السلطان مصطفى خان الأول
ولد هذا السلطان سنة ١٠٠١ﻫ، وقضى طول عمره داخل محلات الحرم، ولم يتعاطَ أشغالًا مطلقًا، بل ولم يعلم من أمور المملكة شيئًا كما كانت عادة بعض ملوك بني عثمان، وهي أن كل سلطان يتولى يأمر بقتل إخوته أو يحجزهم في السراي كي لا يكون منهم منازع في الملك، وهي عادة مستقبحة جدًّا لما فيها من قتل أقرب الناس بلا ذنب أو جرم إلا ما يخيله لهم الوهم من الخوف على الملك والاستئثار به، مع أنهم لو استخدموا إخوتهم في المناصب العالية، لا سيما قيادة الجيوش — كما يفعل ملوك أوروبا الآن — لحفظوا ذمار الدولة، وأخلصوا في خدمتها أكثر من الذوات الذين أغلبهم (كما رأيت وترى في سياق هذا الكتاب) من غير الجنس التركي، بل من المماليك الجركس أو الإفرنج الذين ربما اعتنقوا الدين الإسلامي ودخلوا في خدمة الدولة أعداءً في لباس أصدقاء لتنفيذ أغراض دولهم.
وكادت تقوم الحرب بين الدولة وفرنسا عند توليته، وذلك أن كاتم أسرار السفارة الفرنساوية ساعد أحد أشراف بولونيا وكان مسجونًا بالآستانة على الهروب منها، فسجن كاتم السرِّ والمترجم والسفير. ولم يلبث هذا السلطان على سرير الملك إلا ثلاثة أشهر تقريبًا ثم عزله أرباب الغايات وفي مقدمتهم المفتي وقيز لر أغاسي؛ أي آغا السراي، وساعدهم الانكشارية على ذلك لتوزيع الهبات عليهم عند تولية كل ملك جديد، فعزل في أوَّل سنة ١٠٢٧ (الموافق ٢٦ فبراير سنة ١٦١٨م)، وأقاموا مكانه السلطان عثمان الثاني المولود في غضون سنة ١٠١٣ﻫ.