جثث هاربة!
انتشر الضابط والجنود في أرجاء المستشفى، فلم يجدوا للطبيب أثرًا، واكتشفوا ضياع نتائج الفحوص والتحاليل التي أجريت لمريض الغيبوبة.
فتأكد الضابط من كلام «أحمد»، وأنه لم يكُن يهذي.
وشعر بخطورة المنظمة التي يواجهونها، فسأله قائلًا: ألسنا طرفًا في هذه القضية؟
أحمد: طبعًا، ولكن تتبع القضية إلى هذا الحد بدأ بمجهود شخصي.
الضابط: بمَن؟
أحمد: مني؟
الضابط: وهل لي أن أتدخَّل الآن أم ستبلغ إدارتك أولًا؟
أحمد: لا، فعملية البحث عمَّن اختفوا يجب أن تتم ببلاغ رسمي من مدير المستشفى.
الضابط: ومنك.
أحمد: لا، فأنا لي إدارتي التي سأبلغها.
الضابط: وأنا يسرني أن أتعاون معك.
أحمد: وأنا أيضًا يُسعدني ذلك.
الضابط: ومن أين ستبدأ؟
أحمد: من مخازن المستشفى ومطابخها.
الضابط: أتظن أنهم لم يخرجوا من المستشفى؟
أحمد: كيف ورجالك يسدون عليهم كل المنافذ؟
الضابط: معك حق، إذَن سأصدر أوامر بالتفتيش.
أحمد: لا … فقد يتسبَّب ذلك في فوضى وخسائر، ووقوع ضحايا.
الضابط: وماذا ترى؟
أحمد: سنتسلَّل أنا وأنت في هدوء أولًا إلى غرفة الغسيل.
الضابط: وسأنشر رجالي بين الأبواب ليرقبوا الحركة بين الطرقات.
أحمد: جيد جدًّا.
وهنا شعر بوخز في رسغه من ساعة يده، فضغط زرًّا بها، والضابط ينظر له.
فابتسم له «أحمد» حتى يتركه وشأنه، فأشاح عنه بوجهه، وانشغل عنه بشرح الموقف لمرءوسيه، وتوزيع الأدوار عليهم.
وأثناء ذلك، تلقَّى «أحمد» الرسالة التالية: من «إلهام».
القطة هربت، ولكنها ليست بعيدة عن جحر الفئران. الأمر خطير.
فرد عليها قائلًا: «عثمان» في وادي النطرون، وأعتقد أن هذا موقعك.
فقالت رسالتها ردًّا عليه: سأحاول الاتصال به.
وعندما فرغ من اتصاله الْتَفتَ للضابط فوجده منصرفًا عنه إلى رجاله.
فقال له: لقد انتهيت.
الضابط: وهل هناك أخبار جيدة؟
أحمد: نحتاج لبعض الوقت.
الضابط: إذَن هيا بنا.
بدَّل «أحمد» والضابط ملابسهما، وارتديا ملابس العاملين في المستشفى.
وبدلًا من التوجُّه إلى غرفة الغسيل كما اتفقا افترق «أحمد» عن الضابط، وجرى يصعد السلم ممَّا أثار دهشته، فجرى خلفه، وهو لا يدري عمَّا يحدث شيئًا، ولم يتوقَّف إلا عند غرفة المشرحة.
وبدأ يتلصَّص في هدوء وكأنه يعرف أن هناك شيئًا ما يجري بداخلها.
وانبطح على بطنه، وبدأ يزحف كالجنود في أرض المعركة، ومن خلفه ينظر الضابط إليه في إعجاب وتقدير.
وخلف مكتب طبيب المشرحة اختبأ كلٌّ منهما، وحبسا أنفاسهما، فقد سمعا صوت همس وهسهسة.
وبعد قليل، شاهدا رجلين يخرجان من خلف الثلاجة، وخرج خلفهما الضابط يتعقبهما في خفة، أما «أحمد» فقد خرج من خلف المكتب وفتح أدراج الثلاجة، واكتشف ضياع أكثر من جثة، فشغله الأمر، فهل هي قضية سرقة جثث لبيعها؟ أم خوف من فحص كل الجثث الموجودة؟ فقد تكون الوفاة بسبب الإشعاع!
ولم يشعر «أحمد» بالوقت إلا عندما سمع خطوات الرجلين وقد تجاوزا باب المشرحة، وأصبحا على وشك القبض عليه.
ففتح درجًا من أدراج الثلاجة، ثم تمدَّد بداخله، وبيديه دفع نفسه حتى قام بإغلاق الدرج.
وكان الجو بداخله باردًا جدًّا، وشعر بأطرافه تكاد تتجمد، وسمع صوت جريان أدراج الثلاجة ما بين فتح وإغلاق، وانتظر أن يسمع وقْع خطواتهما تبتعد، غير أنهما قررا أن يستريحا بعض الوقت.
إنه حقًّا لا يسمع لهما صوتًا، ولكن هذا لا يعني أنهما خرجا.
وعليه أن ينتظر حتى يشعر بوقْع خطواتهما تهز أدراج الثلاجة.
إلا أنه لم يكُن قرارًا صائبًا، فقد تتجمَّد أطرافه، وقد يُصاب بالتهاب رئوي من تأثير البرد … لذا، فقد قام بفتح الدرج بنفس الطريقة التي أغلقه بها.
وبصعوبة شديدة استطاع أن يخرج منه.
وأول ما وقعت عليه عيناه، كان الرجلان يحملقان فيه في خوف وفزع.
وما كاد ينتصب واقفًا حتى أسلما ساقَيهما للريح، ومن خلفهما «أحمد».
وعندما يئسا من الهروب منه أخذا يصرخان في هلع.
فصرخ فيهما قائلًا: توقفا.
فوقفا يرتعدان، وقال أحدهما: مَن أنت؟
أحمد: أنت لا تسأل.
جزع الرجل وتمنَّى لو يستطيع أن يجري أو يصرخ طلبًا للنجدة.
فقال لهما «أحمد»: مَن أنتما؟
فقال أحدهما: أنا «نجدي» أعمل هنا تومارجيًّا.
فصاح «أحمد» في الآخَر قائلًا: وأنت؟
وفي جزع ولعثمة قال: أنا «سيد»، وأعمل في المستشفى.
أحمد: أنت كاذب، ولا تعمل في المستشفى.
الرجل: وهل تعرفني؟
أحمد: نعم.