مقدمة الطبعة الأولى
هذه أيام من عام ١٩٥٣-١٩٥٤م قضيتها في أمريكا أستاذًا زائرًا باثنتين من جامعاتها: إحداهما جامعة كارولاينا الجنوبية في الجنوب، والأخرى جامعة ولاية واشنطن في أقصى الشمال الغربي؛ إذ أقمت في كلٍّ منهما فصلًا دراسيًّا، فأُتيح لي بذلك أن أقطع البلاد من شاطئ المحيط الأطلسي شرقًا إلى شاطئ المحيط الهادي غربًا.
لكن أكثر اليوميات — بطبيعة الحال — قد كُتِبَت في مدينتَي: كولمبيا بولاية كارولاينا الجنوبية حيث أقمت الفصل الأول من العام الجامعي؛ وبلمان بولاية واشنطن حيث قضيت الفصل الثاني؛ هذا فضلًا عن زيارتي لواشنطن العاصمة، ونيويورك ونيو أورلينز ولوس أنجلس وسان فرانسيسكو وسياتل، وغيرها.
إن من أظلم الظلم أن تحكم على شعبٍ بأسره حكمًا ما وأنت واثق من صدْقه؛ ذلك لأن الناس أفراد يختلف كل فرد منهم عن سواه، وقد يتعذر جدًّا — بل يستحيل أحيانًا — أن تدرك أوجه الشبه السارية في الجميع، والتي جعلت من مجموعة الأفراد أمةً واحدة ذات طابع معين يميزها … وإذَن فخير ما تستطيع قوله وأنت مطمئن إلى صدْق قولك، هو أن تصف خبرتك الشخصية مستندًا إلى الأفراد الذين كانوا لك مصدر تلك الخبرة؛ فهؤلاء الأفراد فيما يقولونه لك وما يتصرفون به في وجودك، هم الأساس الذي يمكِّنك من تكوين فكرة يجوز لك في حذرٍ أن تعمِّمها على بقية أفراد الشعب الذين لم ترهم ولم تسمع عنهم.
في هذه اليوميات سجلتُ بعض خبرتي تسجيلًا أمينًا صادقًا؛ فوصفت مَن صادفته وما صادفته من الأشخاص والحوادث، بالإضافة إلى ما أحسسته إزاء أولئك الأشخاص وهذه الحوادث، وأردت أن أُشْرِكَ القارئ العربي في خبرتي؛ فنشرت هذه اليوميات، راجيًا أن يجد فيها القارئ شيئًا مما يود أن يقرأه عن الحياة في أمريكا، والحياة الفكرية بنوع خاص.