الطبيعة
أداري هذه الروح العالقة في الجسد.
أداري هذا الجسد العالق في حبال الزمان.
ومثل سفينة عتيقة مضطجعة فوق الرمال.
أضطجع أنا أيضًا مع هذه الساعات المفزوعة من تاريخ الكون.
أتذكر سفاحًا روسيًّا قال مرة بعد أن سُئل عن السبب الذي دفعه إلى قتل كل هذا العدد من الأطفال: «أنا خطأ من أخطاء الطبيعة البشرية.»
هكذا كان فيلسوفًا في ساعاته الأخيرة، وهو يمد رأسه داخل الأنشوطة. كلنا نصبح فلاسفة في آخر المطاف، نولد فلاسفة ونموت فلاسفة. قد نشعر بالشفقة على هذا الشخص، ما حيلتُه؟ إنه شذوذ عن القاعدة، مثل بضاعة لم تكتمل جيدًا في مصنع الحياة. ولكن يا ترى من باب التفكير الحر: كم مرة أخطأت الطبيعة؟ إنها تفعل ذلك يوميًّا: في حالة الزلازل والبراكين والفيضانات … هذه هي عادتها. ربما السواء هو الشذوذ. «الإنسان الطبيعي» هو شذوذ من الطبيعة. إننا نكافح داخل الحياة من أجل الحياة، نصلح عمل الطبيعة، الطبيب يقوم بذلك بمباضعه ومشارطه، لكن حتى الحلاق يعرف كيف يصلح ما تفسده الطبيعة عن طريق موسى الحلاقة.
هكذا نمضي في الحياة راضِين بتقبل الضربات أحيانًا، بتلمس الطريق مثل أعمى في الصحراء، أو مثل أطفال غرباء نزلوا من البعد الرابع عبر بوابات العالم الآخر، واقفين بين حيرة النور وقلق الليل. نعم الحياة هي المرض الذي نسعد به جميعًا.
ليس الإنسان هو فقط من يبحث عن خلاصه، حتى الطبيعة تفعل ذلك، وإذا كان الإنسان يبحث عن خلاصه عبر الإيمان أو عبر المعرفة والإبداع، فإن الطبيعة لها أسباب أخرى لتحقيق هذا الأمر. ذلك هو أنينُها الذي لا يفهمه غير الشعراء. عندما يسقط الليل فوق الغابة، عندما تصيح الريح صيحتها الكبرى هنالك في البحار البعيدة أو الأراضي الطرية، تخرج الخليقة وهي تتنهد من تحت قشرة الأرض حزينة لكن بعذوبة، متألمة لكن بصمت. الضوضاء الهادئة، الألم المكتوم، العواء والنحيب، النُّعاس العذب، كل شيء نعسان في الطبيعة، كل شيء يحاول أن يستيقظ وأن يوجد. كل وجود هو محاولة وجود، ضعيفة هي الطبيعة على عكس ما يقال الريح ضعيفة، الطيور واهنة، الأرض برمتها مسكينة، وهي تحاول أن توجد في البطء الشديد للدوران السماوي.
أقطع تلك المسافات التي تَفصلني عمَّا ينبغي قوله، لكن المسافات تزداد اتساعًا كلما أوشكت على الاقتراب. أي قول هذا يمكنه أن يستنفد القول؟ أية لغة يمكنها أن تحيط باللغة؟ يا صهوة الريح، يا شجر العزاء البشري، أعطوني الكأس التي شربتها الأرض كي تصبح رسولة للعشب. آه لكم! أحب الريح وكتب المطر والخريف، وأناشيد الموت التي تذهب صاعدة مع الأنين، حيث العصافير باردة ووحيدة، مثل الأشجار والنجوم والأطفال.
آه يا إلهي! لكَمْ هو ثقيل هذا الصمت!
آه يا إلهي! لكَمْ هو عميق هذا الليل!