قليل من الحظ!
لم يكن هناك وقتٌ أمام «أحمد» و«قيس» حتى للهرب …
كانت عقارب ساعة القنبلة تجري بسرعة شيطانية منذرةً بنهايةٍ دموية، وعددٍ من الضحايا لا حصر له …
وكان أمام «أحمد» و«قيس» تصرُّفٌ وحيد … أن يُبطلَا عمل القنبلة مهما كان الثمن … برغم خبرتهما القليلة في ذلك.
وراح «أحمد» يُعالج أسلاك القنبلة في حذر … وقد تصبَّب بالعرق … وكان يُدرك أن أية لمسة خاطئة قد يكون معناها انفجار القنبلة … وتوالَى مرورُ الثواني، ولم يعرف «أحمد» كيف يُوقِف مفعول القنبلة. وتناقصَت الثواني بسرعة رهيبة … خمس ثوانٍ … أربع … ثلاث … اثنتان، وفي حركة يائسة لطم «أحمد» الساعة الميقاتية كأنه يريد أن يوقف عقارب الموت … وتهشَّم زجاج الساعة … وقد تبقَّى ثانية واحدة … وأغمض «أحمد» و«قيس» عينَيهما في انتظار لحظة الانفجار الرهيب …
ولكن القنبلة لم تنفجر … ومرَّت ثوانٍ كأنها دهور، والشيطانان قد استسلمَا لمصيرهما … وفتح الاثنان عينَيهما في حذرٍ وأطلَّا نحو القنبلة …
كانت الساعة الميقاتية قد توقَّفت بسبب ضربة «أحمد» … توقَّفَت قبل النهاية بثانية واحدة …
هتف «قيس»: إنني لا أكاد أُصدِّق ما يدور. هذه معجزة!
تنهَّد «أحمد» في راحةٍ تامة قائلًا: الحمد لله، مَن يدري ماذا كان يمكن أن يحدث لو انفجرَت هذه القنبلة.
قيس: سأُسرع بالاتصال برجال الأمن لإرسال خبراء في المفرقعات لإبطال مفعول هذه القنبلة، وحملها بعيدًا عن هنا بدون إثارة ذعر السكان. واندفع «خالد» و«إلهام» داخلَين إلى المكان أيضًا بعد أن أصابها القلق لتأخُّر «أحمد» و«قيس» في العودة.
وتساءلَت «إلهام» في قلق: ماذا حدث؟
أشار «أحمد» إلى القنبلة الكبيرة … وأخبرهما بما حدث وهروب الإرهابيِّين بملامحهم الحقيقية …
وعاد «قيس» وهو يقول: سيصل رجال مكافحة الإرهاب بعد قليل لإبطال مفعول القنبلة وحملها بعيدًا …
قطَّبَت «إلهام» حاجبَيها في ضيقٍ قائلةً: ونحن … ما الذي سنفعله بعد أن فشلنا في مهمتنا وهرب الصيد منَّا؟
قال «قيس» في ألمٍ: سيستحيلُ علينا اكتشاف مكان هؤلاء الإرهابيين مرةً أخرى … فلا شك أنهم يحملون جوازاتِ سفر أخرى غير التي دخلوا بها إلى البلاد … وسيكون من السهل عليهم بهذه الجوازات التي تحمل أسماءً مختلفة ووجوهًا مختلفة، أن يذهبوا إلى أيِّ مكانٍ ويقيموا فيه باعتبارهم سيَّاحًا عاديِّين … وفي اللحظة المناسبة يقومون بعملياتهم الإجرامية، ثم يهربون …
هبَّ «خالد» واقفًا وهو يقول: إن الأمل لم يَمُت بعدُ.
أحمد: ماذا تقصد يا «خالد»؟
خالد: لقد احتطتُ لمثل هذا الأمر؛ ولذلك فعندما ذهب الإرهابيون الأربعة إلى الأهرامات تاركين سيارتِهم الشيفورليه، قُمتُ بزرع ميكروفون صغير في ركن خفي بالسيارة، وبالإضافة إلى ذلك قمتُ بزرع جهاز صغير يبثُّ موجاتٍ ضوئيةً وصوتية تكشف عن مكان مَن يحملها في دائرةٍ قطرُها عشرون كيلومترًا.
لمعَت عينَا «إلهام» وهتفَت: أنت رائع يا «خالد».
أحمد: وأين وضعتَ هذا الجهاز الصغير؟
خالد: لقد ثبَّتُّه في ثنية ياقة معطف «صافي» الثقيل الذي كان في السيارة، والجهاز لا يزيد حجمه عن زرار صغير، فيستحيل عليها اكتشافه.
قيس: المهم أن تكون هذه الإرهابية قد حملَت هذا المعطف معها.
تلفَّتَت «إلهام» حولها وهي تقول: لا توجد أية معاطف هنا … والسيارة المستأجرة بأسفل خالية من أشياء هؤلاء الإرهابيِّين.
خالد: إذن فلا بد أن «صافي» قد حملَت معطفَها معها، وبواسطة جهاز الرصد في سيارتنا سيمكننا تتبُّع مكان وخط سير الإرهابيين الأربعة.
أحمد: المهم ألَّا يكونوا قد ابتعدوا أكثر من عشرين كيلومترًا … هيَّا بنا فلا وقتَ لإضاعته …
واندفع الشياطين الأربعة لمغادرة الشقة في نفس اللحظة التي اندفع فيها رجال مكافحة الإرهاب داخلين … فأشار لهم الشياطين على مكان القنبلة … ثم أسرعوا يغادرون المكان بأقصى سرعة نحو سيارتهم.
وامتدَّت يدُ «أحمد» نحو جهاز الرصد داخل السيارة … وقام بتشغيله … وتعلَّقَت عيونُ الشياطين بشاشة الجهاز الصغير … ولكن الشاشة ظلَّت على صمتِها وسكونها … لا تُضيء أو تُشير في أي اتجاه …
تبادل الشياطين النظراتِ في عدم تصديقٍ وحزن … كان معنى ذلك احتمالَين لا ثالثَ لهما …
إما أن «صافي» اكتشفَت جهاز البث الصغير وحطَّمَته … وإما أنها ابتعدَت مع زملائها مسافة … أكثر من عشرين كيلومترًا.
غمغمَت «إلهام» في حزنٍ قاتل: لا فائدة … لقد هربوا منَّا وصار من المستحيل علينا العثور عليهم … لقد تخلَّى الحظُّ عنَّا.
وامتلأَت عيناها بالدموع الساخنة … دموع الحزن والألم … ولم يكن باستطاعة أحد من الشياطين أن يفعل شيئًا لمواساتها … فقد كانوا جميعًا يشعرون بنفس المرارة التي تشعر بها «إلهام».
وفجأةً امتدَّت أصابع «أحمد» نحو مفتاح تشغيل السيارة … ثم أدارها وانطلق بها في اتجاه أيِّ الميادين.
وتلاقَت نظراتُ الشياطين في دهشة، وتساءل «خالد»: إلى أين أنت ذاهب يا «أحمد»؟
أجاب «أحمد» بوجهٍ خالٍ من المشاعر: إنها مجردُ محاولة.
واتجه نحو طريقِ «الهرم» بعد أن تجاوز الميدان وعيناه معلَّقتان على شاشة جهاز الرصد الذي بقيَ على صمتِه، وقُرب نهاية الطريق أدار «أحمد» السيارة عائدًا بها مرةً أخرى إلى قلب العاصمة.
واتجه «أحمد» بأقصى سرعة باتجاه كوبري «قصر النيل»، وتجاوزَه مخترقًا شارع ٢٦ يوليو في اتجاه الحسين. وفجأة ومضَت بقعةُ ضوءٍ صغيرة في قلب شاشة جهاز الرصد، وصرخَت «إلهام» من الفرحة: إننا نقترب من مكان هؤلاء المجرمين.
أحمد: أرجو أن نعثرَ عليهم سريعًا.
وزاد من سرعة سيارته باتجاه صلاح سالم. وقد زادَت قوةُ الومضات، وكان من الواضح أن أفراد منظمة «الأصابع الدموية» قد سلكوا الطريق جهة اليمين … الطريق الصاعد إلى الجبل، وانطلقَت سيارةُ الشياطين تُسابق الأمل صاعدةً طريقَ الجبل المتعرِّج الملتوي في رشاقة وسرعة.
وأخيرًا اعتلَت السيارةُ هضبةَ الجبل، وظهرَت أضواءُ القاهرة من أسفل كأنها أنوار عالم مسحور …
وتساءلَت «إلهام» في قلق: إن الجبل مكانٌ صعب، فأي اتجاه سنبحث فيه؟
أحمد: سوف نقطع كلَّ الاتجاهات بحثًا عن هؤلاء المجرمين … وأرجو أن يكون الحظُّ حليفَنا إلى النهاية.
ضغط «أحمد» فوق دواسة البنزين … فانطلقَت السيارة الصغيرة تزأر فوق الطريق الصخري كأنها وحشٌ حبيسٌ أفلتَ من قيوده.