نفس الكلام
أمطار شديدة تهطل هذا الصباح تتمرغ فوق التراب بشكل مهيب، كان الجو يبدو كما لو أنه حدثٌ مناخي غير مسبوق، أحسست أن لديَّ رغبة قوية في الكتابة كما لو أن هذا الفيض المائي الذي يجري خارجًا عليه أن يجد ما يماثله، فيض آخر له شكل لُغوي تعبيري ومجازي، غير أنني حينما دخلت أعماقي وحاولت كتابة شيء ما لم أعثر على أية أفكار تستحق التعبير عنها. بدا لي أنني لا أقول إلا الشيء نفسه، مع اختلاف طفيف، نفس الكلام يتكرر دومًا. سواء عشت اليوم أو بعد ألف سنة أخرى، أو حتى إلى نهاية الزمان، فإن نفس المَقُول سيقال بما فيه هذا الكلام ذاته الذي أكتبه الآن.
كمن يجعل النجم دليله فوق البحار، رغم أن الفكرة جلية وواضحة، بدتْ لي في غاية الغموض والغرابة. ما الجديد إذن؟ الأمر يشبه لعبة فيديو، رغم أننا نخسرها ونموت فيها باستمرار، يمكننا إعادتها إلى ما لا نهاية.
هكذا بدا لي الوجود برمَّته، نتكلم حتى نخفي أننا نقول الشيء ذاته، لكن الشيء ذاته، يعود لكي ينتصب من جديد في كلامنا.
أي صفاء ذهني أكثر من هذا؟ حياتي برمتها مثل طبعة جديدة لكتاب قديم، كل ما أتمنَّاه هو أن يكون في حلة جديدة مزيدة قليلًا أو منقحة ربَّما. هذا هو كل هامش الحرية الذي يمكن أن أُحلم به، مشروع حياتي الخاصة، إذا جاز لي استعمال الكلمات العزيزة على سارتر. العثور فقط على هذا التنقيح، هذه الإضافة.
هكذا أنا، نسخة جديدة لعبارةٍ قديمة، أفكاري ليستْ لي، لغتي تتحدثني، حياتي في مجملها تمتد في المساحة الفاصلة بين الصَّمت واللانهاية. أنا مثل رياح الأشواق فوق بحر الأحزان.