السلطان الغازي سليمان خان الثاني
هو ابن السلطان إبراهيم الأوَّل، ولد في ١٥ محرم سنة ١٠٥٢ (الموافق ١٥ أبريل سنة ١٦٤٢). فأغدق العطايا على الجنود، ولم يعاقبهم على عصيانهم الذي كانت نتيجته عزل خلفه، ولذلك ما لبثت أن تمرَّدت ثانيًا وقتلت قوَّادها، وحاصرت الصدر الجديد سياوس باشا في سرايه وقتلوه وسبوا أزواجه، فكانت الآستانة فوضى، وانتهز الأعداء هذه الاختلالات والاضطرابات المستمرَّة لفتح الحصون العثمانية؛ فاحتل النمساويون قلاع «أرلو» و«لبا» وغيرها، واحتل «موروزيني» البندقي مدينة ليبه من بلاد اليونان وكافة سواحل دلماسيا سنة ١٦٨٧، وفي السنة التالية؛ أي سنة ١٦٨٨ سقطت مدائن سمندرية وقلومباز وبلغراد في أيدي النمساويين، ثم فقدت الدولة العثمانية في سنة ١٦٨٩ مدائن نيش وودين من بلاد الصرب؛ وذلك لعدم كفاءة الصدر مصطفى باشا الذي خلف سياوس باشا قتيل الانكشارية.
ولما رأى السلطان توالي المصائب عزل هذا الصدر وعين مكانه كوبريلي مصطفى باشا ابن كوبريلي محمد باشا الكبير، ولم يكن أضعف همة من والده، بل كان يشبهه في علو المكانة ومضاء العزيمة، فبذل جهده في بث روح النظام في الجنود باللين طورًا وبالشدة أخرى، ومنعهم عن اغتيال حقوق الأهالي وصرف لهم متأخراتهم من مال الأوقاف حتى لا يكون لهم حجة في اختلاس شيء من الأهالي، فانتظم حال الجيش، وصار يمكن التعويل عليه في الحروب. ومن جهة أخرى أباح للمسيحيين بناء ما تهدَّم من كنائسهم في الآستانة، وعاقب بأشد العقاب كل من تعرَّض لهم في إقامة شعائر دينهم حتى استمال جميع مسيحيي الدولة. وكانت نتيجة معاملته المسيحيين بالقسط أن ثار أهالي مورة الأروام على البنادقة، فطردوهم من ديارهم، لتعرُّضهم لهم في إقامة شعائر مذهبهم الأرثوذكسي وإجبارهم على اعتناق المذهب الكاتوليكي، ودخلوا في حمى الدولة العلية طائعين مختارين لعدم تعرُّضها لديانتهم مطلقًا.
ولما انتظم الجيش وطهر من الأدران التي كادت تؤدي به إلى الدمار وساد الأمن داخل البلاد سار بنفسه لمحاربة الأعداء، فاستردَّ في قليل من الزمن مدائن نيش وودين وسمندرية وبلغراد في سنة ١٦٩٠، بينا كان سليم كراي — خان القرم — يُخضِع ثائري الصرب، وتيكلي المجري يُرجِع إقليم ترنسلفانيا إلى أملاك الدولة. وبذلك أعاد كوبريلي مصطفى باشا بعض ما فقدته الدولة من المجد والسؤدد بسبب ضعف الوزراء وعدم إطاعة الانكشارية.
وفي ٢٦ رمضان سنة ١١٠٢ (الموافق ٢٣ يونيو سنة ١٦٩١) تُوُفِّيَ السلطان سليمان الثاني عن غير عقب وعمره ٥٠ سنة بعد أن حكم ثلاث سنوات وثمانية أشهر، ودفن في تربة جدِّه السلطان سليمان الأول، وتولى بعده أخوه.