هي الدنيا
وقائلةٍ لمَّا رأتني مكثرًا
من الخمر إنَّ الخمر تذهب باللبِّ
فقلتُ دعيني في رشادي فإنَّني
أعوِّض عمَّا يشرب الحزن من قلبي
•••
إن التي كنتُ لو كلَّفتها غزلًا
تفجَّرتْ في القوافي كالشآبيبِ
قد قرَّحتْها الليالي فهي إن رشحتْ
قصيدةً أعربتْ عن نفس مكروبِ
•••
وسرنا وراء القدرْ
كمن سار وسط الغيومْ
إلى أن تمادى السفرْ
وبتنا بإحدى النجومْ
فلمَّا نزلنا بها
مشينا بوادٍ عميقْ
فمن لم يغنِّ وَهَى
وطالت عليهِ الطريقْ
•••
ولمَّا رأيتُ المال يستعبد الورى
وآمالُ نفس الحرِّ تقضي بأن يحيا
عكفتُ على الإقلال علمًا بأنَّهُ
يلذُ لنفسي الانتصار على الدُّنيا
•••
على أنهار آلامي
حلَتْ للناس أنغامي
ولكن لم أجدْ أحدًا
يضمِّد جرحيَ الدامي
لذا علَّقتُ قيثاري
على صفصاف أحلامي
وقلتُ لمهجةٍ تعبتْ
ألا يا مهجتي نامي
•••
لو تراني تحت أستار السكونْ
في الدُّجى وحدي
شاخصًا نحو السماح كلِّي عيونْ
فاقد الرُّشدِ
كنت تدري كيف في الدنيا يكونْ
منتهى الزُّهدِ
•••
وحربٍ على جسر الحياة صُليتُها
من الدهر حتى كاد ينهدم الجسرُ
وطالت فلمَّا شاب رأسي من الوغى
سللتُ حسام العقل فانهزم الدهرُ
•••
وقائلةٍ قد شاع شعرك في الورى
لما فيهِ من نوحٍ كنوح الحمائمِ
فقلتُ لها هاتي «الأشعَّة» وانظري
فؤادي ففيهِ الغمُّ مثل الغمائمِ
•••
يا ساقيَ الراح قد دبَّتْ حشاشتها
في القلب، رفقًا بقلبٍ بين رُوحَيْنِ
قد كان يشكو من الدنيا بواحدةٍ
فصار يشكو من الدنيا بثِنْتَيْنِ
•••
وخمرةٍ كشعاع الشمس صافيةٍ
قد ذكَّرتني بأيامي وماضيها
فقلتُ والكأسُ في كفِّي مشعشعةٌ
وفي فؤادي لهيبٌ مثلما فيها
لم يبقَ إلَّاك صافٍ أستلذُّ بهِ
فقد مضى من ليالي العمر صافيها
•••
كأسي التي كنتُ في الأيام أملَؤُها
خمرًا معتَّقةً من دَنِّ أحلامي
هبَّت عليها رياح اليأس فانكسرتْ
فهل تُرى لي سواها عند أيَّامي
•••
ومن عجب الدنيا إذا الشوق هزَّني
بكيتُ وقلبي سال مني مع الدمعِ
وإن صوَّبتْ نحوي الليالي نِبالَها
تصدَّى لها قلبٌ غناني عن الدرعِ
•••
نظرتُ إلى وجهَي حياتي حائرًا
فبتُّ وفي أيدي القضاء أموري
إذا أنا لم أضحك فقدتُ معاشري
وإن أنا لم أحزنْ فقدتُ شعوري
•••
آهِ من دُهْمِ الليالي
بتُّ مرهونًا لديها
هيَ مولاتي وإنِّي
عبدها بين يديها
لا أذيع الشعرَ إلَّا
بعدما يُتلى عليها
صار شغلي في حياتي
كلُّه منِّي إليها
•••
لقد أرهقتْ خمري الليالي ولم تزل
تذكِّرني خمري بما حلَّ في راسي
كأنَّ سواد الشعر والشيبُ واضحٌ
بقايا كُميت الراح في دائر الكاسِ
•••
إلهي أعرتَني والليل داجٍ
سراجًا والطريق بها اعوجاجُ
وأرسلتَ الرياحَ الهوج تترى
فما ذنبي إذا انطفأ السراجُ؟
•••
ولمَّا قطعنا مروج الشبابِ
ونهر التصابي ووادي الغرامْ
توقَّف قلبي وألقى عصاهُ
وتمتمَ ما لستُ أدري ونامْ