المذهب الشمسي والآخرة السماوية
لقد تتبعنا ذلك الراحل الملكي أثناء مروره بالأبواب السماوية حيث كان ينتظر إعلان قدومه إلى إله الشمس الذي كان لا بد للملك أن يحاوره من الآن في مملكته، عند ذلك يُرى حجَّاب الملك متسابقين لإعلان مقدمه: «إن رسلك يذهبون، ورسلك المسارعين يعدون، وحجابك يسرعون في سيرهم وهم يعلنون «رع» إنك قد أتيت يا هذا الملك بيبي.» ثم نسمع رسالتهم عندما يصيحون فيقول «سِبهو»: «صه! تفرس أنه يأتي!» ثم يقول «سبهو»: «تفرس إن ابن رع يأتي! محبوب «رع» يأتي.» ثم تزدحم الآلهة عند الشاطئ. لقد وجد هذا الملك بيبي الآلهة واقفين مزملين في ملابسهم، وفي أقدامهم نعالهم البيضاء فيخلعون نعالهم البيضاء على الأرض ويلقون بملابسهم بعيدًا ويقولون: «إن قلبنا لم يدخله الفرح حتى مجيئك.» ثم تستولي عليهم الرهبة عندما يسمعون نداء الحجَّاب ويشاهدون الملك يقترب منهم، فيقف «رع» أمام أبواب الأفق متكئًا على صولجانه والآلهة من حوله، وعندئذ ينادي صوت الحاجب: «إن الآلهة صامتون أمامك، إن تاسوع الآلهة قد وضعوا أيديهم على أفواههم.»
إننا نحن أبناء الجيل القديم من أهل هذا العصر الحديث نشأنا نعتقد منذ صغرنا بوجود مملكة أخرى وراء السماوات تسكنها كائنات سماوية تعيش في نعيم مقيم، فمن ألذ الأمور لدينا أن نطلع على أقدم التأملات العقلية للإنسان، تلك التأملات التي صورت له حياة أخروية كالتي وصفناها، والواقع أننا نجد في متون الأهرام أقدم صور بقيت لنا عن هذه الآخرة السماوية؛ وهي آراء نشأت ونمت منذ خمسة آلاف سنة مضت، ولكنها تحملنا على أن نرى فيها الأساس الأصلي الذي نبع منه الاعتقاد بوجود مملكة فيها نعيم مقيم مقرها السماوات، ذلك الاعتقاد الذي لقنه لنا آباؤنا وأساتذتنا في طفولتنا.
والواقع أن السماء كان لها دائمًا التأثير العميق على عقول البشر، وأن ذلك الشعور بوجود سر خفي في السماء ذات القبة الزرقاء المكوَّنة أرضُها من السحب قد ترك أثره بشكل ما في الآداب القومية، من العصر الذي وجدت فيه تلك الصورة الرهيبة التي نشاهدها في متون الأهرام إلى زمن القصيدة الرائعة التي أبدعها خيال الشاعر الإنجليزي «شِلي» وهو يتأمل جمال سحب الصيف.
ولقد وجد قدماء المصريين الذين نمت على أيديهم متون الأهرام أعظم السرور في تدوينهم تلك الصور، حيث نراهم يذكرون بتنميق وترديد ذلك النعيم المقيم الذي كان يلقاه ويتمتع به الملك وهو في حماية وصيانة وتكريم في مملكة إله الشمس السماوية، فكان خيالهم ينتقل بهم من منظر إلى منظر ومن صورة إلى صورة. ولما كان المجال الخيالي فسيحًا أمام أفكارهم أمكن لخيالهم الانطلاق فيه دون أن يلقى ما يمانعه أو يعارضه، كنبات البردي لا يجد ما يعوقه عن الظهور بنفسه فوق الأرض، فكان خيالهم بسبب ذلك ينسج نسيجًا معقدًا ضم من الألوان ألف لون بحيث صار غير قابل للاندماج في وحدة منسجمة متماسكة متجانسة.
فنرى الملك مرة معتليًا عرشه في بهاء شرقي مماثل لما كان يحدث في عالم الأرض، ومرة ثانية تجده يهيم في حقول البردي طالبًا للقوت؛ ثم يظهر في بعض الجهات فوق مقدمة سفينة الشمس، وفي مرة أخرى يظهر كأنه أحد النجوم الثوابت قائمًا في خدمة إله الشمس. ومع أننا لا نجد أية محاولة تنسجم بها تلك الصور المتناقضة، فإننا نخرج منها في الجملة بفكرة عامة؛ هي السعادة الأبدية لملك يشبه الإله: فهو يضع تواريخه (سجل أعماله) بين شعبه وحبه بين الآلهة: «إن الملك يصعد إلى السماء بين الآلهة الساكنين في السماء، ويقف على المنصة العظيمة ويستمع (في جلسة قضائية) لشئون الناس (القضائية) … إن «رع» يمد لك ذراعه على السلم المؤدي إلى السماء.» وتقول الآلهة: «إن من يعرف مكانه يأتي. يا أيها الواحد الطاهر تربع على عرشك في سفينة «رع» واسبح في السماء … اسبح أنت مع النجوم الثوابت … اسبح أنت مع النجوم السيارة (التي لا تغيب) … عش أنت هذه الحياة اللذيذة التي يحياها رب الأفق» … «إن هذا الملك «بيبي» يذهب إلى (حقل الحياة) الذي هو مكان ولادة «رع» في السماء، ويجد «قبحت» مقتربة منه ومعها هذه الأواني الأربع التي تنعش بها قلب الإله الأعظم «رع» في اليوم عندما يستيقظ (أو بالنهار عندما يستيقظ)، فتنعش بها قلب هذا الملك «بيبي» ليحيا وهي تطهره وتنظفه، ويتسلم رزقه مما في هُرْي (مخزن غلال) الإله العظيم، وتكسوه النجوم الثوابت.» ثم ينادي الصوت «رع» و«تحوت» (وهما إلها الشمس والقمر): «خذا أنتما هذا الملك «وناس» معكما ليأكل مما تأكلان ويشرب مما تشربان ويعيش على ما تعيشان عليه ويجلس فيما تجلسان فيه، وليصير قويًّا بما صرتما به قويين ويسبح [في السماء] فيما تسبحان فيه. إن خص الملك «وناس» مجدول (مبني) من الغاب، وبركة الملك «وناس» موجودة في (حقل القرابين) وقرابينه موجودة بينكم أنتم أيها الآلهة، وماء الملك «وناس» خمر مثل خمر «رع». والملك «وناس» يدور في السماء مثل «رع» ويخترق السماء مثل «تحوت».» ثم يطلب الصوت الغذاء الإلهي للملك: «أحضروا لبن «إزيس» للملك «تيتي» وفيضان «نفتيس»، ومنطقة البحيرة وأمواج البحر والحياة والفلاح والعافية والسعادة والخبز والجعة والملابس والطعام ليعيش الملك «تيتي» عليها.» «تأمل! إن الاثنين اللذين على عرش الإله العظيم «رع» يطلبان الملك «بيبي» للحياة والسرور إلى الأبد، وهذان الاثنان هما الفلاح والصحة.» وبهذه الكيفية يجد الملك أن «الحال معه اليوم أحسن مما كانت عليه بالأمس.» ثم نسمع الصوت يناديه: «هيا أيها الملك «بيبي» الواحد الطاهر! إن «رع» يجدك واقفًا مع أمك «نوث» [إلهة السماء] وهي تقودك على صراط الأفق حيث تستقر في مكان إقامتك هناك، فما أجمل تلك الإقامة مع روحك «كا» أبد الآبدين!»
وتأتي أمامنا قصة انتقال الملك إلى السماء مرارًا وتكرارًا في صور مقنعة وتأكيد ملح، مما يجعلنا نعتقد أن المقصود من ذلك هو أن تصير كلمات تلك العبارات ذات قوة وسلطان نافذَيْن. وتعرض أمامنا في كل حين حياة الملك في السماء مختصرة في فقرة واحدة تشتمل على تلميحات قليلة عاجلة كلٌّ منها يشبه شعاع الشمس الذي يبدو لحظة على مرتفعات منظر طبيعي على مدى البصر.
ولدينا من تلك الفقرات معرض عظيم تدافع فيه إحداها الأخرى تدافع الأمواج المتلاحقة تريد الغلبة لنفسها فتكتسح كأنها الطوفان الحقيقة «البحتة» القائلة بوجود الموت حتى تقضي عليها قضاء مبرمًا. ومن الصعب أن ننقل إلى ذهن القارئ الحديث، التأثير الذي تتركه تلك الآلاف من الأسطر المنقوشة وهي تمر أمام أعيننا تستخف عبارتها بمناعة حقيقة الموت استخفاف المنتصر الظافر بأعدائه، ونخص بالذكر تلك المختصرات الخاصة بحياة الملك السماوية، وهي التي نصادفها كثيرًا ونعني بها تلك الفقرات التي نبحثها الآن.
ولأن ما تدين تلك الفقرات في سلطانها هو لمجرد حجمها الذي قد أقيم أمام وجه الموت كأنه السد المنيع، فإننا لا يمكننا فهم هذا السلطان إلا إذا قرأنا المجموعة «متون الأهرام» جميعها.
ولعل أدق قطعة أدبية حُفظت لنا في متون الأهرام هي أنشودة الشمس التي تجد فيها الملك وإله الشمس نفسًا واحدة، وهذه الأنشودة تخاطب مصر بإسهاب معدِّدة لها المنافع التي تتمتع بها كنف حماية إله الشمس وسيادته، ومن ثم تقدم مصر «لرع» ثروتها ومحصولها. ولما كان فرعون وإله الشمس نفسًا واحدة كان فرعون يهب تلك المنافع لمصر، وهي من جانبها تقدم له نفس العطايا التي تقدمها لإله الشمس، ولهذا السبب نجد أن الأنشودة بأكملها معادة مع ذكر اسم فرعون مكان اسم «رع» أو «حور» حيثما وجدا في الأنشودة الأصيلة، وبتلك الكيفية كان الملك يستحوذ لنفسه على كل الاحترام، وعلى كل القرابين التي كان يتسلمها إله الشمس من مصر.
غير أن خيال الكهنة لم يقف عند هذا الحد؛ إذ لم يكن كافيًا في نظرهم مساواة الفرعون برع واتحادهما، بل نرى الفرعون المنتقل إلى السماء يصوَّر بصورة مشعة شاسعة الأرجاء تفوق أهمية إله الشمس في الظلمة الأزلية. لهذا نسمع ذلك الصوت الخفي يناديه: «يا والد الملك «تيتي»! يا والد الملك «تيتي» في الظلمة! يا والد الملك «تيتي»، يا «آتوم» في الظلمة! أحضر الملك «تيتي» إلى جانبك حتى يشعل لك النور وليحميك كما حمى «نون» (المحيط الأزلي) هذه الإلهات الأربع في اليوم الذي حمت فيه العرش وهي: «إزيس» و«نفتيس» و«نيت» و«سِرْكت».» ويجتاز الملك المتوفى السماء في شكل نار ملتهمة على أثر صعود الملك «وناس» على ذراع أشعة الشمس؛ كذلك نرى الملك يحتل مكانة سامية واصلة بين الأرض والسماء: «هذه ذراعه اليمنى تحمل السماء في رضا، وهذه ذراعه اليسرى تحمل الأرض في سرور.»
على أن حلول الملك في نفس جسم «رع» واتحادهما في نفس واحدة يشبه امتزاجه بكل الآلهة كمجموعة. ومن أهم فقرات متون الأهرام الفقرة التي تتلى عند الاحتفال بحرق البخور، وما يقوم به هذا البخور باعتباره عاملًا مسيطرًا له جاذبية متبادلة تحمل غالبًا شذى الملك العطر حينما يصعد البخور العميق من الأرض إلى الآلهة ليختلط بشذاهم؛ ولذلك كان يجذبهم ذلك الشذى إليه بتوثيق عرى الروابط الصادقة والاتحاد بينه وبينهم.
وتلك الفقرة لها أهميتها؛ لأنها تعتبر تفسيرًا كهنيًّا مبكرًا جدًّا لأهمية البخور بصفته رابطة الألفة بين الآلهة، وهذه الفكرة انتقلت إلى أوروبا، ولا تزال باقية في بعض فروع الكنائس المسيحية إلى الآن. وها هي الفقرة بنصها:
على أن هذه الألفة التي رمز إليها فيما تقدم تتضارب تضاربًا بينًا مع صورة مظلمة بغيضة بقيت لنا من عصور ما قبل التاريخ السحيقة في القدم، وهي الصورة التي نشاهد فيها الفرعون المتوحش ينقض بوحشيته على الآلهة كصياد في الغابة متعطش للدماء كأنه لا يزال يباشر حياة الصيد في عصر ما قبل التاريخ، بل إن هذه الصورة قد تعيد إلى أذهاننا ذكرى تلك العادة الوحشية القديمة وهي أكل لحوم البشر، مع أنه ليس لدينا برهان آخر يقوم دليلًا على وجود هذه العادة بمصر القديمة، والنص المشار إليه يبتدئ بوصف وصول الملك المخيف إلى السماء هكذا:
ويظهر لنا بوضوح تام في هذه الصورة العجيبة الدافع لوجود عادة أكل لحم الإنسان الممقوتة، فنجد أن الآلهة يصادون وتنصب لهم الشباك ويوثقون ويذبحون كالماشية المتوحشة لكي يلتهم الملك أجسادهم، وبخاصة أعضاءهم الداخلية كالقلب الذي هو مقر العقل، وذلك اعتقادًا منه بأنه يمكنه أن يستولي بذلك لنفسه على صفات الآلهة وقواهم، «فمتى استولى على قلوب الآلهة فقد ابتلع علم كل الآلهة، وتعاويذهم تصبح في جوفه.» ومن جهة أخرى فإنه لما كانت أعضاء الآلهة التي قد التهمها الملك مشبعة تمامًا بالطعام؛ فإنه أصبح بذلك غير قابل للجوع؛ لأنه أكل حتى امتلأ تمامًا.
على أن الذي سبق بيانه يفتح أمامنا باب موضوع قد خَصصت له متون الأهرام مكانًا فسيحًا؛ وأعني به موضوع توريد الطعام في مملكة إله الشمس النائية البعيدة.
ولأجل أن نفسر تقديم الطعام للمتوفى عند قبره، ذلك الأمر الذي يبدو في ظاهره عديم الجدوى بعد أن صار المتوفى بمقتضى المذهب الشمسي لا يمكث في قبره بعد الدفن حتى يصعد إلى السماء، نقول إن المفروض عند قدماء المصريين أن ذلك الطعام المقدم عند القبر كان ينقل إلى المتوفى بطرق شتى متنوعة.
وكان المتعارف أكثر من أي شيء آخر في هذا الموضوع أن الإقليم السماوي الذي كان يمكث فيه المتوفى هو الذي يمده بكل حاجاته، فكان الملك بصفته ابن «رع» ومولودًا من آلهة السماء يمثَّل وهو يرضع منها أو من آلهة أخرى لها علاقة «برع»؛ وبخاصة الإلهتين المتقادمتين لمملكتي الجنوب والشمال في عصر ما قبل التاريخ. وهاتان الإلهتان تظهران بشكل رخمتين لهما شعر طويل وثُدِي مدلاة … وهما تمدان يديهما إلى فم الملك «بيبي» ولكنهما لا يفطمانه أبدًا. ويسمع الصوت من أجل هذا يقول: «إيه يا أم هذا الملك «بيبي» … أعطي ثديك لهذا الملك «بيبي»، أرضعي منها هذا الملك «بيبي».» وتجيب الإلهة على هذا قائلة: «يا بنيَّ بيبي، يا مليكي، إن ثديي ممدودة لك لترضع منها يا مليكي، فعش يا مليكي ما دمت صغيرًا.»
وهذا الموقف يظهر لنا العاطفة الإنسانية الطبيعية الحارة أكثر من أي موقف آخر في اللاهوت الشمسي.
وعلاوة على هذا المصدر الغذائي ومصدر التغذي بأجساد الآلهة أنفسهم يوجد مصدر آخر وهو قرابين كل مصر، كما جاء ذكر ذلك في أنشودة «رع»، وقد كان من المسلم به أن الدخل السماوي كان ملكًا للملك، وأنه كفيل بسد كل حاجاته.
وأخيرًا كان من أهم المصادر العدة التي يستمد منها المتوفى قوته في مملكة «رع» إن لم يكن أهمها كلها «شجرة الحياة» الواقعة في الجزيرة السرية وسط «حقول القربان»، وهي التي كان الملك يبحث عنها وبصحبته نجم الصباح. ونجم الصباح هذا هو صقر أخضر فاخر، وهو إله شمسي، ويعتبر هو والإله «حور دوات» نفسًا واحدة، وله أربعة أوجه مقابلة لصقور الشرق الأربعة، وكان نجم الصباح بلا شك موحدًا معها أيضًا، فنجده واقفًا على مقدمة زورقه السماوي الذي يبلغ طوله ٧٧٠ ذراعًا، وهناك يخاطبه الصوت قائلًا: «خذ هذا الملك «بيبي» معك في حجرة زورقك … وخذ أنت خطافك هذا المحبب إليك وهو عصاك التي تخترق الترع، وهي التي في طرفيها أشعة الشمس وأسنانها مخالب «مفدت»، وبها يقطع الملك «بيبي» رءوس الأعداء القاطنين في «حقول القرابين» حينما يكون قد نزل في البحر. فأحنِ رأسك يا أيها البحر وأثنِ ذراعيك، فإن ابنَيْ «نوت» (إلهة الشمس) هما هذان: «بيبي» و«نجم الصباح» اللذان نزلا فيك لابسين أكاليل الزهر على رأسيهما ومتقلدين تيجان الزهر حول نحريهما.» وقد طلب هنا خضوع البحر؛ لأن كلًّا من «بيبي» و«نجم الصباح» كان عاكفًا على القيام برسالة كريمة لأجل «إزيس» و«حور». وبعد ذلك تستمر القصة قائلة: «إن هذا الملك «بيبي» قد فتح طريقه مثل صائدي الطيور، وتبادل التحيات مع أرباب الأرواح، وذهب إلى الجزيرة العظيمة الواقعة في وسط «حقل القرابين» الذي تهيئ فيه الآلهة للبجع التحليق فوقه. والبجع هي النجوم التي لا تفنى (النجوم الثوابت)، وهي التي تعطي هذا الملك «بيبي» شجرة الحياة التي تعيش منها حتى يتسنى لكما «بيبي» و«نجم الصباح» في الوقت نفسه أن تعيشا منها.»
ومن الممكن إضافة تفاصيل عدة لهذه الصورة التي تمثل الآخرة السماوية، ولكن الصورة الإجمالية التي رسمناها فيما سبق تدل في أقل مظاهرها على العناصر الهامة للمعتقدات التي كان يعتنقها قدماء المصريين عن الآخرة الشمسية في عهد الدولة القديمة [حوالي ٣٠٠٠–٢٥٠٠ق.م].
وليس لدينا شك في أن عقائد هذا المذهب كانت تؤلف في وقت ما مجموعة معينة، ليس لها علاقة مباشرة بمجموعة عقائد المذهب الأوزيري، بل كانت المجموعتان فضلًا عن هذا تناقض إحداهما الأخرى. وقد بقي لنا بعض البراهين الدالة على عدم تلاؤم هذين المذهبين، بل إن تلك البراهين تدل أيضًا على تعاديهما؛ فقد قيل عن إله الشمس إنه: «لم يعطِهِ [أي الملك] لأوزير وأنه [أي الملك] لم يمت الموت [الحقيقي]، وأنه وصل مبجلًا إلى الأفق.» وفيما يأتي أبين من ذلك: «أن «رع» آتوم لم يعطك لأوزير، وأنه [أي أوزير] لا يحاسب قلبك ولا يملك سلطانًا على قلبك.»
ومن الواضح جدًّا أن «أوزير» كان في نظر أتباع المذهب الشمسي في زمن ما يمثل مملكة الموت وسلطانها، وهي المملكة التي لم يكن أتباع «رع» ممن يحشرون إليها. فطبقًا لهذه الفكرة كان يخاف أن تدخل طائفة «أوزير» إلى الهرم بأجمعها لقصد سيئ، فكان من اللازم إذن الأخذ بالمحافظة على الهرم بصفته الرمز العظيم للشمس، خوفًا من حدوث عادية من «أوزير»، أو من «حور» الأوزيري أو الآلهة الأخرى الذين هم من عصابة «أوزير».
ولقد كان من المحتم في تلك الآونة الشروع في إيجاد بعض التوفيق بين هذه المعتقدات الشمسية وبين تلك المعتقدات الأوزيرية، وحينما نتعقب سير هذا التوفيق بين المذهبين فيما بعد، ندرك كيف أن هذا السبيل قد أدى إلى فوز أوزير في النهاية.