المشهد الأول
(تدخل فيولا مع المهرِّج وهو يعزف الناي
ويضرب الطبل.)
١
فيولا
:
حفظك الله يا صاحبي وحفظ موسيقاك! هل تعيش بضرب
الطبل؟
المهرج
:
لا يا سيدي٢ بل أعيش بدرب الكنيسة!٣
فيولا
:
فهل أنت من رجال الكنيسة!
المهرج
:
لا يا سيدي! لكنني أعيش بدرب الكنيسة؛ فأنا
أُقيم في منزلي، ٥
ومنزلي يقع في درب الكنيسة.
فيولا
:
إذن لك أن تقول إن الملك يقيم بدرب الشحاذ
إذا كان الشحاذ يقيم
بالقرب منه، أو إن الكنيسة تعيش على طبلك
إذا كان طبلك يقع
بالقرب من الكنيسة؟ ١٠
المهرج
:
تمامًا يا سيدي. وانظر إلى عصرنا الحالي!
أصبح التعبير يشبه القفاز
اللَّين في يد القريحة اللماحة .. ما أسرع
ما تقلبه فتظهر باطنه الخشن!
فيولا
:
حقًّا! ذاك مؤكَّد. فإن من يتمتَّعُ
باللماحية في استعمال الألفاظ
يستطيع بسرعة إضفاء الغموض عليها فتفسد!
١٥
المهرج
:
ولذلك أتمنَّى لو لم يكن لأختي اسم يا سيدي.
فيولا
:
لماذا يا رجل؟
المهرج
:
لأن الاسم لفظ طبعًا، واللماحية في استعمال
ذلك اللفظ قد تُفسد
أُختي! ولكن، بجدٍّ يا سيدي، الألفاظ أوغاد
بالتأكيد، ما دامت ٢٠
فيولا
:
والسبب يا رجل؟
المهرج
:
الحق يا سيدي أنني لا أستطيع تقديم سبب دون
ألفاظ، وقد غدت
الألفاظ كاذبةً زائفة إلى الحد الذي أصبحتُ
أكره تقديم أسباب بها. ٢٥
فيولا
:
لا شك أنك رجل مرح، ولا يوجد ما تكترث له.
المهرج
:
لا يا سيدي! بل يوجد ما أكترث له. ولكني في
أعماقي لا أكترث
لك. فإذا كان ذلك يعني عدم وجود ما أكترث
له، فأتمنَّى أن يجعلك
ذلك غير مرئي! ٣٠
فيولا
:
ألست مهرِّج الليدي أوليفيا؟
المهرج
:
لا بالحق يا سيدي. فلم ترتكب الليدي أوليفيا
بعدُ مثل هذه الحماقة،
ولن يكون لديها مهرِّج حتى تتزوَّج،
والمهرِّجون يشبهون الأزواج
٥
مثلما يشبه السردين أسماك الرنجة؛ أي إن
الأزواج أكبر حجمًا! لست ٣٥
حقًّا مهرِّج الليدي بل أنا أُفسد ألفاظها
وحسب.
فيولا
:
شاهدتُك أخيرًا لدى الدوق أورسينو.
المهرج
:
التهريج يدور حول الأرض يا سيدي مثل الشمس؛
فهو يسطع في كل
مكان. ويحزنني ألَّا يلازم سيدي بقدرٍ ما
يلازم سيدتي! وأظن أنني ٤٠
شاهدتُك يا صاحب الحكمة هناك.
فيولا
:
لا! إذا تحوَّلت بهجومك إليَّ فلن أواصل
الحديث معك. خذ هذه
لتغطية نفقاتك.
(تعطيه قطعة نقود.)
المهرج
:
أدعو الرب جوف،
٦ عندما يُرسلُ في المرة القادمة
شِحنةً من الشعر، ٤٥
أن يمنحك لحية!
فيولا
:
الحق أنني — وصدِّقني — أكاد أذوبُ شوقًا
لِلحيةٍ ما. (جانبًا) ولو
أنني لا أرجو نمو الشعر في ذقني. هل مولاتُك
في المنزل؟
المهرج
:
هل يستطيع هذا الدرهمُ إنجاب الأطفال إذا تزوَّج
قطعة نقودٍ أخرى؟٧ ٥٠
فيولا
:
نعم إذا عاشا معًا وانتفع الناسُ بهما!
المهرج
:
إذن أريدُ أن أقوم بدور بانداروس
٨ «الفريجي» وأجمع بين
المحبوبة
كريسيدا وبين طرويلوس .. هذا الدرهم
العاشق!
فيولا
:
أُدرِكُ ما تعني! لقد أحسنت السؤال!
(تُعطيه قطعة نقود أخرى.)
المهرج
:
أرجو ألَّا تبالغ في أهمية الأمر؛ فلم أسأل
إلا سائلًا، بل أصبحَت ٥٥
كريسيدا نفسها سائلة! نعم يا سيدي. مولاتي
في المنزل، وسوف
أُبلغُ من في المنزل من أين أتيت، أمَّا من
أنت وما تريد فأمور خارج
سمائي،
٩ وكان يمكن أن أقول خارج «مجالي»،
ولكن الكلمة أصبحت
بالية.
(يخرج المهرِّج.) ٦٠
فيولا
:
هذا لديه من سداد العقل ما يكفي التظاهُر
بالبله
وحِذق ذلك الدور العسير يقتضي
اللماحية،
فإنه لا بد أن يُراعي حالة الذي يهجوُه أو
مزاجه
وطبعُه الشخصي بل واللحظة المُناسبة
كالصقر لا ينقَض إلا
١٠ عند رُؤية الفريسة المطلوبة،
٦٥
وذاك جهدٌ مرهِق كجهد كل جادٍّ عاقل!
تصنُّعُ البلَّاهة الذي يمتازُ بالإحكام
يقتضي الذكاء،
أمَّا سُقوطُ عاقلٍ في هُوة السفه .. فذا
بعينه الغباء.
(يدخل السير توبي والسير أندرو.)
١١
سير توبي
:
حفظك الله يا أستاذ. ٧٠
فيولا
:
وأنت سيدي.
سير أندرو
(بالفرنسية)
:
رعاك الله سيدي.
فيولا
(بالفرنسية)
:
وأنت سيدي. في خدمتكم!
سير أندرو
:
أتمنَّى ذلك يا سيدي، وأنا في الخدمة أيضًا!١٢
سير توبي
(بلغة مُتصنَّعة)
:
هل تُلاقي المنزل؟ بنت أخي راغبة في دخولك،
إن ٧٥
فيولا
(تحاكي تصنُّعه)
:
مرامي ابنةُ أخيك سيدي! أقصدُ أنها أقصى
تخوم
رحلتي!
سير توبي
(بالتصنُّع نفسه)
:
امتحن ساقَيك إذن .. حرِّكهُما!
فيولا
:
ساقاي تفهمان قصدي يا سيدي أفضل من فهمي ما
تقصد حين ٨٠
تطلب مني أن أمتحنها!
سير توبي
:
أقصد أن تذهب، يا سيدي، أن تدخل.
فيولا
:
سأُجيبك بالذهاب والدخول. ولكنها سبقتنا إلى
المجيء! ها هي
ذي! ٨٥
(تدخل أوليفيا وماريا.)
يا امرأةً اجتمعت فيها أقصى المناقب
والمحاسن! فلتمطر السماء الشذا
والأريج عليك!
سير أندرو
(جانبًا)
:
هذا الشاب يتحدَّث لغة رجال البلاط المنمقة:
«تمطر الشذا
فيولا
(بلغة متصنَّعة)
:
لن «ينطق» ما جئتُ بشأنه أيتها السيدة إلا
لأُذُنك ٩٠
أنت، المهيَّأة للتقبُّل، المعربة عن الرضا.
١٥
سير أندرو
(جانبًا)
:
«الشذا والأريج»، «المهيَّأة للتقبُّل»،
«المعربة عن
الرضا»! سوف أحفظ هذه التعبيرات الثلاثة كي
أستعملها إذا دعت
الحاجة!
أوليفيا
:
فليغلق باب الحديقة واتركوني أستمع لِمَا
يقول. ٩٥
(يخرج سير توبي وسير أندرو وماريا.)
فيولا
:
ذاك واجبي يا مولاتي .. أن أخدمك بكل تواضع!
أوليفيا
:
ما اسمك؟
فيولا
:
سيزاريو اسم خادمك، أيتها الأميرة الجميلة.
أوليفيا
:
هل قلت خادمي يا سيدي؟ قد غابت البهجةُ عن
دنيانا ١٠٠
من يوم أن حلَّ اصطناع ذلك التواضُع .. باسم
الأدب!
بل أنت خادمٌ يا أيها الفتى للدوق
أورسينو.
فيولا
:
والدوقُ خادمُك. وخادمُه .. لا بد أن يكون
خادمك!
أي إن خادم خادمك .. هو خادمُك .. مولاتي!
١٧
أوليفيا
:
أنا لا أشغلُ بالي بالدوق وأرجو ألَّا يشغل
بي باله، ١٠٥
بل أن يُصبح حُرًّا وخليَّ البال.
فيولا
:
مولاتي .. جئتُ لأشحذ بالك حتى ينشغل به عطفًا
وحنانًا!
أوليفيا
:
اسمح لي أرجوك! قد كنتُ طلبتُ إليك
بألَّا
ترجع لتُحادثني أبدًا عنه،
أمَّا إن كنت على استعدادٍ للسعي بمسعًى
آخر،
فأنا بالحق أفضِّلُ أن أستمع إليك على
١١٠
أن أستمع لموسيقى الأفلاك.
١٨
فيولا
:
مولاتي الغالية …
أوليفيا
:
أرجوك اسمح لي أن اتكلَّم! كنتُ بُعيد لقائي
معك هنا
آخر مرة .. أرسلتُ إليك مع المرسال بخاتم
..
وبذلك كنتُ أُسيء لنفسي، وخدعتُ الخادم
١١٥
بل أخشى أني أخطأتُ كذلك في حقِّك.
ولذلك لا بد بأن تقسو في تفسيرك أو في
حُكمك،
ما دُمتُ فرضتُ عليك بمكرٍ مُستهجَن
شيئًا تعرفُ أنك لا تملكُه. ما ظنك بي في
هذي الحال؟
أفلم تجعل شرفي مربوطًا في وتدٍ كالدب،
١٩ ١٢٠
تحيطُ به كل الأفكار الشرسة تنبحُه أو
تنهشُه
وقد انطلقت من قلبٍ قاسٍ في صدرك؟
إنك ذُو ذهنٍ لمَّاح، ولعلَّك أدركت
الواقع؛
ففُؤادي لا يحجبُه صدر، بل لا يكسُوه غيرُ
لثامٍ شفاف.
وإذن دعني أسمع ردك.
فيولا
:
أشعر بالإشفاق عليك.
أوليفيا
:
ذلك من خطوات الحب. ١٢٥
فيولا
:
لا ليس بخُطوة!
٢٠ فالعالمُ يعرفُ أنَّا
ما أكثر ما نشعُر بالإشفاق على
الأعداء.
أوليفيا
:
ذاك يُعيدُ البسمة في ظني لشفاهي الآن.
٢١
ما أحرى المحروم بأن يشعر بالعزة
والفخر!
إن كان من المحتوم على المرء بأن يُفترس
ويُؤكل،
فالأفضلُ أن يأكله ليثٌ لا ذئب!
٢٢ ١٣٠
(تدق الساعة.)
في دقات الساعة تأنيبٌ لي؛ إذ أُهدرُ
وقتي.
لا تدع الخوف يُساورُك هنا يا أكرم شاب، لن
أحظى بك،
٢٣
أمَّا إن حان حصادُ شباب العُمر ووقدة
ذهنه،
فالأرجحُ أن تجني زوجتُك غدًا رجُل وسامة.
١٣٥
قد حان رحيلُك. أبحر بسفينتك تجاه
الغرب.
فيولا
:
إلى الغرب أمضي!
٢٤ ألَا فليباركك ربي فيهدأ
جنانُك.
ألستِ تودِّين إبلاغ مولاي أي رسالة؟
٢٥
أوليفيا
:
اصبر! أرجو أن تُخبرني ما ظنك بي. ١٤٠
فيولا
:
ظني أنكِ تعتقدين بأنك ما لست عليه.٢٦
أوليفيا
:
إن كان الأمرُ كذلك فأنا أعتقدُ بأنكَ ما لستَ عليه.٢٧
فيولا
:
في هذا أنت على حق؛ فأنا حقًّا ما لستُ عليه.٢٨
أوليفيا
:
يا ليت أنكَ الذي أرجوه أن يكون!٢٩
فيولا
:
وهل يكونُ ذاك خيرًا من كِياني الآن يا مولاتي؟
٣٠ ١٤٥
يا ليته يكون؛ فإنني أُحس أنني أضحوكةٌ
لديكِ الآن!
أوليفيا
(جانبًا)
:
آهٍ كم يزدادُ جمالًا في إعراضه.
حتى في ذاك الصد وزمِّ الشفتَين!
٣١
ما أسرع ما انكشف الحب وإن كان خفيًّا
فانفضحا
أسرع من إفصاح القاتل عن ذنبٍ نضحا،
٣٢
فالحب ولو في جُنح الليل ضياءُ ضُحًى
وضَحَا! ١٥٠
يا سيزاريو! قسمًا بربيع الورد وبالعفَّة
والشرف وبالحق الصادق،
بل قسمًا بالدنيا إني أهواك هوًى
فائقًا!
لا يقدرُ أن يُخفي، رغم صُدودك، حُبي
المشبوب الآن
عقلٌ أو أي ذكاءٍ وقاد في طَوق
الإنسان.
لا تُقم الحجة في هذي الحال على أني
١٥٥
ما دمتُ أنا أطلُبُك عليك بأن
تُنكرني؛
فالحجةُ تنقُضُها حُجتي الصائبةُ
المرمى.
الحب المنشودُ جميلٌ لكن الممنوح لنا
أسمى.
فيولا
:
إني لأقسمُ بالبراءة والشباب بأنَّ قلبي
واحد،
وبأن صدري واحد، وبأن ما أحكيه حق أوحد
١٦٠
وبأن ذلك ليس تملكُه امرأة .. مهما
تكُن،
ولن يكون إلا لي أنا .. على مر
الزمن.
هذا إذن وقتُ الوداع حان الآن يا مولاتي
الأمينة،
ولن أعود كي أُشير للدموع في عُيون مولاي
الحزينة،
أوليفيا
:
لكن عُد فلقد تنجحُ في إحلال الحب
١٦٥
بمحل نُفورك يومًا ما داخل ذاك
القلب.
(يخرجان.)
المشهد الثاني
(يدخل سير توبي، وسير أندرو وفابيان.)
٣٣
سير أندرو
:
كلا! قسمًا لن أمكث لحظةً أخرى.
سير توبي
:
والسببُ يا من تُقدِّم السم الزعاف؟ ما
السبب؟
فابيان
:
لا بد أن تقدِّم لنا سببك يا سير أندرو.
سير أندرو
:
والله لقد شاهدتُ ابنة أخيك تفيضُ بالعطف
على خادم الدوق ٥
بأكثر ممَّا أولتني إياه من العطف حتى الآن.
شهدتُ ذلك في
الحديقة.
سير توبي
:
وهل رأتك في تلك الأثناء يا صديقي؟ أجب!
سير أندرو
:
رأتني بوضوحٍ كما أراكُما الآن.
فابيان
:
ذلك برهانٌ قاطع على حبها لك. ١٠
سير أندرو
:
هراء! فهل تظنني حمارًا؟
فابيان
:
سأثبتُ لك أنه برهانٌ قانوني، وسوف يحلفُ
على صدق ذلك
القياسُ الصائب والحُكم المنطقي.
٣٤
سير توبي
:
وهما من أعضاء هيئة المحلَّفين الكبرى من
قبل أن يصبح نوحٌ
ملَّاحًا! ١٥
فابيان
:
لقد تعمَّدت أن تُبدي العطف على الشاب، على
مرأًى منك؛ حتى
تغيظك، حتى توقظ شجاعتك من بياتها الشتوي،
٣٥ حتى تُشعل النار
في قلبك، وتُلهب كبدك. وكان عليك عندها أن
تتقدَّم منها، وتقدِّم
لها بعض الفكاهات الممتازة الجديدة، كأنها
العملةُ التي خرجت
لتوها من فُرن سَك النقود، وكان عليك أن
تُفحم الشاب وتُخرس ٢٠
لسانه. ذلك ما كانت تتوقَّعُه منك، وذلك ما
تحاشَيته، وهكذا
سمحت للزمن بأن يُزيل الطِّلاء الذهبي المزدوج
٣٦ عن تلك الفرصة،
فأصبحت ملاحًا تجوبُ أصقاع الشمال الباردة
في نظر مولاتي،
وسوف تظل مُعلَّقًا مثل قطعة الجليد على
لحية بحارٍ هولندي، إلا إذا
استطعت علاج الموقف، فقمت بعملٍ رائع، يقومُ
على الشجاعة أو ٢٥
التدبير المحكم الذي يُجيدُه أهلُ
السياسة.
سير أندرو
:
إن كان ذلك محتومًا فأختارُ الشجاعة؛ لأنني
أكره السياسية،
والتزمت في الدين مثلما يفعل أتباعُ براون
٣٧ أهونُ عليَّ من ممارسة
السياسة. ٣٠
سير توبي
:
وإذن عليك أن تُقيم النجاح على أساس
الشجاعة؛ عليك بتحدي
الشاب خادم الدوق حتى يبارزك، واجرحهُ في
أحد عشر موقعًا في
جسده! وعندها سوف تبهر ابنة أخي! وتأكَّد أن
أنباء الشجاعة خير ٣٥
من يتوسَّط في الحب للرجل لدى
المرأة!
فابيان
:
ليس أمامك سوى هذه الوسيلة يا سير أندرو!
سير أندرو
:
هل يقبل أحدكما أن يحمل رسالة التحدي مني
إليه؟
سير توبي
:
امضِ إذن واكتُبها بخطٍّ يشبه خطَّ الجندي،
٣٨ ولتكن شديدة اللهجة ٤٠
وموجزة، وليس من المهم أن تكون بارعة
اللماحية ما دامت بليغةً
وغاصة بالتهم الملفَّقة!
٣٩ اجرح مشاعره بقدر ما يسمح لك
القلم، ولن
يضيرك أن تخاطبه بضمير المفرد احتقارًا ثلاث
مرات، واتهمه
بالكذب عليك، وضع أكبر قدر من الأكاذيب تتسع
له الورقة، ولو
كانت ضخمةً مثل السرير الكبير الفسيح!
٤٠ هيا! لا تُهدر الوقت! ٤٥
وليكن حبر
٤١ قلمك مفعمًا بمرارة الصفراء، وإن
كنت تكتب بريشة
سير أندرو
:
وأين أجدكما؟
سير توبي
:
سنأتي إليك في غرفة نومك.٤٣ اذهب الآن. هيًّا. ٥٠
(يخرج سير أندرو.)
فابيان
:
كم تحب أن تلهو بهذه الدمية الغالية لديك٤٤ يا سير توبي!
سير توبي
:
وأنا غالٍ لديه يا صديقي أيضًا! إذ كلَّفتُه ما يقرب
من ألفَي دينار!
فابيان
:
سوف نحصل على خطاب عجيب منه! لكنك لن تسلِّمه
للغلام؟ ٥٥
سير توبي
:
لا تخَف من هذه الناحية،
٤٥ وسوف أحث الشاب على الرد عليه.
لا
أعتقد أننا يمكن أن نجمع بين هذَين معًا ولو
بالحبال في عربات
٤٦
تجرها الثيران. أمَّا أندرو، فإنك إن شققت
بطنه ووجدت في كبده
دمًا
٤٧ يكفي لتعويق رجل برغوث، فسوف آكل
باقي الجسم! ٦٠
فابيان
:
وغريمه الشاب لا يحمل وجهُه دلائل كبيرةً على
القسوة!
(تدخل ماريا.)
سير توبي
:
ها قد أتت أصغر الأخوات التسع٤٨ لطائر النُّمنُمة!
ماريا
:
إن كنتما تريدان الضحك الشديد، والقهقهة حتى
تنفجر الأشداق ٦٥
فاتبعاني! فهناك استحال المغفَّل مالفوليو
إلى وثني، وتنكَّر لإيمانه
حقًّا؛ فإن من المحال على مسيحي يرجو الخلاص
أن يصدِّق ما
صدَّقه من أقوال شاذة مستحيلة. لقد ارتدى
الجورب الطويل الأصفر!
سير توبي
:
ورباط الساق الصليبي؟ ٧٠
ماريا
:
بأبشع صورة ممكنة. كأنه متحذلق
٤٩ لم يجد تلاميذ فأخذ يلقي
دروسه
في الكنيسة! ولقد سِرتُ في أثره كأنني
أُطارد قاتلًا. والحق أنه أطاع
كل ما ذكرته في الخطاب الذي ألقيتُه لأفضحه.
ولقد ارتسمت في
وجهه الغضونُ من شدة الابتسام أكثر من
الخطوط الواردة في الخريطة ٧٥
الجديدة للعالم، بعد إضافة خطوط العرض إلى الهند.
٥٠ لم تشاهدا
في حياتكما شيئًا يضارع هذا! إني لا أكاد
أمنع نفسي من قذفه
ببعض الأشياء. وأعرف أن مولاتي سوف تضربه،
٥١ فإذا فعلت فسوف
يبتسم، ويظن أن ذلك تعطُّفٌ كبيرٌ منها.
٨٠
سير توبي
:
هيا خذينا إليه … خذينا إليه.
(يخرج الجميع.)
المشهد الرابع
أوليفيا
(جانبًا)٥٧
:
أرسلتُ أطلبُ الحضور منه .. فإن أتى
فما الوليمةُ التي تليقُ به؟ وما الذي
أُهديه له؟
فالأغلبُ ابتياعُ الشاب لا استجداؤُه أو استعارتُه.
٥٨
وأين مالفوليو؟ فإنه لعاقلٌ رزين،
٦٠ ٥
وأفضلُ الذين يخدمون من غدت بمثل حالتي.
٦١
أقولُ أين مالفوليو؟
ماريا
:
قادم يا مولاتي، ولكنه في حالٍ بالغة
الغرابة. ولا بد أن عفريتًا يسكنه
يا مولاتي.
أوليفيا
:
عجبًا ما الأمر؟ هل يهذي؟ ١٠
ماريا
:
لا يا مولاتي. لا يفعل شيئًا إلا أن يبتسم
وحسب. والأفضل لك
يا صاحبة العصمة أن تجعلي بعض الحرس يحيطون
بك إذا أتى،
فلا شك أن بعقل الرجل مسًّا من
الخبَل.
أوليفيا
:
امضي واستدعيه!
(تخرج ماريا.)
إن كان جنونُ الفرح يماثلُ خبل الأحزان،
١٥
فبعقلي خبلٌ حقٌّ من شدة أشجاني.
(يدخل مالفوليو مع ماريا.)
كيف حالك يا مالفوليو؟
مالفوليو
:
مرحى مولاتي الحلوةُ مرحى!
أوليفيا
:
هل تبتسم؟ إني أرسلتُ أستدعيك في أمرٍ جاد.
مالفوليو
:
جاد يا مولاتي؟ يمكنني أن أتجهَّم قطعًا؛
فرباط الساق الصليبي يعوق ٢٠
الدورة الدموية بعض الشيء. ولكن ذلك غير
مهم، ما دام ذلك يحلو
في عين شخص معيَّن. وينطبق عليَّ ما تقوله
السونيتة الصادقة
٦٢ «إنْ
سرَّ ذاك شخصًا واحدًا فإنه يسر كل
الناس.»
أوليفيا
:
عجبًا .. ما حالك يا رجل؟ ماذا أصابك؟ ٢٥
مالفوليو
:
لم تُصب السوداء عقلي، وإن اكتسى ساقاي
باللون الأصفر!
٦٣ لقد وقع
الخطاب في يدي، ولا بد من تنفيذ الأوامر.
وأعتقد أننا نعرف الخط
المائل
٦٤ الجميل حق المعرفة.
أوليفيا
:
الأفضل أن تأوي إلى الفراش يا مالفوليو! ٣٠
مالفوليو
:
إلى الفراش؟ حقًّا يا حبيبتي وسوف آتي إليك.
٦٥
أوليفيا
:
فليرحمك الله! لِمَ تبتسمُ هذه البسمات وتقبِّل يدك
بهذا الأسلوب؟
ماريا
:
كيف حالك يا مالفوليو؟
مالفوليو
:
هل تسألينني؟٦٦ نعم! أصبحَت البلابلُ تُجيب الغربان!
٣٥
ماريا
:
لماذا تظهر بهذه الجرأة المزرية أمام مولاتي؟
مالفوليو
:
«لا تخفِ العظمة»، تعبير رائع.
أوليفيا
:
ماذا تعني بذاك يا مالفوليو؟
مالفوليو
:
«البعض يولدون عظماء» … ٤٠
أوليفيا
:
ماذا؟
مالفوليو
:
«والبعض يكتسبون العظمة» …
أوليفيا
:
ماذا تقول؟
مالفوليو
:
«والبعض تُفرَضُ العظمة عليهم فرضًا.»
أوليفيا
:
ردَّ اللهُ لك عقلك! ٤٥
مالفوليو
:
«وتذكَّر من امتدحَت جوربك الأصفر» …
أوليفيو
:
جوربك الأصفر؟
مالفوليو
:
«وتمنَّت أن تراك وأنت تلبس رباط الساق
الصليبي.»
أوليفيا
:
رباط الساق الصليبي؟ ٥٠
مالفوليو
:
«دعني أؤكِّد لك أنك بلغت العلا إن كنت تريد بلوغ
العلا» …
أوليفيا
:
هل بلغت أنا العلا؟
مالفوليو
:
وإلا فلتظلَّ في عينَي حاجبًا.
أوليفيا
:
لا لا! هذا خبَل الصيف إذا انتصف٦٧ بعينه! ٥٥
(يدخل خادم.)
الخادم
:
مولاتي! عاد السيد الشاب الذي أرسله الدوق
أورسينو، وعجزت عن
إقناعه بالعودة من حيث أتى. وهو في انتظار
ما تأمر به مولاتي.
أوليفيا
:
سأذهب إليه أنا (يخرج الخادم). يا ماريا
الكريمة. فليعتنِ أحدكم
بهذا الرجل. أين ابنُ العم توبي؟ فليرعه
بعضُ أتباعي رعايةً خاصة؛ ٦٠
فلا أريد أن يصاب بأذًى ولو فقدتُ نصف
مهري.
(تخرج أوليفيا وماريا من بابَين
مختلفَين.)
مالفوليو
(وحده على المسرح)
:
ها ها! هل بدأت تفهمينني الآن؟ لم
تجدي
رجلًا أسوأ من سير توبي كي يرعاني؟ هذا يتفق
بدقة مع ما جاء في
الخطاب؛ إذ ترسله عمدًا حتى أُظهر الشدة
معه، فذاك ما تحثني عليه ٦٥
في الخطاب إذ تقول: «اخلع ثوب تواضعك.»
وتقول: «عارض أحد
الأقرباء، وكن سليط اللسان مع الخدم،
ولتُجرِ على لسانك عبارات ٧٠
رجال الدولة، وتظاهر بأنك شاذ السلوك.» وهي
تحدِّد بعد ذلك
أسلوب ذلك، مثل اصطناع جهامة الوجه، ورزانة
الحركة، وبطء
التفوُّه بالألفاظ، كما هو شأن كل «فارسٍ
مُعلَم»، وهلم جرًّا. لقد
اصطدت ذلك الطائر، ولكن ذلك من صُنع الرب
جوف، فاجعلني
يا جوف حامدًا شاكرًا! كما إنها قالت الآن
لتوها قبل ذهابها: ٧٥
«فليعتن أحدكم بهذا الرجل.» قالت «الرجل»
ولم تقل مالفوليو؛
أي لم تراعِ موقعي الاجتماعي بل اعتبرتني
«رجلًا»! حقًّا! إن كل
هذه الدلائل تبدو متسقة بحيث لا أجد عائقًا
خلقيًّا واحدًا، لا بل
ولا خردلةً
٦٨ من أي عائق خلقي، ولا عقبة، ولا
أدنى ظاهرة تثير
الشك أو تنذر بالحظر — ماذا عساي أن أقول؟ —
لا شيء يمكنه أن ٨٠
يحول بيني وبين الآفاق الكاملة لآمالي.
والحق أن جوف، لا أنا،
هو الذي فعل هذا، وله الحمد والشكر!
(يدخل سير توبي وفابيان
وماريا.)
سير توبي
:
أين ذهب باسم الرب؟ لسوف أحادثُه حتى لو
اجتمعت في جسمه ٨٥
كل شياطين جهنم، وكان الذي يسكنُه جيش
عفاريت لا عفريت
واحد!
فابيان
:
ها هو ذا، ها هو ذا! كيف حالك يا سيدي؟ كيف حالك يا
رجل؟
مالفوليو
:
ابتعدوا عني! إني ألفظكم! ودعوني أتمتَّع بخلوتي!
انصرفوا! ٩٠
ماريا
:
انظروا كم يفصح العفريت الذي يسكنه عن
خوائه! ألم أقل لكم؟
سير توبي! إن مولاتي ترجوك أن ترعاه.
مالفوليو
(جانبًا)
:
آها! هل ترجو ذلك حقًّا؟ ٩٥
سير توبي
:
انفضوا! انفضوا! اسكتوا جميعًا! لا بد أن
نعامله برفق. دعوه لي.
كيف حالك يا مالفوليو؟ ماذا حدث لك؟ عجبًا
لك أيها الرجل! لا
تستمع إلى الشيطان! واذكر أنه عدو
الإنسان.
مالفوليو
:
هل تعرف ما تقول؟ ١٠٠
ماريا
:
انظروا كيف يفزع حين تشتمون الشيطان! أدعو
الله ألَّا يكون قد
فابيان
:
اجعلوا «الحكيمة» تكشف عن السحر في بوله.٧٠
ماريا
:
قسمًا لا بد من ذلك في صباح الغد، إن عشت
إلى الغد! فمولاتي
لا تريد أن تفقده
٧١ مهما كلَّفها الأمر! ١٠٥
مالفوليو
:
ماذا بك يا امرأة؟
ماريا
:
يا إلهي!
سير توبي
:
أرجوك أن تسكتي أنت؛ فليس هذا هو أسلوب
العلاج. ألَا ترين
أنك تثيرينه؟ دعوني وحدي معه. ١١٠
فابيان
:
ليس أمامنا إلا التلطُّف، فتلطَّفوا
وتلطَّفوا؛ فالعفريت فظٌّ غليظ،
ويجب ألَّا نعامله بفظاظة.
سير توبي
:
إذن كيف حالك أيها الديك الزاهي؟٧٢ كيف حالك أيها الكتكوت؟ ١١٥
مالفوليو
:
سيدي!
سير توبي
:
نعم يا «حبيبي» تعالَ معي! لا يصح لمن في
وقارك أيها الرجل أن
يلهو لهو الصبيان
٧٣ مع إبليس. فليشنق ذلك الفحَّامُ الخبيث!
٧٤
ماريا
:
اجعله يصلِّي يا سير توبي الأكرم! اجعله يصلِّي!
١٢٠
مالفوليو
:
أن أصلِّي أيتها البذيئة؟!
ماريا
:
لا، وأؤكِّد لكم، لن يقبل أي قدر من التقوى.
مالفوليو
:
اشنقوا أنفسكم كلكم! يا لغبائكم وضحالتكم!
لست أنا من طبقتكم،
٧٥
وسوف تعرفون المزيد فيما بعد. ١٢٥
(يخرج مالفوليو.)
سير توبي
:
هل هذا ممكن؟
فابيان
:
لو كان ذلك يحدث على خشبة مسرح الآن،
لأنكرتُه باعتباره
خيالات خرافية.
سير توبي
:
لقد سرَت عدوى الحيلة في روحه٧٦ ذاتها. ١٣٠
ماريا
:
لا! بل تابعوه الآن حتى لا يذيع خبر الحيلة
فتفسد.
فابيان
:
قطعًا .. لسوف نُصيبُه بالجنون الحق.
ماريا
:
فيزداد هدوء المنزل. ١٣٥
سير توبي
:
تعالَوا نُقيِّده ونحبسه في غرفةٍ مظلمة؛
فبنت أخي تعتقد فعلًا أنه
مجنون،
٧٧ ومن ثم فلنا أن نسايرها في هذا
الاعتقاد بتنفيذ ذلك؛ فهو
يحقِّق لنا المتعة، ويُكفِّرُ له عن ذنوبه.
فإذا «تقطَّعت أنفاس» ملهاتنا
إرهاقًا،
٧٨ فربما دفعتنا إلى أن نرحمه!
وعندها نُذيعُ سر المكيدة حتى ١٤٠
يحكم الجمهور عليها،
٧٩ وربما يتوِّجُك الجمهور بتاج
مُكتشفة المجانين.
ولكن انظروا! انظروا!
(يدخل سير أندرو.)
فابيان
:
سيزيد اللهو حتى يناسب عيد الربيع!
سير أندرو
:
هذا خطاب التحدي، فاقرءوه! أؤكِّد لكم أن فيه الخل
والفُلفل. ١٤٥
فابيان
:
أهو لاذعُ المذاق؟٨٠
سير أندرو
:
قطعًا وبلا شك. ما عليك إلا أن تقرأ.
سير توبي
:
أعطني إياه. (يقرأ) «أيها اليافع، مهما تكن
مكانتك، فلست ١٥٠
غير حقير.»
فابيان
:
هذا جميل، ويدل على الشجاعة.
سير توبي
(يقرأ)
:
«لا تعجب، ولا تخامرنك الدهشة،
٨١ مِن نعتي إياك بهذه الصفة،
فلن أبيِّن لك سببًا لذلك.»
فابيان
:
عبارة حصيفة، ينجيك ما بها من الحذر من طائلة القانون.٨٢ ١٥٥
سير توبي
(يقرأ)
:
«إنك تأتي إلى الليدي أوليفيا، وعلى مرأًى
مني تبدي العطف
عليك، ولكنك كذابٌ أشِر،
٨٣ وليس ذلك هو الموضوع الذي
أتحدَّاك
للنزال بسببه.»
فابيان
:
خطاب بالغ الإيجاز، وبالغ الدلالة إلى أقصى
حد (جانبًا) على
سير توبي
(يقرأ)
:
«سوف أتربَّص بك في طريق عودتك لمنزلك، فإذا
تصادف أن
قتلتني …
فابيان
:
جميل.
سير توبي
(يقرأ)
:
«فكالوغد والشرير تقتلني.»٨٥
فابيان
:
ما زلت بمنجًى من مهب ريح القانون. جميل. ١٦٥
سير توبي
(يقرأ)
:
«إلى اللقاء إذن. وليرحم الله روح أحدنا!
وربما يرحم روحي
أنا، ولكن رجائي أفضل من ذلك،
٨٦ وإذن فاحذر واحترس.
التوقيع:
صديقك إن عاملته كصديق، وعدوك اللدود.
٨٧ أندرو إجيوتشيك.» ١٧٠
إذا لم يستطع هذا الخطاب أن يأتي به، فلن
تستطيع ساقاه ذلك.
سوف أعطيه إليه.
ماريا
:
ربما كانت الفرصة سانحةً الآن؛ فهو يحادث
مولاتي في أمر ما
وسوف يرحل بعد قليل. ١٧٥
سير توبي
:
هيا يا سير أندرو! تربَّص له في ركن الحديقة
مثل مُحضِر المحكمة،
٨٨
وحالما تبصره، استلَّ سيفك! وأثناء سل السيف
اقذفه بشتائم
شنيعة؛ فكثيرًا ما يكون السباب الشنيع
سلاحًا ماضيًا، خصوصًا إذا
صدر بنبرات زهو وخيلاء، وصلف وكبرياء، وهو
أقدر على إثبات ١٨٠
الرجولة الحقة من أي أفعال لا تصحبها
الشتائم! هيا انطلق!
سير أندرو
:
لا! أنا لا أُجارَى في الشتائم!
(يخرج سير أندرو.)
سير توبي
:
الواقع أنني لن أُسلِّم ذلك الخطاب؛ إذ إن
سلوك ذلك اليافع الكريم ١٨٥
المنبت يدل على أنه عاقل مهذَّب، وسفارته
بين مولاه وبنت أخي
تؤكِّد ذلك. وهكذا فإن الجهل الشديد الذي
ينم عنه هذا الخطاب لن
يُخيف ذلك الشاب إطلاقًا؛ إذ سيرى أنه مرسَل
من بليد أحمق،
٨٩ ١٩٠
لكنني يا سيدي سوف أُبلغه التحدي شفويًّا،
ولسوف أقول إن السير
أندرو إجيوتشيك رجل ذاعت شجاعته، وسوف أرسم
في خيال
السيد المهذَّب صورةً بالغة البشاعة (وأنا
واثق أن يُفوعه سيجعله
يتقبَّلها بسهولة) عن ثورة الغضب لدى السير
أندرو، وعن براعته ١٩٥
في النزال، وفورات حَنَقه واندفاعه
المتهوِّر. ولسوف يؤدِّي ذلك إلى
قذف الرعب في قلب كلٍّ منهما، حتى لسوف
يقتلان بعضهما
البعض حالما يتبادلان النظرات، مثل الأفعوان
ذي النظرة الفاتكة.
٩٠
(تدخل أوليفيا وفيولا.)
فابيان
:
ها هو ذا قادم مع بنت أخيك. أمهلهما حتى
يحين انصرافه، ثم
الحق به على الفور. ٢٠٠
سير توبي
:
سوف أدبِّر في هذه الأثناء رسالة تحدٍّ مرعبة تدعوه
للنزال.
(يخرج سير توبي وفابيان
وماريا.)
أوليفيا
:
لشد ما أسرفتُ في خطاب قلبٍ قُد من حجر،
٩١
كما رهنتُ سمعتي بلا احتراسٍ أو حذر.
وإن في الأحشاء ما يلومُني على اقتراف ذلك
الخطأ، ٢٠٥
لكن ذلك الخطأ .. ذو مِرةٍ صعب
المِراس،
حتى غدا يستهزئ الغداة بالملام!
فيولا
:
ودربُ هذه المشاعر المشبوبة التي
لديك،
درب أحزان الصدود عند سيدي.
أوليفيا
:
اشبك بصدرك هذه الحلية! رسمٌ مصغَّرٌ
يُصوِّرني! ٢١٠
حذار أن ترفُضها .. فما لها لسانٌ قد يثيرُ
سخطك!
أرجوك أن تعود لي غدًا أرجوك.
وهل تُراك ترجو أن تنال شيئًا ثم
أمنعه؟
فكل ما تطلُبُه أُجيبُه ما دُمتُ لا أمس
صفحة الشرف.
فيولا
:
لا شيء إلا أن تُحبي سيدي حبًّا صدوقًا! ٢١٥
أوليفيا
:
وكيف أُعطيه الذي أُعطيك٩٢ ثم لا أمس شرفي؟
فيولا
:
إني إذن أُعفيك.٩٣
أوليفيا
:
فلتأتِ غدًا ثانية .. حتى ألقاك وداعًا
لك.
قد يُلقي روحي في نار جهنم شيطانٌ
مثلك!
(تخرج أوليفيا.)
(يدخل سير توبي وفابيان.)
سير توبي
:
حفظك الله يا سيد! ٢٢٠
فيولا
:
وأنت سيدي!
سير توبي
:
تأهَّب للدفاع عن نفسك. لا أعرف ما أسأت
إليه فيه، ولكن
غريمك مفعمٌ بالشر، سفَّاكٌ للدم مثل الصياد،
٩٤ وهو ينتظرك في
طرف الحديقة. سُلَّ سيفك من غِمده، وعجِّل
بالاستعداد له؛ فمن ٢٢٥
يُهاجمك سريعٌ بارع فتاك.
فيولا
:
أخطأت سيدي؛ فأنا واثقٌ أنه لا خصومة بيني
وبين أحد، وذاكرتي
بريئةٌ تمامًا وصافيةٌ ولا تحمل أية إساءةٍ
لأي رجل. ٢٣٠
سير توبي
:
سترى أن الأمر على خلاف ذلك، أؤكِّد لك.
وإذن فإذا كنتَ ترى
لحياتك أية قيمة، كن على حذر، فإن غريمك
يتمتَّع بكل ما يتمتَّع
به الرجلُ في شبابه من قوةٍ وبراعةٍ وغضب.
٢٣٥
فيولا
:
أرجوك قل لي سيدي ما مكانتُه؟
سير توبي
:
فارس، نال المنزلة بسيفٍ غير مثلوم، وفي
القصر لا في الميدان،
لكنه في المبارزات الفردية شيطان. وقد فصل
ثلاث أرواحٍ عن
أجسادها، وغضبه في هذه اللحظة عميق إلى الحد
الذي يجعله لا
يقبل التراضي إلا بآلام الموت والمواراة في
القبر. وشعاره هو الحياة ٢٤٠
أو الموت، لك أو له!
فيولا
:
سأعود إلى المنزل فأطلبُ الاحتماء بالليدي؛
فلستُ مقاتلًا، ولقد ٢٤٥
سمعت عن بعض الرجال الذين يفتعلون الصراع
عمدًا مع غيرهم
لاختبار شجاعتهم، وربما يكون هذا الرجلُ
منهم.
سير توبي
:
لا يا سيدي؛ فإن استياءه يقوم على إساءةٍ
يعترف بها القانون،
وعليك من ثم أن تتأهَّب وتحقِّق له رغبته.
ولن أسمح لك بالعودة ٢٥٠
إلى المنزل إلا إذا نازلتني منازلةً لن
تهيِّئ لك أمنًا وسلامةً أكبر من
منازلته. وإذن فامضِ إليه أو فجرِّد سيفك من
غمده؛ فالنزال
محتوم، هذا مؤكَّد، إلا إذا أقلعت عن حمل أي
سيفٍ بعد الآن. ٢٥٥
أوليفيا
:
هذا موقفٌ ينم عن وقاحةٍ وغرابةٍ معًا.
أتوسَّلُ إليك إن شئت
مجاملتي أن تستفسر من الفارس عن إساءتي
إليه؛ فإنها لا شك
نتيجة السهو لا العمد. ٢٦٠
سير توبي
:
سوف أستفسر منه. وانتظر يا سنيور فابيان مع
هذا السيد حتى
أعود.
(يخرج سير توبي.)
فيولا
:
أرجوك يا سيدي .. هل تعرف شيئًا عن هذا
الأمر؟
فابيان
:
أعرف أن الفارس ناقمٌ عليك، إلى الحد الذي
يدفعه لتحكيم سيفٍ
فتاك، لكنني لا أعرف المزيد عن ظروف ذلك.
٢٦٥
فيولا
:
قل لي أرجوك، أي نوعٍ من الرجال هو؟
فابيان
:
مظهره هادئٌ رائع، لا ينبئُ إطلاقًا عن
صلابته وشجاعته في النزال؛
فهو حقًّا يا سيدي أبرعُ الخصوم وأفتكهم
وأسفكهم للدم، ولن تجد ٢٧٠
مثيلًا له في إلليريا كلها. فإذا تقدَّمت
نحوه فسوف أصالحكما إذا
استطعت.
فيولا
:
وسأحمل لك امتنانًا كثيرًا؛ فأنا أفضِّل
الاشتباك مع الكاهن
٩٥ على ٢٧٥
الاشتباك مع الفارس! ولا يهمني أن يعرف أحد
الكثير عن حقيقة
معدني.
(يخرجان وإن كانا لا يزالان ظاهرَين
على المسرح من باب الحديقة المفتوح.)
(يدخل سير توبي وسير أندرو.)
٩٦
سير توبي
:
قطعًا يا رجل؛ فهو شيطان حق، ولم أشهد بين المقاتِلة
٩٧ مثيلًا له.
وقد نازلته شوطًا
٩٨ بالسيف والخنجر وما إلى ذلك،
وشهدت منه
ضربةً فاتكة لو أراد بها قتلي لقتلني حتمًا.
وإذا وجَّهت إليه ضربة، ٢٨٠
أجابك بضربةٍ واثقة ثقتك من وجود قدمَيك على
الأرض. ولقد قيل
إنه كان أستاذ فنون السيف لدى الشاه.
٩٩
سير أندرو
:
لعنة الله على ذلك، لن أشتبك معه. ٢٨٥
سير توبي
:
نعم ولكنه لا يقبل الصلح الآن، وفابيان يجد
صعوبةً في إيقافه
حيث يقف هناك.
سير أندرو
:
لعنة الله على ذلك! لو كنت أعرف أنه شجاعٌ
وبهذه البراعة في
المبارزة ما كنت قبلت أن أتحدَّاه قط! اسمع!
أقنعه بأن ينسى ٢٩٠
الموضوع، وسوف أهديه فرسي كابيليت
١٠٠ الرمادي.
سير توبي
:
سأعرض هذا العرض عليه. قف هنا وتظاهر
بالشجاعة، وسوف
ينتهي الخلاف دون إزهاق أرواح. (جانبًا)
وسوف أركب حصانك ٢٩٥
بالبراعة التي أركبك بها.
(يدخل فابيان وفيولا.)
(جانبًا إلى فابيان) كسبتُ حصانه في مقابل
تسوية النزاع؛ إذ أقنعتُه
أن الشاب شيطان.
فابيان
(جانبًا إلى توبي)
:
إنه يتصوَّر أنه رهيبٌ أيضًا، وقد شحب لونه
وأخذ
يلهث كأنما كان دبٌّ في أعقابه. ٣٠٠
سير توبي
(إلى فيولا)
:
لا أمل في الصلح سيدي؛ إذ يصر على منازلتك
بِرًّا
بقسمه، لكنه عدل عن رأيه في أُسُس الخصومة،
ولم يعد يجد فيها
ما يستحق المناقشة. عليك إذن أن تسل سيفك
حتى لا ينقُض
قسمه، وهو يؤكِّد أنه لن يصيبك بسوء.
٣٠٥
فيولا
(جانبًا)
:
أسألك يا رب النجاة! وأكاد أُفضي لهم بمقدار
ما ينقصُني
فابيان
(إلى سير أندرو)
:
تراجع إن شاهدت غضبته. ٣١٠
سير توبي
(يعبر المسرح إلى سير توبي)
:
هيا يا سير أندرو! لا أمل في الصلح؛
فالسيد يُصر صونًا لشرفه أن ينازلك شوطًا
واحدًا، ولا يستطيع
تجنُّب ذلك وفق قوانين المبارزات، لكنه
وعدني بحق كرم محتده
وانتمائه الحربي ألَّا يصيبك بأذًى. هيا!
إلى النزال. ٣١٥
سير أندرو
:
أدعو الله أن يبر بقسمه!
فيولا
:
ثق في قولي. إني أفعل ذلك وأنا مكره!
(سير أندرو وفيولا يستلان
سيفَيهما.)
أنطونيو
(وهو يستل سيفه.)
:
أغمد سيفك! إن كان الشاب الأكرم ذاك
أساء إليك، فإني أتحمُّلُ وزره! أمَّا إن
٣٢٠
كنتَ أسأتَ إليه فأنا أتحدَّاك دفاعًا
عنه!
سير توبي
:
أنت، سيدي؟ عجبًا من أنت إذن؟
أنطونيو
:
شخصٌ يا سيد يدفعه حبه
حتى يتجاسر فيقومَ بأكثر ممَّا يتفاخر ذاك
بفعله!
سير توبي
:
لا! إن كنت تقاتل بدلًا من بعض الناس١٠٣ فأنا لك! ٣٢٥
(يستل سير توبي سيفه.)
(يدخل رجال الشرطة.)
فابيان
:
كُفَّ يا سير توبي الكريم؛ فقد أتى رجال
الشرطة.
سير توبي
(إلى أنطونيو)
:
سأعود إليك حالًا.
فيولا
(إلى سير أندرو)
:
أرجوك يا سيدي، أغمد سيفك، من فضلك. ٣٣٠
سير أندرو
:
أقسم إني سأغمده يا سيدي، وأمَّا ما وعدتك
به من قبل،
١٠٤ فسوف
أفي بوعدي، وسوف يسهل لك ركوبه ويسلس لك
قياده.
الضابط ١
:
هذا هو الرجل. قم بواجبك.
الضابط ٢
:
أنطونيو! إني أُلقي القبض عليك
في دعوى الدوق أورسينو ضدك. ٣٣٥
أنطونيو
:
أخطأت الشخص المطلوب.
الضابط ١
:
لا يا سيد لم أخطئ قط؛ فأنا أعرف وجهك خير
المعرفة!
حتى دون القبعة البحرية فوق الرأس.
١٠٥
امضوا الآن به إذ يعرف أني أعرفُه خير
المعرفة.
أنطونيو
:
لا بد إذن أن أنصاع (إلى فيولا)، وبحثي عنك
هو السبب! ٣٤٠
لكن لا مهرب لي ولسوف أُواجه هذي
التهمة.
ماذا تفعل أنت إذن ما دمت بسبب الحاجة
مضطرًّا
أن أطلب منك إعادة كيس نقودي؟ يحزنني
عجزي عن تقديم العون إليك ..
أكثر من ضيقي ممَّا يحدث لي. تبدو مذهولًا
أو في حيرة. ٣٤٥
لكن خفِّف عنك.
الضابط ٢
:
هيا يا سيد فلنمضِ الآن.
أنطونيو
:
لا أملك إلا أن أطلب منك قليلًا من ذاك
المال!
فيولا
:
وأي مالٍ ذاك سيدي؟
أبديت لي عطفًا كريمًا ها هنا، ٣٥٠
وساءني ما بتَّ فيه من متاعب،
وذاك كله يحثني على إقراضك القليل ممَّا في
يدي
فإنه جدُّ قليل، وليس في يدي مالٌ
كثير،
لكنني أقتسم الذي معي .. معك،
فهاك نصف ما في الكيس. ٣٥٥
(تقدَّم المال إلى أنطونيو فلا
يقبله.)
أنطونيو
:
هل يمكن أن تُنكر أنت استحقاقي أو تجحد
فضلي؟
لا تُغرِ شقائي بإساءة خُلقي،
فأمنُّ عليك بما أسديتُ من الأيدي البيضاء!
١٠٧ ٣٦٠
فيولا
:
لا أعرفُ لك أي أيادٍ بيضاء،
بل لا أعرفُك بصوتك أو بملامح وجهك،
وأنا أكره كل جحودٍ أكثر ممَّا أكره أي
كذب
أو أية خيلاء .. أو ثرثرةً من مخمور،
١٠٨
أو أية أدران رذائل
١٠٩ تكمن في دمنا الواهن، ٣٦٥
وتهبُّ فتفسدُ أخلاق المرء أشد فساد.
أنطونيو
:
أوَّاه يا رب السماء!
الضابط ٢
:
هيا يا سيد أرجو أن تمضي!
أنطونيو
:
دعني أقول كلمتَين! فذلك الشاب الذي ترونه
أمامكم
كنت انتشلتُه من بين فكَّي الهلاك بعد أن
كادا
ليطبقان فوقه! فرَّجت كربه بكل ما للحُب من قداسة،
١١٠ ٣٧٠
والحق أنني عبدتُ تلك الصورة التي بدت
بَشِير أسمى النبل والجدارة.
الضابط ١
:
ما نحن وذاك؟ هيا فالوقت يضيع! هيا!
أنطونيو
:
والآن أُدرك أن من كان الإله بناظري صنمٌ
قبيح،
فلقد جلبت العار يا سيباستيان لوسامة الوجه
الصبيح؛ ٣٧٥
إذ لا يشوب طبيعة الإنسان إلا ما اختفى في
نفسه،
ولا يشوِّه الفتى سوى تحجُّر الفؤاد وانعدام
حسِّه.
إن الجمال هو الفضيلة والتقى .. لكنما قد
نُبصر الشر الجميل
مثل الوعاء الفارغ المستملح .. قد زانه
الشيطان بالنقش الجليل!
١١١
الضابط ١
:
جُن الرجل! خذوه من هنا! هيا يا سيد هيا! ٣٨٠
أنطونيو
:
هيا بنا.
(يخرج أنطونيو مع الشرطة.)
فيولا
(جانبًا)
:
الرجل يقول كلامًا مشبوبًا يقطع بالإيمان
بما يحكي.
لكني ما زلت أكذِّب ما سمعت أذني.
يا ليت خيالي يصدق فيكون الحقَّ المرغوب،
وبأن الرجل يظن بأني بالفعل أخي المحبوب!
١١٢ ٣٨٥
سير توبي
:
اقترب يا فارس! اقترب يا فابيان! سوف نتهامس
معًا ببعض الأشعار
١١٣
التي تحوي أشد الأقوال حكمة! (توبي وأندرو
وفابيان ينتحَّون جانبًا.)
فيولا
:
ناداني باسم أخي وأخي يحيا في ذاتي،
كالصورة تحيا صادقةً في مرآتي. ٣٩٠
وجه أخي يشبه وجهي وأنا ألبس أردية
أخي،
وأحاكي زركشة الزي وألوان أخي!
لو صدق لقلت بأن عواصف ذاك البحر تحلَّت
بالرحمة،
وبأن الأمواج الملحة عشقته فغدت أمواجًا
عذبة!
(تخرج فيولا.)
سير توبي
:
غلامٌ تافه بالغ الخيانة، وأجبن من الأرنب
البري، وقد ظهرت ٣٩٥
خيانته في التخلي عن صديقه في وقت ضيقه، وفي
التنكُّر له، وأمَّا
عن جبنه، فاسأل فابيان!
فابيان
:
جبان! يُخلصُ للجُبن إلى حد العبادة!
سير أندرو
:
أقسم١١٤ سوف ألحقُ به من جديدٍ فأضربه. ٤٠٠
سير توبي
:
نعم! اضربه ضربًا مبرِّحًا، لكن لا تسُل سيفك مطلقًا
من غمده!
سير أندرو
:
إن لم أفعل …١١٥
(يخرج سير أندرو.)
فابيان
:
هيا بنا لنشهد الذي يكون من أمرهما،
أمَّا الرهانُ فهو أن لا شيء يجري قطُّ بينهما.
١١٦ ٤٠٥
(يخرجان.)