إرهاب دولي!
كان الاجتماع عاديًّا في قاعة الاجتماعات بكهف الشياطين السري. ساد السكون لحظات قليلة؛ فالاستدعاء غيرُ عاجل … ورغم هذا فقد أحسَّ الشياطين اﻟ «١٣» بأن هناك مهمةً قادمةً في الطريق … وجاء صوتُ رقم «صفر» من مكانه المعتاد شِبه المظلم، وهو يقول: مرحبًا بكم!
وبعد لحظات انطفأَت أنوارُ القاعة، وإلى اليسار ظهرَت خريطةُ العالم مكبَّرة، وقد راحَت أضواءٌ حمراء تلمع فوق بعضِ أشهَرِ العواصم العالمية … مثل «لندن» … «باريس» … «بون» … «واشنطن» … «طوكيو» … وأيضًا «القاهرة».
وكان من المؤكَّد أن هناك رابطًا يجمع تلك العواصم معًا … وأن اللون الأحمر للمبات المضيئة لا بد وأن تكون له دلالة ما.
وقطع صوتُ رقم «صفر» حبلَ أفكار الشياطين قائلًا: إننا نعيش في عالم مضطرب قلق، مليء بالتوتر وأعمال العنف التي سادَت في الأعوام الأخيرة بشكلٍ يدعو إلى القلق الشديد … وصار هذا العنف هو لغةَ التعامل اليومية في كثير من بلدان العالم … ولم يَعُد هذا العنف عنفًا فرديًّا، بل تخطَّى هذه المرحلة إلى ما يسمَّى بالعنف الجماعي أو الإرهاب!
وساد هدوءٌ شديد بعد كلمات رقم «صفر» … وقد بدأ يتضح للشياطين أن تلك اللمبات الحمراء فوق خريطة العالم ليست إلا محطاتٍ ومراكزَ لذلك العنف العالمي، وأكمل رقم «صفر» قائلًا: بنظرة واحدة إلى الجرائد اليومية، فسنجد أن أحداث العنف والإرهاب صارت زادًا يوميًّا ومادةً دائمة لهذه الصحف … وأن المنظمات الإرهابية قد بدأَت تُوسع نشاطَها وأعمالها في كلِّ أنحاء العالم، غير عابئة بعدد الضحايا الأبرياء الذين يسقطون أمام رصاصهم وقنابلهم دون تمييز … وذلك في الوقت الذي تتَّجه فيه القوى العظمى لإنهاء حالة التوتر والحرب الباردة بينهما في شكل اتفاقيات وتدمير سلاحها، إلا أن العنفَ لا زال يتزايد وبصورة عنيفة، وإذا استعرضنا سجِلَّ العنف وأشهرَ المنظمات الإرهابية في العالم فسنجد السجلَّ حافلًا جدًّا.
صفر: في إسنادها إلينا؟
وأكمل «عثمان» يقول: لا شك أن مهمَّتَنا القادمة ستكون مواجهةَ إحدى هذه المنظمات الإرهابية.
وتبادل الشياطين النظراتِ، ها هي مهمَّتُهم تقترب شيئًا فشيئًا، وتتضح تفاصيلها.
وقال رقم «صفر»: لقد صارَت منطقتنا العربية ومنطقة الشرق الأوسط حافلةً بأعمال العنف والإرهاب، والذي لا شك فيه أن بداية هذا العنف كان بظهور دولة «إسرائيل» على خريطة المنطقة، وهي الدولة التي نشأَت بالعنف والإرهاب، واحتلَّت أرضَ الآخرين، وترفض أن يكون لها حدودٌ معترَفٌ بها؛ طمعًا في التوسُّع في أيِّ اتجاه، وبأية وسيلة، وفي المقابل، فإن هذا الأسلوب الإرهابي الذي قامَت به «إسرائيل» بأعمال عنف عديدة وإرهابية؛ مثل نَسْف فندق «الملك داود» في القدس، ومذابح «دير ياسين»، و«صابرا وشاتيلا» … هذا العنف الإرهابي كان لا بد وأن يُقابَلَ من الفلسطينيِّين أصحابِ القضية بردٍّ مماثل للدفاع عن أنفسهم … إلا أننا لا نستطيع أن نُوصمَ الفلسطينيِّين بالإرهاب، أو ارتكاب مثل تلك المجازر … ولكن … كان هذا الصراع الإسرائيلي العربي هو بدايةَ توالد العنف وأعمال الإرهاب في الشرق الأوسط … وتوالَى ظهورُ منظمات فدائية عديدة، منها ما كان منشأة ومقرُّه الشرق الأوسط، ومنها ما كان وافدًا من مناطق أخرى في العالم … وهكذا تحوَّلَت منطقة الشرق الأوسط إلى خلايا سرطانية تضمُّ العديدَ من هذه المنظمات الفدائية التي تقوم بأعمالها في لحظة خاطفة، ثم تختفي بسرعة دون أن تتركَ أيَّ أثر … وهذه المنظمات في العادة تكون على مستوًى عالٍ من التدريب والكفاءة؛ لذلك فهي نادرًا ما تفشل في إحدى عملياتها سواء بالقتل أو التفجير … ونادرًا ما يتم القبض على أعضائها بسبب مهارتهم الشديدة في الهرب … ومغادرتهم للبلاد بعد ذلك متنكرين …
إلهام: يبدو أن هناك مَن يُنافسنا في براعةِ أعمالنا بدقةٍ هائلة!
رقم «صفر»: ولكن مع الفارق؛ فإننا نحارب الإرهاب … وهم يقومون به … ومن المؤسف أن هناك دولًا عديدة في المنطقة تحتضن الإرهاب وتُموِّله وتُقيم للإرهابيِّين معسكراتٍ للتدريب، وتمدُّهم بالأسلحة والمال اللازم لعملياتهم … بل وأيضًا تقوم بتزويدهم بجوازات سفر سليمة، حتى لا يتمَّ القبض عليهم عند دخولهم أو خروجهم من البلاد … والأسوأ من ذلك أن بعض هذه البلاد تقوم بتهريب الأسلحة للإرهابيِّين عبرَ الحقائب الدبلوماسية التي لا تخضع للتفتيش. ولعل حادثَ اغتيال الرئيس اللبناني السابق «رينيه معوض» بسيارة ملغومة انفجرَت بالقرب من موكبه، هذا الحادث يدل على عنف وقوة هذه المجموعات الإرهابية المدعمة من الخارج … وهي نفس المنظمات التي حاولَت إحداها تفجيرَ موكب أمير الكويت منذ عدة أعوام، ونجا من هذا الحادث …!
أحمد: هذا مؤسف جدًّا … أن تتبنَّى بعضُ الدول الإرهاب لتحقيق أهدافها.
وساد صمتٌ قصير بعد كلمات «أحمد»، وغَرِقَت خريطة العالم في الظلام قبل أن يحيط سياجٌ من الضوء الأحمر الدولي حول موقع «مصر» على الخريطة … ودقَّ قلب «أحمد» بعنف رغمًا عنه … كان المعنى واضحًا … وتبادل مع «إلهام» نظرةَ تعجُّب؛ فقد كان يتوقع ذلك على أي حال.
وقال رقم «صفر» قاطعًا حبلَ أفكار الشياطين: ليست هناك حاجةٌ لأن أُخبرَكم بأن «مصر» هي أهم دولة في منطقة الشرق الأوسط … فهي بثقلها التاريخي، وبحكم جيشها القوي، وكثافتها السكانية، وقيادتها العاقلة … وبحكم أنها الأم والشقيقة الكبرى لكل الدول العربية، وهي التي ترسُم سياساتِ المنطقة حولها … لكل ذلك فإن «مصر» تصبح هي الدولة الأولى في المنطقة … ولأن «مصر» لم تلجأ إلى الإرهاب يومًا ما، ولم تعتمد عليه في تنفيذ أهدافها … لذلك فقد صارَت هدفًا لكثير من المنظمات الإرهابية … داخليًّا وخارجيًّا … فالذي لا شك فيه أن هناك مَن يكره استقرار «مصر» … يكره كونها الزعيمة في المنطقة، ونقطة الارتكاز لاستقرارها. هناك مَن يكره سياستها المعتدلة، وهناك مَن يريد أن يُثيرَ فيها القلاقل والاضطرابات وتعكير الأمن … ولأن «مصر» محاطةٌ من بعض الجهات بالأعداء الذين لا يكشفون عن وجوههم صراحة؛ لذلك فإنه من الطبيعي أن تحاول هذه القوى هدْمَ استقرار «مصر» بالإرهاب.
تساءل «خالد» في توترٍ: هل هناك معلومات مؤكَّدة بذلك؟
لم يردَّ رقم «صفر» على الفور، سادَت لحظةُ صمتٍ ثقيلة، وهو يقلِّب بعضَ الأوراق أمامه، كأنه يستعيد معلوماتِه، ثم قال: لقد كانت السلطات في «مصر» على علمٍ بكلِّ ما يُحيطها من أخطار وتهديدات من كل مكان؛ ولذلك فقد وضعَت نفسها في حالةِ يقظةٍ مستمرة لمراقبةِ كلِّ منافذ البلاد. وكانت النتيجة هي سقوطَ أكثرِ من عشر مجموعات إرهابية جاءَت لتنفيذ أعمال عنف وإرهاب في «مصر» ضد الأبرياء، والأماكن الحيوية والتجمعات البشرية كالقطارات والأتوبيسات، بهدف خَلْق حالة من عدم الاطمئنان والاستقرار في «مصر» … حتى تسودَها الاضطرابات، وتفقدَ ثقلها المؤثر كدولة مستقرة في المنطقة، وأيضًا لتدمير السياحة في البلاد مما يجعلها تُعاني من متاعب اقتصادية.
هتف «عثمان» في حنَق: يا لَهم من مجرمين … كيف يمكن لإنسان مهما كان أن يشارك في قتل الأبرياء بلا ذنب وترويع الآمنين؟
رقم «صفر»: لحسن الحظ، فإن قوى الأمن في «مصر» مستيقظة تمامًا، ولم تسمح بإفلات أي إرهابي من قبضتها، وأثبتَت التحقيقات علاقةَ بعض دول المنطقة بهؤلاء الإرهابيِّين وتزويدهم بالسلاح والمال.
تساءلَت «ريما» في قلق: وهل نجحَت إحدى هذه المجموعات الإرهابية في التسلُّل داخل «مصر»؟ وهل سيتم الاستعانة بالشياطين للقبض على هذه المجموعة الإرهابية؟
رقم «صفر»: لا، هذا لم يحدث حتى الآن … ولكن سيحدث قريبًا!
علَت الدهشةُ وجوهَ الشياطين بعد سماع كلمات رقم «صفر» الغامضة … وتساءل «أحمد»: إذن فأنتم تعرفون أن هناك مجموعةً إرهابية قادمة لدخول «مصر» … ولا شك أنكم تعرفون أفرادها ولديكم صِوَرهم. إذن لماذا لا تنتظرها قوى الأمن للقبض على أفرادها عند وصولهم إلى «مصر»؟!
رقم «صفر»: لا … ليس هذا هو هدفَنا … إننا سنترك هذه المجموعة الإرهابية تدخل البلاد، دون أن نُلقيَ القبض على أفرادها، بل وسنسمح لهم بتهريب أسلحتهم أيضًا إلى داخل البلاد.