معركة فوق الجبل!
انطلقَت سيارةُ الشياطين بكل سرعتها إلى الجبل. وقد زادَت ومضاتُ جهاز الرصد، وتضاعفَت قوتها …
هتف «خالد» في انتصار: إننا نتقدم في الاتجاه الصحيح.
وأخيرًا تحول الضوء الأصفر فوق شاشة الجهاز إلى اللون الأحمر الدموي … فصاحَت «إلهام» في سعادة: لم يَعُد يفصلنا عن الهدف غير مائتي متر فقط.
أوقف «أحمد» محركاتِ السيارة الصغيرة، وتطلَّع الشياطين حولهم في حذر، كانوا قد وصلوا إلى قلب الجبل باتجاه الهضبة الوسطى … وهو مكان جديد يكسوه الظلام، وقد ظهرَت على مسافة عددٌ من المنشآت الصغيرة، ولم تكتمل بعد وقد ساد الهدوء والسكون المكان.
قال «قيس»: دعونا نغادر السيارة، ونستكشف المكان.
غادر الشياطين الأربعة سيارتهم، وراحوا يتطلَّعون حولهم في حذر … وأشارَت «إلهام» إلى منزل صغير بعيد أشبه بكوخٍ يصدر عنه ضوءٌ ضعيف، وهمسَت للباقين: دعونا نقترب من هذا المنزل، إنه يبدو مسكونًا …
أومأ الباقون برءوسهم موافقين، واقتربوا في حذرٍ من المنزل الذي كانت تُحيطه حديقةٌ جرداء بها بعضُ الأشجار اليابسة، وكان المنزل غارقًا في الصمت، إلا من ضوءٍ يسيرٍ يتسلَّل من إحدى النوافذ في الطابق الثاني.
فجأةً، سمع الشياطين صوتًا يزوم من داخل الحديقة، فهتفَت «إلهام» في توتر: هناك كلب في هذه الحديقة، قد يفضحنا بنباحه.
في اللحظة التالية قفز الكلب المتوحش نحو الشياطين، ولكن حركة «أحمد» كانت أسرع، فأخرج من جيبه مسدسًا يحوي طلقات منومة، وصوَّبه على الكلب وأطلقه، فسقط الكلب على الأرض، وخمدَت حركتُه وغَرِق في نومٍ عميق.
قال «خالد»: أنت رائع يا «أحمد»، لم أكن أظن أنك تحمل معك هذا المسدس.
أحمد: لا تنسَوا أننا نريد القبض على هؤلاء الإرهابيِّين وأفراد الخلايا الساكنة أحياء … وليس أفضل من الطلقات المخدرة لشل حركتهم، والقبض عليهم دون إصابتهم.
قيس: دعونا نتسلَّل إلى داخل هذا المنزل.
اقترب الشياطين من باب المسكن، وكان مغلقًا من الداخل … ولكن «خالد» تمكَّن من فتحِه بمهارة بواسطة أداة صغيرة معه، وتسلَّل الشياطين الأربعة إلى داخل البيت، وسمعوا أصواتًا تأتي من الطابق الثاني، فصَعِدوا السلالم في حذر … وظهرَت أمامهم حجرةٌ مضاءةٌ بابها موارب قليلًا، فأشار «أحمد» إلى زملائه أن يقتربوا في حذر.
ظهر بداخل الحجرة ستة أشخاص، كانوا يبدون مثل خليط من أجناس مختلفة، وكانوا يتحدثون بالإنجليزية.
وقال أحدهم في حدَّة: من المخاطرة أن نجتمع في هذا المكان معًا. لقد عشنا سنواتٍ طويلةً في القاهرة كطلبة أو عمالة أجنبية مقيمة في البلاد دون أن يشكَّ أحد فينا … ولم نلتقِ أبدًا من قبل ولا أدري سرَّ هذا الاجتماع الليلة هنا.
وتحدَّث أحد الشباب قائلًا: ربما يستطيع «أبو الحسن» تفسيرَ ذلك لنا.
تحدَّث أحد الرجال قائلًا: لا تقلقوا … نحن في أمانٍ تامٍّ. لقد كنت لا أرغب في أن نتقابل معًا، وأن نساعد منظمة «الأصابع الدموية» بالسلاح والمتفجرات. دون أن نظهر في الصورة … ولكن يبدو أن أعضاء المنظمة كانوا تحت المراقبة، وحاول أحدُهم قتلي عندما كنت أحرس شحنة الأسلحة والمتفجرات التي تركناها غائصةً في النيل خلف الكازينو، ولكنني تصرفتُ بطريقة مناسبة، فزرعتُ قنبلةً زمنية في سيارة مَن كانوا يطاردوننا … وكذلك ترك زملاؤنا قنبلةً ضخمة في المسكن الذي كانوا يقيمون فيه … ولا بد أن الانفجارَين قد حدثَا، فأطاحَا بمَن كانوا يراقبوننا، وتقطَّعَت الخيوط المؤدية إلينا … أما انفجار العمارة فلا بد أنه سيشغل أجهزة الأمن المصرية فسيسهل علينا الحركة.
تساءل أحد الرجال: ولكنني للآن لم أفهم … ما الهدف من اجتماعنا هنا؟
أجاب المدعو ﺑ «أبي الحسن»: لقد حدثَت بعضُ التعديلات في الخطة، وجاءت الأوامر بأن نتحرك مع أفراد «الأصابع الدموية»، ونشاركهم عملياتهم. وستكون مهمتُنا منذ هذه اللحظة تخريبَ وتفجيرَ بعضِ المنشآت … وسنفعل ذلك بالتبادل حتى لا يمكنَ لأحد الوصول إلينا، ولتشتيتِ جهودِ مَن سيقومون بمطاردتنا … ولا تنسَوا أننا بعيدون عن الشكوك. وفي نهاية عمليتنا سيكون علينا مساعدة أعضاء «الأصابع الدموية» على الهرب ومغادرة البلاد، ثم انتظار آخرين غيرهم سوف يصلون بعد ذلك.
تساءل أحدهم قائلًا: وأين أعضاء منظمة «الأصابع الدموية» لماذا لم يأتوا حتى الآن؟
ابتسم أحد الشباب قائلًا: بل أتَوا قبل مجيئكم … وقمتُ بتزويدهم ببعض المتفجرات التي حصلنا عليها من المناجم، وانطلقوا في مهمةٍ سريعةٍ سيعودون بعدها إلى هنا ليتمَّ التعارف بينهم وبينكم، فلا تقلقوا أو تتعجلوا.
ترامق الشياطين الأربعة في قلقٍ شديدٍ ودهشة؛ فقد كان معنى حديث هذا الرجل أن الإرهابيِّين الأربعة قد غادروا المكان ومعهم المتفجرات للقيام بعملية تخريبية … وأن هناك خطرًا شديدًا لا بد من منعه.
اندفعَت «إلهام» لاهثةً نحو الشياطين وهي تقول: لقد عثرتُ على معطف تلك الإرهابية «صافي». إن جهاز الرصد الصغير لا يزال في ياقة المعطف.
قيس: لا بد أن «صافي» تركَت المعطف هنا بعد وصولها … وغادرت المكان بدونه.
خالد: علينا أن نمنع هؤلاء الإرهابيِّين من عمليتهم الإجرامية بأقصى سرعة.
أحمد: ولكن يجب أن نعرف إلى أين اتجهوا … وما هو المكان الذي سيضعون به القنابل … وليس هناك غير وسيلة واحدة لمعرفة ذلك.
ودفع باب الحجرة بقدمه في عنفٍ قائلًا: أيها المجرمون … لقد حان الآن وقتُ الحساب.
فوجئ الأفراد الستة أعضاء «الخلايا الساكنة» بدخول الشياطين الحجرة … وقبل أن تمتدَّ أيديهم إلى أسلحتهم. كانت حركة الشياطين أسبق بكثير … فقد طارت «إلهام» في الهواء وصوَّبت بقدمها ضربةً هائلةً إلى أحدهم، فأطاحَت به إلى الوراء … وقبل أن تمتدَّ أصابعُه إلى المسدس في حزامه. ألقت به قبضة «إلهام» إلى عالم الغيبوبة …
في نفس الوقت انطلقَت قبضة «قيس» إلى واحد من الثلاثة، فجعلَته يتقوَّس من الألم الشديد … وتكفلت ضربةٌ أخرى بأن تُسقطَه على الأرض بلا حَراك.
وقفز «خالد» إلى الرجلَين الآخرَين، وبضرباتٍ متتالية بسرعة مذهلة جعلهما يطيران إلى الوراء ويصطدمان بالحائط في عنف …
وفي نفس اللحظة امتدَّت أصابعُ أحد الشباب إلى مدفعه الرشاش، وصوَّب دفعةً من الرصاص نحو «أحمد»، ولكن «أحمد» قفز في الهواء عاليًا متحاشيًا طلقاتِ الرصاص، وسقط فوق كتفَي الشاب، وقبل أن يُفيقَ الأخير من الصدمة، أطاحَت قدمُ «أحمد» ببندقيته، وبقدمه الأخرى صوَّب ضربةً قوية إلى عدوِّه، جعلَته يترنَّح، ثم يسقط فاقدَ الوعي.
لم تستغرق المعركة غير ثوانٍ قليلة … وسقط خمسة من الأفراد الستة على الأرض غير قادرين على الحركة.
تلفَّت «أحمد» باحثًا عن الرجل السادس قائد المجموعة … ولكنه لم يجده في الحجرة … وكان من الواضح أنه انتهز فرصةَ انشغال الشياطين في المعركة، وأسرع بالهرب …
هتف «أحمد» في زملائه: عليكم بتقييد هؤلاء المجرمين … وسأذهب للبحث عن الرجل السادس قبل هروبه.
اندفع خارجًا من الحجرة … ووقف يتصنَّت لحظة، ولكنه لم يسمع أيَّ صوت … ثم التقطَت أذناه صوتًا ضعيفًا قادمًا من حجرةٍ مجاورة … فتسلَّل نحوها في حذرٍ … وما كاد ينظر بداخلها حتى دوَّى صوت طلقة رصاص مكتومة، فألقى «أحمد» بنفسه على الأرض، وارتطمَت الرصاصة بالجدار خلفه … وفي نفس اللحظة قفز الرجل من نافذة الحجرة إلى حديقة المنزل.
ولم يتردَّد «أحمد» فقفز خلفه … وقبل أن يصوِّب الرجل مسدسه مرةً أخرى نحو «أحمد» أطاحَت قدمُ الشيطان بمسدسه، وأمسكه «أحمد» وضغط عليه في قوة شديدة صائحًا به: والآن أيها الإرهابي … إن كنتَ تريد أن تعيش، فعليك أن تُخبرَني ما هو المكان الذي ذهب إليه أعضاءُ «الأصابع الدموية» ليقوموا بتفجيره، وإلا فسوف أتولَّى القضاء عليك.
ظهر الألمُ الشديد على وجه الرجل، وقال في صوتٍ متحشرج: لقد ذهبوا لتفجير إحدى السفارات الغربية في منطقة «جاردن سيتي».
تساءل «أحمد» وهو يشدِّد ضغطَه: أية سفارة؟
هتف الرجل في ألمٍ شديد: لا أدري … قد يقومون بإلقاء القنابل على أية سفارة في المنطقة.
وغامَت عينَا الرجل من الألم الشديد، وسقط فاقدًا الوعي. وفي نفس اللحظة اندفعَت مجموعةٌ من السيارات، وتوقَّفت بفرامل حادة أمام حديقة المنزل، وهبط منها عددٌ كبير من ضباط الشرطة ورجال العمليات الخاصة شاهرين أسلحتهم. وتقدَّم قائدهم نحو «أحمد» قائلًا: إنك أحد مجموعة الشياطين اﻟ «١٣» … أليس كذلك؟ لقد أبلغَتنا الرئاسة أنكم تشاركون في هذه العملية للقبض على الإرهابيِّين … وقد جئنا إلى هنا بعد أن أوصلَتنا تحرِّياتُنا إلى اجتماعٍ يعقده بعضُ أفراد الخلايا الساكنة لمساعدة الإرهابيين الأربعة.
أجاب «أحمد»: نعم … وستجدون بالداخل مجموعة من أفراد الخلايا الساكنة، وهذا هو زعيمهم، وقد قبضنا عليهم جميعًا … أما أعضاء منظمة «الأصابع الدموية»، فقد اتجهوا إلى منطقة «جاردن سيتي» لإلقاء بعض القنابل على إحدى السفارات هناك، وإن كنَّا لا ندري أية سفارة يقصدون.
هتف قائد الشرطة: سوف أتصل بأجهزة الأمن فورًا لتشديد الحراسة حول السفارات في ذلك المكان.
أحمد: أما نحن فسنتجه إلى هناك؛ فقد نتمكَّن من أن نفعل شيئًا للقبض على هؤلاء الإرهابيِّين قبل أن يقوموا بتفجير قنابلهم. وأرجو ألَّا نصلَ بعد فوات الأوان.
وأشار إلى بقية الشياطين، فأسرعوا إلى «أحمد»، واندفعوا إلى سيارتهم الصغيرة التي أدار «أحمد» محرِّكَها، وانطلق بها هابطًا من فوق الجبل.
واندفع رجال الشرطة والأمن والقوات الخاصة للقبض على أفراد الخلايا الساكنة، على حين راح قائد المجموعة يبعث برسالة باللاسلكي إلى قيادات الأمن لتشديد الرقابة حول منطقة «جاردن سيتي» بأكملها …
اندفعَت سيارة الشياطين تطوي الطريق بأقصى سرعتها … وغمغمَت «إلهام» في قلقٍ شديد كأنها تُحدِّث نفسها: تُرى أية سفارة سيقصد هؤلاء المجرمون؟ إن المكان هناك حافل بالسفارات الهامة، فإلى أية سفارة سيتَّجهون؟
لم ينطق أحدٌ من الشياطين … وراحوا يتابعون معالمَ الطريق الذي تعبره سيارتهم بسرعة شديدة في سباقٍ هائلٍ مع الزمن.