رسالة بالشفرة!
تبادل الشياطين المراقبةَ والإنصات حتى الصباح … كان صوت الكاسيت قد توقَّف بعد نصف ساعة، وساد سكونٌ عميق حتى الصباح …
وقبل الساعة التاسعة كان الإرهابيون الأربعة يستقلُّون تاكسيًا إلى وكالة لتأجير السيارات، ويستأجرون سيارة شيفورليه عريضة كبيرة … ثم اتجهوا بها إلى منطقة الأهرامات، وسيارة الشياطين الصغيرة تَتْبعهم عن بُعد.
إلهام: هل تظنون أن اتصال الإرهابيين ﺑ «أبو الحسن» سيبدأ اليوم؟
قيس: هذا ما نرجوه.
أحمد: سوف تكون مراقبةُ هؤلاء الإرهابيِّين داخل منطقة الهرم أمرًا صعبًا؛ فالمنطقة مزدحمة حافلة بالسياح … وقد لا يكون الاتصال المنتظر أكثرَ من كلمةِ سرٍّ يتبادلونها بسرعةٍ أو رسالة صغيرة يَدسُّها أحدُهم في يدِ الآخر دون أن ننتبهَ لذلك.
خالد: دعونا لا نسبق الأحداث.
توقَّفَت الشيفورليه أمام منطقة الهرم … وغادرها الإرهابيون الأربعة، وتوجَّهوا إلى سفح الهرم … وهتف «خالد» في الباقين: سأقوم بزرع ميكروفون سرِّي بداخل سيارة هؤلاء المجرمين، وسألحق بكم بعد قليل.
أومأ بقيةُ الشياطين برءوسهم بالموافقة … وغادر «خالد» السيارة التي دار «أحمد» بها، وركنَها على مسافةٍ من الشيفورليه، وغادر الشياطين الثلاثة السيارة، وراحوا يتتبَّعون أعضاءَ منظمة «الأصابع الدموية»، وعيونُهم لا تغفل عنهم …
ولكن المراقبة لم تؤدِّ إلى شيء … فقد قضى الإرهابيون وقتَهم كأيِّ سياحٍ عاديِّين يشاهدون الآثار، ويركبون الجمال، ويلتقطون الصور دون أن يحاولوا الاقتراب من أحد، أو أن يفعلوا ما يريب … وفي نهاية اليوم عادوا إلى سيارتهم التي حملَتهم إلى مسكنهم مرة أخرى، وسيارة الشياطين خلفهم، ولم يحمل لهم الميكروفون السري غيرَ حديثٍ عاديٍّ … إلى أن قالَت «صافي»: لم أكن أظن أن الأهرامات بمثل هذه الضخامة.
وعاد الإرهابيون إلى شقتهم، وكذلك الشياطين، وعاد صوت الكاسيت يعلو بأغنية غربية صاخبة، وترامق الشياطين في قلق. وقالت «إلهام»: إنهم لم يُجروا أيَّ اتصالات تليفونية؛ فلماذا يرفعون صوت الكاسيت بتلك الصورة؟
خالد: لعلهم يتحدَّثون عن خُطَّتهم القادمة.
إلهام: لو كانوا في حاجة إلى حديث من هذا النوع لتبادلوه في الأهرامات، حيث لا يخشَون أن يكون هناك مَن يتصنَّت عليهم.
خالد: إذن ما سرُّ ما يفعلون؟
أحمد: ليس هناك غيرُ احتمال واحد … إنهم يقومون باتصال لاسلكي بواسطة جهاز إرسال واستقبال خاص معهم.
هبَّت «إلهام» واقفة وهي تقول: يوجد معنا أحدثُ جهازٍ لاستقبال الموجات اللاسلكية … سآتي به حالًا.
واندفعَت إلى حجرتها … وعادت بجهاز صغير متصل بإيريال خارجي … وراحَت تُدير محطاته حتى توقَّفَت لاهثةً أمام إحدى المحطات … كان من الواضح أن هناك رسالة تُرسَل بالشفرة … وأسرعَت «إلهام» إلى تسجيل الرسالة … وكان حلُّها سهلًا، وترجمَتها «إلهام» قائلةً: في مكانٍ ما على النيل على مسافة مائة متر بالضبط … على عمق سبعة أمتار … الليلة.
تبادل الشياطين النظراتِ المندهشة … وتساءل «خالد»: ما معنى هذه الرسالة … هل هو موعد لمقابلة هؤلاء الإرهابيِّين بأفراد الخلايا الساكنة و«أبو الحسن»؟
قيس: ولكن هل تتم المقابلة على عمق سبعة أمتار من الأرض أو النهر. إن الأمر بهذا الشكل يبدو مستحيلًا.
ضاقَت عينَا «أحمد» وهو يقول: لقد بدأتُ أفهم معنى تلك الرسالة … من المؤكد أن هذا المكان يحدِّد لهؤلاء موقع الأسلحة التي سيتسلمونها للقيام بعملياتهم داخل «مصر» … فلا شك أن الرشاشات والقنابل مخفاة في أكياس بلاستيكية لا يتسرَّب إليها الماء … وقد وُضعَت في ذلك المكان النائي على عمق سبعة أمتار في قلب النيل، فيستحيل على أيِّ إنسان اكتشافها … ومن المؤكد أن «أبو الحسن» ومجموعته هم مَن وضعوها في ذلك المكان.
قالت «إلهام» في قلقٍ: إن هذا معناه أن أفراد تلك الخلايا لن يكشفوا عن أنفسهم لأعضاء منظمة «الأصابع الدموية»، وسيكتفون بإمدادهم بالأسلحة.
قيس: إن هذا يهدم خُطتَنا من أساسها … ويجعل من المستحيل الكشف عن شخصية أفراد هذه الخلايا الساكنة.
إلهام: المهم الآن أن نمنع هؤلاء الإرهابيِّين من الحصول على الأسلحة.
أحمد: لا، بل سنُسهِّل لهم الحصول عليها، وسنترك كلَّ شيء يسيرُ حسبما خطَّط له هؤلاء المجرمون.
هتفَت «إلهام» في توترٍ شديد: ماذا تقول يا «أحمد» … إن وصول هذه الأسلحة لأيدي «الأصابع الدموية» فيه خطورة كبيرة.
ضاقَت عينَا «أحمد» وهو يقول: لن تكون للأسلحة أية فائدة مع أعضاء «الأصابع الدموية»، إن هذه الطريقة ستدفع بأفراد الخلايا الساكنة للكشف عن أنفسهم رغمًا عنهم.
إلهام: كيف ذلك يا «أحمد»؟
أحمد: سأُخبركم في الطريق … والآن هيَّا بنا؛ فلا وقتَ لإضاعته.
قيس: أين سنذهب؟
أحمد: إلى الكورنيش … فيجب أن نسبق «الأصابع الدموية» في الوصول إلى هناك لنقوم بعمل صغير.
ولمعَت عيناه ببريق التحدِّي … وقد ارتسمَت على وجهه نظرةٌ واثقة ساخرة إلى أقصى حدٍّ. ولمعَت عينَا «إلهام»، وقد بدأت تُدرك ما يقصده «أحمد»، أما «خالد» و«قيس» فظهرَت الحيرة على وجهَيهما.
ولكن … وخلال دقائق كانت سيارة الشياطين الصغيرة تحملهم باتجاه الكورنيش … وقد بدأ الليل يسقط في المكان … وظهر نهر النيل إلى يمين سيارة الشياطين هادئًا … رقراقًا … يجري بالخير والرزق للناس جميعًا … دون أن يدريَ أن هناك مَن وضع الموت في قلب الحياة النابض فيه!