سيارة تقوم بكل العمل
نظر الشياطين إلى بعضهم. فكلمات د. «مازني» الأخيرة، يمكن أن تؤجل كل شيء بل إن العصابة يمكن أن تضع خطة أخرى لا يعرفونها، وبذلك يمكن أن يفشل كل شيء.
قال «قيس»: ماذا نفعل الآن!
قال «رشيد» ليس أمامنا سوى الانتظار!
قال «عثمان»: هذه كارثة أقوى من كارثة الطائرة!
قال «أحمد»: أظن أن د. «مازني» قال ذلك حتى لا يُغضِب أمَّه ويمكن أن يُفيدَنا الشريط، ونرى مرة أخرى.
أسرع «عثمان» بإعادة شريط التسجيل إلى الوراء قليلًا، ثم ضغط زرَّ التشغيل. كانت الجَدَّة تهز رأسها في حزن، فابتسم د. «مازني» وهو يقول: لا بأس. سوف نؤجل ذلك للغد. ومَن يدري ماذا سيحدث!
أوقف «عثمان» شريط التسجيل، فقال «أحمد»: هل رأيتم؟! إن كلمات د. «مازني» كانت من أجل أمه … عندما رأى وجهها وقد اكتسى بالحزن.
قال «رشيد» بعد لحظة: نحن في النهاية لا نستطيع أن نقول رأيًا نهائيًّا؛ فما زلنا تحت رحمة الطبيعة.
أكمل الشياطين مشاهدة الشريط. ورأوا كيف يتعامل د. «مازني» مع ولديه في رقة، كانت الأسرة تبدو نموذجية تمامًا، حتى برغم عدم وجود الأم.
فقال «قيس»: حرام أن تحرم العصابة هذه الأسرة سعادتها.
عندما انتهى الشريط، دقَّ جرس التليفون فجأةً، فقال «عثمان»: لا بُدَّ أنه عميل رقم «صفر»، فمَن يعرفنا هنا؟
عندما كان «أحمد» يرفع السماعة، كان «رشيد» يرد على «عثمان» مبتسمًا: ربما تكون العصابة!
جاء صوت عميل رقم «صفر» يقول: أظن أن الموقف ليس طيبًا حتى الآن …
سكت لحظة ثم أضاف: غير أن د. «مازني» تحت مراقبتنا، وسوف أنقُل إليكم أخباره أولًا بأول.
ثم انتهت المكالمة. وضع «أحمد» السماعة وهو يقول: أظن أننا في حاجة إلى النوم الآن … فنحن لا ندري ماذا يمكن أن يحدث غدًا.
وتمنَّى الشياطين لبعضهم نومًا هادئًا. ثم انصرف كلٌّ إلى غرفته. بقيَ «أحمد» وحده … كان يفكِّر في احتمالات الغد: ماذا سيحدث؟ وهل يمكن أن يحدث خطأ ما؟ وهل تفكر العصابة في خطف د. «مازني» إذا لم يسافر غدًا … كانت الاحتمالات كثيرة، لكنها تظل احتمالات فقط، ولهذا قال لنفسه: ينبغي أن أنام الآن. ولا مفرَّ من النوم!
ألقى نفسَه على السرير، لكن عقله كان نشطًا تمامًا. أخذ يمارس بعض تدريبات النوم، حتى استغرق فيه ولم يستيقظ وحده كعادته، فقد كان رنين التليفون هو الذي أيقظه. رفع السماعة وهو يتثاءب، فهو يعرف أن أحد الشياطين يوقظه، ولا بُدَّ أن النهار قد ملأ الدنيا، إلا أنه فجأةً قفز من السرير، فقد كان المتحدث هو عميل رقم «صفر» يقول: إن د. «مازني» سوف يغادر البيت في العاشرة تمامًا.
سأل «أحمد»: ما هو حال الجو الآن؟
رد العميل: لا بأس!
سأل «أحمد» مرة أخرى: ألا توجد احتمالات لقيام عاصفة مثلًا؟
ردَّ العميل: حسب تقارير الأرصاد، فإن الجو سوف يتحسن أكثر فأكثر …
نظر «أحمد» في ساعة يده … وكانت تشير إلى الثامنة صباحًا. قال لنفسه: لقد تأخَّرت في النوم، ويبدو أن الشياطين قد تأخَّروا أيضًا … تذكَّر أن السماعة ما زالت في يده، فقال: إن الوقت لا يزال أمامنا!
جاء صوت العميل، وفيه معنى الابتسام: نعم، لكن يبدو أنك شردت قليلًا!
ابتسم «أحمد» وهو يرد: نعم، لقد شردت فعلًا.
قال العميل: سوف تجدون خلف الفندق سيارتين لهما لون الثلج، حتى تكون مغامرتكم جيدة، والسيارتان مجهزتان تجهيزًا خاصًّا، حسب تعليمات الزعيم.
شكره «أحمد» ثم انتهت المكالمة. وضع السماعة، ثم شرد قليلًا، وبسرعة رفع السماعة مرة أخرى، وطلب غرفة «عثمان»، دقَّ الجرس، واستمر قليلًا في الرنين، ثم جاء صوت «عثمان» ملهوفًا: ماذا هناك؟
ضحك «أحمد»، فجاء صوت «عثمان» مرة أخرى: لقد تأخرت في النوم كثيرًا، سوف أكون عندك حالًا!
ابتسم «أحمد» وهو يدير قرص التليفون ليتحدث إلى «رشيد»، وقال لنفسه: لقد كانوا في حاجة شديدة للنوم.
جاء صوت «رشيد» يقول: إنني جاهز، ولم أوقظك حتى تأخذ حاجتك من النوم. سوف أكون عندك حالًا.
وضع سماعة التليفون، فدقَّ الباب دقاتٍ يعرفها الشياطين، ابتسم، فقد عرف أنه «قيس»، فتح الباب بسرعة، فدخل «قيس» وهو يقفز قائلًا: بعض النشاط، حتى نكون جاهزين للعمل!
ابتسم «أحمد» وبسرعة انضم «رشيد» و«عثمان». نقل لهم مكالمة عميل رقم «صفر» فظهرت الفرحة على وجوههم. ونظر «عثمان» في ساعته وهو يقول: إذن … هيا بنا.
ابتسم «أحمد» وقال: إن الطريق إلى بيت د. «مازني» يحتاج إلى ربع ساعة فقط.
انتظر لحظة، ثم أضاف: الآن، سوف نتحرك أنا و«رشيد» إلى حيث منزل د. «مازني»، و«قيس» و«عثمان» إلى الطريق الرئيسي، والانتظار هناك … فقد تحدث مفاجأة ما …
وافق الشياطين على خطة «أحمد»، وهتف «عثمان»: إنني جائع تمامًا، فلا تضيِّعوا عليَّ فرصة الإفطار.
ابتسم الشياطين، واستأذن «أحمد» في استبدال ثيابه. كان الشياطين يلبسون ملابس مناسبة تمامًا لمغامرتهم كانت ملابس ذات لون ثلجي. حتى الأحذية المطاطية كان لها نفس اللون. في دقيقة، كان «أحمد» قد ارتدى ملابسه، وانطلقوا جميعًا …
في المطعم طلبوا ساندوتشات سريعة. في نفس الوقت الذي كانت عينا «أحمد» ترقب ساعته الرقمية. خوفًا من أن يسرقهم الوقت وعندما جاءت الساندوتشات، أكلوا بسرعة، ثم غادروا الفندق، ولمعلومات عميل رقم «صفر»، أخذوا طريقهم إلى خلف الفندق. وما إن وصلوا إلى هناك حتى صاح «رشيد»: يا إلهي! كم هما رائعتان!
كانت السيارتان تقفان خلف بعضهما بلونهما الثلجي الرقيق، وما إن وصل الشياطين إليهما، حتى أسرع «رشيد» إلى السيارة الأمامية فجلس خلف مقعد القيادة، وجلس «أحمد» بجواره، أما «قيس» و«عثمان» فقد ركبا السيارة الأخرى. وكان «قيس» هو الذي يقود. وعندما تحركت سيارة «أحمد» … ابتسم «رشيد» وهو يقول: هذه أول مرة أقود فيها سيارة لها هذه المواصفات …
كانت السيارة عادية الشكل، حتى لا تلفت نظر أحد. لكنها كانت تضم من داخلها استعدادات خاصة؛ رشاشات بلا صوت، جهاز دخان، إضاءة قوية، زجاج ضد الرَّصاص، تستطيع أن تتحرك في أي أرض وبسرعة تتحول إلى لنش، لتسير في الماء. بها كاميرات كاشفة، وجهاز رادار، ليس فيها جهاز فرامل عادي … ففي تابلوه السيارة كل شيء؛ مجموعة كبيرة من الأزرار هي التي تؤدي حركة السيارة، وحتى عجلة القيادة يمكن إلغاؤها، ففيها جهاز توجيه إلكتروني.
داس «رشيد» زر السير فتحركت السيارة في بطء، ثم أخذت سرعتها تزداد شيئًا فشيئًا، كان «رشيد» سعيدًا بها، أما «أحمد» فقد كان سعيدًا لأن الطقس كان بديعًا … صحيح أن الشمس لم تكن واضحة، فهي مختفية خلف سحب كثيفة إلا أن الجو كان شاعريًّا تمامًا. كانت الشوارع مغسولةً من أثر العاصفة الثلجية أمس.
وجَّه «رشيد» هدف السيارة إلى حيث يقع منزل د. «مازني»، حسب الخريطة التي يحملها «أحمد»، وعندما اقتربت السيارة من المنزل، ظهرت إشارة حمراء في تابلوه السيارة.
قال «أحمد»: ينبغي أن نكون بعيدين. وفي نفس الوقت نرى المنزل … دار «رشيد» بالسيارة، حتى وقف عند نقطة متقاطعة مع شارع د. «مازني»، وانتظر …
قال «أحمد»: برغم أنه لا يوجد شيء واضح، إلا أنه من المؤكد أن العصابة تراقبه من مكان ما.
مرت لحظات، ثم خرجت سيارة من حديقة منزل د. «مازني»، وأخذت اتجاهها حيث تقف سيارة الشياطين. قال «أحمد»: يجب أن نتحرك الآن، إن د. «مازني» ليس له طريق سوى الطريق الذي نمشي فيه، وعندما نكون في المقدمة فإن ذلك لن يلفت نظر أحد. ومن المؤكد أن سيارات العصابة سوف تكون خلفه …
سكت لحظة، وكان «رشيد» قد ضغط زر السير، فتحركت السيارة، وأضاف «أحمد»: إن سيارات العصابة سوف تظهر في الخلاء. ومن المؤكد أيضًا أن سيارة على الأقل، سوف تكون أمام سيارة د. «مازني»، وسيارة أخرى خلفه.
كان «رشيد» يستمع وهو ينفذ تعليمات «أحمد». فجأةً، تحرك مؤشر الرادار، فقال «رشيد»: هناك سيارة لا تبعد كثيرًا عنا!
هزَّ «أحمد» رأسه، ولم ينطق بكلمة. كانت الشوارع هادئة هذا الصباح، ولم يكن هناك ما يُعطِّل تقدُّم السيارة. كان «أحمد» و«رشيد» يراقبان سيارة د. «مازني» على شاشة صغيرة في تابلوه السيارة. وكانت تمشي على بعد عشرين مترا. كان الطريق ممتدًّا من بيت د. «مازني» حتى خارج المدينة الصغيرة، ثم يبدأ الطريق إلى الحدود النمساوية. فجأةً اهتزَّ مؤشر جهاز التسجيل، وبدأ صوت يقول: هذه سيارة غريبة!
انتبه «أحمد» و«رشيد» … وهمس «رشيد» يقول: إنها إحدى سيارات العصابة!
جاء الصوت يقول: هل تظن أنها سيارة حراسة؟
جاء صوت آخر يقول: لا بأس لو كانت كذلك. إنها يمكن أن تشتعل بعد دقائق!
ابتسم «أحمد» وقال: إنها سيارتهم فعلًا.
بدأ الخلاء يظهر، وكان لون الثلج يُغطِّي الأفق، والأشجار، وجوانب الطريق. ومن بعيد، ظهر جبل قليل الارتفاع وقد غطَّته الثلوج تمامًا. همس «رشيد»: إننا نقترب من لحظة الصدام!
ردَّ «أحمد»: أتوقع أن يبدأ الهجوم عند هذا الجبل، وربما تكون هناك سيارات خلفه!
تساءل «رشيد»: أين «قيس» و«عثمان» الآن؟
ألقى «أحمد» نظرة طويلة حتى الأفق تم ابتسم قائلًا: إن سيارتهم تبدو وكأنها غير موجودة!
ضغط زرًّا في تابلوه السيارة، فظهرت سيارة الشياطين الأخرى بين الأشجار الكثيفة التي تقف على جانبي الطريق، همس: إنهم يقفون في منطقة جيدة.
أخرج جهاز الإرسال، وأرسل لهم رسالة شفرية، كانت الرسالة تقول: إننا في الطريق إليكم، وخلفنا د. «مازني».
جاء الرد سريعًا يقول: نحن نعرف أن السيارة لا تعطينا فرصة البحث عن أي شيء.
ابتسم «أحمد» وتحدَّث إليهما من خلال تليفون السيارة: إنني أتوقَّع الصدام عند الجبل اللامع أمامنا … أرجو أن يكون بداية النهاية لهم.
جاءه صوت «عثمان»: نحن أيضًا نتوقع ذلك.
رد «أحمد»: إلى اللقاء إذن!
كانت سيارة د. «مازني» لا تزال في تقدُّمها خلف سيارة الشياطين. وكأنه كان يقود على نفس السرعة. نظر «أحمد» إلى مؤشر السرعة. وكان يشير إلى خمسين كيلومترًا. أصبحت سيارة الشياطين خارج المدينة. كان كل شيء يغطيه الثلج. ولم يكن يظهر أيُّ أثرٍ للحياة. وكان كل شيء قد انسحب منها. فجأةً سجَّل جهاز التسجيل صوتين. كان الصوت يقول: الهجوم عند «جبل الفضة»!
همس «أحمد»: تمامًا كما توقعنا. سيكون الهجوم عند الجبل.
كانت سيارة د. «مازني» تقترب من سيارة الشياطين، فقال «أحمد»: دعه يمر، إن ذلك سوف يكون في صالحنا.
مرَّت سيارة د. «مازني» وأصبحت أمام سيارة الشياطين … ابتسم «أحمد» وقال: إنَّه يتعجَّل لحظة الصدام.
كان الجبل يلمع في الأفق وكأنه لوحة زيتية. وكانت السيارة مندفعةً في الطريق إليه، أو في الطريق إلى النهاية.