واندفع يقول: لقد كان نائمًا هنا.
الضابط: هل كان مصابًا؟
أحمد: لا.
الضابط: ولِمَ ينام هنا وهو غير مصاب؟
لمعت عينا «أحمد» ونظر إلى الضابط للحظات ثم قال ببطء: سيدي الضابط … لقد تعرَّضتُ لخدعة.
الضابط: هكذا يمكنني أن أصدقك، ولكن كيف عرفت ذلك؟
أحمد: في المرَّة الأولى كنا نحرس مصابًا منهم، واستدرجني أحدهم لمطاردته، وعندما عدت وجدت المصاب اختفى.
الضابط: وهذا هو المصاب الثاني لهم.
أحمد: نعم.
الضابط: ولم اختطفوه؟!
أحمد: لأنه تعرَّض لجرعات قاتلة من أشعة «جاما».
الضابط: وخافوا أن نكتشف ذلك؟
أحمد: نعم.
الضابط: أليس لديكم أية بيانات عن هذا الرجل؟
أحمد: أعتقد أن طبيبه المعالج لديه شيء من ذلك، وعندما وصلوا إلى هذه النتيجة كانوا قد وصلوا إلى غرفة الطبيب.
إلا أنه لم يكُن موجودًا، وعندما بحثوا عنه لم يجدوه.