لا جديد تحت الشمس
نكتب هذا العنوان كي ننفيه ونقول إن كل شيء جديد تحت الشمس، وأولئك الذين يدعون دعوى الدوام، وأن الجديد كالقديم، إنما يقولون ذلك ونفوسهم تردد صدى القول القائل بأنه ليس في الإمكان أبدع مما كان وأن العالم لا يتطور، ولكن الواقع أن العالم يتطور ويتجدد، وهو اليوم غير ما كان في الأمس، وسيكون في الغد غير ما هو اليوم، وهذا التغير لا يلحق النبات والحيوان وحدهما بل يلحق الجماد نفسه، فإن تاريخ الأرض يثبت تحولها، فقد مضى زمن كانت فيه أميركا جزءًا لاحقًا متصلًا بإفريقيا وأوروبا، ومضى زمن كانت فيه أوروبا مغمورة معظم أقطارها بالثلج، وكانت مصر في وقت ما لا ينقطع عنها المطر صيفًا وشتاءً، ومضى زمن كان فيه جبل المقطم قعرًا للبحر تسبح فوقه الأسماك وينساب عليه المحار، ويقول العلماء الآن إن المادة دائمة التحول لا تهدأ ذراتها عن الحركة، فالجماد نفسه يتجدد تحت الشمس، تنطق بذلك طبقات الأرض الجيولوجية كما ينطق أيضًا فحص المادة في المختبرات العلمية.
والنبات أيضًا يتحول ويتجدد، فمعظم النبات الذي وقعت عليه عين الشمس قبل عشرة ملايين سنة ليس له وجود على أرضنا الآن؛ لأن نباتاتنا جديدة، وبرهان ذلك أنه عندما وجد الفيل المنقرض الذي يسمى الماموث في سيبيريا، واستخرج من تحت الثلج، فحصت الأعشاب التي في معدته فلم يعرف منها واحد يعيش الآن. ثم هذا الفحم الحجري الذي يستخرج من المناجم كان قبلًا نباتًا لا وجود له الآن، ونحن هنا لنا في مصر وزارة زراعة من مهماتها أن «تجدد» سلالات القطن، أي توجد أصنافًا لم تكن موجودة قبلًا تحت الشمس.
أما تجدد الحيوان فمختصر ما يقال فيه إن نظرية التطور قائمة عليه وهي تستمد شواهدها من الحيوانات التي انقرضت والحيوانات التي وجدت، وليس في العالم متحف للتاريخ الطبيعي إلا وفيه عشرات من الحيوان المنقرض.
فالتحول هو الناموس الأصلي للكون كله، فليس فيه شيء باقٍ أو دائم، وإنما كل شيء يتحول تحت الشمس ويتجدد من لحظة لأخرى. حتى أنت أيها القارئ، منذ ابتدائك لقراءة هذا المقال إلى أن تنتهي منه، ستتحول وتتطور لأنك على الأقل ستكون أكبر سنًّا بجملة دقائق، وإذا اختلف اثنان في السن اختلفت آراؤهما وقوتهما ومزاجهما، وإن يكن ذلك بقدر يسير لا يلحظ بالحواس ولكنه يستنتج بالعقل، فكل شيء إذن جديد تحت الشمس، وكل شيء يتطور حتى الجماد. أجل حتى جبل المقطم والصحراء والنيل، ولكن هذه الأشياء تختلف في سرعة تطورها: فالحيوان يسبق النبات، والنبات يسبق الجماد، والإنسان يسبقها كلها. ثم بعد ذلك نقول إن الأمم الغربية تسبق الأمم الشرقية في التطور، فأنت تسمع مثلًا عن تعدد الأزياء وتجددها كل يوم في باريس ولندن وغيرهما، وتقرأ ما يقال من الفكاهات عن ذلك، وتحسب هذا التقلب السريع في الأزياء ضربًا من نزق النساء، وقد يكون كذلك، ولكنه أيضًا دليل على أن شهوة التطور أشد هناك مما عند الشرقيين، وهذه الشهوة نفسها هي التي تثمر المخترعات والمكتشفات كل يوم، والشرق بجموده لا يخترع ولا يكتشف، والغرب بتطوره يسير قدمًا نحو الأمام، ويجري الشرق الجامد وراءه بعد أن يمتهنه ويستخدمه، فالواجب الذي يحتمه علينا ناموس الطبيعة الأكبر هو أن نتجدد ونتطور ولا نجمد. يجب أن نجدد أذهاننا بالعلوم وبالنظريات الجديدة، ويجب أن ننظر إلى المستقبل ونفكر في الرقي المطرد والتطور المستمر، ولا نقنع بالنظر إلى السلف والجدود، فإن النمط الذي ساروا عليه في حياتهم قد بلي وانقرض، ونحن في حاجة إلى أنماط جديدة تلائم وجهة النظر الحديث.
فهلم أيها القارئ نتجدد في الثقافة والحضارة جميعًا وننصت إلى صوت ضميرنا الذي يدفعنا إلى الأمام ويحثنا على الاستقلال، وننفض عن أنفسنا غبار التقاليد التي تقيدنا وتؤذينا وتسد علينا منافس الحياة وتقتلنا.