سلطانك على نفسك
من الأقوال التي تستوقف العقل وتلزمه التفكير قول الدكتور كارنو: «إن جروح الجنود الظافرة تبرأ بأسرع مما تبرأ جروح الجنود المهزومة.»
ولم يقل الدكتور كارنو هذه العبارة إثباتًا لنظرية بل تحقيقًا لاختبار اختبره بنفسه، وجدير بنا أن نقف نحن نتأمل مغزى قوله في ضوء الأبحاث النفسية الحديثة.
فإن الجندي الظافر يجد في قلبه من البهجة والسرور وفي نفسه وجسمه من النشاط ما يجعل جروحه سريعة البرء. بينما الجندي المهزوم يجد في الخيبة والفشل ما يكسر نفسه ويملأها غمًّا ونكدًا فتنحط بذلك قواه المعنوية وتؤثر في أعصابه. ثم تعود أعصابه فتؤثر في جسمه فيتأخر لذلك شفاؤه.
وكلنا في ميدان الحياة جنود، فمنا من ينظر إلى الدنيا متفائلًا من خلال زجاج وردي فتبدو له في زهوة وبهجة يبتسم لها فتبسم له، يعمل أعماله وهو واثق بالظفر يتوهمه خيالًا في نفسه فيتحقق في الوقاع، ومنا من يتشاءم، ينظر إلى الدنيا من خلال زجاجة سوداء، يتوقع الهزيمة في كل مكان، ويخشى الفشل في كل وقت، وما أسرع ما يفشل في الواقع.
فنجاحنا في هذا العالم يتوقف على خيالنا، فإذا تخيلنا أنفسنا ظافرين فنحن لا شك ناجحون في كل ما نتناوله من عمل؛ لأن عقلنا يتسلط على جسمنا وأعصابنا ويوجه جهودنا في سبل النجاح، وإذا تخيلنا الفشل وتوقعناه فهو لا بد واقع.
ولعل مما يوضح قولنا أن نفرض فرضًا بسيطًا: فلو أن أحدًا طلب منا أن نمشي على لوح مستطيل من الخشب قد بسط على الأرض لمشينا مشيًا سريعًا لا نتعثر ولا نتردد، ولكنه لو بسط لنا هذا اللوح نفسه فوق فراغ بين بنائين شامخين لما استطاع أحد منا أن يخطو فوقه خطوة.
وعلة ذلك ظاهرة فإن اللوح لم يتغير ولكن نفوسنا هي التي تغيرت وبدلت من الطمأنينة والثقة جبنًا ورعبًا بما تسلط عليها من خيال السقوط والتردي، ونحن كذلك في جميع أعمالنا، إذا تسلطت علينا خواطر الفشل ارتبكت أعصابنا واختل عقلنا فنسير في العالم ونتوقع السقوط في كل وقت، والأرجح في هذه الحالة أن ما نتوقعه يقع.
وعبرة ذلك كله أن نسلط على عقولنا خيالًا حسنًا، فنتفاءل في أوقات الشدة والمحنة، ونرجو في مكان اليأس والخيبة، ونقابل العالم بالبشر والثقة، فعندئذ لا نجد منه سوى النجاح يتلو النجاح.
ولما قال نابليون إنه يجب أن تمحى لفظة «مستحيل» من المعاجم، كان في الواقع يعبر عما في نفسه من تلك الثقة العظيمة التي كانت تحمله فوق جبال الألب هو وجيشه، وكانت تخيل له أن فتح الهند ليس أشق عليه مما كان على الإسكندر، ولو أن مخترعي الطيارات تذكروا المصاعب التي ستلاقيهم ولم يخيلوا لأنفسهم النجاح على الرغم من آلاف العراقيل التي كانت تستقبلهم لما تم لأحد منهم اختراع، ولما كان الهواء يطن الآن بأزيز الطيارات التي كادت تجعل الإنسان صنفًا من الملائكة يصعد إلى السماء ويركب السحاب.
وأنت أيها القارئ لست دون أحد من هؤلاء الناجين ولكنك لن تعدو ما تطمع إليه من أنواع الرفعة التي تتخيلها لنفسك، وهذه الرفعة هي طوع خيالك.
تخيل في نفسك الصحة والعافية تنلهما ثم تعود أصح الناس.
تخيل في نفسك الثروة والجاه واعمل لهما تنلهما وتبلغ منهما ما أردت.
تخيل في نفسك النجاح فيما تمارسه من عمل تجد نفسك يقودها خيالك نحو النجاح من حيث تدري ومن حيث لا تدري.