الفصل الخامس والعشرون
السلطان الغازي عثمان خان الثالث
ولد هذا السلطان في سنة ١١١٠ﻫ (الموافقة سنة ١٦٩٦م)، وبعد أن تقلد السيف في جامع
أبي أيوب
الأنصاري على حسب العادة القديمة وأبقى كبار الموظفين في وظائفهم، عين في منصب الصدارة
العظمى
نشانجي علي باشا بدل محمد سعيد باشا الذي سبق تعيينه صدرًا بعد عودته من مأموريته في
فرنسا،
فاعتمد علي باشا هذا على ميل السلطان إليه وسار في طريق غير حميد حتى أهاج ضدَّه الأهالي
أجمع،
ولكون السلطان كان من عادته المرور ليلًا في الشوارع والأزقة متنكرًا لتفقد أحوال الرعية
والوقوف
على حقيقة أحوالهم، سمع أثناء تجواله بما يرتكبه وزيره من أنواع المظالم والمغارم، وبعد
أن تحقَّق
ما نسب إليه بنفسه أمر بقتله جزاءً له، وبوضع رأسه في صحن من الفضة على باب السراي عبرةً
لغيره،
فقتل في ١٦ محرم سنة ١١٦٩ﻫ (الموافق ٢٢ أكتوبر سنة ١٧٥٥)، وعين مكانه من يدعى مصطفى باشا،
ثم عزله
في ٢٠ ربيع الأوَّل سنة ١١٧٠ (الموافق ١٣ دسمبر سنة ١٧٥٦)، وعين مكانه محمد راغب باشا
الشهير،١ وكان من فحول الرجال الذين تقلَّبُوا في المناصب على اختلافها، ومما زاده خبرة في
أمور السياسة الأوروباوية واطلاعًا على دقائقها مباشرته تحرير معاهدة بلغراد بصفة مكتوبجي،
واطلاعه على كافة المخابرات التي دارت بين الدولة والدول ذات الشأن للوصول إلى إبرامها.
ثم توفي
السلطان عثمان الثالث في ١٦ صفر سنة ١١٧١ (الموافق ٣٠ أكتوبر سنة ١٧٥٧) بدون أن يحصل
في أيام حكمه
القلائل ما يستحق الذكر، وكانت مدَّة حكمه ٣ سنين و١١ شهرًا، وعمره ستين سنة، وخلفه مصطفى
الثالث.
١
محمد راغب باشا صاحب السفينة المشهورة، هو ابن رجل من كتاب المالية، اجتهد في تحصيل
العلوم والمعارف حتى نبغ فيها، وعُيِّن في عدة وظائف حسابية وكتابية مهمة في الجيوش المحاربة
في بلاد العجم، ثم عاد إلى الآستانة، ووظف مأمورًا لإدارة الخراج. ثم بعد أن انتقل إلى
عدة
وظائف أخرى تدلُّ على ثقة الحكومة به واعتمادها على أمانته؛ عُيِّن بوظيفة كاتب يد الصدارة
العظمى؛ فحضر المخابرات التي دارت مع مندوبي نادر شاه للوصول إلى الصلح، وكذلك كانت له
اليد
الطولى في إبرام معاهدة بلغراد، وبعدها عُيِّن بوظيفة رئيس أفندي؛ التي تعادل وظيفة ناظر
الخارجية الآن، ثم عُيِّن واليًا على مصر، فولاية آيدين فحلب، وأخيرًا عين صدرًا أعظم
سنة
١١٧٠. واستمر في الصدارة ست سنوات حتى توفي في ٢٤ رمضان سنة ١١٧٦. وله عدة تآليف مهمة
في
السياسة، وديوان مشهور، وكان محبًّا لتقدم العلوم، وأسَّس بالآستانة مدرسة عالية ألحق
بها
مكتبة جمعت أنفَس الكتب وأندَر المؤلفات.