الفصل الثاني
المشهد الأول
(يدخل أنطونيو وسباستيان.)
١
أنطونيو
:
ألَا تودُّ أن تمكث معي مدةً أطول؟ ألَا تريدُ أن
أذهب معك؟
سباستيان
:
لا لا أرجوك! فطوالعي عابسة
٢ في وجهي، وقد يضر سوءُ
طالعي
بطالعك؛ ولذلك أرجو أن تأذن لي أن أتحمَّل
هذا النحس ٥
وحدي. فإن أصابك كنتُ أجازي حُبَّك لي شرَّ
جزاء.
أنطونيو
:
اسمح لي على الأقل أن أعرف مقصدك.
سباستيان
:
لا! حقًّا يا سيدي! إذ اعتزمتُ ألَّا يكون
لي مقصدٌ محدَّد. لكنني ١٠
أرى أنك جمُّ الأدب، ولن تقبل أن تنتزع مني
أسرارًا أريدُ أن
أحفظها. ولذلك فإن أدبي يُلزمُني بأن أُطلعك
على بعض أُموري.
اعلم إذن يا أنطونيو أن اسمي سباستيان، وليس رودريجو
٣ كما
زعمتُ من قبل. وكان والدي هو سباستيان
الشهير، من مدينة ١٥
ميسالين،
٤ وأنا واثقٌ أنك سمعت عنه. وقد
تُوفي تاركًا إياي مع
أختٍ لي، وكلانا مولودٌ في ساعة واحدة. ولو
رضيَ اللهُ عنا
لأماتنا كذلك في ساعةٍ واحدة! ولكنك تدخَّلت
فأنقَذتَني من عُباب ٢٠
البحر قبل أن تغرق أُختي بنحو ساعة!
أنطونيو
:
يا لَليوم الأيوم!
سباستيان
:
كانت فتاةً يعدُّها الكثيرون جميلةً يا
سيدي، على الرغم من أنها
كانت تشبهني إلى حدٍّ بعيد، وإذا كنت لا
أميلُ إلى تصديق ما
يقوله الناس وأقدِّره وأعجَبُ منه،
٥ فلا بد لي أن أُقرَّ واثقًا بأنها
٢٥
كانت ذات نفسٍ يشهد لها حتى الحُسَّاد
بالصفاء والنقاء! لقد
أغرقها ماءُ البحر المِلح، ويبدو أنني
سأُغرقُ ذكراها بملح العبَرات.
٦ ٣٠
أنطونيو
:
أرجو أن تغفر لي يا سيدي تواضع ضيافتي لك!
باستيان
:
بل أرجو أن تغفر لي يا أنطونيو الكريم ما كلَّفتُك
من عناء!
أنطونيو
:
فلتقبل إذن أن أعمل خادمًا لديك، وإلا قتلتَني لقاء
حُبي لك! ٣٥
سباستيان
:
إذا لم تكن تريد أن تنقض ما فعلت؛ أي أن
تقتل من أنقذتَه، فلا
تطلب ذلك مني. الوداع الآن،
٧ وعلى الفور؛ إذ إن صدري
مفعمٌ
بالمشاعر،
٨ وتغمرني رقة الأم حتى لأكادُ أبكي
فتفضحُ مشاعري
عيناي. لسوف أذهب الآن إلى بلاط الدوق
أورسينو. وداعًا! ٤٠
(يخرج سباستيان.)
أنطونيو
(وحده على المسرح)
:
فلتشملك جميعُ الأرباب بعطفٍ ورعاية،
لكن بلاط الدوق .. يوجدُ فيه كثيرٌ من
أعدائي!
لولا ذلك كنتُ لحقتُ قريبًا بك فيه!
٤٥
لكن فليحدث ما يحدث؛ إذ إن غرامي بكَ لا
حدَّ له،
حتى إن الخطر ليبدو لهوًا لي .. وإذن أتَّجه
إليه.
(يخرج أنطونيو.)
المشهد الثاني
(تدخل فيولا ومالفوليو من بابَين مختلفَين.)
٩
مالفوليو
:
ألم تكن منذ قليلٍ عند الكونتيسة أوليفيا؟
فيولا
:
بل منذ لحظةٍ يا سيدي، وقد سِرت بسرعةٍ
معتدلة فوصلتُ لتوي
هنا.
مالفوليو
:
إنها تعيد إليك هذا الخاتم يا سيدي. لو كنتَ
أخذتَه بنفسك لوفَّرت
عليَّ هذه المشقة. وهي تضيف بأن عليك أن
تؤكِّد تأكيدًا قاطعًا لسيدك ٥
أنها لن تقبلَه. وشيءٌ آخر! ألَّا تتجاسر
بعد الآن فتأتي كي تسعى
للدوق في أمر خِطبته! اللهم إلا إذا أتيتَ
لإبلاغها بردِّ فعل الدوق
إزاء رفضها. خُذ الخاتم إذن.
فيولا
:
لقد أخذَت الخاتم مني١٠ ولن أستعيده! ١٠
مالفوليو
:
اسمع يا سيدي! لقد أصررتَ على أن تُلقيه
لها، وهي الآن تريد أن
تعيده لك بنفس الأسلوب.
١١ إن كان جديرًا بأن تنحني لالتقاطه
فبها!
ها هو ذا على الأرض أمامَك! وإن لم تلتقطه،
فليأخذه من يجده! ١٥
(يخرج مالفوليو.)
فيولا
:
لم أترك أيَّ خواتمَ لليدي. ما
مقصِدُها؟
لا قدَّر ربُّ الحظ بأن تعشق مظهري
المتنكِّر!
فلقد جعلَت تتأمَّلُني وتُطيلُ النظر إلى
وجهي
حتى خُيِّل لي أنَّ استغراق العينَين ..
أخرسَ منطِقَها؛
إذ كانت لا تتكلَّم إلا في نوباتٍ
مُتقطِّعةٍ مُفترقة! ٢٠
لا شك بأن المرأة تهواني! ومشاعرها ابتكرت
هذي الحيلة
كي تدعُوَني لزيارتها مرسلةً ذاك المِرسال
الفظ.
لن تقبل خاتمَ مولاي؟ عجبًا لم يُرسل مولاي
خواتم!
بل إني المقصودةُ بالخاتم! إن كان الأمرُ
كذلك، وهو كذلك،
فالمرأةُ مسكينة! والأفضلُ أن تعشق حُلمًا!
٢٥
من يتنكَّر يرتكب الآثام .. أُدرك ذاك
الآن،
وبه ارتكب الشيطانُ المتنكِّر
١٢ (في ثوب الأفعى) أكبر
آثامه!
ما أيسرَ أن يطبَع خدَّاعٌ فتَّانُ الطَّلعةِ
١٣ صورتَه
في قلب فتاةٍ ساذج! المؤسف أنا لم
نُخطِئ؛
فالعلةُ ليست فينا، بل في ضعفٍ فطريٍّ في
المرأة، ٣٠
والمرأةُ قد خُلقت في هذي الصورة وتظل
عليها.
ما آخرُ هذي القصة؟ مولاي يحب المرأة حبًّا
جمًّا،
وأنا المسخُ
١٤ المسكينةُ أعشقُه كلَّ
العشق
والليدي ضلَّلها التمثيلُ فهامت بي فيما
يبدو! ٣٥
ما آخرُ هذا التعقيد؟ ما دُمتُ الرجلَ أمام
الدوق
فلا أمَل لديَّ على الإطلاق بأن
يهواني،
لكني امرأةٌ في الواقع (وهو المؤسف)؛
ولذلك تذهبُ عبثًا آهات أوليفيا
المسكينة!
يا زمن، عليك بفك العُقدة فأنا عاجزةٌ
فعلًا،
والعقدةُ أصعبُ من أن أجد بنفسي الآن لها
حلًّا. ٤٠
(تخرج فيولا.)
المشهد الثالث
(يدخل السير توبي والسير أندرو.)
سير توبي
:
تفضَّل يا سير أندرو تفضَّل! عدم الهجوع حتى
ما بعد منتصف
الليل معناه الصحوُ المبكِّر، وفي الصحو
المبكِّر صحة،
١٥ كما تعرف.
سير أندرو
:
كلا بالحق! لا أعرف! ما أعلمه هو أن السهر
إلى وقت متأخِّر
سهر متأخِّر! ٥
سير توبي
:
استنتاج فاسد! أكرهه كراهيتي للكأس الفارغة؛
فالسهر إلى ما بعد
منتصف الليل، ثم الرقاد عند ذلك، يعني الصحو
في وقت
البكور، وهكذا فالذي يأوي إلى الفراش بعد
منتصف الليل يأوي
إليه في وقت البكور. ألَا تتكوَّن حياتنا من
العناصر الأربعة؟
١٦ ١٠
سير أندرو
:
هذا حقًّا ما يقولون! لكنني أظن أنها تتكوَّن من
الأكل والشرب.
سير توبي
:
أنت علَّامة!
١٧ دعنا إذن نأكل ونشرب! يا ماريان!
أين أنت؟
١٨ إلينا
بزِقٍّ من النبيذ!
(يدخل المهرج.)
سير أندرو
:
ها قد أتى المهرج .. فعلًا! ١٥
المهرج
:
كيف أنتما أيها العزيزان؟ هل رأيتما يومًا صورة
المغفلين الثلاثة؟١٩
سير توبي
:
مرحبًا يا حمار! ابْدأ الآن أغنيةً يشترك ثلاثتنا
فيها.
سير أندرو
:
الحق أن المهرج يتمتَّع بصوت ممتاز! أعطني
قدمه الماهرة في الرقص
وصوته العذب في الغناء ولا تعطني أربعين شلنًا.
٢٠ الواقع أنك ٢٠
أجدت التهريج إجادةً عظمى ليلة أمس، عندما
تحدَّثت عن
بيجروجروميتوس، وعن الفابيين الذين يعبرون
خط الاستواء في
السماء عند كوكب كيوبوس!
٢١ كان لفتةً بارعة حقًّا، وقد
أرسلتُ
إليك ستة بنساتٍ لتنفقها على حبيبتك. هل
وصلتك؟ ٢٥
المهرج
(يتعمَّد الخلطَ في الألفاظ)٢٢
:
دسست في الجيب بقشيشك؛ إذ إن أنف
مالفوليو ليس مقبض السوط، ومولاتي يدُها
بيضاء، والزبانية
٢٣
ليسوا حانات شراب!
سير أندرو
:
ممتاز! هذا أفضل تهريج، في آخر المطاف. غنِّنا الآن
أغنية! ٣٠
سير توبي
:
هيا! سأدفع لك ستة بنسات.٢٤ غنِّنا أغنية.
سير أندرو
:
وسأدفع لك مثلها أيضًا. فإذا دفع أحد الفرسان هذا
المبلغ. ٣٥
المهرج
:
هل تريدان أغنية حب؟ أم أغنيةً عن لذائذ العيش؟٢٥
سير توبي
:
أغنية حب، أغنية حب!
سير أندرو
:
نعم نعم! أنا لا أكترث للذائذ العيش.
(المهرج يغنِّي.)
المهرج
:
حبيبتي أين تهيمين على وجهك؟
٢٦ ٤٠
فلتمكُثي وتسمعي! حبيبُك المخلصُ قادمٌ
إليك،
من يستطيعُ أن يُغنِّي كل لحنٍ لك!
حبيبتي الجميلة! تكفي مشقةُ الترحال
والعناء،
وكل رحلةٍ للعاشقين تنتهي عند
اللقاء،
وذاك ما يعرفُه .. أبناءُ الحكماء!
٢٧ ٤٥
سير أندرو
:
جميلٌ ممتاز، بالحق ..
سير توبي
:
جميل جميل.
المهرج
(يغنِّي)
:
ما الحب؟ ليس الحب وعدًا قد يؤجَّل،
بل حاضرُ السرور حاضرُ الجذل.
وكيف يطمئنُّ المرءُ للمستقبل؟ ٥٠
وليس في التأخير خيرٌ مُقبل!
هيا حبيبتي لقُبلةٍ جميلة ستُنهَل،
٢٨
فإنما طبعُ الشباب أن يذوي ويرحل!
سير أندرو
:
أُقسم بفروسيتي إنه صوتٌ حلو!٢٩
سير توبي
:
بل صوتٌ ينشر عدواه!٣٠ ٥٥
سير أندرو
:
بالغ الحلاوة والعدوى .. بالحق!
سير توبي
:
من يسمع بأنفه، يجد عدواه حلوة! هل نغنِّي
حتى نجعل السماء
نفسها ترقص؟ هل نُطربُ بُومة الليل بأغنية
يشترك في أدائها
ثلاثتنا،
٣١ حتى كأننا ثلاثة أرواح في جسد
نسَّاجٍ واحد؟ هل نغنِّي
إذن؟ ٦٠
سير أندرو
:
إن كنت تحبني .. فهيا نغنِّي؛ فأنا بارع
براعة الكلاب، كما يقال،
في الأغاني الثلاثية!
المهرج
:
قسمًا بالبتول سيدي .. بعض الكلاب تلتقط٣٢ ثلاثة أشياء معًا!
سير أندرو
:
مؤكَّد! فلتكن أغنيتنا «يا وغد!» ٦٥
المهرج
:
تقصد أغنية «اخرس يا وغد» أيها الفارس؟ لسوف
يؤذيني أن
أقول لك يا وغد، يا فارس!
٣٣
سير أندرو
:
ليست المرة الأولى التي أوذي فيها أحدًا
يدعوني بالوغد!
٣٤ ابدأ أيها
المهرج ابدأ! (يغنِّي) «اخرس اخرس …»
٧٠
المهرج
:
لن أبدأ أبدًا إذا أصابني الخرس.
سير أندرو
:
جميل بالحق. هيا ابدأ.
(يشترك الثلاثة في غناء
الأغنية.)
(تدخل ماريا.)
ماريا
:
ما هذا العواء الذي يشبه مواء القطط الشبقة؟
إن لم تكن مولاتي
قد دعت حاجبها مالفوليو وأمرته بطردكم من
المنزل فلا تثقوا فيَّ
بعد الآن. ٧٥
السير توبي
:
مولاتك لا تعني ما تقول … مثل الصينيين!
٣٥ فإننا نحن وأنت
أهل سياسية ..
٣٦ ولدينا ما دبَّرناه معًا ..
وأمَّا مالفوليو فناطورٌ
لا يقبل مرحًا!
٣٧ (يغنِّي) «إن ثلاثتنا مرحون»
٣٨ ثم ألستُ قريبها؟
٣٩
ألست من دمها؟ هراء هراء!
٤٠ أتقولين «مولاتي»؟
٤١ (يغنِّي) «في
بابل كان يقيم رجل .. مولاتي يا مولاتي!»
٨٠
المهرج
:
أقسم إن الفارس بارعٌ في التهريج!
سير أندرو
:
نعم. يُجيد التهريج، إذا اعتدل مزاجُه،
وكذلك حالي أيضًا!
٤٢ لكنه
يفوقني في فن الصنعة وأفوقه في الأداء
الطبيعي.
سير توبي
(يغني)
:
«في اليوم الثاني عشر .. من ديسمبر …»٤٣ ٨٥
ماريا
:
حلَّفتُكما أن تسكتا!
(يدخل مالفوليو.)
مالفوليو
:
سادتي! هل أنتم مجانين؟ أم ماذا أنتم؟ أليست
لكم عقول،
ولا أخلاق، ولا أدب، إلا ما يجعلكم
تُغمغِمون غمغمة السمكري
السكران، وفي هذا الوقت من الليل؟ هل أحلتُم
منزل مولاتي إلى ٩٠
حانة، فجعلتُم تصدرون هذا الصرير القبيح
بأغنيات الإسكاف
٤٤ دون
أن تحاولوا خفض أصواتكم مراعاةً لشعور
الآخرين؟ أفلَا تراعون
حرمة المكان والأشخاص وهذا الوقت؟
سير توبي
:
تقصد الزمن يا سيدي؟ لقد راعينا الزمن في
أداء أغنياتنا!
مالفوليو
:
اسمع يا سير توبي. لا بد أن أكون صريحًا
معك. لقد طلبَت مني ٩٥
مولاتي أن أخبرك بأنها إذا كانت تستضيفك
باعتبارك قريبها،
فإنها لا توافق البتة على الصخب والفوضى
التي تحدثُها. فإن
كنت تستطيعُ الإقلاع عن هذا السلوك الشائن
فمرحبًا بك في
المنزل، وإن لم تستطع، وإذا شئت استئذانها
في الرحيل، فإنها
على أتم استعداد لوداعك! ١٠٠
سير توبي
(يغنِّي)
:
إلى الوداع يا فؤادي الحبيب؛
٤٦
إذ إن موعد الرحيل حل!
ماريا
:
لا لا يا سير توبي الأكرم!٤٧
المهرج
(يغنِّي)
:
عيناه تشهدان أنه حان الأجل!
مالفوليو
:
هل هذا هو الواقع؟ ١٠٥
سير توبي
(يغنِّي)
:
لكني لن أهلك أبدًا!
المهرج
(يغنِّي)
:
تكذبُ يا سير توبي عمدًا!٤٨
مالفوليو
:
وذاك يزيدك فضلًا كبيرًا!
سير توبي
(يغنِّي)
:
هل أطلب منه أن يرحل؟
المهرج
(يغنِّي)
:
ما شأني إن كنت ستفعل؟ ١١٠
سير توبي
(يغنِّي)
:
هل أطلب منه أن يرحل وأطيلُ القولْ؟
المهرج
(يغني)
:
لا لا لا لا لن تجرؤ أن تفعل!
سير توبي
:
ألم أراعِ الزمن
٤٩ في الغناء يا سيدي؟ أنت كاذب! وهل
أنت سوى
حاجبٍ هنا؟ هل تظنُّ أن استمساكك بالفضيلة
سيحرم الناس من
المهرج
:
أقسم بالقديسة آن! سوف يكون مذاقُ الزنجبيل في
الجِعة حِريفًا!
سير توبي
:
أنت محق! اذهب يا سيد فنظِّف سلسلتك (الذهبية)
٥٢ بفتات الخبز!
يا ماريا! زق نبيذ!
مالفوليو
:
يا ماري المحترمة! إن كنت تقدِّرين رضا
مولاتك ولا تزدرينه، ١٢٠
فأرجوك ألَّا تساعدي هذَين على هذا الصخب
البذيء، ولسوف
أخبرُها، قسمًا بهذه اليد!
(يخرج مالفوليو.)
ماريا
:
اذهب فهُزَّ آذانك الطويلة!٥٣
سير أندرو
:
إن متعة الشراب للجائع لا توازي متعة
تحدِّيه للنزال ثم إخلاف
٥٤ ١٢٥
موعده حتى يصير هزأةً بين الناس!
٥٥
سير توبي
:
عليك بهذا أيها الفارس! سوف أكتب خطاب
التحدي لك، أو
أُبلغ تحديك للرجل شفويًّا. ١٣٠
ماريا
:
يا سير توبي الكريم! فلتصبر هذه الليلة
فحسب! فمنذ أن اجتمع
المرسال الشاب من لدى الدوق بسيدتي اليوم،
والقلق يعصرها.
أمَّا عن المسيو مالفوليو، فسوف أختلي به.
فإذا لم أخدعه حتى
يصبح هُزأة، وإذا لم يتندَّر الناسُ به
ويسخروا منه، لا تقولوا إن ١٣٥
عندي من الذكاء ما يكفي لأن أرقد مستقيمةً
في فراشي؛
٥٦ فأنا واثقة
من نجاحي.
سير توبي
:
أخبرينا أخبرينا! قولي لنا شيئًا عنه.
ماريا
:
الحق يا سيدي أنه يبدو في بعض الأحيان
بيوريتانيًّا .. أي ١٤٠
متزمِّتًا أخلاقيًّا!
سير أندرو
:
لو ظننتُ ذلك لضربتُه ضرب الكلاب!
سير توبي
:
تضربُه لاستمساكه بالأخلاق؟ عجبًا! ماذا
لديك من أسبابٍ جذابة
أيها الفارس العزيز؟ ١٤٥
سير أندرو
:
ليس لديَّ أسبابٌ جذابة، ولكن لديَّ أسباب
مقنعة.
ماريا
:
ما أبعده عن الاستمساك بالأخلاق أو
البيوريتانية أو بأي شيءٍ
على الدوام، فليس سوى انتهازيٍّ مداهن،
وحمارٍ يتصنَّعُ الحكمة،
ويردِّد ما يحفظه من كلام الكبراء، بل
ويكرِّر مقتطفاتٍ طويلةً منه! ١٥٠
وهو مغرور يزهو بذاته زهوًا لا يدانى؛ إذ
إنه (في ظنه) مفعمٌ
بالمناقب، إلى الحد الذي يؤمن معه أن كل من
ينظر إليه لا بد أن
يحبه. وهذه النقيصةُ فيه هي التي تدفعني إلى
الثأر منه، وخيرُ ما
يُعينني على الثأر! ١٥٥
سير توبي
:
ماذا ستفعلين؟
ماريا
:
سوف أُلقي في طريقه برسالة غرامٍ غامضة
الصياغة، لكنه سوف
يجد أنه موصوفٌ بدقةٍ فيها، من لون لحيته،
إلى شكل رجله،
إلى أُسلوب مشيه، إلى التعبير في عينَيه
وجبهته ووجهه.
وأستطيع الكتابة بخطٍّ يماثل تمامًا خط
مولاتي ابنة أخيك. فإذا ١٦٠
طال الزمن على شيء كتبناه ونسيناه استحالت
علينا معرفةُ كاتبته.
سير توبي
:
ممتاز! أشمُّ رائحة خدعة!
سير أندرو
:
أنفي يشمها أيضًا!
سير توبي
:
ستجعله الرسالةُ الملقاةُ يظن أنها من بنت
أخي، وأنها تهيمُ ١٦٥
به حبًّا.
ماريا
:
غرضي حصانٌ من هذا اللون.٥٧
سير أندرو
:
وحصانُك سوف يجعله حمارًا.
ماريا
:
حمارٌ لا شك عندي.
سير أندرو
:
سيكون ذلك رائعًا! ١٧٠
ماريا
:
فكاهةٌ ملكية، أؤكِّد لكما. وأعرف أن دوائي
سوف يعالجه.
وسوف أجعلكما تختبئان، وليكن المهرج ثالثكما،
٥٨ في المكان الذي
يعثر فيه على الرسالة. وأريدكم أن تلاحظوا
تفسيره لِمَا فيها. فلنأوِ
هذه الليلة للفراش، ولنحلم بنتيجة هذه
الحيلة. إلى اللقاء. ١٧٥
(تخرج ماريا.)
سير توبي
:
طابت ليلتك يا بنتسيليا!٥٩ (يا ملكة المقاتلات!)
سير أندرو
:
قسمًا٦٠ إنها فتاة رائعة.
سير توبي
:
مثل كلب الصيد الصغير الأصيل! وهي تحبني
حُبًّا جمًّا! لكن
ما الفائدة؟ ١٨٠
سير أندرو
:
كان لديَّ من تحبني ذات يوم أيضًا.
سير توبي
:
فلنأوِ الليلة للرقاد أيها الفارس. وعليك أن
تُرسل في طلب المزيد
سير أندرو
:
إن لم أفز ببنت أخيك ضاع وقتي ومالي! ١٨٥
سير توبي
:
أرسل في طلب المال أيها الفارس، فإذا لم
تظفر بها في النهاية،
فاحتقرني بعدها!
سير أندرو
:
إذا فشلتُ لا تثق فيَّ أبدًا. وافهم من ذلك ما
تريد!
سير توبي
:
هيا هيا! سأذهب لإعداد شراب دافئ؛ فقد
جاوزنا الآن موعد ١٩٠
الذهاب للفراش.
٦٢ هيا يا فارس! هيا يا فارس!
(يخرجان.)
المشهد الرابع
(يدخل الدوق، مع فيولا، وكيوريو،
وآخرين.)
الدوق
:
هيا اعزفوا بعض اللحون! عمتُم صباحًا أصدقائي!
٦٣
والآن سيزاريو الكريم: تكفي هنا أغنيةٌ
قديمة عجيبة
كنا سمعناها معًا ليلة أمس! أحسست
أنها
أزالت الكثير من آلام لوعتي! بل إنها
تفوق كل لحنٍ طارف وكل ألفاظ منمَّقة
٥
في عصرنا الذي يجري بخفةٍ وإيقاع
سريع
قد يصيب بالدوار! هيا! سأكتفي بفقرةٍ
واحدة!
كيوريو
:
لكنه ليس هنا! أقصد يا مولاي الرجل الذي يستطيع
غناءها!
الدوق
:
ومن هو؟ ١٠
كيوريو
:
فيسته! المضحك يا مولاي! ذاك المهرِّج الذي
كان والد الليدي أوليفيا
يستمتعُ كثيرًا بفنونه. إنه في مكان ما
بالمنزل.
الدوق
:
أحضره إذن .. وليُعزَف لحنُ المقطوعة حتى
يأتي.
(يخرج كيوريو وتُعزفُ الموسيقى.)
تعالَ أيها الغلام! إن كُتِب الحب عليك
بقابل أيامك ١٥
فاذكرني في آلام الحب العَذبَة.
فأنا — مثل جميع العُشاق الخلصاء —
أقلقُ بل أفزعُ من كل مشاعر إلا
الإحساس بطيف المحبوب الثابت أبدًا في
عيني.
ما رأيك في هذا اللحن؟ ٢٠
فيولا
:
كأنه الصدى الصدوقُ للمشاعر التي تدف في عرش
الهوى!
الدوق
:
تعبيرك محكم! وأُراهن بحياتي أنك رغم
يُفوعك
قد وقعت عيناك على شخصٍ هِمت به
حبًّا!
هل ذاك صحيح؟
فيولا
:
بعض الصحة يا مولاي. ٢٥
الدوق
:
ما طبع تلك المرأة؟
فيولا
:
مِن طَبعك.
الدوق
:
ليست جديرةً إذن بحبك. ما سنها؟
فيولا
:
مولاي إنها في نحو سنك.
الدوق
:
أكبر من أن تقترن بها قطعًا! فلتقترن
المرأةُ في كل الأحوال
بحبيبٍ يكبرها سنًّا حتى تتكيَّف معه،
٣٠
وتظل مكافئةً لهواه المتأرجح في
قلبه؛
فالواقع يا يافع أنَّا، مهما أطرينا
أنفسنا،
لا نتمتَّع بثبات الأشواق وقوتها
دومًا،
فلقد تزداد وتتذبذب ثم تضيعُ وتذوي
٣٥
قبل ذبول الحب لدى المرأة.
فيولا
:
قولٌ لا بأس به يا مولاي.
الدوق
:
وإذن ليكن محبوبُك أصغر منك وإلا
لن يقدر حبُّك أن يصمد للزمن!
فالمرأةُ وردة .. ما إن تتفتَّح كي تُبدي
السحر الفتَّان
حتى تسقط ذابلةً في نفس الساعة من فوق
الأغصان.
فيولا
:
ذلك حال المرأة. وا أسفا للحال المُضني
٤٠
أن تذوي فور بلوغ الذروة وكمال
الحسن.
(يدخل كيوريو والمهرِّج.)
الدوق
:
تعالَ يا فتى .. هيا فغَنِّنا إذن أغنية
البارحة،
واسمع سيزاريو إنها
٦٤ قديمةٌ وساذجة؛
فغازلات الصوف بل والناسجات الجالسات في شمس
النهار،
والخالياتُ البال ساعة التفاف الخيط حول
البكرة ٤٥
يُنشدنها جميعًا! وإنها تقدِّمُ الحقيقة
المجرَّدة
مدارُها براءةُ الغرام في أيامنا الخوالي.
٦٥
المهرج
:
هل أنت مستعدٌّ سيدي؟
الدوق
:
نعم. فغنِّنا أرجوك. ٥٠
(المهرِّج يغنِّي.)
المهرج
:
أقبل يا موتُ
٦٦ الآن وأدركني
في نعشٍ من خشب السَّرْو الكاسف ضعني،
٦٧
وقفي يا أنفاس العمر ابتعدي؛
إذ قتلتني قسوةُ حسناءٍ نفرت للأبد
وأعِدُّوا أكفاني البيضاء أعِدُّوها،
٥٥
وضعوا أغصان الدوح عليها .. صُفوها.
ما من أحدٍ قبلي
أهلكه الإخلاصُ كما أهلكني!
لا تضعوا فوق النعش الأسود زهرة،
لا تضعوا أي زُهورٍ غُرٍّ نضرة، ٦٠
وعلى أصحابي ألَّا يأتوا لتحية
خاتمتي
فيرَوا جسدي المسكين وبعضَ عظامي
النخرة،
ولتُكتم آلافُ الآلاف من الآهات،
ولْأُدفن وحدي معزولًا في مقبرتي
كي لا يعرف أيُّ حبيبٍ أخلصَ أين رُفاتي؛
٦٥
وبذلك لن يذرف قطعًا أي العبرات.
الدوق
:
هاك مقابل أتعابك.
(يعطيه نقودًا.)
المهرج
:
لم أتعب يا سيدي بل تلذَّذت بالغناء يا سيدي.
الدوق
:
هذا مقابل لذتك إذن.
المهرج
:
والحق يا سيدي أن اللذة لها ثمن، يُدفعُ عاجلًا أو آجلًا.٦٨ ٧٠
الدوق
:
اسمح لي الآن بأن نفترق!٦٩
المهرج
:
فليحفظك إذن رب الكآبة، وليصنع لك الحائكُ
صدارًا من القطيفة
المتقلِّبة الألوان،
٧٠ ما دام مزاجك متقلِّب الألوان مثل
بعض الأحجار
٧١
الكريمة، وإذا كان الأمر بيدي لجعلتُ كلَّ
ذي مزاجٍ متقلِّب يركب ٧٥
البحر، حتى تشغله تجارته عن كل شيء، وتذهب
به إلى كل مكان،
فذلك هو الذي دائمًا ما يكفل الجودة للرحلة
وإن ضاعت هباءً! إلى
اللقاء!
(يخرج المهرِّج.)
الدوق
:
فليذهب الجميعُ الآن!
(يخرج كيوريو والآخرون.)
٧٢
ومن جديدٍ سيزاريو عُد إلى مليكة القسوة
٨٠
وقل لها إن الغرام في صدري يزيدُ نُبلًا
عن
جميع أهل الأرض!
٧٣ وإنني بالحق لا أهتمُّ بالذي
لديها
من عقارٍ أو أراضٍ لا تزيد على
تُراب،
وإن كلَّ ما حبتها ربةُ الحظ به من
الضياع
أراه غيرَ ذي قيمة .. كربة الحظ الحئُول
ذاتها! ٨٥
لكنَّ ما ازدانت به من الطبيعة —
جمالها الذي أراهُ درةً على عرش الدرر —
٧٤
هو الذي يشُدني إليها.
فيولا
:
فإن تكُن لا تستطيعُ يا مولاي حُبك؟
الدوق
:
إجابةُ لا تُقبل!
فيولا
:
لكنه لا بد من قَبولها!
لنفترض بأن ها هُنا فتاة .. وربما تكون ها
هُنا فعلًا .. ٩٠
تُكن في فُؤادها حُبًّا إليك لا تقل
لوعتُه
عمَّا تُكنه لهذه التي هويتها!
ولنفترض بأنه من المحال أن تُحب هذه
الفتاة
وهكذا أخبرت هذه الفتاة بالحقيقة .. أهذه
إجابةٌ لا تُقبل؟
الدوق
:
من المُحال أن تكون لامرأة
جوانح قادرةٌ على تحمُّل الذي يدف في قلبي
٩٥
من الخفق الشديد للمشاعر المشبوبة!
من المحال أن يكون لامرأة .. قلبٌ كبير قادر
على احتواء كل هذا!
فقلبها لا يستطيعُ الاحتفاظ
بالمشاعر!
وللأسف! فحبُّها قد لا يزيدُ على
شهيةٍ
لا تنتمي للكبد .. بل تنتمي للفم!
وذاك قد يُصابُ بالبشَم .. فإن أتته
التخَمَة ١٠٠
أتى السأم! أمَّا غرامي فهو جائعٌ
كالبحر
ويستطيع هضم ما يهضمُهُ البحر.
أرجوك لا تُقارن حب أي امرأةٍ لي
بما أُكنه من الهوى لأُوليفيا!
فيولا
:
حقًّا لكني أعرف …٧٥
الدوق
:
ماذا تعرف؟ ١٠٥
فيولا
:
أعرفُ كم يبلغُ عُمقُ الحُب بقلب المرأة
للرجُل،
والواقعُ أن المرأة تُخلصُ في الحُب كمثلي
أو مثلك؛
فأبي أنجب بنتًا عشقت رجلًا عشقًا لا حد
له،
قُل مثل غرامي بكَ لو كنتُ أنا بنتًا
مثلًا.
الدوق
:
ماذا حدث لها؟ ١١٠
فيولا
:
لا يدري أحدٌ إذ أخفت عاطفة الحُب
تمامًا
حتى أخذ الكتمانُ كمثل الدودة يلتهمُ الخد الوردي
٧٦
وازداد الهم لديها فذوت! وعراها الحزنُ
بلونٍ أخضر أو أصفر،
وغدت تجلسُ ذاهلة العين كتمثال الصبر المشهور
٧٧ ١١٥
الباسم للأحزان. أفمَا كانت تلك العاطفةُ
غرامًا حقًّا؟
نحن رجالٌ قد نُكثرُ ممَّا نحكي أو ما
نحلفُه من أَيمان،
لكنا نُبدي أكثر ممَّا نشعرُ به؛
إذ تنبئُ أيمانُ الرجُل بحُبٍّ غامر،
لكن الواقع يُنبئُ عن إحساسٍ فاتر
الدوق
:
أتُرى ماتت أُختُك يا ولدي من آلام الحُب؟
١٢٠
فيولا
:
أنا كل بنات أبي ..
٧٨ وكذلك كل الإخوة!
لكن مع ذلك لا أعرف. هل أمضي الآن لتلك
المرأة؟
الدوق
:
حقًّا ذلك ما أبغي!
أسرع لفتاتي من فورك. ضع هذا الجوهر في
يدها.
أبلغها أن لن يتزحزح حبي أو أقبل إنكارًا
منها. ١٢٥
(يخرجان.)
المشهد الخامس
(يدخل السير توبي، والسير أندرو، وفابيان.)
٧٩
سير توبي
:
هيا يا سنيور فابيان.
فابيان
:
قطعًا آتي. لو فاتتني ذرةٌ من هذه اللعبة،
فسوف أستحق السلق
٨٠
حتى الموت من شدة الحُزن!
سير توبي
:
أفلا يسعدك فضح وتجريس ذلك الكلب٨١ البخيل المنافق؟ ٥
فابيان
:
بل يُبهجُني كل البهجة! تعرفُ أنه أغضب
مولاتي عليَّ بسبب
لُعبة الرهان على الدببة
٨٢ هنا.
سير توبي
:
سوف نغيظُه بإحضار الدب مرةً ثانية، وسوف
نسخرُ منه حتى
تظهر في جسده الكدماتُ الزرقاءُ والسوداء.
هل نفعلُ ذلك يا سير
أندرو؟ ١٠
سير أندرو
:
لو لم نفعل ستكونُ حياتُنا عارًا علينا!
(تدخل ماريا.)
سير توبي
:
ها قد أتت الماكرةُ القصيرة! كيف حالك يا ذهب الهند الإبريز؟٨٣
ماريا
:
اختبئُوا أنتم الثلاثة خلف هذه الشجيرات؛ إذ
إن مالفوليو قادم من ١٥
هذا الممشى في الحديقة، بعد أن قضى نصف
الساعة الماضية في
التدريب على أساليب السلوك مع ظله في الشمس.
أرجوكم أن
تراقبوه إن كنتم تحبون السخرية؛ فأنا واثقةٌ
أن هذا الخطاب سوف
يجعله يُخرجُ ما لديه من تأملات الحُمق
والبله! التصقوا واختبئوا
حتى
تنجح اللعبة! (أثناء اختباء الرجال تلقي ماريا
بالخطاب) انتظروا في ٢٠
مكانكم؛ فها قد أتت السمكة التي لا بد من
صيدها بدغدغتها!
(يخرج.)
(يدخل مالفوليو.)
مالفوليو
:
إنه حُسنُ حظي وحسب، والحظ يتحكَّمُ في كل
شيء. إذ قالت
لي ماريا ذات يومٍ إن أوليفيا معجبةٌ بي،
وسمعتها بنفسي مرةً
تكاد تعترفُ بذلك؛ إذ قالت إنها لو أحبَّت
أحدًا فسوف يكون
مثلي في الصورة والطبع.
٨٤ كما إنها تعاملني باحترامٍ بالغ
يزيد عمَّا ٢٥
تُبديه لأي فرد من العاملين لديها. ماذا
عساي أن أرى في ذلك؟
٨٥
سير توبي
(جانبًا)
:
إنه لوغدٌ مزهوٌّ متكبِّر!
فابيان
(جانبًا)
:
اسكت! إن تأمُّلاته تجعله مُنتفش الريش مثل
الديك
الرومي في أروع حالاته! وانظروا كيف يتبخترُ
داخل الريش ٣٠
المُنتصب!
سير أندرو
(جانبًا)
:
أقسم إني أريد أن أضرب هذا الوغد!
سير توبي
(جانبًا)
:
اسكت أقول!
مالفوليو
:
وعنها أُصبحُ الكونت مالفوليو! ٣٥
سير توبي
(جانبًا)
:
أيها الوغد!
سير أندرو
(جانبًا)
:
أطلق الرصاص عليه!
سير توبي
(جانبًا)
:
اسكت اسكت!
مالفوليو
:
ولدينا سابقةٌ لهذا الزواج؛ إذ تزوَّجَت
ليدي ستراتشي الخادم
سير أندرو
(جانبًا)
:
تبًّا له من مختال مثل إيزابل!٨٧
فابيان
(جانبًا)
:
اسكت! الآن قد غاص في وهمه، وانظر كيف
انتفش.
فانتفخ بفعل الوهم!
مالفوليو
:
وبعد أن تمر ثلاثةُ أشهرٍ على زواجي منها،
وأنا جالسٌ على
عرشي .. ٤٥
توبي
(جانبًا)
:
أين لي الآن بنَبلٍ تقذفُه بحجر في عينه!
مالفوليو
:
أستدعي أتباعي الذين يُحيطون بي، وأنا أرتدي
الروب الأخضر
المُخملي الموشَّى برسوم الأغصان، بعد أن
قُمتُ من أريكة
الصباح، وتركتُ أوليفيا نائمةً عليها
…
سير توبي
(جانبًا)
:
النار والأحجار له!٨٨ ٥٠
فابيان
(جانبًا)
:
اسكت اسكت!
مالفوليو
:
وعندها أفعلُ ما يُمليه عليَّ مزاجي في هذه
المكانة! وبعد أن
أتفحَّص متعاليًا وُجوه من حولي قائلًا لهم
إنني أعرفُ مكانتي،
وإنني أرجو أن يعرفوا مكانتهم. أطلبُ
استدعاء قريبي توبي! ٥٥
سير توبي
(جانبًا)
:
الأصفاد والأغلال له!
فابيان
:
(جانبًا) اسكت اسكت اسكت! أرجوك الآن!
مالفوليو
:
وينطلقُ سبعةٌ من رجالي في طلبه طاعةً
لأمري، وريثما يأتي أظل
عابسًا وربما ملأتُ ساعتي، أو لهوتُ (وهو
يتحسَّس سلسلته الذهبية)
٨٩ ٦٠
بجوهرة ثمينة هنا! ويدخلُ توبي عليَّ وينحني
إجلالًا لي …
سير توبي
(جانبًا)
:
هل نترك هذا الرجل يحيا؟
فابيان
(جانبًا)
:
قد يكون الصمت عسيرًا٩٠ ولكني أرجو أن تسكت! ٦٥
مالفوليو
:
أمد يدي إليه هكذا، وقد كتمتُ بسمتي
المعتادة بنظرةٍ جادة تدل
على الأمر والنهي …
سير توبي
(جانبًا)
:
أفلا يلكمك توبي عندها في شفتَيك؟
مالفوليو
:
وأقول «يا ابن العم توبي، ما دامت الأقدارُ
قد زوَّجتني من بنت
أخيك، فإنها تمنحني حق مصارحتك في الحديث» …
٧٠
سير توبي
(جانبًا)
:
ماذا؟ ماذا؟
مالفوليو
:
«لا بد أن تكُف عن سُكرك!»
سير توبي
(جانبًا)
:
اخرس يا حقير!
فابيان
(جانبًا)
:
أرجوك اصبر حتى لا تُفسد خُطَّتنا.٩١ ٧٥
مالفوليو
:
«كما أنك تُهدرُ وقتك الثمين بمصاحبة فارسٍ أحمق»
…
سير أندرو
(جانبًا)
:
ذاك أنا، أُؤكِّد لكم!
مالفوليو
:
«رجل يُدعى سير أندرو.» ٨٠
سير أندرو
(جانبًا)
:
كنت واثقًا أنه يقصدني؛ فكثيرون يتهمونني
بالحمق.
مالفوليو
(يرى الخطاب)
:
ماذا تفعل هذه الورقة هنا؟
فابيان
(جانبًا)
:
اقترب ديكُ الغابة٩٢ الأبله من الفخ!
سير توبي
(جانبًا)
:
صمتًا! ليت عِفريت المزاج
٩٣ يدعُوه إلى قراءته بصوتٍ
مرتفع! ٨٥
مالفوليو
(وهو يلتقط الخطاب)
:
قسمًا بحياتي هذا خط صاحبتي؛ فهذه
حروفها الكبيرة حرف «سي» و«يو» و«تي»،
٩٤ وكذلك تكتب حرفي
«بي» الكبير. إنه خطها دون أدنى شك.
٩٠
سير أندرو
(جانبًا)
:
حروفي «سي» و«يو» و«تي»؟ لماذا؟
مالفوليو
(يقرأ)
:
«إلى الحبيب المجهول، هذه الرسالة، وأطيب
أمنياتي».
هذه عباراتُها نفسها. اسمح لي يا شمع الخاتم
أن أفُض الخطاب.
مهلًا! هذه صورةُ لوكريس
٩٥ المطبوعة في الشمع! إنه الخاتم
الذي
تستخدمه في ختم كل شيء! إنها صاحبتي! من يا
ترى المرسل ٩٥
إليه؟
(يفتح الخطاب.)
فابيان
(جانبًا)
:
سوف يظفر هذا به تمامًا، كبدًا وعقلًا!
مالفوليو
(يقرأ)
:
«الرب جوف عالمٌ بحُبي،
لكن من الذي غدا في القلب؟
حذارِ يا شفتاي من أن تنطقا، ١٠٠
لن يعرف الخبيء شخصٌ مُطلقًا».
لن يعرف الخبيء شخصٌ مُطلقًا! ماذا يجيء بعد
هذا؟ إن بحر
الشعر يتغيَّر! «لن يعرف الخبيء شخصٌ
مُطلقًا!» … لو كان
ذلك أنت يا مالفوليو!
سير توبي
(جانبًا)
:
قسمًا تستحق الشنق أيها الحيوان المنتن!٩٦ ١٠٥
مالفوليو
(يقرأ)
:
«لي أن آمُر من أهوى قسماته،
لكن الصمت هنا يُشبه خنجر لوكريس.
دون دماءٍ شقَّ القلب بطعناته.
إم. أو. آي. إيه. يتحكَّمُ في نفسي!»
فابيان
(جانبًا)
:
لُغزٌ طنَّان!
سير توبي
(جانبًا)
:
بل هي فتاةٌ رائعة في نظري.
مالفوليو
:
«إم. أو. آي. إيه
٩٧ يتحكَّم في نفسي» … لا بل أتأمَّل
ذلك أولًا،
فلأنظر في ذلك، فلأنظر في ذلك.
فابيان
(جانبًا)
:
ما أغرب الوجبة المسمومة التي أعدَّتْها له!
سير توبي
(جانبًا)
:
وأسرعَ انقضاض الصقر الحقير عليه!
٩٨ ١١٥
مالفوليو
:
لي أن آمر من أهوى قسماته.» عجبًا! إن لها
أن تأمرني؛ فأنا
أخدمها، وهي مولاتي. ذلك واضح لكل صاحب
استدلال
عادي. لا توجد في ذلك عقبة. والنهاية؟ ما
المقصود بهذه
الأحرف المتفرِّقة؟ ليتني أستطيع أن أجعل
ذلك ينطبق على بعض ١٢٠
ما عندي! مهلًا! «إم. أو إيه. آي.»
٩٩
سير توبي
(جانبًا)
:
أو. آي. نعم! فسِّرها بخيالك! إنه كالكلب
الذي فقد
رائحة الثعلب!
فابيان
(جانبًا)
:
الكلب «سوتر»
١٠٠ سوف ينبحُ على أية حال، ولو كانت
١٢٥
الرائحةُ قويةً مثل رائحة الثعلب.
مالفوليو
:
«إم» .. «إم» .. مالفوليو! «إم»! هذا أول حرف في
اسمي!
فابيان
(جانبًا)
:
ألم أقل إنه سوف يحل اللغز؟ الكلب ممتازٌ
عند ضعف ١٣٠
مالفوليو
:
«إم» .. ولكن الحروف التالية لا اتساق فيها.
هذا يقتضي بعض
الفحص. كان ينبغي أن تأتي إيه بعد «إم»،
ولكن «إيه» لا تأتي
بل يأتي «أو»!
فابيان
(جانبًا)
:
وآمل أن تكون النهاية على شكل
O .. أي
المشنقة!
سير توبي
(جانبًا)
:
أو أقوم بضربه حتى يصيح «أوه»!١٠٢
مالفوليو
:
وبعد ذلك يأتي حرف «آي».١٠٣ ١٣٥
فابيان
(جانبًا)
:
نعم. ولو كانت لك عينٌ
١٠٤ في قفاك، لشاهدت مصائب
تجري وراءك أكثر من الثروات التي تجري
خلفها!
مالفوليو
:
أم. أو. إيه. آي! هذا اللغز يختلف عن اللغز
السابق، ومع
ذلك، فإذا اجتهدت قليلًا استطعت حلَّه؛ إذ
إن كل حرفٍ من هذه ١٤٠
الحروف في اسمي. مهلًا! الآن يأتي
النثر:
(يقرأ) «إذا وقع هذا في يدك فتفكَّر فيه.
حكمَت طوالعي بأن أكون
أسمى منك منزلة، لكن لا تخفِ العَظمة؛
فالبعضُ يولدون
عظماء، والبعضُ يكتسبون العظمة، والبعض
تُفرضُ العظمةُ ١٤٥
عليهم فرضًا! أقدارُك تبسُطُ يدَيها لك،
١٠٥ فدع دمك وروحك
١٠٦
يعانقانها، وحتى تعتاد ما سوف تكونُه على
الأرجح، اخلع ثوب
تواضُعك واظهر بمظهرٍ قشيب. عارض أحد
الأقرباء، وكُن سليط
اللسان مع الخدم، ولتُجرِ على لسانك
١٠٧ عبارات رجال الدولة،
وتظاهر بأنك شاذ السلوك. هذا ما تنصحُك به
من تتنهَّدُ غرامًا ١٥٠
بك. وتذكَّر من امتدحَت جوربك الأصفر
وتمنَّت أن تراك وأنت
تلبَسُ رباط الساق الصليبي على الدوام.
أقولُ لك: تذكَّر! دعني
أؤكِّدُ لك أنك بلغت العُلا إن كنت تُريدُ
بلوغ العُلا! وإلا فلتظلَّ
١٠٨
حاجبًا في عيني، ورفيقًا للخدم، وغير جديرٍ
بأن تلمس أصابع ربة
الحظ. الوداع. من تلك التي تود أن تتبادل
مكانتها معك.»
التعسة المحظوظة
لا يرى المرء في ضوء الشمس وفي الخلاء
الفسيح بوضوح أكبر! هذا ١٦٠
كلام صريح!
١٠٩ سوف أتكبَّر، وأقرأ كتابات أهل
السياسة، وأُصعِّرُ
خدِّي للسير توبي، وأتخلَّصُ من معارفي
البسطاء؛ حتى أُصبح تمامًا
الرجل الموصوف في الخطاب. لا أخادعُ الآن
نفسي حتى يُلقيني ١٦٥
حصانُ الخَيَال عن ظهره! لا! فكل الدلائل
تقطعُ بذلك؛ أي بأن
مولاتي تُحبني. لقد سبق أن امتدحت جوربي
الأصفر منذُ عهدٍ
قريب، وامتدحت رباط الساق الصليبي، وبذلك
كشفت عن حُبها
لي، وتكادُ تأمرني بأن أرتدي الملابس التي
تُحبها. أشكُر حسن ١٧٠
طالعي على هذه السعادة. سأكونُ مُترفِّعًا
عَزوفًا مزهوًّا، بجوربي
الأصفر، ورباط الساق الصليبي، والأفضلُ أن
أُبادر بارتداء هذا
وذاك. أشكرُ الرب جوف وطوالعي! للخطاب
تذييل. ماذا يقول؟
(يقرأ) «لا خيرة لك في أن تعرف من أنا. فإذا
قبلتَ غرامي فعبِّر عن
ذلك بابتسامك؛ فالبسماتُ تُناسبُك تمامًا.
وهكذا عليك أن تبتسم» ١٧٥
دائمًا في وجودي، يا حبيبي الغالي، أرجوك.
شكرًا لك جوف.
سوف أبتسم. وسوف أفعل كل ما طلبَت مني أن
أفعله.
(يخرج مالفوليو.)
فابيان
:
لا أقبلُ التخلي عن مشاهدة أي جزء من هذه
الملهاة مقابل معاشٍ ١٨٠
يبلغ الآلاف من أموال شاه الفُرس.
١١٠
سير توبي
:
قد تدفعني هذه الحيلةُ إلى الزواج من الفتاة!
سير أندرو
:
وأنا كذلك.
سير توبي
:
دون أن أطلب مهرًا آخر غير ملهاةٍ جديدة! ١٨٥
(تدخل ماريا.)
سير أندرو
:
وأنا كذلك.
فابيان
:
ها قد أتت صائدةُ المُغفَّلين الرائعة!
سير توبي
:
هل تسمحين بوضع قدمك على رقبتي؟
سير أندرو
:
أو رقبتي أنا؟
سير توبي
:
هل أراهن بحريتي في شوط من لعب النرد لأخسر وأُصبح
عبدك؟ ١٩٠
سير أندرو
:
وأنا أيضًا؟
سير توبي
:
عجبًا! لقد أدخلتِه حُلمًا قاسيًا، حتى إذا
أفاق من أوهامه جُنَّ
جُنونه.
ماريا
:
كلا، لكن اصدقني القول .. هل نجح تدبيري؟ ١٩٥
سير توبي
:
نجاح ماء الحياة١١١ مع الداية!
ماريا
:
إن كنتم تريدون مشاهدة ثمار «المقلب» حقًّا،
فعليكم أن ترقبوا
أول دخول له على مولاتي. سوف يكون مرتديًا
جوربًا أصفر،
وهو لون تمقته، ورباط ساقٍ صليبي، وهو موضة
تبغضها، وسوف
يبتسم لها، وهو ما لا يلائم مزاجها الآن على
الإطلاق، ما دامت ٢٠٠
في فترة الحداد، إلى الحد الذي يدفعها إلى
احتقاره احتقارًا شديدًا.
وإن أردتم مشاهدة ذلك فتعالَوا معي.
سير توبي
:
إلى باب الجحيم١١٢ يا أمهر شياطين المكر والدهاء! ٢٠٥
سير أندرو
:
وأنا أيضًا.
(يخرج الجميع.)