الفصل الثالث
«هنا تغيير غريب»: انتحال أعمال شكسبير
يعتمد الإعداد والانتحال على التراث الأدبي للتزود بمجموعة
مشترَكة من الحبكات والمواضيع والشخصيات والأفكار يمكن عمل تنويعات
أدبية عليها. يجب أن يكون المُشاهِد أو القارئ قادرًا على
المُشاركة في لعبة التماثل والاختلاف التي يتم إدراكها بين الأصل
أو المصدر أو العامل الملهم ليقدر تمامًا إعادة التشكيل أو التنقيح
الذي حققه النص المُعِدُّ. توجد مجموعات من النصوص والمواد
الأصلية، مثل الأسطورة وحكاية الجِنِّيَّات والفلكلور تعتمد
بطبيعتها الحقيقية على عمومية الفهم. ولهذه الأشكال والأنواع
الفنية قراءات عَبْر الثقافة وعبر التاريخ غالبًا؛ إنها قصص
وحكايات تظهر عبر حدود الاختلاف الثقافي وتنتقل، برغم أن ذلك يتم
في أشكال مُتحوِّلة أو مُترجَمة، عبر الأجيال. إنها، بهذا المعنى،
تشارك بطريقة نشطة جدًّا في بيئة معرفية مشتركة، وأثبتت أنها مصادر
ثرية بصورة خاصة للإعداد والانتحال. يهتم الفصلان التاليان
بالأسطورة وحكاية الجِنِّيَّات بتفصيل أكثر، لكن قبل أن نتحول
إليهما، يبدو من المهم جدًّا لدراسة ذات طابع تاريخي عن عملية
الإعداد تلمُّس الأساس مع الكاتب المسرحي الذي تؤدِّي أعمالُه
بطريقة مماثلة إلى حد بعيد إلى الأشكال الفنية، العامة والمشتركة
والعابرة للثقافة والعابرة للتاريخ، للأسطورة وحكاية الجِنِّيَّات:
وليم شكسبير.
ليس من قبيل الصدفة أن تراث شكسبير أثبت أنه حجر الزاوية لدراسات
الانتحال كممارَسة أدبية وشكل أدبي. تناول عدد كبير من الدراسات
التي تستغرق كتبًا الانتحال من منظور شكسبيري (انظر، على سبيل
المثال، شيدجزوي
Chedgzoy، ١٩٩٥م؛
نوفي
Novy، ١٩٩٩م؛ ديسمت
Desmet؛ وسوير
Sawyer، ١٩٩٩م؛ فيشلين
Fischlin؛ وفورتير
Fortier، ٢٠٠٠م؛ ساندرز،
٢٠٠١م؛ زابو، ٢٠٠٢م). لنستشهد بدانيال فيشلين ومارك فورتير في
المقال القيم الشامل الذي يصاحب الأنثولوجيا
anthology الحديثة التي قدماها
عن عمليات الإعداد الدرامي لمسرحيات شكسبير: «طالما كانت هناك
مسرحيات كتبها شكسبير، كان هناك إعداد لتلك المسرحيات» (٢٠٠٠م، ١).
صار الإعداد الدرامي لنصوص مسرح شكسبير روتينًا مع الإصلاح في
إنجلترا، بداية من ١٦٦٠م وما بعدها غيَّر كُتَّاب مسرح؛ مثل: نهوم
تيت، ووليم دفيننت الحبكات، وأضافوا شخصيات لتحويل نصوص شكسبير إلى
أعمال موسيقية لأدائها (كلارك
Clark، ١٩٩٧م).
١ ولا يتوقف الأمر عند المسرحيات: الشعر والروايات
والأفلام والرسوم المتحركة وإعلانات التليفزيون، اندمجت كلها مع
شكسبير رمزًا ومؤلفًا. كما يشير فيشلين وفورتير، الجذر اللاتيني
الذي تشتق منه كلمة «يعد
adapt»،
هو
adaptare، ويعني «يلائم»
(٢٠٠٠م، ٣). إعداد شكسبير يجعله «ملائمًا» بشكل ثابت للسياقات
الثقافية والأيديولوجيات السياسية المختلفة عن عصره. ونتيجة لذلك
تصبح المقاربة التاريخية الجغرافية للإعداد الشكسبيري من نواحٍ
عديدة دراسة للحركات النظرية؛ الكثير من النظريات التي يعود أساسها
الفكري إلى العقود الأخيرة، مثل النزعة الأنثوية، وما بعد الحداثة،
والبنيوية، ودراسات الشذوذ والسحاق أو نظرية الانحراف الجنسي، وما
بعد الكولونيالية، كان لها تأثير عميق على صيغ إعداد شكسبير ومناهج
هذا الإعداد.
يثير الإعداد المستمر لأعمال الشخصيات المركزية في الثقافة
الغربية مثل شكسبير كل أنواع الأسئلة بشأن الأصالة والتأليف وحقوق
الملكية الفكرية. يُتَّهم بعض المؤلفين بالسعي لكسب الثقة في
أعمالهم بربط الهالة والسمعة اللتين يتمتع بهما شكسبير بكتاباتهم.
ويفترض أن مثل هؤلاء الكتاب لديهم مقارَبة احتفالية أو تقديرية
للمصدر الذي ينهلون منه. ويُرَى آخرون على أنهم أكثر تحطيمًا
للتقاليد في الهدف، ينقحون أو «يردون بفظاظة» على شكسبير باعتباره
تجسيدًا للسياسات المحافظة والإمبريالية والنزعة البطريركية في عصر
سابق. مهما يكن الموقف (أو المواقف) الأيديولوجي لمُعِدِّيه، ثمة
حقيقة لا مهرب منها وهي أن شكسبير نفسه كان مُعِدًّا ومُقلِّدًا
نشطًا، منتحلًا الأسطورة وحكاية الجِنِّيَّات والفلكلور، بالإضافة
إلى أعمال كتاب معينين يتنوعون من أوفيد وبلوتارك وهولينشد.
٢ شهدت بدايات القرن العشرين صناعة رائجة في اكتشاف
المصدر الشكسبيري؛ كانت السلسلة المهمة المكونة من ثمانية مجلدات
لجيفري بولوف، «المصادر القصصية والدرامية لشكسبير
Narrative and Dramatic Sources of
Shakespeare» ولا يزال وجودها أساسيًّا في أية
مكتبة جامعية.
٣ يُبرهِن تنظيم مجلدات بولوف على أنه دال (فيشلين
وفورتير، ٢٠٠٠م، ٩). يقسم الفصول طبقًا للفئات التالية: المصدر
المباشر والنظير والترجمة والأصل الممكن والأصل المرجح. تشمل
المصادر المباشرة النص النثري لسينثيو عن مغربي غيور، وتجديده في
«عطيل»، وقصة «بيراموس وثيزبي
Pyramus and
Thisbe» من «مسخ الكائنات» لأوفيد، التي أداها
الميكانيكيون في «حلم ليلة في منتصف الصيف» مسرحية داخل مسرحية،
و«روزالند
Rosalynd» لتوماس لوج،
مدمجة في «كما تشاء».
٤ يأخذ شكسبير، في كثير من هذه الشواهد، الحبكة كلها
ويتمثلها ويضعها في سياق جديد. في موضع آخر تظهر التلميحات
والنظائر المستمرة، مثل أداء حديث بروسبيرو في «العاصفة» المترجم
عن أوفيد ويأتي على لسان الساحرة ميديا
Medea في «مسخ الكائنات»
(الفصل الخامس، المشهد الأول، ٣٣–٥٦). يربط حديث بروسبيرو بهذه
الطريقة سحره بفنون أكثر سوادًا مما قد يُفترَض من موقفه البطولي،
وتزاوجه بطرق فاتنة مع الساحرة التي لا تُرَى لكنها تُستدعَى
باستمرار في المسرحية، ساكوركس أم كاليبان
Caliban. أي دراسة لإعداد
شكسبير للمصادر تشير إلى القراءات المتناصَّة الثرية التي يجعلها
هذا الدمج ممكنة، برغم أنه في جهد لتأكيد إبداع شكسبير باعتباره
أيضًا إبداعًا مستقلًّا، حرص النقاد على تحديد تلك اللحظات التي
يكمل فيها الكاتب المسرحي مصادره أو يعززها. مثال رائع على هذا هو
إضافته لشخصية المعلق إينوباربوس
Enobarbus لقصة الحب التراجيدي
في «أنطونيو وكليوباترا» التي أخذها عن بلوتارك.
تنطبق مختلف طرق الإعداد التي نستكشفها في هذا الكتاب على تنوع
الممارسة الشخصية لشكسبير في الانتحال. حاولتْ دراسات نقدية حديثة
تتناول بدايات العصر الحديث التأكيد على بيئة الكتابة التعاونية
التي كان شكسبير يعمل فيها. على سبيل المثال، شارك في تأليف
مسرحيات مثل «القريبان النبيلان»، و«هنري الثامن، أو كله حقيقي
Henry VIII, or All is True»
مع جون فليتشر.
٥ وربما كانت طريقة مفيدة لبداية التفكير في الإعداد
كشكل من أشكال التعاون عَبْر الزمن وأحيانًا عَبْر الثقافة أو
اللغة. كانت مقارَبة عصر شكسبير للاستعارة والتقليد الأدبيين أرحب
بكثير مما يشجع عليه العصر الحديث، أو حتى يسمح به، عصر قانون حقوق
النشر والملكية. كان التقليد يُعلَّم ويُمارَس في المدارس ويستمر
إلى مهن الكتابة في سن الرشد. ربما توقع شكسبير أن يقوم بإعداد
أعماله كُتَّاب المستقبل وعصور المستقبل. رأت جان مارسدن أن
الملاحَظة الشهيرة لبن جونسون بأن شكسبير «لم يكن لعصر، لكنه لكل
العصور» لا تعتبر تصديقًا على الدعاوى القديمة الجليلة بأنه
«عالمي» لكنها بالأحرى إشارة إلى بقائه متاحًا للعصور التالية لتعد
أعماله وتنتحلها كما تشاء.
٦ تكمن قيمته الثقافية في أنه متاح؛ كما تلاحظ مارسدن:
«يحاول كل جيل جديد إعادة تعريف عبقرية شكسبير بمصطلحات معاصرة،
مسقطًا رغباته ومخاوفه على أعماله» (١٩٩١م، ١).
بالعودة إلى قضايا التراث التي أثارتها بالفعل جهود تعريف
المصطلحات في هذه الدراسة، كثيرًا ما يتم إعداد أعمال شكسبير في
جزء منها؛ لأنه مؤلف رئيسي (فيشلين وفورتير، ٢٠٠٠م، ٦). ثمة أيضًا
عوامل اقتصادية وقانونية: شكسبير بشكل مفيد خارج قانون حقوق النشر،
مما يجعل إعداد أعماله آمنًا بقدر أهميته. الاستجابة، رغم ذلك،
متنوعة: «يتخذ مُعِدُّو شكسبير عددًا من المواقف إزاء الوضع
التراثي لشكسبير: يسعى البعض إلى استئصاله أو تدميره؛ ويستعير
آخرون من وضع شكسبير ليعطوا رنينًا لجهودهم الخاصة» (فيشلين
وفورتير، ٢٠٠٠م، ٦). يتم تجديد شكسبير باستمرار، وإعادة تجديده،
بهذه العملية: «إذا كانت عمليات إعداد أعمال شكسبير تعزز بشكل ما
وضع شكسبير في التراث … فإن الذي يؤثر شكسبير مختلف» (فيشلين
وفورتير، ٢٠٠٠م، ٦). يشجع الشكل الدرامي التجديد والتخيل باستمرار،
التمثيل فن إعداد بشكل متأصل؛ كل تقديم لعمل على خشبة المسرح تفسير
تعاوني، يجدد غالبًا نصًّا مسرحيًّا للاعتراف باهتمامات أو قضايا
معاصرة. في القرن العشرين، على سبيل المثال، أعيد تقديم «هنري
الخامس» كمسرحية عن الحرب العالمية الثانية، وفيتنام، وأزمة
فوكلاند، وبشكل أحدث حرْبَي الخليج.
إذا كانت الدراما تُجسِّد في تقاليدها النوعية دعوة لإعادة
التفسير، يمكن للانتقال إلى أسلوب نوع مختلف أن يشجع على قراءة نص
شكسبير من وجهة نظر جديدة أو منقحة. تقدم بشكل رائع المسرحيات
المقدَّمة على خشبة المسرح آراء أوسع عن المشاهد والأحداث أكثر مما
تقدمه كاميرا سينمائية أُحادية المنظور أو راوٍ رئيسي في رواية.
بشكل لا يمكن إنكاره تكون هناك لحظات في المسرحية يملأ فيها الفرد
الإطار، أثناء مناجاة للنفس على سبيل المثال، لكنها لا تستمر عادة
طوال التمثيل. رواية مكتوبة من وجهة نظر مُعيَّنة يمكن أن تنتحل
موقفًا راديكاليًّا في مسرحية ببساطة باختيار التركيز على شخصية
واحدة وتفاعلها مع الأحداث.
يمثل تحول البؤرة في رؤية الأشياء من منظور مختلف قوة دافعة في
الكثير من انتحال أعمال غير أعمال شكسبير أيضًا، كما نرى في القسم
الثالث من هذا المجلد، ناهيك عما نراه في روايات مثل «بحر سرجاسو
الواسع
Wide Sargasso Sea» لجان
رايس، أو «جاك ماجز
Jack Maggs»
لبيتر كاري.
٧ تروِي هذه القصص كلها أو جزءًا منها شخصيات هامشية من
قصص تراثية («جين إير» لشارلوت برنتي و«التوقعات الكبرى» لتشارلز
ديكنز). تعيد رواية «فو
Foe»
لكوتسي تصوير رواية «روبنسون كروزو» لدانيال ديفو من منظور أنثى
غائبة تمامًا عن النص الأصلي. في كل شاهد من هذه الشواهد ثمة معرفة
جوهرية بالهيبو نص، أو المصدر، معرفة حاسمة لاستيعاب انعطافات النص
المُعِدِّ وتحولاته: «يدعونا الهيبر نص إلى الانشغال في قراءة
ترتبط بالعلاقات» (جينيت، ١٩٩٧م، [١٩٨٢م]، ٣٩٩). تتحقق هذه
الانعطافات والتحولات أيضًا في المثالين اللذين استشهدنا بهما من
رايس وكوتسي بتقديم رأي خاص للشخصية الرئيسية في القصة وميولها.
تقدم كريستي ديسمت وروبرت سوير النقطة المثيرة، فيما يتعلق
بالانتحال الشكسبيري، في أن الاهتمام بدخول النص من منظور شخصية
معينة، وبالتالي من زاوية جديدة، يبدو أحيانًا شكلًا عتيقًا جدًّا
من «نقد الشخصية» (١٩٩٩م، ١٠).
٨ لكن هناك أيضًا إساءة فَهْم مُتعمَّدة «للنص الأب»
مُتضمَّنة في أن عمليات التنقيح هذه توحي بموقف مُسيَّس من جانب
«الذرية» الأدبية أكثر مما يمكن أن يتضمنه مجرد نقد شخصية.
أبدت الروايات والقصائد التي سعت لتجديد شكسبير بالتأكيد
اهتمامًا قويًّا بشخصية الراوي بضمير المتكلم أو القناع الشعري. لا
تنقل «ألف هكتار
A Thousand Acres»
لجين سميلي، على سبيل المثال، فقط الصراع العائلي على التحكم في
الأرض والمشاعر في «الملك لير» إلى وسط غرب أمريكا في ثمانينيات
القرن العشرين، لكنها تختار رؤية الأحداث من منظور جيني
Ginny، الابنة الكبرى لليري
كوك
Cook، البطريرك الفلاح الذي
يعزز تقسيمه للأرض غيرة وانقسامًا داخليًّا في الأسرة التي تتحدث
عنها أحداث الرواية.
٩ إذا كان لِيرِي نظير لير، فقد انعكس جنون الملك هنا في
صورة تتجاوز عته الشيخوخة، وتكون جيني نظيرة جونريل
Goneril. بمنح جيني صوتًا
متطورًا وتاريخًا شخصيًّا، يفضح زنى المحارم في قلب هذه الأسرة
المتماسكة، تستطيع سميلي «تجسيد» عنف ما تقترفه جونريل ضد والدها
في المسرحية. إنه مثال لعملية إعادة التقييم التي قدمها جينيت في
«الألواح الممسوحة»: «يتكون إعادة تقييم شخصية بغرسها ذكرًا أو
أنثى — بتحول براجماتي أو سيكولوجي — في دور أكثر أهمية و/أو
«جاذبية» في نظام قيم الهيبر نص أكثر مما عليه الحال في الهيبو نص»
(١٩٩٧م، [١٩٨٢م]، ٣٤٣).
إذا كان الوقت المحدود والسطور القليلة لجونريل في «الملك لير»
على خشبة المسرح تقلِّل من أفعالها مقارنة بالنسخة الكوميدية
التراجيدية الغريبة للنذالة، كما حين تسجن أختها ريجان في الصراع
لجذب انتباه إدموند جنسيًّا، تضفي سميلي على أعمال جيني حافزًا
مهمًّا، سيكولوجيًّا وجسديًّا. تظهر الحبكة السامة على السطح من
جديد في الرواية لكنها تشكل محاولة فاشلة لجيني لصب جام غضبها على
أختها روز Rose (ريجان) بسبب علاقة
مشتركة مع الجار جيس كوك Cook.
تقدم حبكة أسرة كوك مماثلًا سرديًّا للحبكة الثانوية في «الملك
لير»، التنافس بين ابنَي الدوق جلوسيستر
Gloucester والعمى الذي يصاب
به جلوسيستر في النهاية. يحدث العمى في «ألف هكتار» نتيجة لحادث
زراعي وليس نتيجة التعذيب الشرير الذي يُشاهَد على المسرح في دراما
شكسبير، وهي إشارة لنقل أحداث المسرحية بالتفصيل. تتعدد دوافع
سميلي لتنقيح «الملك لير». شعرت بوضوح بحاجة إلى أن «ترد كتابة»
على تقديم شكسبير لشخصيات أنثوية، مثل جورنيل وريجان، بصورة
شيطانية، لتتأمل ما قد يكون حافزًا وراء هذا السلوك أو سببًا له،
منغمسة في استرجاع خبرة الأنثى من سرد أساسي يؤلفه ذكور (زابو،
٢٠٠٢م، ٦). وهي تكتب أيضًا من منظور أنثوية بيئية في أواخر القرن
العشرين فيما يتعلق بالسياسة التكميلية والاهتمامات البيئية بتلوث
الأرض بما يسمى بتقنيات الزراعة التقليدية والأهداف المادية
للرأسمالية الحديثة والتجارة (ماثيسون
Mathieson، ١٩٩٩م، ١٢٧–١٤٤؛
ساندرز، ٢٠٠١م، ١٩١–٢١٦).
تبدي رواية مارينا ورنر «اللازوردي، أو رسم خرائط المياه
Indigo, or Mapping the
Waters» اهتمامًا مماثلًا في استعادة قصة المرأة
من نص يتمركز حول الذكر. وتكون البؤرة في هذه المرة «العاصفة» لشكسبير.
١٠ تقدم قصة وارنر، التي نتناولها أيضًا في الفصل الخامس
فيما يتعلق بانتحالها لحكاية الجِنِّيَّات، صوتًا ممتدًّا لشخصيتين
أنثويتين هامشيتين في تلك المسرحية، ميراندا
Miranda وساكوركس. إذا كانت
ميراندا خاضعة لسيطرة وجود أبيها طوال المسرحية، فإن ساكوركس
تُختزَل إلى تعليقات يقدمها الآخرون؛ يتم الحديث عنها فقط، ولا
تُرَى أبدًا. تمزج رواية وارنر، في تقنية تشبه تقنية عدد من روايات
الانتحال التي نتناولها هنا، تخطيطًا زمنيًّا مزدوجًا لتصور
ميراندا في القرن العشرين وساكوركس في أوائل العصر الحديث. إلا أن
وارنر، رغم ذلك، تقاوم الخطية المبسطة للتعليق التاريخي. تتحدى
«اللازوردي» ثبات مثل هذه التعليقات، معرضة التاريخ لأنماط رواية
القصص وتقنيات نصية
textualities
متعددة (يتم تناول الدعامة النظرية لهذه الأفكار عن التقنية النصية
للتاريخ أو للتاريخ كقصة بتفصيل أكثر في الفصل الثامن من هذا
الكتاب)، مما يمكِّن من التعبير عن وجهة نظر أنثوية.
يبرز السرد كله قصة سيرافين كيلابري
Killabree، وهي شخصية ترتبط
بكل من ميراندا وساكوركس، ومن ثم تسحب الرواية إلى صيغة أكثر
دائرية مما تسمح به غائية «التاريخ». وبالتالي تتجسد في هذا النص
التنقيحي قراءة نقدية ما بعد أنثوية وما بعد كولونيالية لمسرحية
«العاصفة» (شيدجزوي، ١٩٩٥م، ٩٤–١٣٤)، وهو مثال لما سماه ستيفن
كونور «إخلاص في الخيانة»، «مزيد من الارتجال على أصله أكثر من
محاولة لترجمته» (١٩٩٦م، ١٨٦م)،
١١
إذا كان هذا النوع من التنقيح يهدد السلطة الثقافية للنص
الأصلي، فلا يعتبر هذا أبدًا إنكارًا بسيطًا له؛ يجب على النص
المنقح دائمًا في اهتمامه بتنقيحه للأصل، إخلاصه في الخيانة،
أن يخضع لسلطة ملحة هي في الوقت ذاته خلقية وتاريخية.
(كونور ١٩٩٦م، ١٦٧)
ليس هناك إنكار بسيط أو رفض لمسرحية شكسبير في «اللازوردي»، حيث
إنها ليست بحال من الأحوال «تنقيحًا» مباشرًا، لكن معتقداتها
ومواضيعها تُراجع من خلال عدسة ما بعد الكولونيالية. كما تشير
اعترافات وارنر بالجميل لأكاديميين مثل بيتر هولم
Hulme في التصدير، هذه الرواية
شاهد آخر على الانتحال الذي يشكله تاريخ النقد.
تقتصر بعض المقاربات أو التقنيات المحدَّدة في هذا الفصل على
الانتحال الشكسبيري، لكن يبدو من المناسب أن ندعي أن التراث
الشكسبيري كان بمثابة قاعدة اختبار لقرون طويلة بالنسبة لعمليات
الإعداد. يقدم تاريخ تنقيح الأعمال الشكسبيرية مؤشرًا ثقافيًّا على
ممارسة الإعداد والانتحال والسياسات المتبعة فيهما. انشغل جزء كبير
من الدافع إلى التنقيح بشخصية شكسبير نفسه والبيوجرافيا الخاصة به
وسلعته الثقافية. من النصوص السينمائية والدرامية التي تعد وتنتحل
شخصية شكسبير «شكسبير عاشقًا» (١٩٩٨م) إخراج جون مادن ومسرحية
إدوارد بوند «بنجو
Bingo» (١٩٨٣م).
١٢ وتم تناول الانشغالات ﺑ «أسطورة شكسبير»، التي تمثلها
مثل هذه الأعمال، في مواضع أخرى (انظر، على سبيل المثال، هولدرنس
Holderness، ١٩٨٨م)، لكن ما
يحظى باهتمام خاص هنا هي الطريقة التي برهنت بها المسرحيات
الشكسبيرية بشكل خاص على أنها صالحة للمُعدِّين في القرن العشرين،
مقدمة ما يدعوه جيمس أندريس الأب «التحديات الجمالية» (١٩٩٩م،
١٠٧).
يبين تحليل إحصائي لنصوص شكسبير التي تُعَد بشكل منتظم، ومرة
أخرى يكون من الضروري التأكيد على أننا نفكر في الانشغال الممتد لا
التلميح العابر، وجود ثلاث مسرحيات على قمة القائمة: «العاصفة»،
و«عطيل»، و«هاملت». في حالة «العاصفة» و«عطيل»، نحتاج إلى التطلع
إلى الإرث الكولونيالي البريطاني، وإلى وظيفة شكسبير في التعددية
الثقافية للمشروع الأدبي في القرن العشرين بحثًا عن بعض الإجابات.
عُرِض شكسبير بدون شكِّ كأداة للإمبراطورية، يُدرَّس في المدارس
عَبْر العالم لتعزيز اللغة الإنجليزية والأجندة الإمبريالية
البريطانية. نتيجة لذلك، كثيرًا ما تعرض النصوص بعد الكولونيالية
التي «ترد» على الثقافة الاستعمارية شكسبير كوسيلة لتحقيق هذا
الغرض. هناك أسباب معقدة موضع تساؤل: كمنتجات للبنى التعليمية
الاستبدادية والإمبريالية، ويشترك كثير من هؤلاء الكتاب في الثقافة
السائدة التي يسعون إلى انتقادها في معرفة شكسبير. إذا كان الإعداد
يتطلب معرفة سابقة بالمصدر لينجح نظام التماثل والتجاور، كما رأينا
في موضع آخر، فشكسبير مثال ثقافي رائع موثوق فيه، لغة «نفهمها
جميعًا».
إلا أن هناك نصوصًا مُعيَّنة تحمل أيضًا حمولة خاصة من المعاني
تهتم بالسياسات بعد الكولونيالية. أصبحت «العاصفة» تراثية في
دراسات ما بعد الكولونيالية في أواخر القرن العشرين، تُسخَّر إذا
جاز التعبير في الأداء والكتابة التنقيحية عن التفكير في اكتشاف
«العالم الجديد»، عالم الأمريكتين، وفي المشروع الإمبريالي
البريطاني في أفريقيا وأماكن أخرى (زابو، ٢٠٠٢م). «عطيل» نص يتناول
العنصرية في حواره وتمثيله، وبرهن أيضًا على أنه مصدر ثري للنصوص
التي تسعى لتناول توترات المجتمعات متعددة الثقافة في العصر
الحديث. في انتحال سينمائي للمسرحية سنة ٢٠٠١م، «أوه
O»، نقل المخرج تيم بليك
نيلسون حبكة القصة إلى كلية في الولايات المتحدة.
١٣ أودين جيمس
Odin James
(عطيل) لاعب كرة سلة من الطراز الأول في فريق الكلية، انهمك في
علاقة عاطفية مع زميلة في الدراسة اسمها ديزي
Dessie. هوجو
Hugo الحَسود ابن مدرب الفريق.
في المناخ الهشِّ وعالَم التنافس في الرياضة في الكلية، يجد بليك
نيلسون نظيرًا كاملًا لعلاقات الصداقة العسكرية المُعقَّدة
والمنافسات في المسرحية. وليس من قبيل الصدفة أن بدايات أودين، أ.
ج. تذكر بنجم أمريكي رياضي آخر من أصول أفريقية اتُّهِم بقتل زوجته
البيضاء، أ. ج. سيمبسون
Simpson.
باستكشاف القضايا المعاصرة في الولايات المتحدة بعدسة تنقية
تراجيديا شكسبير، يفضح بليك نيلسون بدوره المنافسات الطبقية
والعرقية المتضمنة في نظام التعليم في الولايات المتحدة. تأخَّر
الفيلم فترة طويلة قبل بداية عرضه جماهيريًّا نتيجة توازي أحداث
سابقة موجودة في مشاهده مع مذبحة تمت في عام ١٩٩٩م في مدرسة
كولومبيان الثانوية.
١٤
تستدعي محاكمة أ. ج. سيمبسون أيضًا في تنويعة أخرى حديثة على
موضوع «عطيل» تقدم نظرة أمريكية أفريقية على المصدر الشكسبيري. مع
كل مشهد يُصوَّر بالتسجيلات الصوتية لأحداث وخطب سوداء مهمة، مثل
خطاب واشنطن لمارتن لوثر كنج، ومالكولم إكس، ولويس فاراخان ومسيرة
المليون رجل، ومحاكمة أ. ج. سيمبسون، وجلسات التحرُّش الجنسي التي
تشمل أنيتا هيل وقاضي المحكمة العليا كليرنس توماس، يمتزج في
مسرحية «ثنائي هارلم
Harlem Duet»
لجانيت سيرس تخطيط ثلاثي للزمن.
١٥ مشاهد مُتجاوِرَة تصور هارلم في خمسينيات القرن التاسع
عشر وستينيات القرن التاسع عشر، أي في السنوات التي تؤدي إلى الحرب
الأهلية الأمريكية، وفي عشرينيات القرن العشرين، وتسعينيات القرن
العشرين التي كانت معاصرة للإنتاج الأول للمسرحية. إنها بمثابة عمل
سابق على أحداث مسرحية شكسبير بمعنى أن عطيل الحديث في هذا النص
أستاذ للأدب في جامعة كولومبيا ترك رفيقته من أجل زميلة بيضاء،
مُنَى. يُدعَى المشاهدون إلى «القراءة في» المستقبل عن هذه
الشخصيات التي تستخدم التراجيديا الشكسبيرية كنموذج. منى هي
ديدمونة، وكريس ياجو
Yago، الزميل
الغيور، هو إياجو
Iago، ووضع
المدرسة الصيفية الذي يقبله عطيل في قبرص ينذر بشرٍّ. المسرحية
تأمُّل مُعقَّد في تاريخ تمثيل السود في المسرح مثلما هي انتحال
ماهر لمسرحية «عطيل»: إنها تحكي، على سبيل المثال، أن شخصية منى
البيضاء لا تُرى إلا بواسطة صوت ويد متحررين من الجسد في الأداء.
ثمة انقلابات في الأصل الشكسبيري، كما في موتيفات ودوالِّ معروفة
مثل المنديل. بالنسبة لفيشلين وفورتير اللذين يضعانها ضمن
الأنثولوجيا التي أعداها عن عمليات الإعداد الشكسبيرية: «يبقى نص
شكسبير ستارة خلفية مرئية بالكاد (لكنها مهمة رغم ذلك) …» (٢٠٠٠م،
٢٨٧). إن إنتاج سيرس مبتكر بشكل مثير حول إيقاعات موسيقية ودوال؛
له بنية جمالية مأخوذة جزئيًّا عن موسيقى البلوز والجاز. «ثنائي»
العنوان لا يؤدي فقط بمشاركات تلميحية متنوعة في المسرحية لكن
بآلتي التشيلو والكمان. يقوم هذا الإطار الموسيقي بتأكيد مساهمة
السود في الفنون في الأمريكتين، ويؤكد المقارَبة الارتجالية،
مقاربة سيرس، لنص مسرحية شكسبير. وتكون مقولات هنري لويس جيتس
الابن عن «الدال» مناسبة مرة أخرى (١٩٨٨م؛ أندريس الأب، ١٩٩٩م،
١٠٧). «العاصفة» و«عطيل» نموذجان تقليديان بالنسبة لأي دارس أو
كاتِب فيما بعد الكولونيالية؛ إن وجودهما بمثابة لازمة موسيقية في
حد ذاته، برغم تنقيح هذه اللازمة وتجديدها في كل انعطافة.
لمسرحية «هاملت» أيضًا موضع تراثي في أي دراسة لاستقبال أعمال
شكسبير والانتحال. ولا يرجع ذلك إلى عمليات الانتحال بعد
الكولونيالية أو الأنثوية بشكل خاص، برغم أن المسار التراجيدي
لأوفيليا Ophelia كان موضع اهتمام
كبير من المُعدات، ناهيك عن أنجيلا كارتر، التي تسيطر صورة أوفيليا
في جنونها على رواياتها وقصصها القصيرة (ساج
Sage، ١٩٩٤م، ٣٣). ما يضع
«هاملت» في مركز التراث الأدبي في القرن العشرين تأثير فرويد
ونظريات التحليل النفسي. كاستكشاف لعقل في أزمة، بَرهنَت المسرحية
على جاذبيتها لكثير من المُعلِّقين، ناهيك عن ت. س. إليوت الذي
برهنَت مقالاته واهتماماته في فترة مبكرة من القرن على أنها
مُؤثِّرة في تشكيل دراسة الأدب الإنجليزي واهتماماته.
من الحقائق التي ضخَّمتْ أو عزَّزتْ تراثية «هاملت» أن أمير
الدنمرك تصادف أن اعتُبِر ذروة الأدوار لأي ممثل شاب طموح.
«هاملت»، بالتالي، بمثابة محكٍّ مهني كما كانت محكًّا أدبيًّا. في
مسار يرتبط بهذه المسألة، ازدهرت عمليات الإعداد السينمائي
للمسرحية من تفسير أوليفر
Oliver
المشبع بفكر فرويد، التمثيل بالأبيض والأسود في سنة ١٩٤٨م، الذي
حمل إعلانًا بصوت راوٍ غير مرئيٍّ بأنها مأساة «رجل لا يستطيع أن
يحسم أمره» (روثويل
Rothwell،
١٩٩٩م، ٥٩)، مرورًا بالتفسير الغوطي لفرانكو زيفيريلي بمذاق
تسعينيات القرن العشرين بالنسبة لأفلام الإثارة، إلى ما يُعرَف
بنسخة «النص الكامل» لكينيث براناه (١٩٩٦م). وكما ذكرنا في الفصل
الأول، في سنة ٢٠٠٠م أنتج مايكل ألميريدا «هاملت»، وتدور أحداثها
في منهاتن في بداية الألفية. تحل القيم المشتركة لأواخر القرن
العشرين مكان حبكات مسرحية في بداية العصر الحديث، وهي حبكات
التنافس العائلي والمعارك الحدودية. حلَّت مكان قلعة إلسينور شركة
دنمركية، حيث كلوديوس المدير التنفيذي المناور. في هذه النسخة
هاملت وأوفيليا طالبان، مما يجعل وجود بعض بدائل الحداثة «أو ما
بعد الحداثة» الموحية ممكنة بالنسبة للحظات الأساسية في المسرحية:
مُثِّل توزيع أوفيليا للزهور الرمزية في جنونها بإعطاء صور
فوتوغرافية للحدث نفسه؛ صارت «مصيدة الفئران»، المسرحية داخل
مسرحية «هاملت»، لقطة سينمائية مصورة على فيلم ١٦ مم قدَّمها مركز
إيثان هوك
Hawke، «الأمير»
للدراسات الإعلامية. مرة أخرى، لا يمكن تجاهُل تأثير تنقية عمليات
الإعداد في تأثيرها على عمليات إعداد أخرى. تكشف دراسة زمنية عن
إعداد أعمال شكسبير كل أساليب التخصيب المتبادَل؛ في هذه الحالة،
التأثير الذي اعترف به ألميريدا في إبداع إعداد لمشهد مشترك
لمسرحية «هاملت» هو فيلم أكيرا كوروسافا سنة ١٩٦٠م، «نبع النوم
السيئ
The Bad Sleep Well»، الذي
نقل المسرحية إلى بورصة طوكيو للأوراق المالية.
١٦ ثمة تفاعلات مماثلة يمكن استكشافها بين «رجال محترمون»
(١٩٩٠م) من إخراج وليم ريلي و«جوي مكبث» (١٩٥٥م) من إخراج كين هوز،
وقد استشهدنا بهما من قبل، والاثنان تأمُّلات في عالم الإجرام في
«مكبث»، وتبديل جوس فان سنت لمواضع علاقة هال وفلستاف
Hal-Falstaff في «الهنريات
Henriad» بشكل رائع في «إيداهو
الخاصة بي
My Own Private Idaho»
(١٩٩١م) والنسخة السينمائية التي قدمها أورسون ويلز لهذه
المسرحيات، «انسجام في منتصف الليل
Chimes at
Midnight» (١٩٦٦م).
١٧
الإعداد السينمائي جزء مهم من الإعداد والانتحال، يشير باستمرار
إلى علاقته بنص (أو نصوص) مسرحي شكسبيري صراحة، عن طريق العنوان
عادة. لكن ثمة مجموعات فرعية أخرى تعرض نصًّا أصليًّا بوصفه نقطة
انطلاق إبداعية لنص آخر، مختلف تمامًا غالبًا، وهي نقلة كثيرًا ما
يشير إليها العنوان أيضًا. تتحقق هذه النقلة الإبداعية أحيانًا
بتقدير استقرائي لحبكة قصة معينة أو مسار شخصية من الأصل، ويتخيلها
مرة أخرى في سياق جديد، تاريخي و/أو ثقافي. تبقى العلاقة بالأصل
موجودة ومرتبطة به، لكن يبدو الأمر وكأن رقعة حَلَّت مكان جزء أو
جذر تطعيم من النص الأصلي. يُضَم جذر التطعيم إلى شكل نصي جديد، أو
سلالة، ليبدع عملًا أدبيًّا جديدًا تمامًا. أعرض هذه الاستعارات عن
الترقيع بوعي تام. ليس فقط لأن شكسبير عرض الاستعارة في «حكاية
الشتاء» (الفصل الرابع، المشهد الرابع، ٨٧–٩٧)، لكن جيرار جينيت
يستخدم التعبير ذاته ليصف علاقة الإعداد بين الهيبو نص (الأصل)
والهيبر نص (الإحياء) (١٩٩٧م، [١٩٨٣م]،
ix). في هذه المقولة عن جذر
التطعيم والسلالة وقد جُلِبا معًا بعملية الترقيع لخلق نبات جديد
(أشجار الكمثرى، على سبيل المثال، تنمو دائمًا على جذور تطعيم
السفرجل) وجد الأدب منذ زمن بعيد مصدرًا ثريًّا للاستعارة في
تطبيقاتها الخلَّاقة. ارتبطت سونيتات شكسبير بهذا المجاز عن
الترقيع، ويجد تصور إليوت للتقاليد والموهبة الفردية نظيرًا مثيرًا
في هذه الممارَسة البستانية.
ربما تكون أكثر «رقع» دراما شكسبير تأثيرًا مسرحية توم ستوبارد
«روزنكرانتز وجلدنسترن ميتان
Rosencrantz and
Guildenstern are Dead» (١٩٦٧م).
١٨ تشكل هذه المسرحية قراءة انتحالية لمسرحية «هاملت»
لشكسبير، قراءة تحاول تخيُّل قصة خلفية لشخصيتين ثانويتين كانَا
صديقين سابقين لهاملت ولوردين مرافقين، بمقاربة شِبْه تهكمية
للممارَسات المسرحية الأبسوردية التي تَزدَهر وستوبارد يبدع
مسرحيته. المتناص الآخر الواضح لمسرحية «روزنكرانتز وجلدنسترن
ميتان» مسرحية صمويل بيكيت «في انتظار جودو
Waiting
for Godot» (١٩٥٩م).
١٩ يبدع ستوبارد لورديه المرافقين على صورة مسافرَين
متفلسفَين بلا حدود في مسرحية بيكيت، فلاديمير
Vladimir وإيستراجون
Estragon، ينتظران معظم وقت
المسرحية على خشبة مسرح خالية إلى حد بعيد حدوث شيء ما. توضح
توجيهات الافتتاحية تجعل هذا الارتباط: «يقضي إليزابيثيان الوقت في
مكان لا يُرَى فيه أحد» (ستوبارد، ١٩٩٠م، [١٩٦٧م]، ٩). النكتة أن
المشاهدين، على عكس روزنكرانتز وجلدنسترن، يعرفون ما سوف يحدث؛
لأنهم يعرفون نص «هاملت» وبالتالي نتيجته. ولأن روزنكرانتز
وجلدنسترن ميتان بالفعل، حتى قبل أن يبدآ المسرحية؛ نعرف فقط بشكل
جيد حبكة الرحلة البحرية وتبديل الخطابات واختفاءها من على خشبة
المسرح في دراما شكسبير. يستثمر نص المسرحية فكرة أن «كل مَخْرج
يكون مدخلًا في موضع آخر» (٢٢)؛ نرى روزنكرانتز وجلدنسترن في «وقت
راحتهما» أو لحظات ابتعادهما عن أنظار الجمهور، تكمن السخرية في أن
ابتعادهما عن أنظار الجمهور في «هاملت» هو ظهورهما على خشبة المسرح
في هذه المسرحية. لا يفرض ستوبارد ببساطة مواضيعه في إطار شكسبيري،
إنه يجد في كثير من المناسبات سابقة لقراراته الدرامية في السلف
الشكسبيري. كثيرًا ما بدأت المسرحيات الإليزابيثية واليعقوبية، على
سبيل المثال، بلوردات مرافقين يتناقشون (انظر، على سبيل المثال،
«أنطونيو وكليوباترا» أو «الملك لير»)، وتهتم مسرحية «هاملت»، مثل
مسرحية «روزنكرانتز وجلدنسترن ميتان»، بمواضيع المراسيم المدمَّرة،
«طقوس معوقة» (شكسبير، ١٩٩٨م، الفصل الخامس، المشهد الأول، ٢١٤)،
وميتامسرحية (سيل
Sale، ١٩٧٨م،
٨٣).
إلا أن مسرحية ستوبارد، رغم ذلك، مؤثرة إلى حد بعيد من حيث إنها
تختار مراجعة هاملت من الخطوط المسرحية الجانبية، من الحواف،
وبعيون الشخصيات الثانوية. وهذا يعمل على إبقاء «هاملت»، وخاصة
صورة الأمير، عبثية. تكون هناك مظاهر وأحداث وشخصيات من مسرحية
شكسبير مرئية على خشبة المسرح طوال عرض دراما ستوبارد، لكنها
هُمِّشتْ غالبًا واختُزِلتْ بشكل خلَّاق إلى جزء صغير صامت أو بلا
معنى. ونتيجة لذلك يُختزَل «بطل» المسرحية إلى شخصية هستيرية مضحكة
إلى حد ما. وقد وصف كثير من النقاد هذا بأنه تمرين فيما بعد
الحداثة، والتشظي، ومحو الألفة، والإزاحة كما تفعل بواحد من أكثر
النصوص تراثية في الأدب الإنجليزي والثقافة الأوروبية؛ ويعتبرها
روجر سيل عملية نزع للطابع السياسي (١٩٧٨م، ٨٣).
٢٠
رؤية الأمور من الهامش، أو حتى بعيدًا عن أنظار المشاهدين، وآراء
الشخصيات حافز مُشترَك في الكثير من عمليات الإعداد والانتحال.
والدراما تَتجدَّد في شكل قصة نثرية وجد نظير مثير للمناجاة
الدرامية في صورة راوٍ بضمير المتكلم. تلفت قصة ما بعد الحداثة،
بالاستثمار في إلقاء الضوء على صيغ السرد غير الجدير بالثقة،
الانتباه إلى الانحراف في نقطة الأفضلية هذه، لكن هذا المنظور
المنحرف في تنقيح دراما شكسبير يسمح أيضًا بالقدرة على رؤية
الأشياء من منظور شخصية معينة. ينجذب الروائيون باستمرار إلى فكرة
رؤية الأشياء من منظورِ شخصيةٍ مهمشة أو محرومة من حقوقها في
المسرحية الأصلية نتيجة الوضع الاجتماعي أو النوع أو العِرْق.
وتكون الغاية الأيديولوجية للمنظور المنقَّح حتمية غالبًا نتيجة
لذلك، وكما برهنَّا بالفعل، فإن الكثير من عمليات انتحال أعمال
شكسبير لا تحفزها فقط الرغبةُ في أن تنسب للحافز، كما في مثال
الراوي بضمير المتكلم (غير الجدير بالثقة) في «ألف هكتار» لسميلي،
لكن يحفزها أيضًا التعهدُ السياسي. تظهر الاهتمامات النظرية لما
بعد الكولونيالية، والنزعة الأنثوية، ونظرية الشذوذ، أو انصهار
قَوِي لها كلها، في الكثير من عمليات الإعداد لأعمال
شكسبير.
يشير الروائي الأمريكي المعاصر جون أبدايك في كلمة ختامية في
«جرترود وكلوديوس
Gertrude and
Claudius» (٢٠٠٠م) إلى أن إدراكًا متجدِّدًا
«للشخصيات البعيدة عن أنظار المشاهدين» في «هاملت»، مستمدًّا من
رؤية نسخة سينمائية لبراناه (١٩٩٦م) عن المسرحية، كان المحرض على
إبداع روايته.
٢١ لا يختار الكتابة من منظور شخصية أساسية لكن نصه
يتعاطف مع وضع أم هاملت، جرترود، التي تَزوَّجت أخا زوجها الذي
قَتل زوجها. يحقق أبدايك هذه المقارَبة المتعاطفة بالإطار الزمني،
وهو في القسمين الأولين من روايته بمثابة عمل سابق على مسرحية
شكسبير. نرى كيف أن جرترود الشابة، أو جروثا
Gerutha كما تُدعَى في الجزء
الأول من الرواية، وهي مسألة سوف نعود إليها، أُخضِعتْ لطموحات
عائلية من أبيها عند اختيار الزوج: «وسأكون غنيمة في عملية تبديل»
(أبدايك ٢٠٠٠م، ٥). يثبت زوجها، هُرْونديل
Horwendil الجوتي، أنه مُحارِب
ملتزم ومحب فظ.
٢٢ بهذه الطريقة، يبرر أبدايك الحافز وراء زنى جرترود وهو
ليس موجودًا في سابقتها الشكسبيرية. وهذا التبرير للحافز بدوره
يدفع القارئ أو يشجعه على الاستجابة بتعاطف وفَهْم لورطة جرترود
حين يغويها الاهتمام الرقيق لأخي هُرْونديل، فينج
Feng.
تطرح التسمية المتنوعة والمختلفة في رواية أبدايك في حد ذاتها
عددًا من النقاط المهمة. للرواية بنية ثلاثية، ومع أن الأحداث التي
تُصوَّر في كل قسم تتواصل بترتيب زمني، تتغير أسماء اللاعبين
الرئيسيين في كل قسم. تستمد أسماء الأبطال في الجزء الأول من
أسطورة «هاملت» القديمة كما ذكرت بالتفصيل في كتاب سكسو النحوي
«تاريخ الدنمرك
Historia Danica»
(١٥١٤م)، جروثا، هُرْونديل الجوت، فينج أخوه، كورامبيس
Corambis، وأمليث
Amleth.
٢٣ وتستمد في الجزء الثاني من كتاب فرانسوا دي بليفورست
«تواريخ تراجيدية
Histoires
tragiques» (باريس، ١٥٧٦م)، جروث
Gerothe، وهُرْفنديل
Horvendile، وفينجون
Fengon، وكورامبيس، وهامبليت
Hamblet.
٢٤ لا نصادف التسمية الشكسبيرية المألوفة إلا في الجزء
الثالث والأخير: جرترود، والملك هاملت، وكلوديوس، وبولونيوس،
وهاملت. يضيف أبدايك طبقة نصية أخرى يدعى فيها بولونيوس كورامبيس
في طبعة الكوارتو لمسرحيات شكسبير. هذا التغير في الأسماء مؤشر إلى
أن لمسرحية «هاملت» كثير من الأصول والمصادر النصية وأن مسرحية
شكسبير جاءت متأخِّرة تمامًا في طابور الإعداد والتفسير. دراما
شكسبير تنويعة على تيمة أقدم يؤكدها قرار أبدايك باستهلال كل قسم
بالجملة ذاتها: «كان الملك غاضبًا». مثل «تنويعات جولدبرج» لباخ،
كما رأينا في الفصل الثاني، تُعطَى لنا النغمة الأساسية (أو الحبكة
في هذه الحالة) التي تأمَّلها كثير من المُعِدِّين وقدموا
تنويعاتهم النصية الخاصة.
تحدى أبدايك بشكل فعَّال أية قراءة ثابتة أو مستقرة للنص المسرحي
التراثي الذي كتبه شكسبير؛ يبرر المصدر النصي الغني تأمله في
الحافز وراء أحداث المسرحية. ينتهي الجزء الثاني من «جرترود
وكلوديوس» بقتل أخ لأخيه وهو ينام في بستان، وهو حدث يذكره في فلاش
باك الشبحُ في «هاملت» (الفصل الأول، المشهد الخامس، ٥٩–٧٩). تقدم
الأحداث في الجزء الثالث، كما تقدم الأسماء، للقراء دلالة أكثر
ألفة. نصادف اقتباسًا مباشرًا من نص المسرحية، كما نصادف أحداثًا
معروفة، ناهيك عن احتفالات البلاط بالزواج «المتعجل جدًّا»
لجرترود، وكلوديوس، والتوريات المدمدمة لهاملت» (٢٠٨) استجابة
للأداء المُحْكم لعمه لأداء واجب الرعاية أمام رجال بلاط إلسينور.
لكن، كما يلاحظ القارئ المتيقظ، يحدث هذا فقط في الفصل الأول من
«هاملت» الذي نراه في الجزء الأخير من هذه الرواية: يكمن الكثير في
المقدمة. الزخم التراجيدي هو ما يغذي مخيلة القارئ وتوقعه في
التمييز بالتضاد عن مخيلة كلوديوس وتوقعه: «بزغ عصر كلوديوس؛ سيسطع
في حوليات الدنمرك. ربما يمكث باعتدالِ حفلاتِه عقدًا على العرش.
سيكون هاملت في الأربعين، العمر المثالي، حين يصل إليه التاج. ينجب
هو وأوفيليا ورثة ملكيين يصطفون مثل البطات الصغيرة … أفلتَ منها.
سيكون كل شيء على ما يرام» (٢١٠). التعبير الأخير تلميح لمشهد صلاة
كلوديوس في المشهد الرابع من الفصل الثالث من «هاملت» («ربما كل
شيء على ما يرام»، الفصل الثالث، المشهد الرابع، ٧٢)، مع أن القارئ
المتيقظ يُلاحِظ التحوُّل من الصيغة الاحتمالية إلى صيغة التأكيد
(في غير موضعها). التجاور الآخر للإطار المرجعي الشكسبيري مع
المصطلح المعاصر في الولايات المتحدة («أفلت منها») يشير إلى تلاعب
مقاربة أبدايك مع مصادره المتعددة.
ترتبط ضمنيًّا عمليات الإعداد السينمائي لمسرحية «هاملت» وعمليات
الانتحال التي قام بها ستوبارد وأبدايك، التي ناقشناها هنا،
بسابقتها الشكسبيرية، لكن الانتحال كما رأينا في الفصل الثاني، لا
يحتاج دائمًا إلى الإشارة إلى علاقات التَّناص بهذه الصراحة. يمكن
لعمليات الانتحال أن تمثل أو توحي بمجال من العلاقات يتراوح من
«الاحتكاك المباشر إلى الاستغراق غير المباشر» (ميولا
Miola ١٩٩٢م، ٧). هناك،
بالتالي، عمليات إعداد تستمد قدرًا معينًا من الزخم الكوميدي أو
زخم المحاكاة من علاقاتها بمسرحية «هاملت». ربما يكون «الولد همبل
Humble Boy» لشارلوت جونز
(٢٠٠١م) مثالًا عمليًّا مفيدًا.
٢٥ وهي مسرحية عن فيزيائي فلكي من كمبريدج، فليكس همبل
Humble، تعرض لصدمة نتيجة موت
أبيه، وانزعج من علاقة أمه برجل آخر. تعزز الهواية المتأخرة لوالد
فليكس، هواية تربية النحل، الكثير من التوريات على هذين السطرين
المركزيين من «هاملت»: «أكون أو لا أكون» و«ليكن»؛ الكلمات الأخيرة
من سطر الختام في مسرحية جونز. هناك أيضًا عمليات انتحال حيث يصور
نص المسرحية ما دعاه روبرت ميولا بشكل صائب «المصدر العميق»
(ميولا، ١٩٩٢م، ٧)؛ تبدو «بعد دائمًا» لجراهام سويفت، و«أمير درب
الطرف الغربي
The Prince of West End
Avenue» لألن إزلر متلائمتين مع هذه الفئة.
٢٦
في رواية سويفت راوٍ بضمير المتكلم يميل للتأمل الذاتي بعمق،
يُحاصَر بانتحار أبيه (المفترض) وزوجته، وتنتابه أفكار انتحارية؛
وهذا في حد ذاته يقدم توازيًا مع البطل الذي يميل للتأمل الذاتي
عند شكسبير: «لفترة طويلة من حياتي … تخيلتُ نفسي — بشكل سري، بشكل
صلف، بشكل مناسب، بشكل منحرف — مثل هاملت. وأنت تعرف تمامًا شخصًا
بميوله» (سويفت، ١٩٩٢م، ٤). يقدم أسلوب السرد نظيرًا آخر للمناجاة
المتعددة التي تقدم تحليلًا للذات في المسرحية كما تشير للخط
الرفيع بين الحقيقة والابتكار. الراوي باحث أكاديمي اسمه بل أنوين
Unwin، لا نعرف اسمه إلا في
منتصف الرواية، دليل على مدى اتحاد حياته وشخصيته بما حوله. برغم
شكوكه الذاتية المعوِّقة، متحدة بحقيقة أن بحثه الأكاديمي يعتمد
على رعاية زوج أمه، يبحث أنوين في مذكرات عائلية ترجع إلى خمسينيات
القرن التاسع عشر. تسجل هذه المخطوطات الأزمة في الولاء التي شعر
بها جده ماتيو بيرس
Pearce، وقد
ضحى، في أعقاب نظرية النشوء والشكوك التي أثارتها بشأن الفهم
الديني للعالم، بزواجه وحياته الأسرية ووصل إلى هذه الحالة
المتنامية من «الكفر». نتناول في الفصل السابع، سلسلة روايات تجد
مادتها الأصلية في الخمسينيات والستينيات من القرن التاسع عشر وما
يمكن أن يسمى اللحظة «الداروينية». نشر تشارلز داروين «أصل الأنواع
The Origin of Species» في
١٨٥٩م. يتم الاستشهاد بنص داروين بشكل مباشر في «بعد دائمًا». في
العمل مع هذه المادة بالإضافة إلى متناصات شكسبير — تلمح قصة «بعد
دائمًا»، بالإضافة إلى «هاملت»، إلى «عذاب الحب الضائع»، و«أنطونيو
وكليوباترا» في لحظات حاسمة — يبجل سويفت اهتمام القصة في أواخر
القرن العشرين بتأثير داروين. بؤرة خاصة من بؤر تناص سويفت هي
تجديد ما بعد الحداثة الذي قام به جون فولز للرواية الفيكتورية،
«امرأة الضابط الفرنسي
The French Lieutenant’s
Woman»، وقد صورت، مثل «بعد دائمًا»،
جيولوجيًّا في خمسينيات القرن التاسع عشر يعمل في لايم رجيس (نناقش
رواية فولز في الفصل السابع).
٢٧ سويفت، كما رأينا في الفصل الثاني، كاتب يدرك بعمق
أسسه الأدبية، وقصصه غارقة في شكل بارع ومنتشر من التلميح
والإعداد. يبدو أنه يشجع هذا الوصف للتقنية السردية بتحليل بيل
أنوين لبحث أكاديمي كمزيج مُعقَّد من الحقيقة والفرضية، وإتمام
المادة المتاحة: «لنقرأْ بين السطور» (٢١١). كثيرًا ما يُتضمَّن
الانتحال في قراءة ما بين السطور، مقدمًا نظائر أو مَلاحق للمتاح
في نص أصلي، ولافتًا الانتباه إلى ثغراته وحالات غيابه. عنوان
سويفت عنوان نكمله حتمًا بكلمة إضافية غائبة، وتصوُّر: (بعد) سعيد
(دائمًا).
تساعد أيضًا الثغرات في السرد على تحديد العمليات النصية
المُعقَّدة في رواية ألن إزلر «أمير درب الطرف الغربي»، وهي رواية
تعترف بسخرية بدينها لمسرحية «هاملت» في ذلك العنوان العاطفي أو
الطباقي بتعمد. تدور أحداثها في نيويورك في حضانة يهودية ويحكيها
راوٍ آخر من رواتنا الذين يتحدثون بضمير المتكلم، رواتنا غير
الجديرين بالثقة، أوتو كورنر
Korner. يقدم السرد كمذكرات أو
اعترافات، برغم أن الكثير من البوح، الذي يأتي بأسلوب يشبه إلى حد
ما أسلوب السرد الدائري لأنوين في «بعد دائمًا»، يُحجَب حتى قرب
النهاية، برغم ادعائه: «أريد أن أقدم السِّجل التاريخي مباشرة»
(إزلر، ١٩٩٦م، ٢). سرد كورنر ممتلئ بالكبت والتملص. مثل أنوين
«وهاملت»، تسيطر عليه أشباح الماضي، ناهيك عن ذكريات الهولوكوست،
لكن هناك الهلع والأنانية فيما يبدو أنه تصميمه على وضع نفسه في
مركز الأحداث التاريخية في القرن العشرين. نعرف أنه قابل لينين
وجويس، وأنه المؤسِّس المنسي، وإن يكن بالصدفة، للحركة الدادية،
وأنه يحمِّل نفسه حتى مسئولية موت اليهود في معسكرات الاعتقال النازية.
٢٨ ذلك لأنه فشل في أن يرى إلى أين تسير الأمور في
ثلاثينيات القرن العشرين فأقنع أسرته بالبقاء في برلين. وبدون شك
أدَّى رفضهم المغادرة إلى اعتقالهم، وبالتالي موت زوجة كورنر
وابنه، وبعد ذلك انتحار أخته لولا
Lola؛ لكن القارئ يتساءل إلى
أي مدًى يمكن أن يتحمل مسئولية كل اليهود الألمان الذين اختاروا
البقاء في وطنهم في وجه الفاشية الناشئة؟
استجابة القارئ لكورنر مزيج غريب من التعاطف وإدراك لأنانيته
العميقة أيضًا. الأنانية، الرغبة في وضع نفسه في مركز الأشياء،
مفهومة عمومًا في علاقة تناص الرواية مع «هاملت». في إحدى
التلميحات الساخرة في الرواية، يُقدِّم مَن بلغوا الثمانين في وطن
الإقامة على المسرح نسختهم الخاصة من «هاملت»، مسرحية في الرواية
إذا جاز التعبير. وهذا يشجع سلسلة كاملة من المقارَنات الكوميدية،
والتجاورات المتنافرة بشكل غريب: أوفيليات مسنات، على سبيل المثال،
ناهيك عن الكثير من الأصداء اللغوية الساخرة. في شاهد يُختزَل
«بحر» هاملت «من المشاكل» من مناجاة «أكون أو لا أكون» (الفصل
الثالث، المشهد الأول، ٥٨–٩٠، [٦١]) إلى إمساك أوتو، مثال آخر
للإسفاف المركزي في تقنية هذه الرواية: «مشاكلي، على ما يبدو، ربما
تُحَل بفاليوم، باسط عضلات، وبثمار مطبوخة حتمًا» (٢١٦). إلا أنه
بالنسبة للسخرية الكوميدية، ثمة نص ثانوي مهم بعمق بالنسبة لهذا
الانتحال اليهودي لمسرحية «هاملت»، نص ثانوي حيث أشباح التاريخ
العام كلها فاترة وحقيقية.
تساؤلنا، كقراء، عن إصرار أوتو على وضع نفسه في مركز هذا التاريخ
العام يتحول جزئيًّا بهذا الموقف إلى تراجيديا شكسبير وإلى فهمنا
لها. يريد أوتو أن يلعب دور هاملت في إنتاج دار الحضانة: «في أمير
الدنمرك الأول أرى الكثير من نفسي» (٤٤). إنه يُطرَح بدايةً نتيجة
لغمه باعتباره الشبح بشكل ربما يناسب شخصًا تحاصره إلى حد بعيد
ذكرياته الخاصة. ونتيجة موت الأعضاء الآخَرين في العرض، «يُرقَّى»
إلى حفار القبور الأول. استجابته أن يجعل دور حفار القبور مساويًا
لدور الأمير: «صانع القبور والأمير وجهان لعملة واحدة» (٩٨)؛
«ولماذا لا نقول إن صانع القبور هو الذي يقود هاملت إلى هويته؟»
(٩٩).
لقراءة كورنر لمسرحية «هاملت» وفهم وضعه الخاص في التاريخ
والمجتمع، سواء كان حقيقيًّا أم شيئًا آخر، مرجع آخر مُتناص، علاقة
يستشهد بها مباشرة: «كما يعبر بروفروك
Prufrock: لستُ الأمير هاملت،
ولم أنوِ أن أكون» (٢٢). التلميح لقصيدة ت. س. إليوت «أغنية حب ج.
ألفرد بروفروك»، وفيها يتأمل المتكلِّم العجوز في المونولوج
الدرامي الذي يقدمه إليوت دوره الخاص في المسرح الاجتماعي بمقارنة
مع الشخصيات الدرامية dramatis
personae في «هاملت» والدراما الشكسبيرية
الأخرى: «لا! لستُ الأمير هاملت، ولم أنوِ أن أكون/ أنا لورد تابع
…» (١٩٦٩م، ١٦). على السطح، كما مع إعلان كورنر، يوجد هنا انسحاب
إلى دور هامشي. إلا أن القارئ الملم تمامًا بقصيدة إليوت والدراما
الشكسبيرية يمكن أن يتأمَّل ويتوصل إلى نتيجة مختلفة تمامًا بشأن
تواضع بروفروك ظاهريًّا؛ لأن الدور الذي ينسبه لنفسه في النهاية
(الأحمق تقريبًا أحيانًا Almost, at times, the
Fool) يمكن أن يعتبر، من منظور شكسبيري،
محوريًّا. اختيار إليوت حرف F
الكبير في بداية كلمة أحمق Fool
حاسم؛ ينسب بروفروك لنفسه دور المُعلِّق الحكيم. ما تظهره قراءة
لرواية «أمير درب الطرف الغربي» باعتبارها انتحالًا لمسرحية
«هاملت» ليس فقط المادة الكوميدية الساخرة في السرد، التي تتحقق
كما يقال بعملية إسفاف وتجاورات فاسدة، لكنها تظهر أعماقًا جديدة
لانعطافات سرد كورنر وإدراكه للذات وتعقيداتهما.
تصبح دراسات إعداد أعمال شكسبير وانتحالها وسيلة مُعقَّدة لقياس
العمليات المتعدِّدة للتأمُّل والتنقية وتسجيلها. كما هو الحال مع
مجموعة نصوص ما بعد الكولونيالية التي جاءت استجابة لمسرحية
«العاصفة»، ومسرحية «عطيل»، كثيرًا ما تكون عمليات الانتحال في
ديالوج مع عمليات انتحال أخرى بقدر ما تكون في ديالوج مع النص
الشكسبيري الأصلي. وربما يكون هذا جوهر الأنماط الأدبية الأصلية:
تعني قابليتها للتنقيح أنها نصوص متدفقة باستمرار، ومتحولة
باستمرار في عملية الإعداد وإعادة الحكي. إنها تمثل وتعيد تمثيل
فعالية القص، وقد قدم شكسبير بعض أكثر القصص أُلْفَة في الثقافة
الغربية. وهذا هو الحال أيضًا مع الشكلين الأدبيين اللذين
نتناولهما في الفصلين التاليين: الأسطورة وحكاية
الجِنِّيَّات.