الشك المنهجي
الشك المنهجي لطالما بدَتْ لي هذه واحدة من أكبر تناقضات العقلانية الديكارتية، كيف يمكنني أن أشك وأكون منهجيًّا ومنظمًا؟ كيف أشك وأظل عقلانيًّا؟ جربت هذا مرارًا، لكنني وجدت أن الشكَّ والمنهج لا يجتمعان لدي، كما لو أنه بفعل التفكير يمكنني أن أسيطر على الشكِّ. أنا على العكس ما فكرت أو شككت إلا وأجد نفسي هائمًا في صحراء ليلية بدون نجوم. الشك هو معاناة روحية، قبل أن يكون قضية ذهنية معرفية.
أقصد أن التفكير المتولد عن الشك لا يربطني بوجودي الخاص، بل يدفعني بعيدًا عن هذا الوجود الضيق والمحدود الذي أمثله. أصير مثل «مالك الحزين» في غابة خريفية كثيفة الأشجار، أو مثل سمكة انحصرت عنها مياه البحر وظلت حبيسة بركة صغيرة. لا أشك أو أفكر إلا وأكتشف المأساة، مأساة فكري، مأساة الفكر الذي لا يريد أن ينفذ إلى الحياة، حياتي أنا ووجودي أنا.
أن أشك بطريقة منهجية، يا للهول! كيف سأصبح إن حققت هذا الفعل، بل كيف سيكون عليه حالنا جميعًا إن كنا نفكر ونشك بنفس الطريقة. السيبورغ نفسه قد يرفض ذلك ما دام فيه بقية من إنسانية.
كما لو يطلب مني مثلًا أن أحبَّ بطريقة منهجية، أو أحلم باتِّباع قواعد مضبوطة، الشيء الوحيد الذي يمكن أن أقوم به بطريقة منهجية في هذه الحياة هو التثاؤب بانتظام قبل الذهاب إلى النوم.