منظمة «الأصابع الدموية»
تبادل الشياطين نظرةً مندهشة … وتحدَّث رقم «صفر» في هدوءٍ قائلًا: إننا هذه المرة نخطط لهدف مختلف تمامًا … فإن تكرار قيام السلطات المصرية بالقبض على المجموعات الإرهابية ونجاحها الساحق في ذلك قد يدفع بإحدى هذه المجموعات إلى عمل انتحاري لإثبات الوجود … وأيضًا فإن الخطة لها هدفٌ آخر … إن المعلومات التي وصلَتنا عن هذه المجموعة الإرهابية الجديدة تُفيد بأنها ستعمل على نسْفِ مقرِّ إحدى السفارات الغربية في «مصر»، وأيضًا زرْع المتفجرات في الأماكن العامة … ليس هذا فقط … بل إنهم يُخططون أيضًا لنَسْف أحد الفنادق بهدفِ شلِّ السياحة العالمية ﻟ «مصر» … أي أن هدفهم مزدوج … ترويع الأمن الداخلي، وضرب الاقتصاد.
ضاقَت عينا «أحمد»، وقال: لقد بدأتُ أفهم يا سيدي؛ فليس المطلوب هو القبض على أعضاء هذه المجموعات الإرهابية فقط … بل أيضًا على آخرين … داخل البلاد. تلك المسمَّاة بالمجموعة الساكنة.
رقم «صفر»: بالضبط … هذا هو ما تهدف إليه قوى الأمن في «مصر» … فحسب أنظمة الإرهاب العالمية، فهناك ما يسمَّى بالمجموعة الساكنة أو الخلايا الساكنة … وهم بعض الأفراد التابعين لمنظمة إرهابية أو دولة إرهابية يُقيمون في إحدى البلاد، ويتجنَّسون بجنسيتها، ويمارسون نشاطًا عاديًّا يُبعدهم عن أية شبهة … ولكن حالما تصدر إليهم الأوامر من الجهات التابعين لها، فإنهم يقومون بعمليات إرهابية خاطفة داخل المجتمع الذي يعيشون فيه، ثم يعودون إلى أعمالهم وشخصياتهم الأولى … دون أن يُثيروا الريبةَ فيهم، ودون أن تَصِل إليهم يدُ العدالة … والذي لا شك فيه أن هناك عددًا من الخلايا الساكنة تعيش في «مصر» … وتمارس نشاطًا عاديًّا، وأنها تنتظر نجاحَ إحدى المجموعات الإرهابية في الدخول إلى «مصر» … لتتصل بها وتعمل على التنسيق معها في أعمالها الإرهابية.
هتفت «إلهام»: شيء مذهل … إنه تفكير جهنمي …
عثمان: ولهذا ستسمحون لتلك المجموعة الإرهابية بالدخول إلى «مصر» … ومن المؤكَّد أنهم سيقومون بالاتصال بالخلايا الساكنة أولًا للتنسيق فيما بينها … وقبل أن يقوموا بأية عملية إرهابية تُلقون القبض على الجميع.
رقم «صفر»: بالضبط … وبذلك نكون قد كشفنا إحدى تلك الخلايا الساكنة، وكشفنا أمرَها. وقد يؤدي سقوطُها إلى سقوط بقية الخلايا الأخرى إن كان هناك اتصال بينها، خاصةً أن تلك الخلايا الساكنة مُدرَّبة على صناعة قنابل محلية بوسائل بسيطة … فهي بذلك تمثِّل خطرًا داخليًّا لزعزعة الأمن لا يمكن الاستهانة به.
تساءل «قيس»: هل هناك أية معلومات عن تلك المجموعات الإرهابية التي ستصل إلى «مصر»؟
أجاب رقم «صفر»: بل هناك فيلمٌ تليفزيونيٌّ قصيرٌ يمثِّلها وهي تقوم بإحدى عملياتها.
بو عمير: هذا مذهل، ومَن الذي التقط شريطَ هذا الفيلم؟
رقم «صفر»: إنه مصوِّرٌ إيطالي هاوٍ … كان متواجدًا في نفس المكان بالصدفة على مسافة، وعندما بدأ الإرهابيون عملَهم استطاع التقاطَ الفيلم، وقد قام بتسليمه للسلطات الإيطالية فيما بعد … غير أن الإرهابيِّين سارعوا بالهرب من البلاد، وتمكنَّا من التعاون مع السلطات الإيطالية لتسليمنا نسخةً من الفيلم للاستعانة بها في التعرُّف على هؤلاء الإرهابيِّين وأسلوبهم في العمل … ومن المدهش أنهم من الجرأة بحيث يمارسون عملياتِهم الإجرامية دون أن يضعوا أية أقنعة فوق وجوههم … وضغط رقم «صفر» بجواره، فأظلمَت القاعة … وأُضيئَت شاشةٌ سينمائية صغيرة إلى اليمين، وبدأ عرض الشريط التليفزيوني.
كان المشهد يصوِّر أحدَ السياسيِّين الأجانب، وهو يقترب في موكب رسمي داخل سيارة مصفحة، تحيط به مجموعةٌ من الحرس المسلحين فوق الموتوسيكلات وسيارات الجيب.
وفجأةً طارَت كرةٌ صغيرة من إحدى الشرفات القريبة، وسقطَت أمام السيارة المصفحة، ودوَّي انفجارٌ كبير عند ارتطام الكرة بالأرض … وفي الحال ساد الاضطراب صفوفَ الحراس، فسقط راكبو الموتوسيكلات، وتوقَّفَت سيارات الجيب في عنف … واندفع الحراس شاهرين مدافعَهم الرشاشة في كل اتجاه بعد أن توقَّف الموكب الرسمي. أما السيارة المصفَّحة فلم تُصَب بسوء، ولم تستطع شظايا القنبلة اختراقَها.
ثم اندفع أحد الحراس نحو السيارة المصفَّحة، وهتف في السياسي الأجنبي: فلتُسرع بمغادرة السيارة يا سيدي … فهناك قنبلة أخرى بداخلها ستنفجر حالًا.
وعلى الفور اندفع السياسي خارجًا من السيارة، وفي نفس اللحظة مرقَت سيارة صغيرة بجواره، وبها راكبان؛ رجل وفتاة، وانطلق منها سيلٌ من الرصاص نحوه، فسقط السياسي على الأرض قتيلًا … واندفعَت السيارة الصغيرة هاربة. وما إن أفاق الحراس لما حدث حتى اندفعَت سيارة الجيب المسلَّحة خلف السيارة الصغيرة … وقبل أن تلحق بها ظهر من أحد الشوارع الجانبية أوتوبيس صغير قام بسد الشارع أمام عربات الجيب المسلحة، وما كادت تَصِل إليه حتى انفجر الأوتوبيس، وتحوَّل إلى شعلة ملتهبة، واستحال على سيارات الجيب مواصلة مطاردة السيارة الصغيرة، بينما أسرع سائق الأوتوبيس باللحاق بالسيارة الصغيرة، ثم فرَّت دون أن يتمكَّن أحد من اللحاق بها.
توقَّف عرض الفيلم وأُضيئَت الأنوار … وبدَت الدهشة على وجوه الشياطين لما شاهدوه من براعة الفريق الإرهابي في تنفيذ عملية الاغتيال والهرب … وقالت «إلهام» متسائلة: بالطبع فإن أحدًا لم يتمكن من اللحاق براكبي السيارة الصغيرة؟
رقم «صفر»: لا … لقد مشَّطَت السلطات الإيطالية البلادَ بحثًا عن راكبي السيارة دون فائدة. وبرغم معرفة السلطات الإيطالية لملامحها، إلا أنها لم تتمكن من القبض عليهما … أيضًا فإن سائق الأوتوبيس المحترق لم يعثر عليه أحد … وأثبتَت تحريات الشرطة الإيطالية أن السيارة الصغيرة مسروقة، ولم يترك بها الإرهابيون أيةَ بصمات … وكذلك كان الأوتوبيس مسروقًا وملغومًا لينفجر حالما يُغادره سائقُه …
عثمان: والإرهابي الذي ألقى القنبلة على الموكب … ألم يُقبَض عليه؟
رقم «صفر»: لم يكن هناك أحدٌ في تلك البناية … وثبت من تحقيقات الشرطة الإيطالية أن القنبلة كانت معلَّقةً بخيط في الشرفة ومتصلة بجهازٍ إلكتروني يمكن التحكم فيه عن بُعد … ولا شك أن راكبَي السيارة الصغيرة هما اللذان قامَا بذلك عند اقتراب الموكب الرسمي من الهدف … إن هذا يدل على براعة هذه المجموعة الإرهابية وتخطيطها للعملية في إتقانٍ شديد …
تساءل «بو عمير» قائلًا: ولكن يا سيدي، مَن الذي قام بذرع تلك القنبلة داخل سيارة الدبلوماسي الأجنبي؟
أجاب رقم «صفر» في هدوء: لم تكن هناك أية قنبلة داخل السيارة!
بو عمير: ولكن …
رقم «صفر»: لقد كان ما حدث جزءًا من الخطة الإرهابية … فذلك الحارس الذي اقترب من السياسي وحذَّره من وجود القنبلة داخل سيارته، كان حارسًا زائفًا انضمَّ إلى بقية الحراس أثناء الاضطراب الذي ساد بعد انفجار القنبلة مرتديًا نفسَ الملابس … وبالطبع فإن هدفَه كان إخراجَ السياسي من سيارته المصفَّحة لكي يتمكن زميلاه داخل السيارة الصغيرة من قتله … فبالرغم من أن السياسيَّ الأجنبي كان يستقلُّ سيارة مصفحة لا تؤثر فيها القنابل، ولا طلقات الرصاص … إلا أن الإرهابيِّين الأربعة استطاعوا تنفيذَ جريمتهم بدقة وذكاء … وبالطبع فقد استطاع ذلك الحارسُ المزيف الابتعادَ والهرب بعد أن قام بدوره. وهذا يؤكد أن هؤلاء الأفراد الأربعة قد تلقَّوا تدريبًا عاليًا جدًّا في عملهم الإجرامي. أما استطاعتهم الهرب خارج البلاد بعد تنفيذهم عمليتهم فهو يدل على أن هناك منظمةً شديدةَ القوة تقف خلفهم.
تساءلت «زبيدة»: وما اسم هذه المنظمة الإرهابية؟
رقم «صفر»: إنها تُدعَى منظمة «الأصابع الدموية»، وهي منظمة ليس لها هدفٌ سياسيٌّ مُعلَن، إنها أشبهُ بالمرتزقة الذين يستأجرهم بعضُ الأفراد لمهامٍّ خاصة مقابل ثمن مرتفع … لقد اضطرَّتهم الشرطة الإيطالية إلى الهرب إلى مكان مجهول. وقد نتمكَّن من كشف الكثير من أسرار وأعضاء هذه المنظمة الإرهابية عند القبض على أفرادها … وسنعرف أيضًا الجهةَ التي تموِّلهم وتدفعهم للقيام بتلك العملية التخريبية في «مصر».
وضغط رقم «صفر» على زرٍّ بجواره، فانطبعَت صورُ الإرهابيِّين الأربعة فوق الشاشة أمام الشياطين … كانوا ثلاثةَ شبان وفتاة … كان أحدُهم نحيلًا طويلًا بوجهٍ مثلَّث، له نظرةٌ حادة مليئة بالدهاء … وكان الثاني قصيرًا ممتلئَ الجسم بعضلاتٍ قوية وشاربٍ كثيف ورأسٍ له مقدمةٌ صلعاء … أما الثالث فكان رياضيَّ الجسم بوجهٍ وسيمٍ يوجد أثرٌ لجرحٍ عميق في ذقنه، أما الفتاة فكانت طويلةً نحيلةً بشعرٍ بنيٍّ وملامحَ قوية، وعينَين ذات نظرة مليئة بالقوة والشر …
قال رقم «صفر»: إننا لا نعرف لهؤلاء الإرهابيِّين اسمًا … ولا ندري ما هي الأسماء التي سيأتون بها إلى «مصر» في جوازاتهم … ولذلك سنُطلق عليهم أسماءً كوديَّة من جانبنا … فالأول سندعوه «كارلو»، والثاني «جاك»، والثالث «ألبرت» … أما الفتاة فسندعوها «صافي».
مصباح: ومتى ستصل أفراد «الأصابع الدموية» إلى «مصر»؟
رقم «صفر»: مساء الغد في طائرة العاشرة مساءً القادمة من «قبرص»، وهناك شقة مفروشة محجوزة باسمهم في إحدى عمارات ميدان المساحة بالدقي … وستكون مهمةُ مجموعة الشياطين التي ستُراقب هذا الفريق الإرهابي هي كشفَ الخلايا الساكنة التي ستحاول الاتصال بالإرهابيِّين. وعلى ذلك فيجب ألَّا يغيبَ هؤلاء الإرهابيون لحظةً واحدة عن عيونكم … إلى أن يسقطَ الجميع في المصيدة، وقبل القيام بأية عملية إرهابية داخل البلاد.
ساد صمتٌ عميق بعد كلمات رقم «صفر» … وبدَا على الشياطين اللهفة لمعرفة أفراد الفريق الذي سيقوم بمراقبة ومطاردة هؤلاء الإرهابيِّين.
وأخيرًا تحدَّث رقم «صفر» قائلًا: سوف يتكوَّن فريقُ المطاردة من أربعة أفراد، هم «أحمد»، و«خالد»، و«قيس»، و«إلهام» …
وفي صوت عميق أضاف: وفَّقكم الله لحمايةِ أمنِ وطننا العربي.