الشر
أروض نوائب الحياة كما تروض الأسود، أعيش دائمًا في حالة ترقب انقضاضها علي. أروض الساعات والأيام كما يعزفُ الحاوي للأفاعي والأحناش؛ كي ترقص على أذنابها. أروض الحظ السيئ والنحس لعلي لا ألاقيه عند منعطف الزقاق الألف للمدنية التائهة. عندما أمد ذراعيَّ مشيرًا للأفق أخشى ألا أستعيدهما. بالتفكير فيما يستعصي على التفكير قد أترك ذهني هنالك وأعود بدونه. برؤية ما لا يطوله بصر الإنسان، قد أجازف برؤية ما لا ينبغي لعين الإنسان أن تراه. هكذا ينام جسدي وتستيقظ روحي، تغفو روحي ويظل جسدي واقفًا هنالك.
من الجميل أن يفكر الإنسان كما يحلم، وأن يحلم كما يفكر. سخونة الجو تجعلني مخمورًا بدون خمرة، كتلة لحمية معجونة بالكسل والتعب. أسلي نفسي بافتراضات هائمة كنوع من التفكير غير المشروع، الذي لا نبوح به إلا لأنفسنا مخافة اتهامنا بالجنون. هكذا افترضت أنه لو امتلك الإنسان قوة تفوق كل ما يمكن أن يحلم به يومًا ما. لا أقصد قوة وحوش السينما الأمريكية، الرجل الوطواط والمرأة التي تشبه العنكبوت الأرملة، ولا حتى القوة التي نجدها في الأساطير عن طاقية الإخفاء والعصا السحرية أو مصباح علاء الدين، ربما قوة أخرى أكبر من القوة ذاتها، قدرة بحجم السماء والأرض، فعل يجعلنا نتحكم في السكون والحركة، في البدء والصيرورة، فيما هو موجود وفيما يمكن أن يوجد، آلة زمان تعيد ترتيب وقائع الحياة.
قد تكون افتراضات لا مجدية ما دام أنها تهرب نحو تخوم لا مجدية. ولكن في حاضر الحياة وحدها ما الذي يمكن أن تحقِّقه هذه القوة؟ ما هو أول قرار أو فعل يمكن أن أقوم به لو كان لي مثل هذه القدرة؟ خاتم سليمان أو صولجان الحكيم؟ هل أبدأ بشيء استعجالي أكثر من غيره، كأن أجمع كافة الأسلحة الموجودة على الأرض، البيضاء والحمراء والصفراء، وأرمي بها في مكان بعيد لا تطوله يد الإنسان؟ الثقب الأسود أو مجرة أندروميدا. وماذا لو قام الأشرار بصُنع أسلحة جديدة؟ ذلك أن ضلال الإنسان لا ينتهي، تلكم مسألة معروفة منذ قديم الزمان. ألا يمكن أن يكون أخطر سلاح يدفع الإنسان نحو الاقتتال هو المال، اعتقادًا منهم أنهم سيتمكنون في الأرض وسيصبحون سعداء أكثر بواسطته؟ ألا يتوجب عليَّ أن أفعل كما أراد ذلك النبي غير المتوج حينما طاف على الأمصار محررًا المادة من جشع الروح؟
ولكن الشر كان هنا بدون سلاح وبدون أموال. كانت المأساة تسكن أعماق قلب الإنسان، السلاح والمال هما مجرد وسائل يستعملها الشر لبلوغ غايته، لكن الشر ذاته لا تعوزه وسيلة؛ كي ينتشر على الأرض حتى بدون أن يلفت النظر إليه، بدون أن يظهر كشر.
المشكلة ليست فيما هو خارجي ولكن فيما هو داخلي، في الطبيعة البشرية ذاتها. ربما يتوجب علي المرور على طاولات المقاهي واحدة واحدة وأجمع الوقت المهدور كي أبني به كونًا آخر، أو أخلق كائنات من طبيعة مغايرة، لا تعرف معنى التعب أو اليأس أو الملل.
أعرف ذلك. أنا أشبه رجلًا يمشي حافي القدمين فوق الجمر والنار، وهو يحمل البيضة الشقية للفكر البشري، أو مثل شامان يقرع أجراس المدائن البعيدة. أنظر جهة القمر هنا حيث يتمزق الليل، من تكون أنت أيها الليل، أيها الوجه الثالث مثقلًا بالحديد تمر فوق القلب؟ من تكون كي تمضي بلا معنى الحياة نحو العتبة الأخيرة للامعنى الموت؟