المغامرة على شريط تسجيل
أخذ الشياطين طريقَهم إلى القاعة الصغرى للاجتماعات، بعد أن صدر أمرُ استدعاءٍ من رقم «صفر» … كان الأمر يقول: مهمةٌ خطرةٌ، الوقتُ هو الأهم.
كانت القاعة الصغرى تقع في نهاية مبنى المقر السري للشياطين، وكانوا لحظتها يشاهدون فيلمًا أجنبيًّا من أفلام رعاة البقر … فجأةً توقَّف عرض الفيلم، وظهر على شاشة العرض الصغيرة أمر الاستدعاء … اندهش الشياطين، حتى إن «إلهام» قالت: هذه أول مرة يصدر فيها أمر استدعاء!
وأضافت «ريما»: والغريب أنه حدَّد أيضًا خطورة المغامرة!
وقال «مصباح» مبتسمًا: يبدو أنها مغامرة مثيرة، ما دامت هذه بدايتها …
أما «أحمد» فقد استغرق في التفكير بمجرد أن قرأ الاستدعاء. فالقاعة الصغرى تقع في نهاية ممر طويل، في آخر مبنى المقر السري للشياطين، وكانت دائمًا مُعدَّة من أجل هذه المغامرات السريعة، والمثيرة. ففي العادة، يكون الاجتماع في القاعة الكبرى، حيث تُعرض على الشاشة الإلكترونية، معلومات تتصل بالمغامرة الجديدة.
دخل الشياطين القاعة في هدوء، وأخذوا أماكنهم. كانوا جميعًا في حالة توتر … فصدور هذا الأمر يعني أن شيئًا خطيرًا سوف يحدث. مرَّت دقائق، فقال «عثمان»: إنَّ الوقت يمر، والزعيم يقول إنَّ الوقت هو الأهم!
ردَّ «أحمد» بسرعة: الزعيم يعرف تقدير الأمور جيدًا، وأظن أنه لن يُضيع الوقت فيما لا يفيد!
شعر «عثمان» أنه تسرَّع في كلماته، فقال وكأنه يعتذر: إنَّني لم أقصد ذلك. لقد قصدت …
ابتسم «أحمد» وهو يقاطعه قائلًا: إنني أعرف ماذا تقصد …
صمت لحظة، ثم أضاف: لا تكن مُتعجلًا، فسوف يتم كلُّ شيءٍ في موعده!
وقبل أن ينطق أحدهم بكلمة، كان صوت رقم «صفر» يملأ المكان. رحَّب الزعيم بهم، ثم قال: حتى لا نُضيع وقتًا طويلًا. أنتم أمام مغامرة جديدة ومثيرة تمامًا. ليس لأنها لم تحدث من قبل، فقد حدثت كثيرًا، ولكن أحد عناصر المغامرة غريب فعلًا، وإذا لم يتم كل شيء كما ينبغي، فإننا سنخسر تمامًا. ثم سكت، فنظر الشياطين إلى بعضهم، غير أن صوت رقم «صفر» جعلهم ينتبهون إليه بسرعة، قال الزعيم: إذا كان الخطأ جائزًا في أي مغامرة سابقة، ونحن جميعًا نخطئ، إلا أن المغامرة الجديدة لا تحتمل أي نسبة من الخطأ …
سكت من جديد، وكانت كلماته قد أثارت الشياطين تمامًا، التقت أعينهم؛ فقد كانوا على موعد مع عمل جديد، شديد الإثارة. قطع الصمتَ صوتُ الزعيم يقول: سوف أترككم تسمعون هذا التسجيل الذي سجَّله عميلنا في «المجر» … ومنه، سوف تعرفون المغامرة تمامًا …
صمت، ثم قال بعد لحظة: أرجو أن تهتموا بكل كلمة تُقال، ثم يكون لنا لقاء.
ضغط زرًّا، في جهاز يبدو واضحًا على شاشة تليفزيون صغير ثم أخذ صوت أقدامه يبتعد شيئًا فشيئًا. ولم يكن صوت الجهاز قد بدأ وبعد لحظة جاءت أصوات. قال صوت امرأة عجوز: إن الطريق من «سوبرون» إلى «فيينا» مُغطًّى بالثلوج في هذا الوقت من السنة!
ردَّ صوت رجل: نعم يا أمي، أعرف ذلك!
الأم: ما كان ينبغي إذن أن تسافر مع ولديك!
الرجل: لن يحدث شيء، فالمسافة لا تزيد على خمسين كيلومترًا.
مرَّ بعض الوقت، قبل أن يجيء صوت الأم: «جون»، هل أعددت نفسَك جيدًا؟!
ردَّ صوت صبي: نعم يا جدتي!
قالت الجَدَّة، وهي نفسها صاحبة الصوت النسائي العجوز: كنت أتمنَّى أن تبقى أنت وأختك «جان ماري» معي؛ فمهمة والدكما لن تستغرق وقتًا طويلًا.
ردَّ صوت فتاة: إنه ليسعدنا أن نكون مع والدنا لأنه يحتاج إلى رعايتنا!
ضحكت الجَدَّة وقالت: وهل ستقومين برعايته جيدًا؟
ردَّت «جان ماري»: أرجو ذلك يا جدتي!
مرَّت فترة صمت، ثم قالت الجدة: «مازني»، أما كان الأحسن أن تأخذ معك سائقًا للسيارة؟!
ردَّ «مازني»: أريد أن أستمتع بالرحلة يا أمي. اطمئني، فلن أُسرع في القيادة!
قالت الأم: لعن الله هذه الأزمات التي تنتابك. لو كنت سليمًا، ما شعرت بالقلق عليك …
سكتت لحظة ثم قالت: كان الأجدر بمركز أبحاث «فيينا» أن يرسل سيارة لنقلك إلى هناك!
ردَّ «مازني» لقد عرضوا بل ألحُّوا في عرضهم، لكني رفضت. أنتِ تعرفين أنني أهوى قيادة السيارات وهذه فرصة طيبة لكي أمارس هوايتي …
قالت: لكن الطبيب منعك من ممارسة هذه الهواية!
ردَّ «مازني» بعد لحظة: لا بأس. فإنني أشعر بأنَّ صحتي على ما يرام.
قالت: أنت لا تعرف حوادث الطريق، خصوصًا عندما يغطِّي الثلج الطريق.
ضحك «مازني» وهو يقول: أرجو ألا تخشي شيئًا يا أمي. ينبغي أن تشجعيني، بدلًا من بثِّ الرعب في نفسي!
قالت الأم: إنني لا أفعل ذلك، إنني فقط أخشى أن تتعرض لأزمة ما …
قال «مازني»: الله معي!
مرَّت دقيقة، ثم جاء صوت «جون»: إنني جهزتُ كلَّ شيء يا أبي!
وقالت «جان ماري»: وأنا أيضًا يا أبي!
قالت الجدة: إذن عليكما أن تلبسا هذه الملابس التي جهزتها لكما خصوصًا للسفر!
مرَّت فترة صمت طالت، ثم سكت الجهاز. نظر الشياطين إلى بعضهم، وقال «مصباح»: واضح أن أم الطفلين ليست موجودة!
ردَّت «إلهام»: قد تكون في «فيينا»، وهم ذاهبون إليها!
قالت «ريما»: وربما تكون في مكان آخر مثلًا!
سكت الشياطين، في انتظار عودة رقم «صفر»، غير أن «عثمان» قطع الصمت قائلًا: إن «مازني» يقوم برحلة يقطع فيها الحدود بين المجر والنمسا. هل يعني هذا شيئًا؟
قال «رشيد» بسرعة: أولًا، من هو «مازني» هذا؟ إن معرفة شخصيته هي التي يمكن أن تُوضِّح لنا طبيعة المهمة.
ردَّ «بو عمير»: واضح من كلمات الجَدَّة — وهي تذكر مركز «الأبحاث» — أن الرجل له عَلاقة بالأبحاث العلمية.
قال «رشيد»: إن مراكز الأبحاث متنوعة، ويمكن أن يكون مركز أبحاث بيئية، أو جغرافية، أو صناعية … مثلًا!
ردَّت «زبيدة»: كلها أشياء هامة في النهاية. وهذا يعني أن «مازني» شخصية هامة، يُخشى عليه من أي شيء.
كان «أحمد» يتابع حوارهم. نظر له «باسم» وقال: إن أمر الاستدعاء، ركَّز على أهمية عنصر الوقت في مغامرتنا. ومع ذلك فإنني أرى أن وقتًا طويلًا يمر، دون أن نتحرك!
ابتسم «أحمد» وقال: أظن أن رقم «صفر» يقدر ذلك جيدًا. ولو كان يعرف أننا يجب أن نرحل الآن ما انتظرنا كل هذه الفترة!
سألت «زبيدة» وهي تنظر إلى «أحمد»: حتى الآن، لم تقل لنا رأيك فيما سمعت!
ابتسم «أحمد» وقال: إن ما سمعته من شريط التسجيل، ثم من حواركم، يكاد يفسِّر تمامًا طبيعة المغامرة. فقد اقتربتم فيما أظن من موضوعها.
أسرع «قيس» يقول: لقد تحدَّثتِ الجَدَّة أيضًا عن أزمات يُصاب بها «مازني». أظن أن هذه مسألة هامة. فهي تحاول أن تَثنيَه عن قيادة السيارة، مع أن المسافة ليست طويلة؛ فهي نحو خمسين كيلومترًا! سكت لحظة، ثم أضاف: ما هي هذه الأزمات؟
ثم أجاب: هي أزمات صحية بالتأكيد، قد تكون أزمات قلبية أو صدرية حتى تمنعه من القيادة.
استغرقوا في التفكير إلا أن «أحمد» أضاف: إن أي أزمات حادة، يمكن أن تمنع الإنسان من قيادة السيارات، بالإضافة إلى أنه إذا كان يُعالَج بأدوية مهدئة، أو مخدِّرة، فإن القيادة تكون مخاطرة، إن لم تكن كارثة على صاحبها.
فجأةً، جاء رقم «صفر» يقول: يسعدني أنكم اقتربتم تمامًا من معظم تفاصيل المغامرة، وهكذا يجب أن يفكِّر الشياطين، وأن يصلوا لاستنتاجات صحيحة …
ارتفع صوت أقدامه وهو يقترب حتى توقَّف، ثم قال: «مازني»، أو دكتور «مازني»، شخصية علمية هامة؛ لأنه يقوم بتجارب خاصة لزراعة الصحراء والدول العربية، هي التي تتولَّى الإنفاقَ على هذه التجارب. وأنتم تعرفون أن الصحراء تُمثِّل جزءًا كبيرًا من مساحة المنطقة العربية، خصوصًا في السعودية ومصر والمغرب والجزائر، وليبيا. ولو أن د. «مازني» حقَّق انتصارًا في تجاربه فإن المنطقة سوف تكون أكبر بلاد العالم إنتاجًا للغذاء. أنتم تعرفون أيضًا أن معظم بلاد المنطقة تعتمد في غذائها على منتجات غربية.
سكت رقم «صفر» لحظة، كان الشياطين يستمعون باهتمام إلى أن د. «مازني» هذا يعتبر هدفًا عربيًّا فعلًا حتى لو كان أجنبيًّا، فتجاربه الزراعية سوف تغيِّر من طبيعة المنطقة كلها تمامًا.
جاء صوت رقم «صفر» يقول: إن تجارب دكتور «مازني» تصل الآن إلى مرحلتها الأخيرة. وهو سوف يذهب في مهمة علمية في النمسا لإجراء آخر تجاربه …
سكت رقم «صفر» لحظة، ثم قال: أعتقد أنكم فهمتم ماذا سيحدث، ما دام «مازني» يمثل هذه الأهمية للمنطقة العربية. وأنتم تعرفون المؤامرات التي يصنعها الآخرون ضد منطقتنا!
مرة أخرى صمت رقم «صفر». نظر الشياطين إلى بعضهم. فقد فهموا طبيعة المغامرة، أو اقتربوا من صورتها، قطع تفكيرَهم صوتُ الزعيم يقول: لقد عرفت عصابة «اليد الحديدية» بوسائلها كلَّ شيء، وعرفت أنَّ د. «مازني» سوف يرحل من «المجر» إلى «النمسا» بسيارته، أي أنه سوف يكون بلا حراسة، وسوف يصطحب معه ابنه وابنته …
مرَّت لحظة قبل أن يقول: إنني أعرف أن هناك أسئلةً كثيرة تدور في رءوسكم الآن، وعندما أكمل حديثي، سوف تجدون الإجابة، خصوصًا وأنكم في حواركم معًا قد اقتربتم من الحقيقة كثيرًا …