حبت الطبيعة أرض مصر أنواعًا عدة من الأحجار الجميلة منها ما هو لبن ومنها ما هو صلب،
مما
جعل مصر منبت صناعة الأحجار واستعمالها في كل العالم. ولا غرابة إذن، إذا وجدنا مصر أعظم
أمم العالم إتقانًا وحذقًا لفن البناء. وقد ضربت بسهم صائب في هذا المضمار منذ أقدم العهود
وبخاصة أنها قد توصلت إلى استعمال الآلات النحاسية لقطعها منذ عصر ما قبل التاريخ. وقد
جاء
على أثر ذلك استعمال الأحجار في البناء منذ عهد الأسرة الأولى كما ذكرنا ذلك عند الكلام
على
الفن، وسنتكلم هنا أولًا عن الأحجار التي استعملها المصري في البناء ثم نتبع ذلك الكلام
عن
الأحجار التي استعملها لصنع الأواني، والتماثيل والأثاث. ثم نفرد فصلًا خاصًّا للأحجار
التي
كان يعدها المصري ثمينة، أو شبه ثمينة وهي التي لا يعد بعضها في نظرنا اليوم كذلك.
وأهم أحجار البناء ما يأتي:
الحجر الجيري الأبيض: ويكثر وجوده في التلال التي تحف
وادي النيل من القاهرة إلى ما بعد مدينة إسنا بقليل، وكذلك يوجد في نقط مختلفة ما بين
إسنا
وقرب أسوان، فمثلًا يوجد على شاطئ النهر في «فرس» بجوار السلسلة، وبالقرب من كوم إمبو.
أما
في الوجه البحري فيوجد بالقرب من الإسكندرية عند المكس وفي جوار السويس، وقد ظل المصريون
يستعملون هذا النوع من الحجر، حتى منتصف عهد الأسرة الثامنة عشرة، إذ أخذ وقتئذ يحل محله
بكثرة الحجر الرملي، غير أن استعماله لم يهمل دفعة واحدة، إذ استعمله «سيتي الأول» في
بناء
معظم معبده بالعرابة المدفونة، وفي بعض أجزاء معبد «رعمسيس الثاني» في هذه البقعة أيضًا،
يضاف إلى ذلك أن بعض المقابر من كل العصور كانت تنحت في صخور هذا الحجر، كما يشاهد ذلك
في
الجيزة وسقارة وطيبة، وغيرها.
وأحسن أنواع هذا الحجر كانت لها محاجر خاصة تقطع منها كمحاجر طرة والمعصرة١ والجبلين، وهي التي يمكن مشاهدة آثارها القديمة إلى يومنا هذا. وقد عثر في
محاجر طرة على نقوش يرجع عهدها إلى الأسرة الثانية عشرة وتمتد إلى الأسرة
الثلاثين.٢ غير أنه لدينا وثائق ونقوش تدل على أن قطع الأحجار من طرة يرجع عهده إلى الأسرة
الرابعة،٣ ولكن مما لا شك فيه، أن أحجار هذه الجهة كانت تستعمل في بناء آثار سقارة منذ
الأسرة الثالثة، بل ومن المؤكد منذ الأسرة الأولى، إذ وجدت بعض أحجار من طرة داخلة في
مباني
هذه الفترة.
أما محاجر المعصرة، فالنقوش التي عليها ترجع إلى الأسرة الثامنة عشرة٤ حتى عصر البطالسة. وفي محاجر الجبلين نجد نقوشًا من الأسرة التاسعة عشرة حتى
العصر الروماني.
وهناك محاجر أخرى عليها نقوش فرعونية، فنجد في البرشا مثلًا محجرًا عليه خرطوش من
عهد
الأسرة الثلاثين،٥ وبالقرب من العرابة عثر على محاجر قديمة، وفي قاو الكبير٦ توجد محاجر عليها نقوش ديموطيقية وفي بني حسن توجد محاجر تمتد أكثر من ثلاثة
أميال على حافة التلال.
وقد كسيت أهرام الجيزة بأحجار من طرة. أما البناء الأصلي فكما ذكرنا قد قطعت أحجاره
من
محاجر محلية، عثر عليها حديثًا حول الأهرام نفسها، أما قول الأستاذ «بتري» بأن أحجار
الهرم
قطعت من طرة فلا صحة له.٧ كما أثبتنا ذلك فيما سبق. وربما كان لكتاب الإغريق والرومان العذر في قولهم أن
أحجار الأهرام قطعت من طرة، وذلك لأن الأهرام في عصرهم كانت لا تزال مكسوة بأحجار طرة،
ولذلك حكموا بأن كل الأهرام قد بنيت من هذا الحجر.
والظاهر أن أحجار طرة كانت أجود أصناف الأحجار الجيرية، ولذلك لا يبعد أن يكون الملوك
قد
استعملوها في بناء معابدهم، حتى بعد نقل العاصمة إلى طيبة التي لم يكن بجوارها صنف ممتاز
لبناء معبد كمعبد «امنحتب الأول» الذي تشبه أحجاره كثيرًا أحجار طرة.
على أن الحجر الجيري لم يقتصر استعماله على البناء فحسب بل كان يستعمل في أغراض أخرى
كنحت
التماثيل، وذلك لسهولة العمل فيه. وقد تجلى فن إتقان التماثيل في هذا النوع من الحجر
في عهد
الأسرتين الخامسة والسادسة في الجيزة وسقارة، وكذلك كانت تصنع منه الأبواب الوهمية وموائد
القربان، وغير ذلك من الأثاث المأتمي.
الحجر الرملي: وهو مركب من كوارتس رمل ناتج من تحلل
صخور قديمة ومتماسك بعضه مع بعض بكميات قليلة من الطين والجير والحديد، وتتألف منه التلال
الممتدة من إسنا على حافتي النيل حتى أسوان، ثم من «كلبشة» إلى وادي حلفا. على أن المصريين
لم يستعملوا الحجر الرملي مادة للبناء إلا منذ الأسرة الثامنة عشرة. ولكن رغم ذلك وجدت
منه
بعض كتل مستعملة في المباني يرجع عهدها إلى ما قبل الأسرات، وكذلك استعمل في عهد الأسرة
الحادية عشرة في الأساس، وفي رصف الأرضية وفي العمد، وفي أحجار السقف، وفي حجرة العمد
في
معبد «منتوحتب» في الدير البحري.
على أن اتنشار استعمال هذا الحجر لم يبدأ إلا في منتصف الأسرة الثامنة عشرة، إذ الواقع
أن
بناء معظم معابد الملوك منذ هذه الفترة حتى العصر الروماني كان من هذا الحجر، وأهم هذه
المعابد ما يأتي: معبد الأقصر، والكرنك والقرنة، والرمسيوم، ومدينة هابو، ودير المدينة،
ودندرة، وإسنا، وإدفوا، وكوم إمبو، والفيلة، وكذلك المعابد التي في بلاد النوبة ما بين
أسوان ووادي حلفا، يضاف إلى ذلك معابد الواحات الواقعة في الصحراء الغربية، على أن هناك
معابد قد بني بعضها بالحجر الجيري الأبيض وبعضها بالحجر الرملي، ونخص بالذكر منها معبد
«تحوتمس الرابع» ومعبد «منفتاح» أما معبد «حتشبسوت» بالدير البحري فقد بني كله بالحجر
الجيري الأبيض.
وأهم محجر رملي يقع عند السلسلة على النيل على مسافة ٤٠ كيلومترًا شمالي أسوان بين
إدفو،
وكوم إمبو، ويوجد عليه نقوش منذ الأسرة الثامنة عشرة حتى العصر الروماني،٨ وكذلك توجد محاجر سراج على مسافة ٢٠ ميلًا جنوبي أسوان، وفي بلاد النوبة في
قرطاس على بعد ٢٥ ميلًا جنوبي أسوان أيضًا، وهذه المحاجر الأخيرة كانت مستعملة حوالي
الأسرة
الثلاثين حتى العصر الروماني، وبخاصة لقطع الأحجار التي بني بها معبد قرطاس، ومعبد
الفيلة،٩ أما الأحجار التي بنيت بها معابد بلاد النوبة فكانت تقطع من محاجر بالقرب من
تلك المعابد نفسها، كما يشاهد ذلك في المحاجر الصغيرة القريبة من دابور، وطيفة، وبيت
الوالي.
حجر الجرانيت: تطلق لفظة جرانيت على فصيلة كبيرة من
الأحجار المتبلورة البركانية الأصل، وهي ليست منسجمة في تركيبها كالحجر الجيري أو الحجر
الرملي، بل في الواقع تتركب من عدة عناصر مختلفة أهمها الكوارتس والفلسبار، والميكا،
غير أن
السلكون هو المادة السائدة في تكوين هذا الحجر.
وقد استعمل الجرانيت مادة للبناء، منذ بداية عصر الأسرات، وقد ذكرنا فيما سبق استعماله
في
البناء، وفي كسوة الهرم الثالث وفي بناء معبد الهرم الثاني لخفرع، وفي داخل الأهرام.
والجرانيت الذي كان يستعمل في أقدم العهود، هو الجرانيت المحبب المستخرج من أسوان وكان
الجرانيت الرمادي يستعمل كذلك، ولكن بقلة.
ولا نزاع في أن الجرانيت السيين التي ذكره «بليني» نسبة إلى قطعه من «سييني»١٠ (أي أسوان) هو الحجر الجرانيتي الأحمر، غير أن لفظة «سييني» الآن تستعمل
للدلالة على الصخور الجرانيتية ذات اللون الرمادي القاتم.
ويوجد الجرانيت منتشرًا في أماكن عدة في جهات القطر، ولكنه يكثر في أسوان، وفي الصحراء
الشرقية، وفي سيناء، وبكميات قليلة في الصحراء الغربية.
وأهم محاجره في أسوان اثنان أحدهما على مسافة كيلومتر جنوبي المدينة والثاني يقع
على
الجانب الشرقي من الهضبة. على أنه توجد محاجر صغيرة في جزيرتي الفنتين وسهيل، وكذلك في
أماكن أخرى قليلة، وقد ذكرت محاجر أسوان والفنتين والمحاجر التي عند الشلال الأول في
الوثائق القديمة منذ الأسرة السادسة،١١ يضاف إلى ذلك محجر في مكان يدعى «إبهت» لم يعين مكانه بالضبط بعد، غير أنه من
المحقق أنه يوجد بجوار الفنتين.
ولا نعرف محاجر للجرانيت استغلها قدماء المصريين خلافًا لمحاجر أسوان وما جاورها،
إلا
محجر الجرانيت الأحمر في وادي الفواخير،١٢ وهو جزء من وادي حمامات بين قنا والقصير. ولا نعرف تاريخ بداية العمل فيه ولكن
من المحتمل أنه فتح في عهد الرومان.
وقد كان الجرانيت يستعمل بقلة منذ عهد ما قبل الأسرات لأغراض أخرى غير البناء، وبخاصة
في
صنع الأواني،١٣ والأطباق، وفي بداية عصر الأسرات كثر استعماله، وذلك لكثرة استعمال الآلات
النحاسية، وكان كذلك يستعمل لعمل التوابيت ثم لنحت التماثيل والمسلات، واللوحات، وأشياء
أخرى.
حجر المرمر: يعرف اسم المرمر عادة بكلسيوم السلفات
«الجبس» ولكن المرمر المصري يختلف عنه تمامًا إذ يتركب من كربونات الكلسيوم. والمرمر
المصري
هو حجر مكون من كربونات الكلسيوم المتبلور والمضغوط، ويكون لونه أبيض، أو أبيض مائلًا
إلى
الصفرة وقطاعاته الرقيقة تكون شفافة بعض الشيء ذات عروق في غالب الأحيان، وقد كان المرمر
يستعمل في رصف الممرات وكسوة الحجر، وفي عمل المحاريب، وبدئ استعماله منذ الأسرات الأولى
إلى عهد الأسرة التاسعة عشرة؛ فمثلًا استعمل في حجرة في هرم سقارة المدرج١٤ (الأسرة الثالثة) وفي حجرة في معبد الوادي للملك «خفرع»، وفي هرم «وناس» بسقارة
(الأسرة الخامسة). وكذلك في عهد ملوك الأسرة السادسة١٥ في رصف الجزء الأوسط من معبد هرم «تيتي» وفي الأسرة الثانية عشرة في محراب معبد
الملك «سنوسرت الأول»١٦ في الكرنك إلخ.
ويوجد المرمر في سينا، وفي أماكن أخرى مختلفة في الصحراء على الشاطئ الشرقي للنيل،
فنجد
منه محاجر في وادي جراوى الغرب من حلوان يرجع عهدها إلى الدولة القديمة،١٧ وفي الصحراء الواقعة بين القاهرة والسويس، وفي مغاغة، حيث قطعت منه الأحجار في
عهد محمد علي١٨ وفي الإقليم الواقع ما بين المنيا وجنوبي أسيوط، وفي هذا الإقليم تقع أهم
المحاجر القديمة لهذا الحجر، وأهمها محجر «حتنوب» الواقع على بعد ١٥ ميلًا شرقي العمارنة،
وفيه نقوش يرجع عهدها إلى الأسرة الثالثة حتى الأسرة العشرين،١٩ وهناك محجر آخر في الجنوب واقع في وادي أسيوط استعمل في أوائل الأسرة الثامنة
عشرة، ثم استعمل ثانية في عهد محمد علي وقد ذكره الكتاب الإغريق منذ القرن الرابع قبل
الميلاد.
والواقع أن هذا النوع من الحجر كان محببًا لدى المصريين القدماء وذلك لأنه كان جميل
المنظر بعد الصقل، هذا إلى أنه كان لينًا يسهل العمل فيه. وفوق استعماله للبناء فإنه
كان
يتخذ لأغراض أخرى، فقد عثر على أدوات منه في عهد ما قبل الأسرات٢٠ إلى أواخر العهد الفرعوني وما بعده؛ فكان تصنع منه الأواني العدة، ورءوس
الدبابيس الجميلة الأشكال وتنحت منه التوابيت منذ عهد الأسرتين الثالثة والرابعة كتابوت
الملكة «حتب حرس» وتابوت الفرعون «سيتي الأول»، يضاف إلى ذلك أن الأواني التي كانت توضع
فيها أحشاء المتوفى وموائد القربان، والأطباق والجرار، والتماثيل كانت تصنع منه أحيانًا،
وبخاصة في عصر الدولة القديمة، إذ وجدت كميات ضخمة من الأواني في هرم «زوسر» مصنوعة من
هذا
الحجر.
حجر البازلت: هذا الحجر لونه أسود ثقيل الوزن متماسك
الذرات تظهر حياته في أغلب الأحيان بريقًا، وهو على نوعين، النوع الأول حباته دقيقة جدًّا
لا يمكن تمييزها إلا بآلة الميكروسكوب وهو البازلت الحقيقي، أما النوع الثاني فيمكن تمييز
حباته بالعين العادية، وهو ما يسمى «الدولوريت»، ونوع البازلت الذي يستعمل في مصر هو
في
الواقع ديوريت ذو حبات دقيقة، وكان يستعمل في عهد الدولة القديمة لرصف بعض أجزاء من
المعابد، كما يشاهد ذلك في رقعة هرم «خوفو» التي لا يزال جزء منها باقيًا إلى الآن، ومن
هذا
الحجر كذلك رصفت بعض أجزاء من معابد ملوك الأسرة الخامسة في سقارة كالردهات والطرق
الجنازية، وبعض الحجرات، وكذلك بعض أجزاء معابد الشمس في «أبو صير» الواقعة بين الجيزة
وسقارة.٢١
ويوجد حجر البازلت في جهات عدة من القطر كمحاجر «أبو زعبل» والمحاجر الواقعة في الشمال
الغربي من أهرام الجيزة في منطقة أبو رواش وفي الصحراء الواقعة بين القاهرة والسويس،
وفي
الفيوم، وعلى مسافة قريبة من الجنوب الشرقي من سمالوط، وفي أسوان، وفي واحة البحرية،
وفي
الصحراء الشرقية وسيناء.٢٢
والظاهر أن البازلت الذي كان يستعمل في عهد الدولة القديمة في الجبانة الممتدة من
الجيزة
إلى سقارة قد جلب من الفيوم، إذ ليس هناك أي دليل على أن البازلت الذي كان يستعمل في
هذه
الجبانة قد جلب من «أبو زعبل»، وبخاصة إذا علمنا أن نوع البازلت الذي استعمل فيها يقرب
من
النوع الذي في الفيوم، وقد ذكر الدكتور حسن بك صادق في خطاب منه سنة ١٩٣٣ بأنه ليس هناك
أدلة على أن محاجر بازلت أبو رواش قد استعملت قديمًا، هذا رغم أن نوع البازلت الذي فيها
من
صنف رديء متحلل.
وقبل أن يستعمل حجر البازلت في البناء كان يستعمل رغم صلابته في عمل الأواني التي
يرجع
بعضها إلى العصر الحجري الحديث، وعصر البداري وعصر ما قبل الأسرات. يضاف إلى ذلك أنه
عثر
على رءوس بلطات منه من العصر الحجري الحديث، وقد استعمل البازلت أحيانًا في عمل التوابيت،
ومن المحتمل أن تابوت الملك «منكاورع» الذي غرق في البحر كان من هذا الحجر، غير أن هناك
عدة
توابيت ظن أنها من البازلت، ولكنها في الواقع من الشيست الرمادي الأزرق الخفيف.٢٣
وكان البازلت يستعمل كذلك في عمل التماثيل، والناس أحيانًا يخلطون بين الجرانيت الرمادي،
والجرانيت الأسود، والشيست، وبين البازلت. ومن أجل ذلك كانت تعرف أشياء بأنها بازلت،
والواقع أنها ليست ببازلت.
حجر الكوارتسيت: وهو أحد أنواع الحجر الرملي المتماسك
الحبات وقد تكون من الحجر الرملي العادي متماسك بالسليكا المتداخلة باختلاط كوارتس متبلورين
حبات الرمل، وتختلف ألوانه ونسجه فيكون أبيض أو مائلًا إلى الصفرة أو أحمر كما تكون حباته
دقيقة أو غليظة، ويوجد في الجبل الأحمر٢٤ القريب من القاهرة، وفي الصحراء الواقعة بين القاهرة والسويس، وفي مغارة على
طريق بير حمام٢٥ وفي منخفض وادي النطرون وكذلك على قمم تلال الأحجار الرملية في النوبة في شرق
النيل٢٦ حتى شمال أسوان، وفي سيناء.٢٧
ولم يستعمل في المباني بكثرة، ومعظم ما نعرفه أنه صنع منه بعض أعتاب أبواب لهرم الملك
«تيتي» في سقارة وفي كسوة حجرة الدفن في هرم هوارة. (الأسرة الثانية عشرة). وكذلك في
الهرم
الشمالي والهرم الجنوبي في مزغونة (الأسرة الثانية عشرة). ومحاجر الجبل الأحمر لا تزال
مستعملة وقد كان على صخورها نقوش، ولكنها اختفت الآن، وهذا المحجر والأحجار التي كانت
تقطع
منه قد جاء ذكرها مرات عدة في الوثائق القديمة.٢٨
وكان يستعمل هذا النوع من الحجر خلافًا للمباني في عمل التوابيت والتماثيل كالتابوت
الذي
في هرم هوارة من (الأسرة الثانية عشرة)، وتابوت «تحوتمس الثالث»، و«حتشبسوت»، و«توت عنخ
آمون» وكلها من الأسرة الثامنة عشرة، وكرأس الملك «ددف رع» من الأسرة الرابعة، وتمثال
الملك
«سنوسرت الثالث» من الأسرة الثانية عشرة، و«تحوتمس الرابع»، و«سنموت» (الأسرة ١٨) وتمثال
الإله «فتاح» (الأسرة ١٩). وهناك شك في أن تمثالي «ممنون» (أمنحوتب الثالث) مصنوعان من
هذا
النوع من الحجر.
(١) الأحجار التي استعملها المصري في غير البناء
وهناك أحجار أخرى استعملها المصري غير ما ذكرنا في صنع التوابيت والتماثيل، والأشياء
الصغيرة كالكئوس والأواني، والآلات والأسلحة. وأقدم شيء بقي لنا في مصر إلى الآن هو ما
صنع من حجر الظران.
والواقع أن أنواع الأحجار التي استعملت في مصر وتمييز بعضها عن بعض من أعقد الأشياء
التي تعترض عالم الآثار في بحوثه، وسنكتفي هنا بذكر هذه الأحجار واستعمالها على أبسط
وجه، غير متدخلين في التفاصيل الفنية.
حجر البرشيا: هو حجر مركب من قطع ذات زوايا حادة،
وتوجد منه أنواع مختلفة في مصر فمنها الأحمر المائل إلى البياض، والنوع الأخضر وهو صخر
مختلط بأم من مادة أخرى، أما البرشيا الحمراء والبيضاء فتتألف من قطع بيضاء مختلطة بأم
حمراء ويوجد بكثرة على الشاطئ الغربي للنيل في مواطن عدة، فيوجد في شمال المنيا،
وبالقرب من أسيوط،٢٩ وفي طيبة، وبالقرب من إسنا، وكذلك في الصحراء الشرقية،٣٠ وهذا الحجر كان يستعمل على وجه خاص في عهد الأسرات الأولى في صناعة
الأواني،٣١ ثم اختفى بعد ذلك حتى العهد الروماني إذ كان يصدر وقتئذ إلى
إيطاليا.
أما البرشيا الخضراء فتحتوي على قطع من صخور ذات أوصاف مختلفة جدًّا مدفونة في أم
مختلفة اللون. واللون الأخضر هو السائد غير أنه ليس بالبرشيا الأصلية.
وتوجد البرشيا الخضراء في مواطن عدة، وأحسن المعروف منها في وادي حمامات البرشيا
كذلك
عند فم وادي دب، وفي المنطقة الواقعة غربي جبل دارا، وجبل منفول، في سلسة العرف، وفي
جبل حمادة.٣٢ وكل هذه الأماكن واقعة في الصحراء الشرقية، وكذلك يوجد في سيناء.٣٣
حجر الديوريت، أو حجر جبل النار: ويطلق على فصيلة
من الحجر المتبلور ذي الحبوب، ويتألف من الفلسار الأبيض والهرنبلنذ الأسود وتكون حباته
دقيقة أو غليظة، ويوجد في مصر بكثرة في مواطن عدة وبخاصة في أسوان وفي الصحراء الشرقية
والغربية وفي سيناء،٣٤ ويرجع استعمال الديوريت إلى العصر الحجري الحديث، إذ عثر منه على قطع من
لوحات وعلى رأس بلطة٣٥ والديوريت الذي كان مستعملًا في مصر قديمًا على أنواع عدة مختلفة، فواحد
منها حباته غليظة، ولونه أسود أبيض، وكان يستعمل في عصر ما قبل الأسرات، وفي الأسرات
الأولى لعمل رءوس الدبابيس والكئوس والأواني،٣٦ وأحيانًا لعمل اللوحات الصغيرة. وهذا النوع الخاص كان يجلب من أسوان، وكذلك
كان يجلب نوع مشابه لذلك من الصحراء الشرقية من التلال الواقعة بين قنا والقصير في وادي
سمنة. وقد استغل الأخير في العهد الروماني، وهناك نوع آخر سماه علماء الآثار ديوريت،
وهو الذي نحت منه تمثال الملك «خفرع» المشهور بالمتحف المصري، وقد استعمل هذا النوع في
عهد الدولة القديمة، وهو ذو بقع بيضاء وسوداء، ويختلف كثيرًا في ظاهره حتى في القطعة
الواحدة، ولكن في معظم الأحيان يكون رماديًّا قاتمًا، أو رماديًّا فاتحًا، أو أبيض
معرقًا بالأسود، والنوع الأخير كان يستعمل كثيرًا في صناعة الأواني والكئوس. أما
الأنواع الأخرى فكانت تستعمل في عمل التماثيل وبخاصة في عهد الأسرة الرابعة.
وقد عثر حديثًا على المكان الذي كان يستخرج منه هذا النوع من الحجر في الصحراء
الغربية على مسافة ٤٠ ميلًا في الشمال الغربي من أبو سنبل ببلاد النوبة.٣٧
وهناك نوع آخر من الديوريت البروفيري، يتركب من أم لونها أسود فيه بلورات كاملة
التكوين كبيرة في وسط أم سوداء فيها قطع بيضاء ناصعة.
حجر الديوريت: وهو نوع من البازلت الخشن، وليس
بينهما فوارق محدودة، ويوجد في الصحراء الشرقية بالقرب من القصير،٣٨ وبالقرب من جبل الدخان وفي سيناء. ومن أهم استعماله صنع المدقات التي كانت
تستعمل في صناعة الأحجار الصلبة، ويمكن رؤية كرات كبيرة منه ملقاة في محاجر الجرانيت
القديمة في أسوان، وفي محاجر الكوارتسيت بالجبل الأحمر القريبة من القاهرة. وقد بقيت
هذه الآلات منذ عهد قدماء المصريين دليلًا قاطعًا على استعمالها آلات صالحة لصناعة هذه
الأحجار.
حجر
الدولميت: (Dolomite) وهو كما عرفه «فلندرز بتري» حجر صلب غير شفاف
لونه أبيض يتخلله عروق تكون أحيانًا ناصعة البياض، ولكن في معظم الأحيان تكون رمادية،
وأحيانًا تكون سوداء ويقول الكيميائي «لوكاس»: إن كل الأنواع التي فحصها بيضاء يتخللها
عروق أو بقع رمادية قاتمة، ويوجد في الصحراء الشرقية في عدة أماكن، وكان يستعمل في عصور
الأسرات الأولى لعمل الكئوس والأواني، ثم استعمل فيما بعد في أشياء أخرى وقد ذكر «بتري»
أنه عثر على أربعة وأربعين٣٩ إناء مما يسميه هو بالمرمر الدولميتي من عهد الأسرة الأولى.
حجر الظران أو الصوان: وهو أول حجر استعمل في مصر
وفي باقي أمم العالم قبل معرفة النحاس. وقد صنع إنسان العصر الحجري أسلحته وأدواته من
هذا الحجر حتى بعد كشف النحاس، ولكن بكميات قليلة، وقد استمر استعماله في عمل أدوات
الزينة التي كانت لمجرد اتباع التقاليد المحضة، ويشتمل الظران على نوع متماسك جدًّا من
السليكا وهو رمادي قاتم، أو أسود اللون، وينكسر على شكل شظايا، ويكون حده قاطعًا، ويوجد
بكثرة في أماكن مختلفة في مصر على هيئة عقد صغيرة وطبقات في صخور الحجر الجيري وكذلك
يوجد مبعثرًا على سطح الصحراء، وذلك بعد أن تخلص من الصخور الجيرية بفعل
التعرية.
الجبس: هو المادة التي كان يستعملها قدماء المصريين
بدلًا من الجير لبياض الجدران حتى عرف استعمال الجير في عهد البطالسة، وهو مادة طبيعية
تختلف كثيرًا في اللون والتركيب، فقد يكون لونها أبيض أو رماديًّا متنوع الألوان، أو
أسمر خفيف السمرة وأحيانًا يكون ورديًّا خفيفًا وهو يوجد في الطبيعة على شكل قطع بلورية
مبعثرة غير صالحة للحفر عليها كما يوجد على هيئة صخور متماسكة التركيب، كالتي توجد في
منطقة مريوط غربي الإسكندرية، وبين الإسماعيلية والسويس، وفي الفيوم، كما توجد بكثرة
زائدة قرب ساحل البحر الأحمر.
ويشبه الجبس في شكله المرمر، ولذلك يسمى أحيانًا مرمرًا. وفضلًا عن استعماله ملاطًا
فإنه كان يستعمل بقلة في مصر القديمة في عمل الأواني والأطباق، كما أشارت إلى ذلك «مس
كيتن تومسن» في عهد الأسرة الثالثة،٤٠ وكذلك عثر الأستاذ بتري على أوان عدة من عهد الأسرتين الثانية والثالثة من
مصنع الفيوم وكذلك عثر على أشياء من محتويات قبر «توت عنخ آمون» مصنوعة من هذه المادة،
وعثر بتري على طبق من٤١ عصر ما قبل التاريخ من الجبس.
ويمتاز الجبس عن المرمر بأنه أكثر نعومة، ويمكن التأثير فيه بالظفر في حين أن المرمر
لا يمكن التاثير فيه بأي شيء أقل متانة من الصلب.
الأبسديان Obsidian وهو حجر
السج أو حجر البحيرة: وهو مادة زجاجية الشكل (الزجاج الأسود) وعندما
تكسر تكون قطعها غير منتظمة كالزجاج، وهو في الواقع زجاج طبيعي بركاني الأصل لونه في
العادة أسود، ولكن قد يكون أسمر قاتمًا، أو رماديًّا قاتمًا، أو أخضر داكنًا، وعندما
يكسر على شكل قطع يكون شفافًا بعض الشيء، وإلى الآن لم يوجد طبيعيًّا في مصر، ولكنه
يوجد في بلاد العرب والحبشة٤٢ في الوديان، وفي شبه جزيرة عدن وفي أماكن أخرى في بلاد العرب،٤٣ وفي أرمينيا، وفي جهات مختلفة من جزر البحر الأبيض المتوسط.
وكان يستعمل بقلة منذ عصر ما قبل الأسرات آلات وأسلحة مثل رءوس الحراب، ثم استعمل
تعاويذ وجعارين وأواني صغيرة وأعينًا للتماثيل. ومن أهم الأمثلة التي بين أيدينا رأس
«أمنمحيت الثالث» (الأسرة الثانية عشرة)٤٤ إلخ، وقد فحص موضوع مصدر الأبسديان فقال أحد علماء الآثار إنه يجلب إلى مصر
من أرمينيا.٤٥ ولكن المرجح أنه كان يجلب إليها من الحبشة وبلاد العرب لقربهما.
الصخر البورفيري: ولفظة بورفير معناها في الأصل
أرجواني وكان يطلق في الأصل على نوع من الصخر له هذا اللون (البورفير الإمبراطوري).
ولكن اسم بورفير في الجيولوجيا يطلق على أي صخر بركاني فيه بلورات ظاهرة منتشرة في
أجزائه في أم من مادة منسجمة اللون. والصخور البورفيرية تختلف كثيرًا من حيث طبيعة
بلوراتها الظاهرة وحجمها، وكذلك في لونها، ويوجد منتشرًا في أنحاء القطر بالقرب من
أسوان وفي الصحراء الشرقية٤٦ وفي سيناء.
وكان يستعمل البورفير في عصر ما قبل الأسرات، وفي عهد الأسرات الأولى لصنع الأواني،
وكان اللون المختار لذلك هو الأسود والأبيض أي بلورات بيضاء في أم سوداء. وليست لدينا
معلومات تنبئنا عن المصدر الذي كان يأخذ منه قدماء المصريين ما يلزم لهم من هذا الحجر،
وكل ما يمكن الإشارة إليه في هذا الصدد أن الدكتور «هيوم» يقول: إن صخورًا من هذا الحجر
تشبه التي صنع منها المصريون أوانيهم توجد في الصحراء الشرقية.
وأحسن نوع من الصخر البورفيري قطع في الأزمان القديمة هو بلا شك البورفير ذو الحبات
الدقيقة الأرجواني اللون الذي يطلق عليه عادة البورفير الإمبراطوري، وهو الذي كان
يستخرجه الرومان ويستعملونه بكثرة في إيطاليا أحجارًا للزينة، وهذا النوع من الحجر يوجد
في ثلاثة أماكن في الصحراء الشرقية، وهي جبل الدخان، وجبل عش٤٧ وبالقرب من ساحل البحر الأحمر عند العرف بالقرب من وادي ديب، وقد كان
الرومان يأخذون ما يحتاجون إليه من هذا الحجر من جبل الدخان.٤٨
وليس لدينا ما يثبت أن المصريين كانوا يستعملون البورفير الإمبراطوري إلا قطعة من
كأس
قيثاري الشكل، وجدت في بلاص في مصر العليا، وربما يرجع عهدها إلى الدولة القديمة. وهذا
لا يعني أن المصريين كانوا يستعملون هذه المحاجر في عصور تاريخهم القديم.
حجر الشيست والأردواز: الشيست نوع من الصخر مركب في
طبقات، وهو قابل للتشقق، وليس لاسمه علاقة بتركيبه الصخري، والشيست الخاص الذي استعمل
في مصر القديمة هو صخر حباته دقيقة متماسكة صلبة متبلورة، يشبه كثيرًا الأردواز في
الشكل، وتختلف ألوانه من الرمادي الخفيف إلى الرمادي القاتم تعلوه أحيانًا خضرة. ويوجد
الشيست، والأردواز في مواطن عدة في الصحراء الشرقية. وكان الشيست يستخرج فقط من وادي
حمامات حيث وجد أكثر من ٢٥٠ نقشًا من الأسرة الأولى إلى الأسرة الثلاثين،٤٩ وهذه المحاجر قد ذكرت كثيرًا في الوثائق القديمة. وقد اعتقد علماء الآثار
إلى عهد قريب أن الشيست الرمادي المستخرج من وادي حمامات هو حجر «بخن» القديم كما ذكر
على ناووس الملك «نقطانب الثاني» المتخذ من هذا الحجر، أنه من حجر «بخن». ولكن البحوث
العلمية أظهرت أن لفظة «بخن» تطلق على أحجار أخرى مثل ناووس الملك «أحمس الثاني»
المصنوع من حجر الجرانيت الرمادي الدقيق الحبات إلخ. وكان الشيست يستعمل في عصر ما قبل
الأسرات، وعصر الأسرات الأولى في صناعة الكئوس والأواني والألواح، ثم فيما بعد في
التوابيت والمحاريب والتماثيل.
أما الأردواز فهو من فصيلة الشيست في التركيب، ويكون في العادة صلبًا، وكان يستعمل
في
العصور الأولى لعمل الألواح الأردوازية.
حجر الثعبان، وحجر استايتيت (الطلق): وهما يتشابهان
في معظم التركيب غير أنهما ليسا من نوع واحد. ويوجدان مع بعضهما في الصخور. وحجر
الثعبان صخر قاتم ليس بشفاف، وهو في لون جلد الثعبان ببقعه ويكون غالبًا أخضر قاتمًا
إلى حد السواد، وهو لين بعض الشيء إلا أنه أصلب من حجر استايتيت، ويمكن قطعه أو خدشه
بسهولة. ويوجد في الصحراء الشرقية، وأهم مراكز له هي منطقة برامية (؟) ودونجاش٥٠ في وادي شيت، وبالقرب من جبل درارا، وفي التلال الواقعة شمال سكيت، وجبل
سكيت، وفي منطقة مقسم، وفي أقاصي الصحراء الشرقية حيث تشغل مساحة نحو ٤٠٠ ميل من رأس
بنارس جنوبًا إلى رأس علبة.٥١
ويوجد نوع من حجر الثعبان أخضر في وادي أم ديسي الواقعة بين قنا والبحر الأحمر، وعند
سفح جبل الربشي، ونوع أسود في وادي «صدمن»،٥٢ وهما في الشمال الغربي من القصير، وكان حجر الثعبان يستعمل في عمل
الأواني،٥٣ وأشياء أخرى٥٤ منذ عصر ما قبل الأسرات وقد عثر «لأمنمحيت الثالث»٥٥ على رأس من هذا الحجر.
أما حجر استايتيت فهو نوع من الطلق، وهو أبيض اللون عادة أو رمادي وأحيانًا يكون
أسود
دخانيًّا، وهذا النوع الأخير طبيعي لا صناعي كما يظن البعض، وملمسه كالصابون، وكان
يستعمل منذ عصر ما قبل الأسرات وما بعده لعمل الخرز، والأشياء الأخرى الصغيرة٥٦ التي كانت تطلى بطبقة زجاجية، والجزء الأعظم من الجعارين المعروفة في
العالم هي من الاستايتيت المطلي، ويوجد هذا الحجر بالقرب من أسوان٥٧ في وادي الهمر، وفي جبل فطيرة٥٨ التي على خط عرض طحطا بالقرب من النيل وفي وادي غولان شمال رأس بنارس، وهي
تستغل الآن.٥٩
قطع الأحجار
كان من الطبيعي ألا تنتشر صناعة قطع الأحجار إلا بعد معرفة المعادن وصناعة
الآلات، التي بواسطتها يسهل قطع الأحجار الصلبة. ومن أجل ذلك لم يستعمل المصري في
بادئ الأمر الأحجار للمباني بل كان يستعمل اللبن. أما الأحجار التي كانت تسعمل في
عصر ما قبل الأسرات لعمل الأواني فإنها كانت قطعًا من الصخور التي فصلتها الطبيعة
بمؤثرات العوامل الجوية، وبفعل تآكل المياه، ولا تزال قطع من الجرانيت في أسوان
مفصولة عن الصخرة الأصلية تشهد بذلك. أما طريقة قطع الأحجار بالآلات التي كان
يستعملها الإنسان فيمكن استنباطها من أماكن التحجير القديمة التي لا تزال باقية إلى
الآن في منطقة أسوان.
كان قطع الأحجار السهلة اللينة كالمرمر والحجر الجيري، والحجر الرملي يتم بفصل
الكتلة المرغوب في قطعها من جهاتها الأربع عن الصخر الأصلي، وذلك بخوابير من الخشب،
وعروق مبللة بالماء. والآلات التي كانت تستعمل في ذلك من المعدن هي أزاميل أو
مناقير من النحاس حتى الدولة الوسطى، إذ حلت محلها وقتئذ آلات من البرنز، ومن ثم
كان الاثنان يستعملان جنبًا لجنب، وكذلك كانت تستعمل مدقات من الخشب ومطارق من
الحجر.٦٠
أما قطع الأحجار الصلبة فلم يبدأ فيه إلا في عهد الوسطى عندما أخذ المصريون في
قطع الكتل الضخمة الطويلة لصنع المسلات والتماثيل الهائلة. أما قبل ذلك فإنهم كانوا
يسدون حاجاتهم من القطع التي فصلتها الطبيعة لهم، وهي التي لا تزال باقية إلى الآن
في منطقة أسوان، وقد أخذ منها بعض الأحجار اللازمة لبناء خزان أسوان. وقد درس بعض
المهندسين المعماريين طريقة تحجير الجرانيت والكوارتسيت، ويقال إن الجرانيت كان
يفصل بالدق بكرات من الديوريت، وباستعمال الخوابير التي كانت تجهز بواسطة آلات من
المعدن، وكذلك كان يستعمل الدق، والخوابير في قطع الكوارتسيت مع استعمال آلة أخرى
ربما كانت معولًا.
كيفية صناعة الأحجار
يمكن استنباط طريقة صناعة الأحجار بعد قطعها من المحاجر من الآثار التي تركتها
الآلات على القطعة المصنوعة، وبخاصة التماثيل التي وجد منها عدد عظيم لم يتم صنعه
بعد، ومن الإيضاحات التي وجدت مرسومة على بعض المقابر، وقد درس هذا الموضوع طائفة
من علماء الآثار نخص بالذكر منهم «بترى»٦١ و«ريزنر».٦٢
والواقع أن التماثيل المصنوعة من الحجر، وبخاصة المنحوت منها في الأحجار الصلبة
كالديوريت والجرانيت والكوارتسيت والشيست كانت مثار إعجاب الكل لدقة صنعها، ولا
يزال العالم متأثرًا بجمال تلك القطع الفنية، غارقًا في عالم التخيلات والظنون في
كنه الآلات التي استعملت لإبرازها في ذلك الثوب البهيج حتى إن بعضهم ذهب به الخيال
إلى أن معدن الصلب كان يستعمل في صنعها، وأعجب من ذلك أن بعضهم ظن أن آلات النحاس
أو البرنز التي كانت تستعمل في صنعها كان يركب فيها قطع من الماس أو غيره من
الأحجار الصلبة لصناعتها، ولكن ثبت أن الأمر أسهل من كل ذلك إذ لخص لنا الأستاذ
«ريزنر»٦٣ العمليات الهامة التي كانت تتخذ لإبراز التمثال أو غيره من القطع
الفنية حتى مرحتله الأخيرة.
أولًا: الدق بالحجر، ومن المحتمل أن ذلك وجد ممثلًا في مقبرة «تي» في
سقارة.
ثانيًا: الحك بوساطة حجر في اليد ومعه مسحوق مفتت. وقد كان يظن احتمال
وجود المسحوق المفتت، غير أنه قد وجدت صورة ناطقة تثبت وجود هذا
المسحوق، وهو الرمل في حفائر الجامعة بمنطقة الأهرام في مقبرة صهر
الملك ومدير قصره٦٤ «وب إم نفرت» إذ نشاهد في مناظر الحرف والصناعات
صانعين يصقلان تابوتًا وفي يد واحد منهما حجر يحك به غطاء التابوت،
وفوق الصورة كتب ما يأتي: صقل التابوت، ثم كتب بعد ذلك: «صب الماء
وضع الرمل». ونشاهد بعد ذلك الصانع يحك سطح غطاء التابوت بوساطة
هاتين المادتين الماء والرمل. وإذا علمنا أن الرمل يحتوي على ١٥٪
من مادة السنفرة سهل علينا فهم النقوش. وهناك منظر آخر من هذا
القبيل عثر عليه في حفائر سقارة في طريق هرم الملك «وناس».
ثالثًا: النشر بوساطة سلاح من النحاس ومعه مسحوق مفتت، ولم يعثر على صور
لذلك.
رابعًا: الثقب بمثقب أنبوبي الشكل، ومعه مسحوق مفتت، وهذا المثقب أنبوبة
جوفاء من النحاس تستعمل بإدارتها بين اليدين أو بوتر، أو قبضة
متحركة، وهناك أنواع أخرى من المثاقب تدار بطرق خاصة عثر عليها في
سقارة من الأسرة الخامسة، ومن عهد الأسرة الثانية عشرة في دير
الجبراوي،٦٥ وكان المثقب يستعمل في تفريغ الأواني المصنوعة من
الحجر، وبخاصة الأواني الأسطوانية الشكل التي كانت تتخذ من الأحجار
الصلبة كالبازلت والديوريت.
خامسًا: الثقب بالنحاس، أو حجر مدبب معه مسحوق مفتت، وقد شوهد ثلاثة
مقابر من عصر الأسرة الثامنة عشرة في طيبة٦٦ مثاقيب تدار بوساطة أوتار لثقب خرز، وفي مقبرة رابعة
لثقب شيء مجهول.
سادسًا: الحك بآلة نحاسية معها مسحوق مفتت، ولكن ذلك مشكوك فيه.
غير أن الذين يعتقدون باستعمال آلات من الصلب لهذه الأغراض يمكن أن يحتج عليهم
بأن الصلب مهما طرق لتزيد متانته فإنه لا يمكن أن يقطع به أحجار صلبة مثل الديوريت
والجرانيت والشيست. هذا فضلًا عن أنه لا يمكن استعمال مثل هذه الآلات، ومعها مسحوق
مفتت كالسنفرة، وهذا الرأي لا غبار عليه. يضاف إلى ذلك أن القواديم المصنوعة من
النحاس كانت لا تستعمل إلا في الأحجار اللينة فحسب، أما من جهة استعمال المناشير
والمثاقب بما فيها ما كان على شكل أنبوبي، فإن هناك براهين واضحة على الأحجار
المشغولة تدل على أنها استعملت لهذا الغرض، فمثلًا نجد علامات للمناشير في رقعة
معبد «خوفو»٦٧ المصنوعة من البازلت، وعلى تابوته المصنوع من الجرانيت الوردي، وكذلك
على تابوت «خفرع».
أما آثار المثقب الأنبوبي الشكل فنشاهدها على تمثالين للملك «منكاورع» أحدهما من
المرمر كامل النحت والثاني لم يتم نحته بعد، وكذلك نشاهد أثر المنشار في تمثال
الملك «خفرع» المشهور المصنوع من الديوريت.٦٨
(٢) الأحجار الكريمة وشبه الكريمة
كان قدماء المصريين كغيرهم من أمم العالم مغرمين بالزينة، ولذلك كانوا يبحثون وراء
الحقول على الأدوات التي يتبرجون بها منذ ما قبل التاريخ، وقد عثرنا في مقابرهم على
أنواع شتى من الأحجار الكريمة ونصف الكريمة مما لم تسبقهم إليها أمة في العالم حسب
معلوماتنا إلى الآن. وهذه الأحجار لا يزال بعضها إلى الآن يعتبر في نظرنا كريمًا،
والبعض الآخر لا يعتبر إلا حجرًا عاديًا لا قيمة له من الوجهة المادية، وكان يستعملها
المصري لعمل التعاويذ، والخرز، والمجوهرات، والجعارين، وكذلك في تطعيم وترصيع صناديقه،
وتوابيته، وأثاثه بما يشعر بحسن الذوق والأناقة. وأهم هذه الأحجار ما يأتي:
العقيق Agate
الجمشت Amethyst
الزمرد المصري Beyrl
حجر الدم Carnelian
الخلكيدوني أو العقيق
الأبيض Chalcedony
المرجان Coral
المقيق أو حجر سيلان Garnet
حجر الدم Haematite
اليشم jade
السرد أو العقيق الأحمر Sard
اللازورد Lapis lazuli
الدهنج Malachite
حجر الزبرجد Olivine
الجزع (حجر الظفر) Onyx
اللؤلؤ Pearl
البلورات الصخرية Rock crystal
جزع عقيق Sardonyx
الفيروز Turquoise
ويلاحظ أن المصري لم يكن يعرف الماس أو حجر الأوبال أو الياقوت الأحمر أو الأزرق.
وقد
جاء ذكر الأحجار التي ذكرناها في الوثائق القديمة المصرية بأنها كانت تستعمل لأغراض
خاصة للحلي والزينة، أو أنها وردت للبلاد جزية، أو أخذت ضمن الغنائم الحربية.
ورغم أن هذه الأحجار قد سميت بأسمائها في النقوش المصرية كل على حدة، إلا أن ترجمة
بعضها لا يزال مشكوكًا فيه، وقد ذكر لنا «بليني» نحو ثلاثين اسمًا من الأحجار الكريمة
التي كانت ترد من مصر وبلاد الحبشة، إلا أنه لم يحقق إلا عددًا قليلًا منها. وسنتكلم
على كل من هذه الأحجار وماهيته في الحلي المصرية وفي الصناعة بقدر ما وصلت إليه
معلوماتنا.
العقيق، والجزع، وجزع العقيق، وكلها أنواع من
الخلكيدوني المجزع أو المعرق. وكل هذه الأحجار منسوب بعضها إلى بعض، ويطلق عليها غالبًا
اسم عقيق فحسب، وكلها تحتوي على السليكا، وليس بينها فرق غير لون العروق أو التجزيع،
ففي العقيق نجد أن هذه العروق غير منتظمة، وفي العادة تكون بيضاء وسمراء يخالطها بعض
الزرقة، أما في الجزع وجزع العقيق فنجد أن العروق مستقيمة، ومنتظمة على وجه التقريب،
ويكون لون الجزع لبنيًّا متبادلًا مع الأسود، وفي جزع العقيق يكون الأبيض متبادلًا مع
الأسمر المائل إلى الحمرة. ويوجد العقيق بكثرة في مصر، وبخاصة في شكل حصوات، وكذلك وجد
بكميات صغيرة مختلطًا باليشب، والخلكيدوني في وادي أبو جريدة في الصحراء٦٩ الشرقية. ومن المحتمل أن الجزع وجزع العقيق موجودان في مصر طبيعيًّا، غير
أنهما لم يذكرا في تقارير مصلحة الجيولوجيا.
وقد وجدت حصوات العقيق وخرزه في قبور ما قبل الأسرات،٧٠ وكذلك وجدت في هذا العصر خرزات من الجزع، وأقدم تاريخ معروف لاستعمال جزع
العقيق هو عهد الأسرة الثانية والعشرين، ويجوز من الأسرة التاسعة عشرة. وقد عثر حديثًا
على آنية من العقيق ربما يرجع عهدها إلى العصر الروماني في قفط، ستة منها في المتحف
المصري، وإناءان عظيمان اشتريا حديثًا.
حجر الجمشت (أمتست): ويتركب من الكوارتس الشفاف
الملون بآثار من مركب الماغنزيوم. وكان يستعمل قديمًا على وجه خاص لعمل القلائد، وكذلك
للأساور، وأحيانًا تعمل منه الجعارين، ويرجع تاريخ استعماله إلى عهد ما قبل
الأسرات٧١ وقد وجد منذ عصر الأسرة الثانية عشرة وفي عهد الدولة الحديثة، فمثلًا وجد
في مقبرة «توت عنخ آمون» جعرانان من هذا الحجر، وكان يستخرج قديمًا من جبل أبو ديابة
ومنطقة٧٢ سفاجة في الصحراء الشرقية، وكذلك عثر على مناجم له في الجنوب الشرقي من
أسوان،٧٣ وأخرى من عهد الدولة القديمة على مسافة ٤٠ كيلومترًا من الشمال الغربي لأبو
سنبل.
الزمرد المصري: هذا الحجر الكريم يكون لونه أخضر أو
أزرق باهتًا أو أصفر أو أبيض، غير أننا لا نعرف منه إلا الأخضر الذي كان يستعمل في مصر
قديمًا، ويوجد الزمرد في منطقة سقاية زبارة في تلال البحر الأحمر٧٤ حيث توجد مناجم عظيمة له ربما كانت من عهد الإغريق الروماني. ومن المحتمل
أن أنواعًا جميلة من هذا الحجر قد وجدت قديمًا ولم يمكن العثور عليها الآن. والزمرد
يكون دائمًا شفافًا، ولا يكون قط مظلمًا، وكان المصري يستعمله دائمًا في قطعه الطبيعية
السداسية الشكل، وذلك لأنه أصلب من حجر الكوارتس، فكان يصعب عليه قطعه بطريقة
منظمة.
والظاهر أن الزمرد المصري لم يستعمل قط في مصر القديمة قبل عصر البطالسة، ولذلك فإن
الأحجار الكريمة التي وجدت في مجوهرات دهشور٧٥ وكان يقال عنها إنها من الزمرد عندما فحصت لأول مرة كانت في الواقع من
الفلسبار الأخضر، وكذلك كل الأحجار التي أطلق عليها اسم زمرد أو «زبرجد» قبل عصر
البطالسة فإنها ليست منهما بل من أحجار أخرى، وذلك بعد أن فحصها العالم الكيمائي
«لوكاس» فحصًا فنيًّا.
حجر الدم، والعقيق
الأحمر Carnelian and Sarld حجر الدم هو خلكيدوني أحمر شفاف بعض الشيء،
وترجع حمرته إلى وجود مقدار قليل من أوكسيد الحديد فيه، وهو يوجد بكثرة على شكل حصوات
في الصحراء المشرقية، وقد استعمل كثيرًا منذ عصر ما قبل الأسرات.٧٦
أولًا: لعمل الخرز والتعاويذ، وثانيًا: لتطعيم الأثاث والمجوهرات، والتوابيت. وقد
قلد
في عهد الدولة الحديثة، كما يشاهد ذلك في تابوتين من أثاث «يويا»، وفي تابوت «سمنخ
كارع»، وكذلك في كثير من الأشياء التي وجدت في مقبرة «توت عنخ آمون».
أما حجر السرد فهو نوع من حجر الدم غامق اللون، وبعض أنواعه تقرب في لونها إلى السواد
وكان يستعمل قليلًا منذ عصر ما قبل الأسرات٧٧ وما بعده، ويقول «بليني»:٧٨ إن السرد كان يوجد في مصر.
الخلكيدوني أو العقيق الأبيض: وهو نوع من السليكا
الشفاف بعض الشيء شمعي اللون، وعندما يوجد نقيًّا يكون لونه أبيض، أو أبيض رماديًّا فيه
بعض الزرقة. على أن هذا الحجر قد يكون بألوان متعددة، ولكل لون اسم خاص. ويوجد في مصر
في وادي صاغة،٧٩ وفي وادي أبو حريدة في الصحراء الشرقية، وفي الواحة البحرية في الصحراء
الغربية. وكذلك على مسافة ٤٠ ميلًا من الشمال الغربي من أبو سنبل، وفي الفيوم. وكان
يستعمل أحيانًا في مصر القديمة لعمل الخرز والجعارين والدلايات، ويرجع تاريخ استعماله
إلى عصر ما قبل الأسرات.٨٠
المرجان: وهو عبارة عن هياكل صلبة لمخلوقات بحرية
ولونه يكون أبيض أو أحمر في ألوان شتى، أو أسود، والمشهور منها هو الأبيض والأحمر، ولم
يعثر على المرجان الأبيض في الآثار المصرية إلا مرة واحدة في دفنة،٨١ ويرجع تاريخه إلى القرن السابع قبل الميلاد. وقد عثر «بترى» على كمية كبيرة
منه في شكل فروع طبيعية. والمرجان الثمين يستخرج من الجهة الغربية للبحر الأبيض
المتوسط، وكل ما عثر عليه في مصر من المرجان يرجع عهده إلى عصر البطالسة وما بعده، أما
المرجان الأنبوبي الشكل فقد عثر عليه منذ عصر البداري،٨٢ وعصر ما قبل الأسرات. وكذلك عثر على هذا النوع في مقابر بلاد النوبة، التي
يرجع عهدها إلى عصر الدولة القديمة.٨٣
حجر الأمزون أو الفلسبار الأخضر. هو حجر غير شفاف
أخضر باهت، وليس منسجمًا في لونه، وقد وجد بكميات قليلة في جبل مجيف في الصحراء
الشرقية،٨٤ وكان يستعمل لعمل الخرز منذ العصر الحجري الحديث،٨٥ وكان يستعمل كثيرًا في عهد الأسرة الثانية عشرة. كما يشاهد ذلك في مصوغات
دهشور واللاهون. وقد كان يظن أنه هو الزمرد في هذه المجوهرات، وكثيرًا ما يختلط هذا
الحجر بأنواع الأحجار الأخرى الخضراء، حتى إنه يسمى أحيانًا أم الزمرد.
حجر سيلان: والنوع الذي استعمل في مصر منه لونه
أحمر قاتم أو أسمر مائل إلى الحمرة شفاف بعض الشيء، ويوجد بكثرة في جهة أسوان في
الصحراء الشرقية، وفي سيناء، وأحجاره صغيرة جدًّا للاستعمال، وبخاصة ما عثر منها في
أسوان. أما الكبيرة فوجدت في غرب سيناء، وقد استعمل حجر السيلان لعمل الخرز منذ عصر ما
قبل الأسرات.
حجر الهمتيت: (حجر الدم) وهو أكسيد الحديد، ويوجد
في الطبيعة بألوان مختلفة، فيكون أسود، وأحمر، وأسمر، أو ذا صفائح رقيقة تكون طبقات
لامعة بعضها فوق بعض، والنوع الخاص الذي يستعمل في مصر من الهمتيت لصنع الخرز،
والتعاويذ، والمكاحل وأدوات الزينة الصغيرة، هو الأسود القاتم ذو اللمعة المعدنية. وقد
استعمل منذ عصر ما قبل الأسرات.٨٦ ورغم أن الهمتيت يوجد بكثرة في مصر في الصحراء الشرقية لاستخراج الحديد
منه٨٧ إلا أننا لا نعرف من أين جلب المقدار الذي استعمل في صنع تلك
الأشياء.
اليشم أو حجر
الجاد Jade: ويطلق هذا الاسم على نوعين متميزين من المعدن،
أحدهما اسمه «نفريت»، أو اليشم الحقيقي. والثاني شبه اليشم، وهو في مظهره مثل اليشم
الحقيقي، ولا يمكن تمييزه عنه إلا بالتحليل الكيمائي، وكلاهما لونه أبيض، أو رمادي، أو
أخضر على ألوان شتى وهو شفاف شمعي اللمعة. وقد عثر منه على رأس بلطتين يرجع عهدهما إلى
ما قبل الأسرات،٨٨ واحدة منهما في المتحف المصري، والأخرى في متحف لندن، وقد عصر الأستاذ
«ينكر» حديثًا في مرمدة بني سلامة٨٩ على رأس بلطة يرجع عهدها إلى العصر الحجري الحديث وكذلك وجد في مقبرة «توت
عنخ آمون» خاتم من هذا الحجر.
حجر اليشب Jasper:
وهو نوع من السليكا الكثيفة غير النقية، ويكون لونه أحمر أو أخضر، أو بنيًّا، أو أسود،
واللون الأحمر هو الذي كان يستعمل في مصر قديمًا لصناعة الخرز والتعاويذ، وأحيانًا
لتطعيم المصوغات وعمل الجعارين. وقد عثر على قطعتين من إناء مفرطح من اليشب الأحمر يرجع
عهدهما إلى الأسرة الأولى،٩٠ أما اليشب الأسمر والأسود فقد عثر على أشياء مصنوعة منهما من عهد الدولة
الوسطى،٩١ وقد عثر على جعارين كذلك من ذلك العهد. أما اليشب الأخضر فعثر منه على
أشياء ترجع إلى عهد الأسرة الرابعة.٩٢
ويوجد اليشب الأحمر في بعض الصخور، على شكل عروق في الصحراء الشرقية. مثال ذلك تلال
الحضربية،٩٣ وبالقرب من وادي صاغة Saga، وفي وادي أبو
حريدة. أما اليشب الأخضر المبقع بالأحمر فقد عثر عليه في طريق قنا والقصير.٩٤
اللازورد Lapis-lazuli: وهو حجر مظلم ذو لون أزرق قاتم يتخلله أحيانًا
بقع أو عروق بيضاء، وأحيانًا تكون فيه نقط صفراء دقيقة، تظهر كأنها ذرات من الذهب،
والظاهر أن هذا الحجر لم يعثر عليه في مصر. غير أن الإدريسي قد ذكر أنه يوجد منه منجم
في الواحة الخارجة. وأهم منبع له هي بلاد الأفغانستان في بلدة بدخشان Badakshan،٩٥ والظاهر أن هذا هو المنبع الأصلي لهذا المعدن. وكان يستعمل اللازورد في مصر
منذ عصر ما قبل الأسرات،٩٦ وما بعده لصنع الخرز والتعاويذ والجعارين، والأشياء الأخرى الصغيرة، وكذلك
لتطعيم المجوهرات، وبخاصة في عهد الدولة الوسطى والدولة الحديثة، وقد ذكر هذا الحجر في
النقوش المصرية منذ الأسرة الثانية عشرة وما بعدها.٩٧ في عدة جهات مختلفة.
حجر الدهنج
(التوتية): Malachite وهو النحاس الغفل ولونه أخضر جميل ولم نعثر
عليه في المقابر المصرية، إلا على هيئة مسحوق يستعمل للتكحل به، وقد عثر عليه منذ عهد
البداري وعهد ما قبل الأسرات حتى الأسرة التاسعة عشرة،٩٨ وقد كان يستعمل أحيانًا لصنع الخرز منذ عصر ما قبل الأسرات، وفي عهد الأسرة
الأولى،٩٩ وقد اتخذ منه تعاويذ وجعارين من عصر الأسرة التاسعة عشرة. وقد فات على بعض
العلماء التمييز بين هذا الحجر، وحجر الزبرجد، والزمرد الأخضر، وحجر الفلسبار الأخضر،
كما حدث في القلادة المستخرجة من دهشور في الأسرة الثانية عشرة، والسوارين اللذين وجدا
في هذا العهد أيضًا، واتضح أن السوارين أحدهما من الفلسبار الأخضر، والثاني من الفيروز،
ويوجد الدهنج في سيناء وفي الصحراء الشرقية،١٠٠ وقد استعملت مناجمه في العصور القديمة لاستخراج التوتية أولًا، وثانيًا
لاستخراج النحاس.
وقد كان النحاس يستخرج من وادي مغارة، وسرابة الخادم، ومن هذين المكانين كان يستخرج
الفيروز قديمًا. ومن هنا جاءت الصعوبة في التمييز بين الدهنج والفيروز، وبخاصة أنهما
كانا يستخرجان من مكان واحد، ولا يتميزان عن بعضهما في اللون. ومن هنا جاء أيضًا الخطأ
في أن بعض العلماء ترجم كلمة «مفكات»، وهي اسم الفيروز باللغة المصرية القديمة بلفظة
دهنج.
اللؤلؤ Pearl
ويستخرج من شواطئ البحر الأحمر، وكذلك الخليج الفارسي، وعلى مسافة من سواحل سيلان،
وأماكن أخرى.
ورغم أن الأصداف قد استعملت في مصر منذ عصر ما قبل التاريخ فإن اللؤلؤ لم يستعمل
حتى
عهد البطالسة، اللهم إلا أزرار قلادة الملكة «أعح حتب» أم الملك «أحمس الأول»،١٠١ وهي ليست بلؤلؤ حقيقي.
حجر الكوارتس والبلور
الصخري Rock crystal: والكوارتس نوع من السليكا البلورية، ولا لون
له عندما يكون نقيًّا، وقد يكون شفافًا بعض الشيء أو مظلمًا، ويطلق على النوع الأول اسم
البلور الصخري، وعلى الثاني الكوارتس اللبني. وأحيانًا يكون لون الكوارتس أسمر حتى
السواد، وفي هذه الحالة يسمى الكوارتس الدخاني اللون، وهذا النوع يوجد في منجم ذهب قديم
في «روميت» Romit في الصحراء الشرقية،١٠٢ ويوجد الكوارتس بكثرة على هيئة عروق في الصخور البركانية في الصحراء
الشرقية، وبالقرب من أسوان،١٠٣ وكان يستعمل بكمية قليلة في عهد ما قبل الأسرات،١٠٤ وما بعده، إذ كان يصنع منه الخرز وأشياء أخرى، كالأواني الصغيرة، وقرنات
العيون التي كانت تصنع للتماثيل وكذلك كانت توضع في أعين التوابيت، التي كانت على شكل
آدمي، وكل أنواع الكوارتس أصلب من الزجاج، وكذلك أكثر مقاومة من الصلب، ولذلك لا يمكن
أن يؤثر فيها هذا المعدن.
الفيروز أو
الفيروزج Turquoise: ولونه أزرق سماوي، وبعضه يكون أزرق مائلًا إلى
الخضرة، وبعضه أخضر، وهو يوجد على هيئة عروق في أم الصخر. ومناجم الفيروز هي وادي مغارة
وسرابة الخادم في شبه جزيرة سيناء،١٠٥ ويوجد على هيئة طبقات في صخور الحجر الرملي. وقد استعمل في مصر منذ عهد
البداري،١٠٦ وما قبل التاريخ، وكان يستعمل في صياغة الأساور منذ الأسرة الأولى، وكذلك
للحجال في الأسرة الرابعة، إذ عثر على أحجار منه في مقبرة الملكة «حتب حرس» من عهد
الأسرة الرابعة في الجيزة،١٠٧ وقد ظن البعض أولًا أنه دهنج. ووجد بكثرة في عهد الأسرة الثانية عشرة في
مجوهرات دهشور. وقد ظن البعض أنه فيروز صناعي، وذلك لجمال لونه. وكذلك وجدت بعض قطع منه
في مقبرة «توت عنخ آمون» منها جعران لونه أزرق جميل، وقطع زرقاء مائلة للخضرة رصعت في
صداريتين.
(٣) المعادن
تدل الآثار المكشوفة في مصر على أن سكان وادي النيل كانوا يستعملون منذ القدم معادن
مختلفة الأنواع بعضها موجود طبيعيًّا في تربة البلاد، وبعضها جلب إليها من البلاد
الأجنبية التي كانت تربطها بها روابط التجارة أو الاستعمار، وأهم هذه المعادن النحاس،
والذهب، والحديد، والقصدير، والفضة، والرصاص. يضاف إلى ذلك استعمال البرنز، وهو في
الواقع خليط من النحاس والقصدير، والإلكتروم، وهو خليط من الذهب والفضة، وفي العهود
المتأخرة جدًّا استعمل النحاس الأصفر، وهو خليط من النحاس الأحمر والزنك. وهناك خامات
أخرى استعملها المصريون، وسنتكلم عن كل فيما يلي:
النحاس
هذا المعدن لا يوجد عادة في الطبيعة بشكل معدني بل يستخرج من خامات مختلفة، ويعد
من أقدم المعادن التي عرفها الإنسان، وقد استعمل في مصر قبل الذهب. ويرجع تاريخ
وجوده في مصر إلى عهد البداري، ثم عهد ما قبل الأسرات. وأقدم أدوات نحاسيه عثر
عليها هي الخرز، والمثاقب، والدبابيس من عصر البداري،١٠٨ وقد استمر استعمالها إلى عهد ما قبل الأسرات الذي عثر فيه كذلك على
أساور، ومعاول صغيرة، وخواتم، ورءوس خطاطيف، وإبر، وملاقط، وغير ذلك من الآلات
الصغيرة، وفي نهاية عصر ما قبل الأسرات أصبح في متناول المصري أسلحة من النحاس
ليدافع بها عن نفسه، ولم يأت عصر الأسرات الأولى حتى استعمل المصري رءوس بلط ضخمة،
وقواديم ومعاول، وسكاكين، وخناجر، وحراب، وحلي، وأدوات منزلية كالطست والإبريق وكل
هذه كانت من النحاس بكميات وافرة، ولم يوجد النحاس طبيعيًّا قط في أرض مصر بل كان
يستخرج من خامات، أهمها الدهنج الذي كان يستعمل منذ أقدم العصور لتكحيل العين،
ولذلك كان من السهل أن يكشف عن هذا المعدن بسهولة بعد صهر هذه المادة.
وتوجد خامات النحاس في داخل حدود القطر المصري في شبه جزيرة سيناء، وفي الصحراء
الشرقية، ففي شبه جزيرة سيناء عثر على مناجم يظن أنها كانت لاستخراج النحاس، أو
لاستخراج الفيروزج في وادي مغارة وفي سرابة الخادم. وهما يقعان في الجنوب الغربي من
شبه الجزيرة، وبينهما نحو اثني عشر ميلًا.١٠٩
وتدل الأحوال على أن خام النحاس كان يعدن قديمًا، في وادي مغارة؛ إذ وجدت بقايا
مستعمرات للتنجيم يرجع عهدها بخاصة إلى الدولة القديمة، وكذلك الدولة الوسطى. إذ
وجدت كميات عظيمة من الرواسب، وبقايا الصهر من مخلفات الدولة القديمة، وكذلك وجدت
قطع من خام النحاس، وعدة أوان للصهر وجزء من قالب لسبك النحاس.
أما من عهد الدولة الوسطى فقد وجدت كميات من رواسب النحاس، وقطع مصهورة، وقطع من
أواني الصهر، وكذلك وجد جزء من آنية صهر لا يزال فيها مسحوق الخام. هذا إلى وجود
قالب لسبك نصال أسلحة. أما في سرابة الخادم، فإن آثار التعدين فيها أقل، وذلك لأن
هذا المكان لم يفحص بعد.
وأهم خام كان يعدن في سرابة الخادم، وفي مغارة هو الدهنج الأخضر اللون، ومعه قليل
من الأزوريت الأزرق اللون.
وقد كانت البعثات ترسل للبحث عن هذا المعدن وغيره في وادي مغارة، وفي الوادي
والمناجم القريبة من سرابة الخادم منذ الأسرة الأولى، وقد عثر في وادي مغارة على ٤٥
وثيقة منها ٣٦ نقشًا على الصخر، وثمانية جرافيتي، ولوحة. وأقدمها يرجع للأسرة
الأولى حتى الأسرة التاسعة عشرة.
أما في الوادي والمناجم القريبة من سرابة الخادم، فكان يوجد فيها خمس عشرة وثيقة،
معظمها من الأسرة الثانية عشرة وبعضها من الدولة الحديثة. أما في المعبد المقام في
هذه البقعة وما حوله، فقد عثر على ٢٨٨ نقشًا١١٠ معظمها على كتل من الحجر، وتماثيل صغيرة ولوحات، ومن بين هذه النقوش
واحد باسم الملك «سنفرو»، غير أنه يظهر من نقوشه أنه كتب في عصر بعد عصر هذا الملك.
ومعظم هذه النقوش يرجع إلى عهد الدولة الوسطى، والدولة الحديثة. ويلاحظ أن تعدين
الفيروزج قد ذكر كثيرًا في هذه الوثائق ولم يذكر تعدين النحاس إلا مرة واحدة، وفي
الغالب نجد أن البعثات الأولى التي كانت ترسل إلى هذه الجهات لم يترك رؤساؤها في
نقوشهم إلا اسم الملك، وألقابه، وبعد ذلك أضيفت أسماء رؤساء الحملة وضباطها. وقد
بدأ ذلك منذ عهد الأسرة الخامسة. وبعد ذلك نجد أن الغرض من البعثة كان ينقش على
الصخور. ولذلك يصعب علينا في بادئ الأمر معرفة الأغراض التي من أجلها أرسلت الحملة
من النقوش نفسها، أكانت لاستخراج الفيروزج، أم لاستخراج النحاس أم لتأديب العصاة
فحسب؟
على أن تعدين النحاس لم يكن في وادي مغارة وسرابة الخادم فحسب بل كان يمتد إلى
الجهات المجاورة للجهة الأخيرة مثل جبل أم رنة، ووادي ملحة، ووادي خارج. وكذلك في
الجنوب الشرقي من شبه الجزيرة كانت توجد مناجم للنحاس، حيث وجدت خامات ورواسب منه
في عدة أماكن أهمها بالقرب من سهل سند، وفي التلال الواقعة غربي سهل نبق شرم، وفي
وادي رماثي أحد روافد وادي نسب. وتوجد خامات النحاس في عدة أماكن في الصحراء
الشرقية أهمها وادي عربة وفي جبل عطوى، وفي جبل دارا، وفي مناجم ذهب دونجاش Dungash، وفي التلال الواقعة جنوب وادي جمال Gemal، وفي أبو
سيال Absciel، وغيره.
ويختلف مقدار كمية النحاس التي تستخرج من الخامات حسب الأماكن التي يعدن فيها،
فمثلًا في الأماكن التي في الجنوب الغربي من شبه جزيرة سيناء وجد أنه يستخرج من
الخام من ٥ إلى ١٨٪ أما في الصحراء الشرقية فوجد أن مقدار ما يستخرج من الخام ما
بين ٣٦ و٤٩٪ ووجد في أبو سيال أن النسبة ٣٪، وفي أماكن منه وجد أن النسبة ارتفعت
حتى ٢٠٪.١١١
ولا بد أن النحاس الذي كان يستخرج في مصر من مناجمها حتى الأسرة الثامنة عشرة
عندما بدأ يجلب إليها هذا المعدن من الخارج كان كافيًا لسد حاجاتها، لأن البقايا
التي وجدت في مناجم النحاس وامتداد مساحاتها يشعران بأن الكميات التي كانت تستخرج
عظيمة، وإذا اتخذنا رواسب مناجم وادي نسب مقياسًا لما يستخرج من النحاس فإن أقل
مقدار من هذا المعدن استخرجه معدنو سيناء حتى تاريخ رواسب هذا الكوم أي الأسرة
الثانية عشرة فإنه لا يقل عن ٥٥٠٠ طن بل أكثر يضاف إلى ذلك ما كان يستخرج من مغارة
وغيرها.
وأقدم وثيقة لدينا تشير إلى جلب النحاس من الخارج يرجع عهدها إلى الأسرة الثامنة
عشرة، ثم التاسعة عشرة.١١٢ إذ نعرف أنه كان يأتي إلى مصر من «رتنو» و«زاهي» وكلاهما في سوريا، ومن
جهة «أرابختيس»، وهو مكان غير معروف في آسيا، ومن أرض «الإله»، وهو اسم استعمل ليدل
على أماكن مختلفة تشمل جهات في غربي آسيا، والصحراء الشرقية من مصر، وبلاد بنت، ومن
«إيسي» وربما كان يقصد بها قبرص.
وخامات النحاس في مصر هي: الآزوريت، وخام الكرسوكولا والدهنج، والكبريتور.
أما الآزوريت فهو خام أزرق غاسق جميل، من القاعدية النحاسية ويوجد في رواسب
النحاس، ويكثر وجوده في سيناء والصحراء الشرقية ويكون دائمًا على سطح الأرض أو
بالقرب من السطح ولذلك يسهل استخراجه، ولا يوجد بكثرة كالدهنج الذي يكون معه في
العادة، وكان الآزوريت يستعمل في مصر القديمة لاستخراج النحاس وللأصباغ ثم استغنى
عنه المصري عندما اخترع صبغة زرقاء١١٣ صناعية.
الكرسوكولا
أو البورق أو ملح الصاغة: وهو خام أزرق أو أخضر مائل إلى الزرقة، وهو يحتوي
كيمائيًّا على سليكات، ويوجد في سيناء، وفي الصحراء الشرقية، وقد استعمل مادة
للكحل، ولم يعثر منه إلا على تمثال صغير لطفل يرجع عهده إلى ما قبل
الأسرات.١١٤
الدهنج
وهو قاعدة خضراء من كربونات النحاس، وهو أول خام استخرج منه النحاس، ويوجد على
سطح الأرض في سيناء وفي الصحراء الشرقية. ويرجع تاريخ استعماله إلى عصر البداري، إذ
منذ ذلك العهد كان يؤخذ منه مادة الكحل١١٥ حتى الأسرة التاسعة عشرة، وكذلك كان يستعمل لتلوين الجدران١١٦ والقاشاني والزجاج. يضاف إلى ذلك أنه كان يعمل منه أحيانًا الخرز
والتعاويذ، وأشياء أخرى صغيرة، ولكن في الواقع كان أهم استعمال له في مصر استخراج
مادة النحاس إذ يحتوي على مقدار كبير منها.
البرنز (الشبة)
يعرف البرنز عند المصريين بأنه خليط من النحاس والقصدير، ولكنه فيما بعد كان
يحتوي فضلًا عن ذلك على كمية من الرصاص. على أن هذا الخليط لم يكن يطلق على البرنز
في عصرنا إلا إذا احتوى على نوكراتيس ٩٪ أو ١٠٪ من القصدير، أما البرنز القديم
فكانت النسبة فيه متغيرة إذ يكون القصدير فيه من ٢ إلى ١٦٪ ولكن إذا قلت نسبة
القصدير عن ذلك فلا يطلق عليه لفظة برنز بل تكون هذه الكمية موجودة في المعدن
طبيعيًّا.
ويمتاز البرنز على النحاس بأنه إذا أضيف للأخير مقدار ٤٪ من القصدير زادت صلابته
ومقاومته وبخاصة عندما يطرق، على أن رفع هذه النسبة إلى ٥٪ تجعل النحاس سهل الكسر
عند طرقه، هذا إلى أن الإكثار من نسبة القصدير تقلل من مقدار ذوبان النحاس، وتزيد
في سيلانه وبذلك يسهل تشكيله في القالب. والواقع أن هذه هي أهم فائدة في تحويل
النحاس إلى البرنز، إذ الواقع أن النحاس معدن رديء الصب، لأنه ينكمش عندما يبرد،
وكذلك لأنه يمتص الغازات، وبذلك يصبح ذا مسام، ولكن وجود القصدير يمنع امتصاص
الأكسجين والغازات الأخرى.
وتاريخ البرنز غامض في مصر، إذ إنه لم يكشف في مصر، وذلك لأنه فضلًا عن عدم معرفة
خامات القصدير في مصر قديمًا فإنه كان مستعملًا في آسيا قبل أن يعرف في مصر بزمن
طويل، فقد عرف استعماله في «لور» منذ ٣٥٠٠ ق.م.، ولا بد إذن أن يكون المصريون قد
عرفوه عن طريق آسيا.
ولا يزال عصر الانتقال من استعمال النحاس إلى استعمال البرنز مجهولًا إلى الآن،
والواقع أن البرنز لم ينتشر استعماله في مصر إلا منذ الأسرة الثانية عشرة، غير أنه
توجد أشياء يرجع تاريخها إلى عهد الدولة القديمة مصنوعة من البرنز، فقد عثر على
قطعة من عهد الملك «سنفرو»١١٧ أي منذ بداية الأسرة الرابعة، وكذلك عثر السير «روبرت موند»١١٨ على موسى يقال إنها من عهد الأسرة الرابعة. وقد وجد أن كمية القصدير
فيها نحو ٥ر٨٪.
والواقع أنه منذ عهد الدولة الوسطى١١٩ وجدت قطع تاريخها ثابت ولذلك يمكن تسمية هذا العصر عهد بداية استعمال
البرنز. ومنذ الأسرة الثامنة عشرة وما بعدها عملت تماثيل صغيرة من هذا المعدن غير
أن استعماله لم يعترض استعمال النحاس بل كانا يستعملان جنبًا لجنب.
صناعة البرنز: كان البرنز مثل النحاس يشكل
بالطرق، أو بالسبك في قوالب، ويمكن معرفة ما لهذا المعدن من الميزة إذا علمنا أن
مقدار صلابته بعد الطرق يزداد ازديادًا عظيمًا، فمثلًا وجد أن قطعة من البرنز فيها
كمية القصدير 10.34٪ كان مقدار صلابتها قبل الطرق ١٧١، وأصبحت بعد الطرق ٢٧٥، وقد
كان البرنز يستعمل في العصور المتأخرة في مصر لعمل التماثيل الصغيرة، وهي التي كانت
تسبك صماء، أو مفرغة، وكانت التماثيل الصغيرة في العادة تصب صماء، أما التماثيل
الكبيرة فكانت تسبك جوفاء.
وطريقة السبك هي المعروفة بطريقة الشمع المفقود. وذلك أن يعمل نموذج من شمع النحل
من الشكل الذي يراد سبكه ثم يغطى هذا الشكل بمادة تأخذ شكل القالب. ومن المحتمل أن
هذه المادة كانت تصنع من الطين، أو من الطين المخلوط بمواد أخرى. ثم يدفن الكل في
الرمل، أو في الأرض التي تقوم مقام حامل للقالب. ثم يحمى الكل بدرجة تذيب الشمع، أو
تحرقه، ويخرج من الثقوب التي كانت تعمل خصيصى ليصب فيها المعدن المصهور من البرنز.
وبعد ذلك يصبح القالب صلبًا جامدًا معدًّا للاستعمال، فيصب فيه المعدن المصهور من
البرنز، ثم يترك ليبرد. وبعد ذلك يفتت القالب، وينكشف عن الشكل المطلوب فتعمل فيه
التصليحات النهائية بآلة خاصة. وقد رسمت مناظر تمثل سبك البرنز في مقابر الأسرة
الثامنة عشرة،١٢٠ وتوجد قوالب للسبك في المتحف المصري وبخاصة لصب أشكال الطيور ولا نعرف
إذا كانت لسبك الذهب، أو البرنز، أو هي قوالب لعمل القاشاني، والزجاج.
النحاس الأصفر
وهو خليط من النحاس، والزنك، وقد وجدت في القرن الأول بعد الميلاد. وقد عثر على
خواتم منه وأقراط في مقابر بلاد النوبة١٢١ من العصر المتأخر.
الذهب
يوجد الذهب في الطبيعة منتشرًا بكثرة على هيئة معدن، ولم يوجد قط في حالة نقية.
بل يكون دائمًا محتويًا على كميات من الفضه أو النحاس، وأحيانًا نجد فيه آثار حديد،
ومعادن أخرى. ويوجد الذهب في الطبيعة عادة في شكلين، إما في عروق غير منتظمه، في
ثنايا صخور الكوارتس، أو في الرمال الغريانية، والحصا. وهذا ناتج من تفتت صخور
تحتوي على مادة الذهب، قد حملها تيار ماء جف فيما بعد.
وقد عثر على الذهب في هاتين الحالتين. ولما كان من السهل معرفة الذهب بلونه
الأصفر البراق، وكذلك بسهولة استخراجه فقد عرفه المصري واستعمله منذ عصور سحيقة
ترجع إلى ما قبل الأسرات.
والذهب يوجد في مناطق شاسعة في مصر بين وادي النيل والبحر الأحمر، وبخاصة في
الصحراء الشرقية جنوبًا من طريق قنا والقصير إلى حدود السودان. يضاف إلى ذلك أنه قد
وجدت مناجم ذهب شمالي خط عرض قنا حتى دنقلة في السودان تقريبًا ومعظم هذه المناطق
تقع في بلاد النوبة، وهي أثيوبيا القديمة التي ذكرها الكتاب الأقدمون، والجزء
المصري الحالي منها هو بلاد النوبة السفلي، أي من أسوان١٢٢ إلى وادي حلفا. أما القسم السوداني فهو بلاد النوبة العليا، أي من حلفا
إلى مرو. ولم يعثر إلى الآن على ذهب في شبه جزيرة سيناء.
وقد وجد أن عدد المناجم التي شغلت قديمًا في الكوارتس لاستخراج الذهب يبلغ عددها
نحو المائة، والواقع أن المصريين كانوا من أمهر البحاثين عن هذا المعدن، إذ لم يوجد
مكان يشعر بوجود الذهب فيه، إلا وجدنا المصريين قد سبقوا إليه، وقتلوه فحصًا
وتنقيبًا. وقد أحيت صناعة تعدين الذهب منذ مدة وجيزة، ولكنها أهملت ثانية لأسباب
اقتصادية.
وقد ظن الأستاذ «بترى»١٢٣ أن الذهب كان يجلب إلى مصر منذ الأسرة الأولى، وعزا ذلك لوجوده مخلوطًا
بالفضة. غير أنه نسي أن الذهب المصري كان يحتوي أحيانًا على مقدار عظيم من الفضة
طبيعيًّا، وكذلك ذكر الأستاذ بترى أن الذهب يحتوي على مقدار من الإثمد منذ عهد
الأسرة الثانية، وبذلك استنتج أنه لا بد أن جلب إلى مصر من ترنسلفانيا موطن
الإثمد،١٢٤ ولكن ذلك محض خطأ.
والواقع أن الوثائق المصرية القديمة تخبرنا أن الذهب كان يجلب إلى مصر من أقاليم
الجنوب في عهد الأسرة الثانية عشرة. على حين أنه ليس لدينا وثائق تدلنا على أنه كان
يجلب إلى مصر من الشمال قبل الأسرة التاسعة عشرة.
وقد كان يؤتى بهذا المعدن إلى مصر في الأسرة الثانية عشرة من قفط، وبلاد النوبة،
وفي عهد الأسرة الثامنة عشرة من الأراضي العليا، وكاروي، وقفط، وكوش، وبنت،
والأقاليم الجنوبية. وفي الأسرة التاسعة عشرة من أكيتا، وأرض «الإله»، وكاروي وبنت،
وفي الأسرة العشرين من إدفو، وإيمو، وقفط، وبلاد الدهنج، وأراضي العبيد، وأميو، ومن
الشمال في عهد الأسرة التاسعة عشرة من لوبيا، وفي الأسرة العشرين من آسيا، وفي
الأسرة الثانية والعشرين من «خنت نفر».١٢٥ وأقدم خريطة في العالم هي الموجودة الآن في متحف تورين، رسمت على ورق
بردي. وقد ظهر عليها مواقع مناجم الذهب في الصحراء الشرقية، ويرجع تاريخها إلى عصر
الملك «سيتي الأول» من الأسرة التاسعة عشرة. ولا نزاع في أن المصري منذ الدولة
القديمة كان في متناوله مقدار عظيم من الذهب كما تدل على ذلك مخلفات الملكة «حتب
حرس»، وبخاصة قبتها الذهبية، وكذلك ما وجد في بعض مقابر عظماء القوم، وقد زاد مقدار
الذهب في عهد الدولة الحديثة كما يشاهد في مقبرة «توت عنخ آمون» إذ نجد أن وزن
تابوته فقط ما يقرب من ١١٠٫٥ كيلوجرام من الذهب الخالص. وكان الذهب يصاغ بالطرق
والسبك. وكذلك كانت تنقش صفائحه بالبارز والغائر، وتحلي صفائحه الرقيقة الأثاث،
والتوابيت الخشبية، وغير ذلك من أدوات الزينة، وكذلك كان يذهب النحاس. هذا إلى أنه
كان يصنع من الذهب سلوكًا رفيعة لنظم العقود.
ولوحظ أن الذهب كان يطرق إلى أوراق رقيقة، واستعملت للتذهيب وكذلك كان يلون الذهب
ويلحم، وبالاختصار فإن معظم الصناعات الحديثة لصياغة الذهب كانت مستعملة عند قدماء
المصريين، وقد شرح كل من «ويليمز وفرنييه»١٢٦ تفاصيل طرق صناعة المجوهرات، وكذلك قاس الكيمائي «لوكاس» صفائح من
الذهب يختلف سمكها ما بين ٠٫١٧ و٠٫٥٤ من المليمتر، ٠٫٠٩ من المليمتر وذكر «بتري» أن
سمك الورقة كان غالبًا ١/٥٠٠٠ من البوصة أو ٠٫١٢٧ من المليمتر.
وعندما كان يراد استعمال ورق الذهب في تزيين الشكل البارز في الخشب كانت توضع
الصفائح مباشرة على الخشب المشغول ثم تثبت فيه بمسامير صغيرة من الذهب، ولكن عندما
كانت توضع أوراق رقيقة جدًّا على الخشب كان يغطى الخشب أولًا بطبقة رقيقة من جبس
خاص كان يلصق عليه الذهب بمادة مثبتة ربما كانت الغراء. وعندما كان يراد استعمال
ورق أرق مما سبق، كانت توضع كذلك طبقة من الجص، غير أن نوع المادة المثبتة التي
كانت توضع فوقها لم تعرف بعد بالضبط، وقد قال الأستاذ «لوري»١٢٧ إنه لاحظ في حالة من تلك الحالات، أن المادة كانت بياض بيضة وكان كل من
معدني النحاس والفضة يجليان أحيانًا بقشرة من الذهب، وكانت هذه القشرة توضع على
النحاس بإحدى طريقتين، الأولى بطرق ورقة رقيقة من الذهب على النحاس، والثانية تثبيت
ورقة الذهب على النحاس بمادة لاصقة ربما كانت الغراء، وقد عثر على أمثلة من النوع
الأول، وهي أزرار استعملت كأختام من عهد الأسرة السادسة تقريبًا، وكذلك عثر على
تعويذة تمثل الإله «تحوت» أما تذهيب الفضة فقد عثر على أمثلة منه في عهد الأسرة
الثانية والعشرين.١٢٨
وقد لوحظ في الآثار التي عثر عليها من الذهب القديم أنها تكون على ألوان شتى،
فنجد من بينها الأصفر الفاقع، والأصفر القاتم، والأحمر المختلف الألوان كاللون
اللبني المائل إلى الحمرة، والطوبي الخفيف، والدموي، والأرجواني القاتم، ثم الأحمر
القرنفلي. وكل هذه الألوان عرضية ما عدا الأخير إذ قد نتج من مزج الذهب الخالص
بكمية بسيطة من الحديد. كما يقول بعض علماء الكيمياء. أما الذهب الأصفر القاقع فهو
نضار خالص، أما الأصفر القاتم المبقع فيحتوي على نسب من معادن أخرى كالفضة والنحاس.
أما الذهب الرمادي فيحتوي على نسبة كبيرة من الفضة تغير لون مسطحه الخارجي.
الإلكتروم
وهو مزيج من الذهب، والفضة، وقد يكون طبيعيًّا. أو صناعيًّا، والنوع الذي استعمل
في مصر القديمة يحتمل أنه كان دائمًا من صنع الطبيعة. وقد تحتوي سبيكة هذا المعدن
على أي نسبة من الذهب والفضة، غير أنه عندما تكون نسبة الذهب عالية فيه يكون لونه
كلون الذهب الطبيعي. وعندما تكون نسبة الفضة عالية يكون لون المعدن أبيض فضيًّا.
ويمكن في هذه الحالة أن يعتبر المعدن أنه فضة، وفي كلتا الحالتين لا يمكن أن يسمى
الأكتروم لأن هذا الاسم قد وضع ليدل على المعدن ذي اللون الأصفر الباهت، وهو ما
أطلق عليه الإغريق الكترون، وسماه الرومان إلكتروم. ويقال إنه سمي بهذا الاسم
لمشابهته بلون الكهرمان. وهو الاسم الذي أطلقه عليه كل من «هومر»، «وهزيود»
(الكترون).
وقد ذكر في الوثائق القديمة أن الإلكتروم كان يجلب إلى مصر من بلاد بنت،١٢٩ «وآمو»، والأراضي العالية، والممالك الجنوبية، ومن المناجم الواقعة
شرقي رادسية، ومن الجبال وكلها أماكن واقعة في جنوب مصر، وليس هناك ما يدل على أنه
كان يجلب من الشمال، أو من «بكتولس» كما ذكر الأستاذ «بترى».
والواقع أنه ليس هناك فاصل حقيقي بين الذهب والإلكتروم بل هو محض اصطلاح، فعندما
تكون السبيكة محتوية على أقل من ٢٪ من الفضة فإنه يطلق عليها كلمة ذهب وعندما تكون
النسبة ٢٠ أو أكثر فإن لونها يكون أصفر، وبهذا يطلق على المعدن لفظة إلكتروم، وهذا
التعريف يتفق مع ما قاله «بليني».
ولا نزاع في أن الإلكتروم كان موجودًا في مصر طبيعيًّا وأن المقادير التي استخرجت
منه كافية لسد حاجة البلاد، وقد كان المصري يفضل عمل مجوهراته منه أكثر من الذهب،
وذلك لصلابته، وربما كان ذلك هو السبب الذي جعله كثير الاستعمال في مصر القديمة.
وكان يستعمل في نفس الأغراض التي كان يستعمل فيها الذهب، أي في صنع المجوهرات،
وتذهيب الخشب، والتوابيت الخشبية والأثاث، ويرجع بداية استعماله إلى الأسرات
الأولى.
الحديد
لا نزاع في أن مركبات الحديد توجد بكثرة عظيمة في الطبيعة، على حين أن معدن
الحديد الخالص لا يوجد إلا بكميات قليلة. والحديد على نوعين مختلفين أولهما يوجد
على شكل بلورات معينة من أكسيد الحديد في بعض الصخور البركانية، ويندر وجوده في شكل
قطع كبيرة. والنوع الثاني هو ما يسمى بالحديد السماوي وهو تراب أو قطع من شهب تحتوي
على حديد، ويمتاز هذا النوع الأخير بأنه يحتوي على كمية من معدن النيكل تتراوح بين
٢٦٫٥٪ على حين أن الحديد الأرضي أي الذي يوجد في الصخور البركانية لا يحتوي على هذا
المعدن إلا في الصخور فوق القاعدية نادرًا وبكمية قليلة جدًّا.
والمعادن التي تحتوي على مادة الحديد كثيرة في مصر، وأهمها خام الهماتيت، وقد
تكلمنا عنه فيما سبق، وكذلك توجد بعض مركبات الحديد في المغرة الحمراء والصفراء،
ويستعملان للتلوين، وهذه الخامات توجد على الأخص في الصحراء الشرقية وفي
سيناء١٣٠ وفي المغرة القريبة من أسوان، وفي واحات الصحراء الغربية.
والواقع أنه لا يوجد موضوع كثر فيه النقاش والتضارب أكثر من تحديد العصر الذي بدأ
فيه استعمال الحديد بصفة عامة، ويزعم بعض العلماء أن الحديد كان حتمًا مستعملًا في
مصر منذ أقدم العصور لقطع الأحجار الصلبة وحفرها، إذ لم يعرف للآن أية وسيلة أخرى
استخدمت للوصول إلى قطع هذه الأحجار وصنعها إلا إذا كان الحديد أو الصلب قد استعمل
لهذا الغرض، ويعتمد الذين يميلون لهذا الرأي على وجود بعض قطع من الحديد يرجع
تاريخها إلى ما قبل الأسرات، وأن عدم وجود كميات عظيمة من هذا المعدن إلى يومنا هذا
في الآثار المكشوفة يرجع إلى أن الحديد يغمره الصدأ ويتآكل وتختفي معالمه. وقد عثر
على قطعة من الحديد بالقرب من الهرم الأكبر، والظاهر أنها ليست قديمة بل قد تركها
الذين كانوا يعملون في تكسير أحجار هذا الهرم حديثًا لاستعمالها في مبانيهم.
وأهم القطع التي عثر عليها منذ عصر ما قبل الأسرات هي بضع خرزات١٣١ ولكنها عندما حللت وجد أنها من الحديد السماوي أي من بقايا الشهب
المتساقطة، وكذلك عثر «مسبرو» على عدة قطع١٣٢ من بلطة في أبو صير ذكر أنها يجوز أن تكون من عهد الأسرة السادسة،
ولكنه لم يجزم بشيء قاطع في تحديد تاريخها.
بعد ذلك عثر «بترى» على كمية من الحديد الذي يعلوه الصدأ ومعها معاول من النحاس
يرجع عهدها إلى الأسرة السادسة١٣٣ في أساس معبد في العرابة المدفونة. ومن المحتمل أن الحديد الذي وجد هنا
لم يكن على شكل آلة للاستعمال لأن كيفية صهر الحديد لم تكن قد عرفت بعد.
يلي ذلك العثور على رأس حربة من الحديد في بلاد النوبة يقال إنها من عصر الأسرة
الثانية عشرة.١٣٤ غير أن هذا التاريخ ليس مؤكدًا. وكذلك عثر على جزء من معول وجزء من فأس
يقال إنهما من عهد الأسرة السابعة عشرة، ولكن ذاك لم يؤكد بعد.
وفي مقبرة «توت عنخ آمون»١٣٥ أي في أواخر الأسرة الثامنة عشرة عثر على عدد من قطع الحديد، وهو خنجر
ونموذج مخدة وتعويذة للعين مرصعة في سوار من الذهب، وست عشرة آلة لها مقابض من
الخشب، وأسلحتها صغيرة جدًّا رقيقة وكلها من الحديد، ووزن كل هذه الأسلحة لا يزيد
على أربعة جرامات، وهذه كانت بلا نزاع تستعمل آلات سحرية لفتح فم مومياء «توت عنخ
آمون» غير أننا لا نعرف إذا كانت هذه من حديد الشهب أو من حديد الأرض.
ومنذ عهد «توت عنخ آمون» أخذ عدد قطع الحديد يزداد وجوده حتى الأسرة الخامسة
والعشرين،١٣٦ وفي هذا العهد عثر على كمية من الآلات مصنوعة من هذا المعدن، ومن ثم
أصبح الحديد كثير الاستعمال إذ لوحظ في آثار بلدة نوكراتيس وبلدة دفنة في عهد
الأسرة السادسة والعشرين أن الحديد كان مستعملًا كالنحاس بل أكثر، وكان يصهر في
البلاد، وفي منتصف القرن الثالث قبل الميلاد عثر على آلات من الحديد في
المحاجر.
ومن كل ما سبق يتضح أنه وجد في مصر في العهود الأولى مقدار صغير جدًّا من الحديد
المتخلف من الشهب صنع منه خرز، ولكن لم يكن يعرف الحديد بمعناه الحقيقي، أو كيف
يستخرج من خاماته. ولكن مما لا شك فيه أن لفظة معدن السماء كانت موجودة عند قدماء
المصريين. وخلافًا لذلك فإن كل القطع التي عثر عليها من الحديد تاريخها مشكوك فيه
حتى نهاية الأسرة الثامنة عشرة، عندما عثر على قطع حقيقية من الحديد في مقبرة «توت
عنخ آمون»، ولا نزاع في أنها كانت قد أهديت له من ملوك غرب آسيا موطن صناعة
الحديد.
ولا بد أن الحديد نفسه كان كشفًا جديدًا في سوريا وفلسطين في عهد أوائل الأسرة
الثامنة عشرة، إذ لم نعثر على اسم الحديد من بين الهدايا التي كان يقدمها ملوك هذه
الجهات. وأقدم تاريخ عثرنا عليه لصناعة الحديد في مصر يرجع إلى القرن السادس قبل
الميلاد، وذلك عند ما كشف «بترى» معملًا لصهر الحديد في نوكراتيس١٣٧ الواقعة في الشمال الغربي من الدلتا. غير أننا لا نعرف من أين أتى
بخاماته.
ومن جهة أخرى نعرف أن خامات الحديد قد استخرجت قديمًا من الصحراء الشرقية،
وبالقرب من أسوان، ويحتمل أن المكان الأول قد استعمل في عهد الرومان، وأهم سبب في
تعرف الإنسان على النحاس قبل الحديد رغم كثرة خامات الحديد عن خامات النحاس، أن
الأخير يمكن طرقه باردًا أما الحديد فلا يمكن طرقه إلا بعد أن يحمى بدرجة
عظيمة.
الرصاص
وجد هذا المعدن في مصر منذ عصر ما قبل الأسرات والسبب في ذلك يرجع إلى أن خامات
هذا المعدن توجد في مصر منها الجلينة (فلز الرصاص)، وتظهر بشكل معدني يسترعي النظر،
هذا إلى أن هذا المعدن يمكن الحصول عليه بسهولة من خاماته.
وأهم الأماكن التي توجد فيها خامات الرصاص هي جبل الرصاص١٣٨ الواقع على مسافة سبعين ميلًا جنوب القصير. على أنه توجد رواسب منه في
أماكن أخرى مثل رنجا على ساحل البحر الأحمر، ومنطقة سفاجا بالقرب من البحر الأحمر،
وكذلك يوجد بالقرب من أسوان.١٣٩
وأهم خامات للرصاص هي الجلينة التي كانت تستعمل في مصر قديمًا لتكحيل العين منذ
عصر ما قبل الأسرات حتى العهد القبطي، وكان الرصاص يستعمل لأغراض شتى فصنعت منه
تماثيل صغيرة للإنسان، والحيوان١٤٠ ومثقلات لشباك صيد السمك، وخواتم، وحلي، ونماذج أطباق، وصوان وسدادات.
وأحيانًا كان يستعمل لعمل الأواني وغير ذلك. ولا نزاع في أن معظم الرصاص الذي كان
يستعمل في مصر حتى عهد الأسرة الثامنة عشرة كان يستخرج من مصر، وليس هناك ما يدل
على أنه كان يجلب من سوريا حتى عهد الفتوح المصرية في آسيا، إذ تدل الوثائق على أنه
كان يجلب من «زاهي»، و«رتنو»، و«إيسى»،١٤١ ويظهر أن الأخيرة ليست قبرص بل هي إقليم واقع في شمال سواحل سوريا،
وذلك لأن خامات الرصاص لا وجود لها في قبرص.
الفضة
كانت الفضة نادرة في مصر منذ أقدم العصور وكل ما عثر عليه هو بعض نماذج يرجع
عهدها إلى عصر مدنية نقادة من عهد ما قبل التاريخ، فقد كشف عن غطاء إناء صغير
وملعقة صغيرة بمقبض مجدول١٤٢ وكذلك عثر على آثار من الفضة في مقبرة الملك «سمرخت»، وفي مقبرة الملك
«حتب حرس»١٤٣ نجد أن الأدوات المصنوعة من الفضة كانت نادرة جدًّا بالنسبة للأدوات
التي صيغت من الذهب، ولذلك كانت تعد أنفس منها وأغلى قيمة، إذ نشاهد أن الذهب كان
يستعمل بسخاء لتذهيب الأثاث، ولعمل أطباق صغيرة وأقداح للشرب وسكاكين وأمواس، على
حين أنه لم يصنع من الفضة إلا ٢٥ حجالًا مرصعة بالفيروز واللازورد والعقيق. وترى في
ظاهرها كأنها قطع صماء ولكنها في الواقع مفرغة. يضاف إلى ذلك أنه حتى في مقبرة «توت
عنخ آمون» أي بعد عصر «حتب حرس» بنحو ١٥٠٠ سنة نجد أن الفضة لم تستعمل في أثاثه إلا
بمقدار طفيف، فمن ذلك نرى أن الفضة كانت مادة نادرة حتى عهد الأسرة الثامنة عشرة،
ولكن يظهر بعد ذلك أنها استعملت بعض الشيء وبخاصة أن الكشوف الحديثة من عهد الأسرة
الثانية والعشرين برهنت على أن بعض الفراعنة كانوا يصنعون توابيتهم من هذا المعدن.
ولكن كثر استعماله في عهد البطالسة.
ولم يعثر على معدن الفضة في مصر حتى الآن لا في حالته الطبيعية ولا في حالته
المعدنية. والفضة الطبيعية تكون تقريبًا نقية، وتوجد بكميات صغيرة في حالة متبلورة
كالإبر والخيوط، وكذلك توجد نادرًا على شكل شذور وألواح رقيقة، وتوجد الفضة في كل
نوع من الذهب وتكون أحيانًا بكمية عظيمة. وأهم خامات الفضة هي كبريتات الفضة، وتوجد
وحدها أو مختلطة بكبريتات الإثمد أو الزرنيخ وكلورور الفضة. ومن هذه الخامات يستخرج
نحو من محصول فضة العالم. أما الثلثان الباقيان فيحصل عليهما من
خامات الرصاص، والزنك، والنحاس وهي تحتوي على نسبة قليلة جدًّا من الفضة.
والذهب المصري يحتوي في العادة على نسبة كبيرة من الفضة بين ١٠٪ و٢٣٪ وهذه النسبة
هي التي وجدت في الذهب المصري المستخرج حديثًا، وكذلك وجدت نسبة عظيمة من الفضة في
الذهب الذي عثر عليه في الكشوف الأثرية.
ويقول الأستاذ بترى:١٤٤ إن الفضة التي استعملت في مصر منذ عهد ما قبل الأسرات يحتمل أنها جلبت
من سوريا وهذا هو السبب في ندورة استعمالها، ويعزز هذا الرأي الوثائق التي وصلتنا
من الأسرة الثامنة عشرة وهي عصر الفتوح العظيمة في آسيا، فلا يبعد إذن أن السفن
التي كانت تمخر عباب البحر قاصدة سواحل فنيقية في العهد المنفي لتحضر الخشب
اللبناني كانت تحمل معها أيضًا الفضة. غير أن «لوكاس»١٤٥ يقول: إن هذا المعدن مستخرج من مصر نفسها حتى عهد الأسرة الثامنة عشرة،
وهذا هو السر في أننا نجد الوثائق القديمة صامتة عن أصل مصدر الفضة حتى هذا العهد،
ومن ثم ذكرت لنا أنها كانت تجلب إلى مصر من آشور وبلاد الخيتا والنهرين وبلاد
«الرتنو»، و«زاهي» (سوريا) وكل هذه الأقاليم في آسيا. وفي عهد الأسرة ١٩ كانت الفضة
تجلب من أرض الإله (بنت) وبلاد الخيتا والنهرين وكذلك من لوبيا الواقعة في الشمال
الغربي لمصر. وفي اعتقاد «لوكاس» أنه لا شك في أنه كان يوجد في مصر وفي آسيا سبائك
من الذهب والفضة تشبه في طبيعتها معدن الإلكتروم، وهذه السبائك كانت كمية الفضة
فيها عظيمة مما أكسبها لون الفضة الأبيض، وأن هذه السبائك كانت هي الفضة القديمة،
وقد سماها المصريون «الذهب الأبيض». والظاهر أن هذا القول يقرب من الحقيقة، إذ نجد
أن كل الفضة التي عثر عليها في مصر قديمًا تحتوي على نسبة عظيمة من الذهب تبلغ
أحيانًا ٣٨٫١٪.
وقد عرف المصريون تفضيض النحاس بورق من الفضة إذ عثر «برنتن» على إبريق من النحاس
عليه طبقة رقيقة من الفضة يرجع تاريخه إلى عهد الأسرة الثانية.١٤٦
وأهم استعمال للفضة قديمًا كان لصنع الخرز، والمجوهرات، والأقداح والأواني. وكانت
تطرق كالذهب إلى ورق رفيع وتستعمل لتغطية الخشب كما يشاهد في أحد توابيت «يويا» من
الأسرة الثامنة عشرة، وقد عثر على مثال واحد لاستعمال الفضة للحام النحاس.١٤٧
القصدير
إن تاريخ كشف القصدير في مصر غامض جدًّا وكذلك لا نعرف على وجه التحقيق أي
المعدنين استعمل أولًا: البرنز أم القصدير، ولكن المحتمل جدًّا أن البرنز قد استعمل
قبل اعتبار القصدير معدنًا منفردًا وهو في ذلك كالنحاس الأصفر (مزيج من النحاس
الأحمر والزنك) الذي كان معروفًا قبل الزنك. وعلى أية حال فإن أهم استعمال للقصدير
في مصر كان لعمل البرنز.
ورغم أن خام القصدير لا يوجد في مصر، فإن أقدم استعمال لهذا المعدن كان في وادي
النيل، فأول شيء معروف في العالم صنع من القصدير على ما نعلم خاتم١٤٨ وزمزمية ماء عثر عليهما في المقابر المصرية من عهد الأسرة الثامنة عشرة
(١٥٨٠–١٣٥٠ ق.م).
وقد كان القصدير يستعمل في مصر بمقدار قليل منذ عهد الأسرة الثامنة عشرة وما
بعدها لتبييض الزجاج،١٤٩ وقد عثر على هذا المعدن في مقبرة «توت عنخ آمون»،١٥٠ وأقدم إشارة لمعدن القصدير في النقوش المصرية جاءت في ورقة هرس التي
يرجع عهدها إلى الأسرة العشرين،١٥١ غير أن معنى الكلمة التي ترجمت بالقصدير مشكوك فيه.
وقد اختلف العلماء في مصدر القصدير الذي كان يستعمل في مصر فطائفة تقول إن مصدره
أوروبا وأخرى تقول أفريقيا وطائفة ثالثة تجعل مصدره آسيا. ولكن البحوث التي عملت
تدل حتى الآن على أن كلًّا من معدني القصدير والبرنز كان يجلب من غربي آسيا وأنهما
كانا يستخرجان من الشمال الشرقي من بلاد الفرس حيث يوجدان بكثرة،١٥٢ وقد كتب «وبنرايت» مقالًا دلل فيه على أن مصدر القصدير المصري من مكان
بالقرب من الشمال الغربي من بلدة بيروت الحالية.١٥٣
الشب
إن أول إشارة إلى وجود الشب في مصر قد جاءت على لسان «هردوت» عندما ذكر أن الملك
أمازيس١٥٤ (٥٦٩–٥٢٦ ق.م) قد أرسل كمية منها لبلاد اليونان عند إعادة بناء معبد
دلفي وسماه مادة قابصة (الشب) وكذلك ذكر هذا المعدن الكاتب الروماني «بليني» في
القرن الأول المسيحي. فقال إن من أهم مصادر الشب مصر.١٥٥ ويوجد الشب في الواحة الداخلة والواحة الخارجة.
وقد جاء ذكر استخراج الشب في كتب المحدثين كالمقريزي١٥٦ الذي يقول إنه كان يرسل إلى مصر من الواحات نحو ١٠٠٠ قنطار من الشب،
وكذلك يوجد على مسافة من الجنوب الغربي من الشلالات على مسيرة عشرة أيام في
الصحراء، وكانت الكمية المستخرجة تكون جزءًا من دخل البلاد كما ذكر ذلك «هملتون» في
سنة ١٨٠٩.١٥٧ وأهم استعمال لها الآن هو تثبيت الألوان.
النطرون
توجد هذه المادة الآن في ثلاث جهات من القطر المصري وهي وادي النطرون ومديرية
البحيرة وجهة الكاب في الوجه القبلي. وقد ذكر القلقشندي الكاتب المصري الذي عاش في
القرن الخامس عشر مكانين آخرين يستخرج منهما النطرون أحدهما بالقرب من البهنسا في
الوجه القبلي وكان يستغل في عهد أحمد بن طولون (٨٣٥–٨٨٤) م والثاني في مركز فاقوس.
على أن أهم مكان كان يستعمله قدماء المصريين هو وادي النطرون وما جاوره من مديرية
البحيرة وبخاصة بالقرب من دمنهور. وقد كان النطرون يستعمل في مصر قديمًا في
احتفالات التطهير١٥٨ وبخاصة لتطهير الفم١٥٩ ولعمل البخور، ولصناعة الزجاج، والطلاء، وفي الطهو،١٦٠ إذ يقول «بليني» إن المصريين كانوا يستعملون النطرون في طبخ الفجل،
وكذلك كان يستعمل في الطب وفي التحنيط.١٦١
(٢) op. Cit 1, 7 39, & II p. 799, 875, & Flinders Petrie,
A History of Egypt, t. I, (1923) p. 192, & II (1924) p 36 & III
(1918) pp166, 375, 385. & S. Birch, Tables found in the Quaries at
Turah. & H. Vyse, Maasara in the pyramid of Giza III pp93–103, &
G. Daressy, Inscriptions des Carrières de Tourah et Maasarah dans Annales du
Serv. XI (1911) pp. 257–68). & Spiegelberg Dic. Demotischen Inschriften
der steinbruche Von Tourah & Maasara dans Annal. du Serv. VI (1905)p.
219–33).
(٥) Fraser, in E. Newberry El Bersheh, P. II p.
56.
(٦) Somers Clarke & Engelbach, Ancient masonary,
p.15.
(٧) Flinders Petrie, The pyramids & temples of Giza, p.
209.
(٨) Weigall, A guide to the Antiq. of Upper Egypt, 1913 p.
358–360., & Br. A. R. II, 348, 932, ; III, 205, 552, 627.; IV, 18, 702.
& Flinders Petrie, A Hist of Eg. III, 1918 pp8, 119,
143,144.
(٩) 496–497. Borchardt, Travels in Nubia, pp113–116 &
Weigall., op. cit. pp.
(٣٩) Flinders Petrie, The Royal Tombs of the Easliest Dynasties
II, p. 41, pls. IX (2–10) LI (c, d, e). & Flinders Petrie, Abydos I
p. 7; pl. IX (5, 6, 7, 10).
(٤٠) G. Caton Thompson, Recent. Excav. In the Fayum in Man.
XXVIII p. 80.
(٤٩) Weigall, Travels in the Upper Egyptian Desert p. 39, &
Gouyat et Montet, Les Inscriptions hierog. & hierat. du Ouadi
Hammamat, dans Mem, de I’nst. d’Arch, Orientale du Caire XXXIV p. 122–3
& Breasted op. cit I, 7, 10, 295–301, 286–9, 427–56, 466–8, 674–5,
707–9., & IV, 457–68.
(٥٠) Hume, A prelim. Report on the Geol. of the East. Desert. p.
34.
(٥١) Hume, Geology of Egypt. II, Part I, p.p.
144–159.
(٦٤) Selim Hassan, Excavations at Giza, vol
II, p. 195.
(٦٥) The Rock Tombs of Deir el Gabrawi I,
pl. XIII.
(٦٦) Newberry, The life of Rekhman pl. XIII
; Davies, The tomb of two sculptors at Thebes pl. XI
; Davies, The tomb of two officials Tuthmosis the
Fourth pl. X ; Davies, The tombs of Menkheper–Rasonb
& another p. 25, pl.
XXX.
(٦٧) Petrie, The Pyramids and Temples of Giza p.p. 46, 84,
106.
(١٠٩) Maples, The Copper Axe in Ancient Egypt, 1929, p. 97;
Petrie Researchers in Sinaï, p.p. 18, 19, 27, 46–53, 154–62 &
Mines and Quarries Department of Egypt, Report on the Mineral
Industry of Egypt., 1922 p.p. 36, 38.
(١١٠) Gardiner & E. Peet, The Inscription of Sinaï I,
p.p. 7– 16.
(١١١) J. Wells, Report of the Dep. of Mines, 1906 p.
34.
(١١٢) Br. A. R. II, 447, 471, 491, 509, 790, 459, 462,
490.
(١٢٠) Newberry, The Life of Rusmara, p. 37 pl.
XVIII.
(١٢١) Firth, Arch. Survey of Nubia, Report for 1910–11 p.p.
115, 157, 159, 165.
(١٢٢) Stanley C. Dunn, On the Mineral deposits of the
Anglo-Egyptian Sudan p. 13.
(١٢٣) Petrie, The Arts & Crafts of Ancient Egypt. (1910)
p. 83.
(١٢٤) Petrie, Descriptive Socilogy Anc. Egypt. P.
57.
(١٢٥) Br. A. R. (1) 520, 521. & op. Cit II 263, 373,
502, 514, 522, 526, 774, 889, op. cit. III, 37, 116, 274, 285 286,.
op. cit IV, 30, 33, 34, 228, 409, 26, 770.
(١٢٦) C. R. Williams, Gold and Silver Jewelry and Related
Objects; Vernier. (a) Biioux et orfѐvreries dans Cat. Gen. du Musee
du Caire. (b)La bijouterie et la foaillerie Egyptienne dans Bull. De
L’Inst. Franc. d’Arch. Orient. du Caire, II,
1907.
(١٢٧) Laurie, Methods of testery minute quantities of
material from pictures & Works of Art, in the Analyst, LVIII
(1933) p. 468.
(١٢٨) Vernier, op. cit. p. 240–1, 378–9 pl. LVIII-IV,
LXXVII.
(١٢٩) Br. A. R. (1), & II 272, 298, 387, 374,
377.
(١٣٠) Hume, The Distribution of iron ores in Egypt. &
Nassim, Minerals of Economic Interest in the Deserts of Egypt, in
Report of Congrés Inter; de Geol. Le Caire, 1925, III, 1926 p.p.
164–5.
(١٣١) Wainwright, The Labyrinth, of Gerzeh and Mazghuneh
p.15–16.
(١٤٨) Flinders Petrie, The Arts & Crafts of Ancient
Egypt. 1910 p. 104.
(١٤٩) E. R. Ayrton C. T. Curelly & A. E. P. Weigall,
Abydos 14, p. 50. Neumann and G. Katyga Z. für Angew Chem. 1925 p.p.
776–80, 857–64. & H. D. Parodi, La Verrerie en Egypte p.p.
34,35.
(١٥٠) Lucas, Appendix II Carter, The Tomb of Tut-Ankh_amen
III p.p. 176–7.