الفصل الأول
ما الإعداد؟
تتحول المادة كلها إلى مادة أخرى.
كيت أتكنسون، «ليست نهاية العالم»
١
إن عمليات الإعداد والانتحال التي يهتم بها هذا الكتاب، من نواحٍ
عديدة، قسم من الممارَسة الممتدة للتناص. ويرتبط مفهوم التَّناص،
كما ذكرْنَا في المقدِّمة، أكثر ما يرتبط بجوليا كرستيفا التي
صوَّرَت القضية، مستدعية أمثلة من الأدب والفن والموسيقى، في
مقالات مثل «النص المقيد» (١٩٨٠م)، و«الكلمة والحوار والرواية»
(١٩٨٦م)، في أن كل النصوص تستدعي نصوصًا أخرى وتُجدِّدها في
فسيفساء ثقافية ثرية دائمة التطور. ويعتبر الكثيرون الدافع إلى
التَّناص والسَّرد والارتجال المعماري الذي قد ينتج عن هذا الدافع
العقيدة المركزية لما بعد الحداثة (ألين، ٢٠٠٠م).
رُبِط أيضًا الازدهار البيني لمختلف النصوص والتقاليد النصية،
الذي يظهر في الدافع للتناص، بمفهوم ما بعد الكولونيالية عن «التهجين».
٢ ويوحي تعليق هومي بهابها على التهجين بالكيفية التي
«تُكرَّر» بها الأشياء والأفكار «وتُنقَل وتُترجَم باسم التقاليد»
(١٩٩٥م، ٢٠٠٧م)،
٣ وأيضًا بالكيفية التي يمكن بها لعملية النقل أن تحفز
تعبيرات جديدة وإبداعًا جديدًا. إلا أنه بالنسبة لبهابها، يمثل
التهجين وحده اختلافًا جوهريًّا يجعل الابتكار ممكنًا، بينما يبرهن
التآلف أو التجانس الثقافي للتعددية الثقافية على أنه خانق (٢٠٨).
تعتبر مفاهيم التهجين الصادرة عن العلوم أن عملية التفاعل تغير
الأعمال الثقافية بشكل لا رجعة فيه. وهذا مثير للخلاف خاصة في
ثقافات ما بعد الكولونيالية، حيث أنه إذا كان المفهوم العلمي
للعوامل (أو الجينات) السائدة والمتنحية صحيحًا في الثقافات، فإن
التقاليد الكولونيالية أو الإمبريالية تسود على التقاليد الأهلية
في أي شكل مهجَّن. كان مفهوم السائد والمتنحي فكرة وضعها أول مرة
الخبير العلمي في أنماط التهجين، جريجور ماندل، في أواسط القرن
التاسع عشر (تودج
Tudge، ٢٠٠٢م)،
لكن في المجال الأدبي تم تبني وضع للتعبير عن مناظرة عن السيادة
والقمع حاسمة في كل ما يتعلق بعلاقات التَّناص.
لا تتقاطع دراسات الإعداد والانتحال بهذه الطريقة فقط مع المصطلح
العلمي، الذي استعرضه ت. س. إليوت في مقاله «التقاليد والموهبة
الفردية» حين كتب عن التفاعل الكيميائي بين الإرث الأدبي والفنان
الذي أبدع «مركَّبًا» جديدًا تمامًا (إليوت، ١٩٨٤م، ٤١)، لكنها
تتفاعل أيضًا مع الحركات النقدية والثقافية لما بعد الحداثة وما
بعد الكولونيالية؛ يتحول الجهد في كتابة تاريخ الإعداد بالضرورة
عند نُقط متنوعة إلى تاريخ نظرية نقدية. وأيضًا ونحن نطرح النصوص
المُتناصَّة النظرية القوية الخاصة، تنقل دراسات الإعداد معجمًا
واسعًا من المصطلحات الفعالة: نسخة، تنوع، تفسير، استمرار، تحول،
تقليد، معارضة، تهكم، تزييف، تقليد ساخر،
٤ تبديل مواقع، إعادة تقدير، مراجعة، تنقيح، صدى. كما
توحي هذه القائمة من المصطلحات، يمكن أن يكون لعمليات الإعداد
والانتحال أهداف وغايات مختلفة تمامًا وربما متضادَّة؛ ونتيجة لذلك
كثيرًا ما تفضل دراسات الإعداد نوعًا من «البنيوية الرحبة» بجانب
الخطوط التي افترضها جيرار جينيت في «الألواح الممسوحة» (١٩٩٧م،
ix)، قراءات لا تُستثمَر فقط
في إثبات قرب نص من البدائل، لكن أيضًا في الاحتفاء بتفاعله
المستمر مع النصوص الأخرى والمنتجات الفنية. وعند هذه النقطة، يكون
للتكملات والأعمال السابقة والضغط والتضخيم، دور تلعبه في أوقات
مختلفة في أسلوب الإعداد.
يمكن أن يكون الإعداد ممارَسة تبديل للمواقع، طارحًا جنسًا
فنيًّا معينًا في نمط جنسي آخَر، عملية مراجعة في ذاتها. يمكن أن
يوازي الممارَسة التحريرية
editorial من بعض الأوجه،
منغمسًا في تمرين التنميق والتهذيب؛ ويمكن أيضًا أن يكون عملية
تضخيم تنشغل بالإضافة والتوسع والزيادة والتطعيم (قارن، على سبيل
المثال، دِبْمان وآخرين
Deppman et
al، ٢٠٠٤م، عن «نقد الأجناس الفنية»).
٥ وكثيرًا ما ينشغل الإعداد بتقديم تعليق على نص أصلي.
وكثيرًا ما يتحقق هذا بتقديم وجهة نظر منقحة عن «الأصل»، مضيفة
حافزًا افتراضيًّا، أو مُعبِّرة عن الصامت والهامشي. ويمكن أن يشكل
الإعداد أيضًا محاولة أبسط لجعل النصوص «مناسبة» أو سهلة الفهم
للجمهور والقُرَّاء الجدد بعمليات تقريب وتحديث. ويمكن اعتبار ذلك
دافعًا فنيًّا في الكثير من عمليات الإعداد لما يُعرَف بالروايات
أو الدراما «الكلاسيكية» للتليفزيون والسينما. يحظى شكسبير باهتمام
خاص، وربما يكون مفيدًا، من عمليات «التقريب» أو التحديث.
إن ملاءمة مصطلحات خاصة لنص مُعيَّن، واللحظة الزمنية التي تنشط
فيها، يمكن أن تقدم بعض المفاتيح الخاصة جدًّا للمعاني المحتملة
لنص ولتأثيره الثقافي، بقصد أو بدون قصد. كما يؤكد روبرت ويمان،
الانتحال كنشاط «ليس مغلقًا على قوى الصراع الاجتماعي، والقوى
السياسية، أو عمليات الوعي التاريخي» (١٩٨٨م، ٤٣٣). نسعى هنا إلى
فحص تفصيلي لدوافع وأيديولوجيات معينة، شخصية أو تاريخية، تؤثِّر
في مختلف عمليات الإعداد والانتحال. ويبدو من المفيد أن نبدأ
بتوضيح مُفصَّل بعض الشيء لما قد نعنيه بهذه المصطلحات الشاملة
وتأمُّل الصيغ المختلفة وأساليب البحث في الإعداد، وأيضًا ظواهره
المعرفية المختلفة.
وصف جينيت، في دراسته الثرية عن «الهيبر نصية
hypertextuality»، عملية كتابة
نص، في أي نوع فني، والنصوص الأخرى في الذاكرة بأنها «ممارَسة
عَبْر الأنواع الفنية». وحين تتضح أية قراءة لهذا الكتاب، يُتضمَّن
باستمرار مجال واسع من الأنواع الفنية والأنواع الفنية الثانوية في
نوع من نشاطات الهيبر نص التي يتناولها جينيت بالدراسة. وكثيرًا ما
يكون الإعداد، رغم ذلك، عملية خاصة تتضمن الانتقال من نوع فني إلى
آخر: روايات إلى سينما؛ دراما إلى موسيقى؛ الإعداد الدرامي لحكاية
أو قصة نثرية؛ أو بالعكس تحويل دراما إلى سرد نثري.
وقد أكَّدْنا بالفعل أننا حين نناقش الإعداد في هذه الصفحات
فكثيرًا ما ننشغل بإعادة تأويل نصوص راسخة في سياقات أنواع فنية
جديدة، أو ربما بنقل الوضع الثقافي «الأصلي»، أو وضع النص الأصلي
و/أو الوضع المؤقت، الذي قد يتضمن أو لا يتضمن تحولًا في النوع
الفني. شاعت كثيرًا في هذه الأيام وحدات القياس على البرامج
التعليمية الرفيعة التي تفحص تحويل الأدب إلى سينما وأي دارس منشغل
بهذا العمل يدرس الإعداد ضمنيًّا، إن لم يكن بشكل صريح، يفكر بشكل
نقدي فيما يعنيه الإعداد أو الانتحال. ولا تهدف الاختبارات الفكرية
أو الأكاديمية من هذا النوع إلى تعريف الإعداد «الجيد» أو
«الرديء». ورغم ذلك، على أي أساس يمكن إصدار هذا الحكم؟ الإخلاص
للأصل؟ كما آمل أن يشير هذا المجلد، تحدث عادة العمليات الإبداعية
للإعداد والانتحال في جوهر الخيانة. الاحتمال المجرد لاختبار
الإخلاص بطريقة ملموسة يكون موضع تساؤل بالتأكيد حين نتعامل مع
نصوص قابلة للتغير مثل مسرحيات شكسبير. وبالتالي لا تهتم دراسات
الإعداد بإصدار أحكام قيمة مستقطبة، بل بتحليل العملية
والأيدولوجيا والمنهج.
تجادل ديبورا كَرْتمل، مرسِّخة بعض القوالب لدراسة التفسيرات
السينمائية للروايات المشهورة، بشأن ثلاثة أقسام عامة من الإعداد:
٦
-
(١)
تبديل الموضع.
-
(٢)
التعليق.
-
(٣)
النظير.
(كرْتمل وويلهان
Whelehan، ١٩٩٩م،
٢٤)
على السطح، كل نسخ الشاشة عن الروايات تبديل للمواضع من حيث إنها
تأخذ نصًّا من جنس فني وتُحوِّله إلى جماهير جديدة بأعراف جمالية
لعملية تنتمي لجنس فني مختلف تمامًا (هنا رواية إلى فيلم)، لكن
الكثير من عمليات الإعداد، لروايات وأشكال نوعية أخرى، تحتوي على
طبقات أخرى من تبديل المواضع، ناقلة نصوصها الأصلية ليس فقط بشكل
نوعي، لكن أيضًا بمصطلحات ثقافية وجغرافية وزمنية. «روميو وليم
شكسبير + جولييت
William Shakespeare’s Romeo +
Juliet» لباز لورمان (١٩٩٦م) مثال مفيد: تحديث
لتراجيديا شكسبير، الفيرونية في أوائل العصر الحديث، إلى وضع معاصر
في أمريكا الشمالية.
٧ يحافظ لورمان على إحساس نص المسرحية بضغائن الجماعات
المدنية ويضفي عليه وضعًا حاليًّا مزعجًا، ورَنينًا موضعيًّا. بشكل
رائع تصبح أكثر السيوف التي ذُكِرتْ في نص مسرحي لشكسبير في شاطئ
فيرونا عند لورمان ألقابًا محفورة للسلاح المُفضَّل في العصر
الحديث، المُسدَّس، وقد وصف جينيت ذلك بأنه «حركة تقريب» (١٩٩٧م،
٣٠٤)، وهي شائعة جدًّا في إعداد الروايات الكلاسيكية
للسينما.
كما ذُكِر، بَرهنَت أعمال شكسبير على أنها منجم ثري لهذا
التقريب: في ١٩٩٩م أعاد كينيث براناه صياغة «عذاب الحب الضائع
Love’s Labour’s Lost» في فيلم
موسيقي في هوليوود، مطوِّقًا تنافس شكسبير في ذكاء التودُّد،
وناظمًا سونيتات في سياق أكسبرجي زائف.
٨ تدور أحداث الفيلم عَشِيَّة الحرب العالمية الثانية،
مقدِّمة لمشاهديه سياقًا تاريخيًّا لصراع أحدث مما يقدمه تفاعُل
مسرحية شكسبير مع الحروب الدينية الفرنسية في أواخر القرن السادس
عشر، وأضاف براناه موسيقى تصويرية رقيقة بتعمُّد لأغاني جورج وإيرا
جرشوين وكول بورتر لِيَفْتنَ المشاهدين الذين اشتركوا في تلك
الذاكرة الثقافية.
٩ أعادت «هاملت» في مطلع الألفية لمايكل ألمريدا تصوير
إلسينور في صورة شركة مالية في منهاتن وكلودوس في صورة مدير عام
فاسد (٢٠٠٠م).
١٠ في تَحوُّل شيق، كان الأمير الشاب الساخط في هذه
النسخة دارسًا للفن يعادي المؤسَّسة، أبدع «مسرحيته داخل المسرحية»
كمونتاج بالفيديو لتقدم كواجب دراسي.
١١ الموتيفة وراء التحديث واضحة تمامًا: «حركة التقريب»
تقربها لإطار مرجعي للمشاهدين بمصطلحات زمنية وجغرافية واجتماعية.
ليست كل عمليات إعداد تبديل المواضع التي تقوم بتحولات زمنية تتحرك
باتجاه تاريخ أقرب إلى الحاضر — فيلم «هاملت» لفرانكو زيفريلي سنة
١٩٩٠م، على سبيل المثال، اختار وضعًا غوطيًّا من القرون الوسطى —
لكنها من المؤكد المقاربة الأكثر شيوعًا.
١٢ في مثال «هاملت» زيفريلي يمكن الجدل في أن طرحه كان
تحديثًا ضمنيًّا حيث إنه يحمل فعلًا واعيًا للتناص مع عالم أبطال
الفيلم، وخاصة السمة المميزة التي يمثلها هاملت زيفريلي، ميل جيبسون.
١٣
لا يمثل شكسبير بؤرة الاهتمام الوحيدة لإعداد تبديل المواضع كما
نرى في الفصل الثالث، إلا أن أعماله تُقدِّم معيارًا ثقافيًّا
لعملية الإعداد المتماس تاريخيًّا. أحدث المخرج ألفونسو قورون في
١٩٩٨م تحولًا مماثلًا في الوضع والسياق مع بِلْدنجسرومان تشارلز
ديكنز، «التوقعات الكبرى»، ناقلًا إياها إلى نيويورك المعاصرة، مع
بيب
Pip (فِن بِلْ
Finn Bell) في صورة فنان مكافح.
١٤ يمكن أن يوجد تبديل مواضع بشكل مماثل في أعمال هنريك
إبسن وجين أوستن وأنطون تشيكوف وآخرين.
١٥
ثمة قضية يجب طرحها تتمثل في أن عملية الإعداد في بعض الشواهد
تبدأ الابتعاد عن التقريب البسيط باتجاه شيء محمل بمزيد من
الثقافة. وهذا يشكل الفئة الثانية من فئات كرتمل: التعليق، أو
عمليات الإعداد التي تعلق على سياسات النص الأصلي، أو تلك التي
تمثل وضعًا جديدًا للمشهد، أو كليهما، عادة بالتعديل أو الإضافة.
تجلب نسخ السينما عن مسرحية «العاصفة» لشكسبير، على سبيل المثال،
الساحرة الجزائرية ساكوركس
Sycorax
بوضوح إلى الشاشة، وتعلق بهذا الفعل على غيابها من المسرحية. في نص
شكسبير تُصوَّر فقط بالصور اللفظية السلبية التي يقدمها بروسبيرو
Prospero. صوَّرَ فيلم
«العاصفة» إخراج ديرك جارمان (١٩٧٩م) والملحمة الثرية «كتب
بروسبيرو
Prospero’s Books»
(١٩٩١م)، إخراج بيتر جريناواي، ساكوركس على الشاشة.
١٦ كشفت نسخة سينمائية لرواية جين أوستن «حديقة مانسفيلد
Mansfield Park» (إخراج
باتريشيا روزيما، ٢٠٠٠م) صراحة أن سياق الرواية يندرج في تاريخ
الكولونيالية البريطانية وممارسة العبودية في المستعمرات الأنتيجوية.
١٧ وضحت روزيما حقائق تقمعها الرواية. في هذين
الشَّاهِدَيْن، كان الغياب، أو الفجوة، في السرد الأصلي الذي
يتجلَّى في فيلم يتم فيه تبديل المواضع، الغياب الذي حدَّده النقد
بعد الكولونيالي.
يمكن الجدال حول اعتماد التأثير الكامل لإعداد الفيلم، في كل هذه
الأمثلة، على إدراك المُشاهدِين لعلاقة صريحة مع نص أصلي، مع
تَوقُّع أن تحمل عمليات الإعداد الشكلية عنوان نصها الأصلي. وترتبط
الرغبة في جعل العلاقة مع النص الأصلي واضحة بالأسلوب الذي تعتمد
به الاستجابات لعمليات الإعداد على استدعاء مُعقَّد لفكرة التشابه
والاختلاف. ولا يمكن أن ينقل هذه الأفكار إلا قارئ أو مُشاهِد
مُتيقِّظ لعلاقة التَّناص، وهذا بدوره يتطلب استعراض النصوص أو
المصادر المعروفة. قدم فيليب كوكس
Cox الكثير من الاقتراحات فيما
يتعلق بالانتشار الهائل لعمليات الإعداد المسرحي لروايات تشارلز
ديكنز في القرن التاسع عشر. قدم هذا الإنتاج على المسرح لوحات
بوعي، وصورًا تعيد تمثيل اللحظات الشهيرة في الروايات: «يوحي
استخدام اللوحة التوضيحية بألفة المشاهدين مع تسلسل أجزاء الروايات
نفسها: اللذة التي يمكن الحصول عليها خلال عمليات التَّنكُّر لا
يمكن الحصول عليها إلا بالتعرف الفوري على أوجه التشابه» (٢٠٠٠م،
٤٣-٤٤). وبهذه الطريقة، بالطبع، يتبين أن عمليات الإعداد والانتحال
تتواطأ في تنشيط الوضع التراثي لبعض النصوص والكتَّاب وإعادة
تنشيطه، حتى حين يكون سعي أكثر عمليات الانتحال انغماسًا في
السياسة بهدف تحدِّي ذلك الوضع.
تختلف القضية إلى حد ما في الفئة الثالثة والأخيرة التي حدَّدَها
كرتمل للإعداد، التماثل. بينما قد يثري إدراكُنا المتناص الذي شكله
المنتج الثقافي الجديد ويُعمِّق فهمنا له، فقد لا يكون ضروريًّا
إطلاقًا للاستمتاع بالعمل مستقلًّا: ثمة أمثلة حديثة لأعمال تقف
بمفردها ورغم ذلك تصبح أعمق حين يتم اكتشاف وضعها كتماثل وتتضمن:
«كلوليس
Clueless» لآمي هيكرلنج،
وهي تنويعة لفتاة الوادي على «إما
Emma» لجين أوستن (١٩٩٥م)؛
والفيلم الفيتنامي «الرؤيا الآن
Apocalypse
Now» لفرنسيس فورد كوبولا (١٩٧٩م)، وإعادة
وضعه في سياق الاستكشاف الكئيب الذي قام به جوزيف كونراد في القرن
التاسع عشر للمشروع الكولونيالي في الكونغو، «قلب الظلام
Heart of Darkness»، و«الادعاء
The Claim» إخراج مايكل
ونتربوتوم (٢٠٠١م)، حيث يطرح تصورًا جديدًا لرواية «عمدة كستربريدج
The Mayor of Casterbridge»
لتوماس هاردي كتنوع دقيق على أفلام الغرب في هوليوود، ناقلًا عملية
الاندفاع للبحث عن الذَّهب في أمريكا في ستينيات القرن التاسع عشر.
١٨ ثمة مثال آخر يعرض فعليًّا عملية من مرحلتين للإعداد
والاستيعاب ألا وهو «رجال محترمون
Men of
Respect» من إخراج وليم ريلي
Reilly (١٩٩٠م)، وهو فيلم
أمريكي في أواخر القرن العشرين عن المافيا، يُجدِّد فيلمًا يعود
إلى سنة ١٩٥٥م عن مَشهد عالَم الجريمة المنظَّمة في بريطانيا، «جو
مكبث
Joe Macbeth».
١٩ (إخراج كِنْ هوز) وذلك الفيلم السابق عليه عن الدراما
الشكسبيرية «مكبث»، يتكرر السؤال المعقد الذي تثيره هذه الأمثلة
عمَّا إن كانت معرفة النص الأصلي مطلوبة أو غير مطلوبة، أم إنها
تُثري الفهم فقط خلال القراءات التي تُعرَض في هذا المجلد.
من التضليل، بالطبع، أن نطبق دراسات الإعداد على النسخ
السينمائية المأخوذة عن المسرحيات والروايات التراثية فقط، برغم أن
ذلك قد يكون التجلي الأكثر شيوعًا والأسهل فهْمًا. ثمة نوع فني آخر
منهمك في الإعداد الواعي على أساس منتظم وهو الأعمال الموسيقية في
المسرح والسينما. يظهر شكسبير، بشكل يثير الفضول، مرة أخرى كحضور
سهل: إضافة إلى «الأولاد من سراقوز
The Boys from
Syracuse» حيث تحولت «كوميديا الأخطاء
The Comedy of Errors» إلى عمل
موسيقي، هناك أيضًا «قصة الجانب الغربي
West Side
Story»، إخراج جيروم روبنز، وروبرت وايز، ووضع
الموسيقى ليونارد برنستين، الذي يقدم تصورًا جديدًا لمسرحية «روميو
وجولييت» كحكاية في خمسينيات القرن العشرين عن العنف المنُظَّم في
شوارع نيويورك وملاعبها الأسمنتية.
٢٠ وأثر هذا بدوره على فيلم لورمان (١٩٩٦م)، ويُمثِّل
إعدادًا للتراجيديا الرومانسية التي كتبها شكسبير. يتناغم بشكل
رائع «قبليني يا كيت» مع «ترويض الشرسة
The Taming
of the Shrew»، بأغاني كول بورتر.
٢١ كان لانشغال بورتر في هذا الإعداد الشكسبيري المبكر
بوضوح تأثير أساسي على براناه وهو يُحدِّث «عذاب الحب الضائع» في
١٩٩٩م.
يجد العمل الموسيقي مادته الأساسية في التراث الأدبي: من الرواية
الملحمية «البؤساء
Les Misérables»
لفيكتور هوجو إلى ت. س. إليوت «كتاب المتمارض العجوز عن القطط
العملية
Old Possum’s Book of Practical
Cats».
٢٢ ثمة عمل موسيقي حقق وضعه التراثي وهو «سيدتي الجميلة
My Fair Lady»، نسخة عن مسرحية
جورج برنارد شو «بيجماليون
Pygmalion»، وهو عمل يوحي في
عنوانه بالعودة أكثر إلى الماضي الأدبي لتأثيراته، لقصص التحول في
الشكل في «مسخ الكائنات
Metamorphoses» لأوفيد حيث
يبدع بيجماليون تمثالًا ويقع في حبه.
٢٣ ونتناول المزيد من عمليات الإعداد لأعمال أوفيد في
الفصل الرابع، لكن ما نبدأ توضيحه بالفعل هو التعليق الأكثر نشاطًا
على الإعداد والانتحال الذي تناولناه في المقدمة: تجدد هذه النصوصُ
نصوصًا جدَّدَت نصوصًا بدورها غالبًا. عملية الإعداد ثابتة
ومستمرة.
لا ينفصل عن ذلك تمامًا أن الحقلين المعرفيين اللذين ثبت فيهما
أن مصطلح «الإعداد» مناسب أكثر هما علم الأحياء وعلم البيئة. بعد
تقديم تشارلز داروين لنظريات التطور المثيرة للخلاف في القرن
التاسع عشر، فتن المجتمع العلمي بلا نهاية بالعمليات المعقدة
للإعداد البيئي والجيني، من العصافير الشهيرة لداروين على جُزر
الجلابجوس، التي كانت اختلافاتها في نوع المنقار والأنف مؤشرًا إلى
الأطعمة المختلفة التي تَعوَّدَت على أكلها في تنافُسها مع بعضها
البعض، إلى عُثَّة التوابل في المدن الصناعية البريطانية، النوع
القاتم أو الغامق في الأجناس التقليدية التي يُعتقَد أنها تطورت
لتندمج مع الأسطح المسودة التي تسببت فيها الصناعات الثقيلة في تلك المناطق.
٢٤ يتبين أن الإعداد في هذه الأمثلة بعيد عن صيغة الوجود،
الحيادية، النشطة إلى حد بعيد، وبعيد جدًّا عن عملية التقليد التي
لا تتخيل أو النسخ أو التكرار التي يقدمها أحيانًا نقاد الأدب
والسينما التي تستحوذ على عقولهم دعاوى «الأصالة». يقدم الإعداد
والانتحال أيضًا النصوص المتناصَّة الخاصة بهما، بحيث تدخل عمليات
الإعداد في حوار مع عمليات إعداد أخرى بالإضافة إلى مصدرها
الرئيسي. ربما يكون من المفيد لنا أكثر أن نفكر بمصطلحات عمليات
الترشيح، وهي عمليات مُعقَّدة، وبمصطلحات شبكات التَّناص أو الحقول
الدالة، بدلًا من التفكير في الخطوط المبسطة ذات الاتجاه الواحد
للتأثير من مصدر إلى إعداد.
في كل تصنيفات الإعداد وتعريفاته، يبقى الاهتمام بمبدأ اللذة
أساسيًّا. في تعليق موحٍ تمامًا على تأثير السينما على خبرتنا في
الأدب التراثي، يجادل جون إليس بأن الإعداد يُعزِّز إطالة اللذة
المرتبطة بالذاكرة أو مدها: «يصبح الإعداد في وسيط آخر وسيلة
لإطالة لذة التقديم الأصلي، وتكرار إنتاج الذاكرة» (١٩٨٢م، ٤-٥).
٢٥ إن أطروحة إليس، بالطبع، مناسبة بالتساوي في تطبيقها
على الرواج الحديث لعمليات الإعداد التليفزيوني للنصوص الكلاسيكية،
ومن أفضل أمثلتها فترة الدراما في هيئة الإذاعة البريطانية في
المملكة المتحدة: أمثلة تتضمن رواية جين أوستن «الزهو والتحيز
Pride and Prejudice»،
وإليزابيث جسكيل
٢٦ «الشمال والجنوب
North and
South»، وجورج إليوت «دانيال ديروندا
Daniel Deronda». برغم أن
الممارسة تمتد أيضًا إلى ما وراء عوالم الرواية في القرن التاسع
عشر ومجال القصة المعاصرة مع الإعداد الحديث المكون من ثلاثة أجزاء
لعمل يوناثان كو «نادي البغضاء
The Rotters’
Club»، وثبت أنه تجديد رائع لعصر أو فترة
تاريخية معينة، في هذه الحالة عقد السبعينيات من القرن العشرين،
شأنها في ذلك شأن أي مثال من الأمثلة السابقة.
بإطالة لذة الفعل الأولى للقراءة أو المواجهة الأولى مع نص، يوحي
إليس بأن «الإعداد يقايض على ذاكرة الرواية، وهي ذاكرة يمكن أن
تنبثق من قراءة حقيقية، أو كما هو الحال غالبًا مع عمل أدبي
كلاسيكي، ذاكرة متداولة عمومًا» (٣). ويواصل: «يستهلك هذا الإعداد
هذه الذاكرة محاولًا طمسها بوجود صورها الخاصة» (٣). وعند هذه
النقطة أختلف مع رأيه المقنع من نواحٍ أخرى. لأن الاستهلاك لا ليس
بالضرورة غاية الإعداد؛ لا يسعى نص الإعداد بالضرورة إلى استهلاك
المصدر الرئيسي أو طمسه. في الحقيقة، كما أقترح في هذه الصفحات، إن
ثبات النص الأصلي وبقاءه على قيد الحياة يعززان العملية المستمرة
لقراءات متجاورة أساسية لثقافة عمليات الإعداد، والخبرات المستمرة
لتلذذ القارئ أو المشاهد يتتبع علاقات التَّناص. وهذا الإحساس
المتأصل للمسرحية، الذي ينتج جزئيًّا بتنشيط إحساسنا الأساسي
بالتماثل والاختلاف بين النصوص التي تستدعى، والتفاعل بينها، تفاعل
التوقع والدهشة، الذي يكمن في رأيي في قلب خبرة الإعداد
والانتحال.