الفصل الخامس
«نُسَخ أخرى» من حكاية الجِنِّيَّات والفلكلور
أجهد التداخل بين الأسطورة والخرافة والفلكلور وحكايات
الجِنِّيَّات كأنواع أدبية الكثير من الدارسين (سيل
Sale، ١٩٧٨م، ٢٣). تنتقل القصة
الشهيرة عن روبين هود، على سبيل المثال، في أزمنة مختلفة من عرض
أعراف الخرافة لتكون بمثابة فلكلور محلى، بينما تستدعي أيضًا
السحرة والجِنِّيَّات من حكاية الجِنِّيَّات (نايت، ٢٠٠٣م).
١ تشترك حكايات الجِنِّيَّات، في اهتمامها بالبنى
الأسرية المضطربة وطقوس التَّحوُّل الشخصي والمدني، في الكثير مع
نظائرها الأسطورية.
٢ تم تفسير كل هذه الأشكال أيضًا من وجهات نظر متنوعة في
الأنثروبولوجيا والتاريخ الاجتماعي، والدراسات الثقافية،
والبنيوية، والنزعة الأنثوية، والتحليل النفسي، وعلم النفس. ما
تقدمه قصص نمطية قديمة متاحة لإعادة الاستخدام والدوران في مختلف
العصور والثقافات. تتمتع حكاية الجِنِّيَّات والفلكلور، رغم ذلك،
بمجموعة خاصة جدًّا من الدوال والأنظمة الرمزية الجديرة بالفحص في
حد ذاتها. شكسبير، مثال أَوَّلي، كما رأينا بالفعل، لذخيرة ثقافية
من الشخصيات والحبكات النمطية القديمة، مغروسة في الأدب الشعبي عن
حكايات الجِنِّيَّات كحافز لمسرحياته: لمسرحية «الملك لير» ومسرحية
«سيمبلين
Cymbeline»، على سبيل
المثال، جذور في هذا الشكل. تعيد «سيمبلين» بناء شخصية زوجة الأب
الشريرة، وتُجدِّد «لير» قصة فلكلورية عن أب وبناته الثلاث، أختان
خبيثتان أو «بشعتان»، وابنة طيبة فاضلة.
أحد الأسباب التي تجعل حكاية الجِنِّيَّات والفلكلور كنوزًا
ثقافية نعود إليها دائمًا أن قصصها وشخصياتها يبدو أنها تتجاوز
الحدود الاجتماعية والثقافية والجغرافية والزمنية الراسخة. إنها
قابلة للإعداد بوضوح في ظروف وسياقات جديدة، لتصبح متاحة من أجل
«نسخ أخرى» (أتكينسون، ١٩٩٧م، ٣٤٨). تحول كتاب وفنانون ومخرجون
متنوعون، من أمثال سلمان رشدي، وأنجيلا كارتر، وبولا ريجو، وكيت
أتكينسون، وولت ديزني، وجان كوكتو، تحولوا جميعًا إلى شكل مُؤثِّر
من أشكال القصة الفلكلورية، وحكايات الجِنِّيَّات كإلهام لإعادة
التخيل، سواء كان ما بعد الحداثة أو سواها.
٣ تشمل نسخ كوميدية، وربما تهكمية، حديثة عن حكايات
الجِنِّيَّات أفلام «شريك
Shrek»
للرسوم المتحركة التي تحظى بشعبية هائلة (٢٠٠١م؛ ٢٠٠٤م) والفيلم
الموسيقي لستيفن سوندهايم «إلى الغابة
Into the
Woods» (١٩٨٧م).
٤ كل من هذين العملين، مثل اللوحات القاتمة الموحية
للفنانة بولا ريجو، محاولة لمقاوَمة ما يسمى «ديزنة
Disneyfication» الشكل. نسخ
الرسوم المتحركة التي قدَّمها ولت ديزني عن «سنوه وايت والأقزام
السبعة
Snow White and the Seven
Dwarves»، و«سندريلا
Cinderella»، و«الجميلة
النائمة
Sleeping Beauty»،
و«الجميلة والوحش
Beauty and the
Beast»، وأعمال أخرى، بتأكيدها الواضح على
النهايات السعيدة، متضمنة عادة بطلات يَتزوَّجْن ويَعثُرْن على
أميرهن الفاتن، لها تأثير عميق على الفهم الحديث للشكل. ورغم ذلك،
أصبحت هذه الخزائن الغنية بالقصص أيضًا بؤرة اهتمام التساؤل
العلمي؛ مارينا ورنر، إذا اكتفينا بالاستشهاد بمثال بارز، مؤرخة
حقيقية للشكل (انظر، على سبيل المثال، وارنر ١٩٩٤م)، وهي حقيقة
أثرت على إنتاجها القصصي وغير القصصي أيضًا.
حكايات الجِنِّيات قصص تمثل أساسًا تنويعات على أنماط قصصية
معينة. يبرز هذا الرأي الاهتمامات المعرفية للأنثروبولوجيا
والمقاربات ذات العلاقة في الفكر والتحليل البنيويين. تجد البنيوية
قيمة كبيرة في تحليل الأساطير وحكايات ثقافات معينة وأيضًا في
تعريف الوجود المشترك لحكايات وأنماط معينة، والبنى النموذجية
عَبْر الثقافات. كان لأعمال كلود ليفي شتراوس، وتزفتان تودوروف
وآخرين تأثير قوي على النُّقَّاد الذين يدرسون وجود الأنماط
الأسطورية والفلكلورية في الأدب من مسرحيات شكسبير إلى الواقعية
السحرية (انظر ليفي شتراوس، ٢٠٠١م، [١٩٧٨م]؛ تودوروف، ١٩٩٠م، [١٩٧٨م]).
٥ فيما يتعلق بالإعداد المستمر لحكايات الجِنِّيَّات،
يثير تكرار أنماط وبنى سردية مُعيَّنة في سياقات جديدة مطمورة
ثقافيًّا الانقسام الثنائي بين العالمية ووضع الشخص السياسي الذي
اعتبر أن كتاب «أساطير» لرولان بارت يتصارع معه في فحص الأسطورة في
الفصل السابق (١٩٩٣م، [١٩٧٢م]). وبالتالي، كما نرى في هذا الفصل،
ابتليت البنيوية بنتائج التحليل النفسي. في نظرية سيجموند فرويد عن
unheimlich، أو «الخارق»، على
سبيل المثال، من المحتمل أن نُحدِّد نسخة من الاضطرار القهري
للتكرار، الرغبة في العودة إلى نص، أو قصة أو نموذج، أو إحيائه،
كرفض للفقد، واستعادته ومحاولة احتواء القلق (فرويد، ١٩٦٣م،
[١٩١٩م]؛ جربر،
Garber ١٩٨٧م).
تثير النصوص الثانوية الأكثر قتامة في الكثير من قصص الجِنِّيَّات،
كما هو الحال بالنسبة للأساطير، أشباح زنى المحارم والعنف المألوف
والتوحش، وهي أمور قد تُعْتَبر في مواضع أخرى مادة الأحلام
والكوابيس.
إذا كانت حكاية الجِنِّيَّات والفلكلور متاحين بشكل خاص للإحياء
والتنقيح المُستمرَّيْن فإن ذلك يعود جزئيًّا إلى تجردهما بشكل
أساسي من سياق خاص: «برغم أن محتوى حكايات الجِنِّيَّات قد يسجل
الحيوات الواقعية لفقراء لا تُذكَر أسماؤهم بإخلاص مزعج أحيانًا …
لا يُشيَّد شكل حكاية الجِنِّيَّات عادة كما لو كان يدعو الجمهور
للمشاركة في إحساس بخبرة حياتية» (كارتر، ١٩٩٠م،
xi). لا توجد قلاع حكايات
الجِنِّيَّات وأبراجها وقُراها وغاباتها ووحوشها وبهائمها وغيلانها
وأميراتها على ما يبدو في أي مكان، إلا أنها توجد في كل مكان فيما
يتعلق بالتطبيق والملاءمة. لكن قد تكمن حركة مضادة واضحة في
تجديدات القرن العشرين للشكل في الرغبة في إعادة القصص إلى سياق
اجتماعي تاريخي، مشكلة من بعض الأوجه محاولة لتبرير سحرها. رواية
كريستوفر والاس «سم الزمَّار المرقط
The Pied
Piper’s Poison» (١٩٩٨م) تعيد النظر في حكاية
الأطفال عن الزمار المرقط في هملين الذي يساعد بموسيقاه الرائعة في
تخليص قرية في شمال أوروبا من الفئران التي تنذر بالطاعون الذي
يهدد الحياة، لكنه، حين توقف البلدة مكافأته، يعود ليغري الأطفال،
ومن ثم المستقبل الاقتصادي الرمزي للمجتمع.
٦ باستعراض البنية القصصية لبحث أكاديمي يقتبسه منه
دكتور في خطبة تقاعد، تؤكد روايةُ والاس بوعي ذاتي وتتساءل عن قيمة
شهادة خبير ومصداقيتها. البحث الأكاديمي مراجعة لقصة هملين. يجد
مؤلفها، رافضًا العنصر الخيالي للقصة الشعبية كما وصلت عبر
الأجيال، تفسيرًا ماديًّا مزعجًا للأحداث مقترَحًا في قصة الزمار
المرقط. يقترح البحث، مسترجعًا السياق التاريخي الاجتماعي لحرب
الأعوام الثلاثين في أوروبا في الثلاثينيات والأربعينيات من القرن
السابع عشر، أن هملين لم تكن تحاصر بالفئران، برغم أنها كانت ظاهرة
دائمة الوجود في مجتمع تنمو فيه الحبوب. بدلًا من التأمل، وطبيعية
التأمل، يتم التأكيد على عدم مصداقية الأرشيف التاريخي في نقاط
مختلفة، بأن البلدة كانت تحت حصار فرقة من الجنود الإسبان. وهي
«الفئران» التي يعرض الزمار المرقط تخليص هملين منها. يوسع وصف
الزمار نفسه صيغة الواقع الاجتماعي الذي يطبقه والاس على الحكاية
وهو يتأمل الأسباب المحتملة للتسمية:
يمكن تصور أن كلمة «مرقط
Pied» تحريف للكلمة
الفرنسية à pied، وتعني
«على القدم»، مشيرة إلى أن هذا الرجل رَحَّالة بطبيعته.
يمكن أن تتضمن أيضًا أسلوب الملابس التي كان يرتديها، تعني
كلمة pied مرقطًا أو
منقطًا، باللون الفاقع أو الصريح الذي يرتبط بمهرج أو
بهلوان. أخيرًا يمكن أن تكون الكلمة تحريفًا لاسمه
الحقيقي، خاصة إذا كان عربي الأصل فيكون من الصعب على
متحدث ألماني غير متعلم أن ينطقه.
(والاس، ١٩٩٨م، ١٦٠)
تحاكي القصة هنا الأسلوب الاستطرادي للعصر العلمي العقلاني
مُقدِّمَة تعريفات وتفسيرات. يلمح التفسير الأخير أيضًا إلى وعي
ثقافي «بالبنى الاجتماعية والطبقية التي تقدم القوى المشكِّلة
لأشكال، يفترض أنها مُجرَّدة، من حكايات الجِنِّيَّات والحكايات
الشعبية والجنس الفني المرتبط بهما، أغاني المهد. الزمار المرقط،
في تحليل والاس، أو على الأقل تحليل الأكاديمي في قصته، غريب، ربما
مهاجر شرقي يعمل في أوروبا في القرن السابع عشر. هذا التلميح
باتجاه حقيقة أن الكثير من حكايات الجِنِّيَّات تكشف عن قلق عميق
متأصل بشأن شخصية الدخيل، الغريب، الشخص أو المخلوق الذي من مكان
آخر. تقترح التفسيرات الماركسية لحكايات مثل «رمبلستيلتسكين»، على
سبيل المثال، أنها تحاول العمل من خلال تهديد الوسيلة العامة
للإنتاج بالدوران في كثير من قرى شمال أوروبا في القرون الوسطى.
٧
لا يستغرق الأمر قفزة كبيرة من التخيل لنرى كيف أن هذه الحكاية
يمكن عرضها من جديد في تحليل للأوهام الأوروبية في القرن الحادي
والعشرين فيما يتعلق بالعمال المهاجرين وطالبي اللجوء. تحدث جاك
زيبس عن «الجالية العالمية» في حكايات الجِنِّيَّات (١٩٩٤م، ٥)،
لكن تحليلاته الماركسية للحكايات تؤكد أيضًا على سياقاتها
التاريخية والاجتماعية الخاصة.
٨ يرى زيبس أن «رمبلستيلتسكين» تدور «عن تعزيز التجارة
الرأسمالية لصناعة الكتان وانتحال وسائل الإنتاج التي من خلالها
يمكن أن ترسخ [البطلة] خاصيتها وتكسب رجلها» (١٩٩٤م، ٦٨).
وبالمثل، يلقي التحليل المادي الثقافي الذي يقدمه والاس لأسطورة
الزمار المرقط الضوء على البؤرة الثانية للفترة الزمنية في روايته،
الحرب العالمية الثانية، حين واجهت المجتمعات الأوروبية أشكالًا
أخرى من الحرمان الاجتماعي والتهديد مماثلة لتلك التي كانت تواجه
هملين. بالإضافة إلى موازاة الصراعين يجد والاس بتخطيطه الزمني
المزدوج، عن طريق شخصية الأكاديمي أرثر لي مرة أخرى، توازيًا
مزعجًا للحكاية الشعبية في ممارسة التعذيب وقت الحرب في القرن
العشرين. في هذه النسخة من خرافة الزمار المرقط، لا يُغرَى الأطفال
بالألحان التي يعزفها منشد متجول ليتركوا القرية؛ يأكلهم سكان بلدة
يهذون في حالة متطرفة من المجاعة، شعب اختزل بمعنى الكلمة إلى
فئران نتيجة لوضعه. يبرهن أي مسخ في هذه الحكاية على أنه قابل
للتوضيح بشكل مرعب فيما يتعلق بالجوع والجنون. بالتالي توضع
الأعمال الوحشية الواقعة على المجتمعات المجاورة أثناء الحرب
العالمية الثانية في بؤرة مقلقة. في النهاية، يبدو أن حاجتنا إلى
نسج قصص حول أحداث مروعة ثابتة بشكل لافت في المجتمع الإنساني؛
نزيح الواقع لنبقى على قيد الحياة، ونتجنب الحقيقة البشعة، حقيقة
أن القدرة على الوحشية في داخلنا جميعًا. لا يوجد زمار مرقط ليكون
كبش فداء إلا في مخيلتنا.
تقدم لغة كبش الفداء من جديد الجذور الأنثروبولوجية واهتمامات
النظرية البنيوية. بطريقة تشبه شكسبير والأسطورة، يمكن ربط الدافع
باتجاه مراجعة حكايات الجِنِّيَّات بحركات نظرية معينة، لكن
بالإضافة إلى ارتفاع أسهم الأنثروبولوجيا كفرع معرفي في القرن
العشرين، تحمل حكايات الجِنِّيَّات القيمة الدلالية التي تعزوها
إليها الصيغ المنبثقة من علم النفس والتحليل النفسي. ثمة عمل واعد
في هذا الشأن لبرونو بتلهايم «فوائد الافتتان: معنى حكايات
الجِنِّيَّات وأهميتها
The Uses of Enchantment:
The Meaning and Importance of Fairy Tales»،
وقد صدرت طبعته الأولى سنة ١٩٧٥م.
٩ استكشف بتلهايم متأثرًا بأعمال سيجموند فرويد، وكارل
يونج «الدلالة السيكولوجية لحكاية الجِنِّيَّات الفلكلورية»
(١٩٧٥م، ٥).
١٠ بطريقة تشترك في الكثير من منهجها مع تبرير والاس لقصة
الزمار المرقط، اقترح بتلهايم أن الكثير من هذه الحكايات كان وسيلة
للتغلب على الخبرات الصادمة نتيجة العقاب الاجتماعي للطاعون
والمجاعة والحرب، أو نتيجة للضغوط الجنسية والاجتماعية التي يخلقها
البلوغ والمراهقة. من اللافت أن الكثير من أبطال حكايات
الجِنِّيَّات يجدون أنفسهم على العتبة بين الطفولة والرشد، بين
البراءة والخبرة بالمصطلحات الجنسية: «سنوه وايت»، و«ذات القبعة
الحمراء»، و«الجمال النائم» تؤكد كلها هذا النمط القديم. كما يلاحظ
بتلهايم: «تصور حكايات الجِنِّيَّات في شكل متخيل ورمزي الخطوات
الجوهرية في النمو وتحقيق وجود مستقل» (١٩٧٥م، ٧٣). وجدت الكاتبات
الأنثويات مصدرًا غنيًّا بشكل خاص من المادة في حكايات
الجِنِّيَّات لهذا السبب. تخبر الراوية الواعية في «الكروكيت
الإنساني» لكيت أتكينسون قُرَّاءها مبكرًا بأنه عيد ميلادها، وهو
عيد ميلاد مهم لأنه: «أول يوم في أبريل وهو عيد ميلادي، عيد ميلادي
السادس عشر، عيد الميلاد الأسطوري، الخرافي، العمر التقليدي لتبدأ
المغازل ويأتي طلاب اليد متوسلين، وتتجلَّى فجأة مجموعة من
التخيلات الجنسية الرمزية الأخرى …» (أتكينسون، ١٩٩٧م، ٢٣). لا بد
أن تاريخ كذبة أبريل يمنح القراء وقفة بشأن أن إزوبل، بإدراك ما
بعد الحداثة للقراءات المتاحة لحكاية الجِنِّيَّات، تميل أيضًا
لتكون راوية غير موثوق فيها. إلا أن هذه العبارة تنبه القراء إلى
الطرق المتنوعة التي ينهمك بها نص أتكينسون، كما أشرنا بالفعل في
الفصل السابق، في علاقة تناص غنية مع شكسبير، وميثولوجيا أوفيد،
وحكايات الجِنِّيَّات من «الجمال النائم» مرورًا بحكاية «سندريلا»
إلى «ذات القبعة الحمراء» و«هانسل وجريتل».
١١
تهتم أتكينسون بشكل خاص باستدعاء حكايات الجِنِّيَّات عن الأسرة
كمثل أعلى ووجود قادر على الخلل المروع. وتجد أيضًا في مسرحيات
شكسبير مصدرًا ثريًّا فيما يتعلق بهذا الشأن. وتهتم بتنافس الأشقاء
وتبعيتهم كما تظهر في شخصيات حكايات مثل «سندريلا»، و«هانسل
وجريتل» في علاقة إزوبل وتشارلز أمام فَقْد أمهما، والغياب
المُؤقَّت لأبيهما، وهي أيضًا موتيفة شائعة في حكايات
الجِنِّيَّات، سمة توفر «لليتيم» مساحة حرة للخبرة. تزخر قصة
«الكروكيت الإنساني» بزوجات الأب، لَسْن جميعًا شريرات بالنمط
القديم، كما تزخر بالفشل والغياب الأبوي، والعلاقات الأسرية
المضطربة، والتهديد الجنسي. برغم أنه يبدو أن إزوبل وتشارلز في
المراحل الأولى من الرواية يداعبهما الأمل في أن تكون أمهما إليزا
حية، ويستدل عليه جزئيًّا بالتشبيه بحذاء سندريلا الذي يأملان في
أن يمتلئ ذات يوم بقدم أمهما العائدة، ندرك فيما بعد أنهما تناسيا
حقيقة أنهما شاهدَا جثة أمهما ملوثة بالدماء في غابة أثناء نزهة
عائلية مشئومة. كانت إليزا، في الحقيقة، مقتولة وقد ضاعت فردة
حذاء.
إن وضع حكايات الجِنِّيَّات (وشبه الشكسبيرية) في الغابة خيطٌ
آخر مهم في القصة المُعقَّدة التي تقدمها أتكينسون. يصبح إزوبل
وتشارلز في هذه اللحظة «طفلين في غابة» «هانسل وجريتل»: «كانت
جائعة جدًّا حتى إنها أكلت جرة خبز الزنجبيل أو قطعة من إطار
نافذة، برغم أنها كانت تعرف النتائج» (١٩٩٧م، ١٣٠-١٣١). بيت القصيد
في هذا الاقتباس أن إزوبل «كانت تعرف النتائج»؛ هذا الموقف العارف
الذي تتبناه القصة باتجاه مصدر التَّناص يجعلنا نتساءل بإصرار عن
إمكانية أن تكون هناك نهاية سعيدة تُشبِه نهاية حكاية الجِنِّيَّات
التقليدية بالنسبة لهاتين الشخصيتين. تدرك إزوبل الكثير في تحليلها
للحضور الذَّكَري في مراهقتها: «يبدو أن الرجال يقعون في فئة من
عدة فئات — هناك الآباء الضعاف والإخوة البشعون والأنذال الأشرار
وقاطعو الأخشاب الأبطال، وبالطبع الأمراء المهذبون — لا أحد منهم
يبدو مقنعًا تمامًا بشكل ما» (١٩٩٧م، ٧٥). يتكرر النص الثانوي
الجنسي في الكثير من حكايات الجِنِّيَّات كما يشير وَضْع بتلهايم
للأمور في سياقها فيما يتعلق بالبلوغ والصحوة الجنسية، في
«الكروكيت الإنساني»، ويجد أكثر تجلياتها إزعاجًا في أسرة بكستر
Baxter. على السطح هذا نص
مدرسي عن «الأسرة السعيدة» حيث تخبز الأم الكعك باستمرار وتراعي
متطلبات زوجها، لكن قارئ ما بعد الحداثة وما بعد الأنثوية لن يرضى
أبدًا بهذه النسخة من الأحداث. إن في قلب أسرة بكستر عنفًا أسريًّا
وزنى محارم، مما يجعل كل شيء أيضًا يؤكد حقيقة الأكليشيه المفضل في
الرواية: «قد تكون المَظاهر خادعة». تتابع أتكينسون هذه الاهتمامات
في رواية أخرى، «تواريخ حالة Case
Histories» (٢٠٠٤م)، وتجمع بين التقاليد
الفنية والتقاليد الطوبوجرافية للقصة البوليسية المعاصرة مع مجازات
حكاية الجِنِّيَّات وموتيفاتها.
تدين رواية أتكينسون «الكروكيت الإنساني» بعوالمها الموازية
وموتيفات الترحال عَبْر الزَّمن بالكثير للقصة الخيالية والعلمية
بالإضافة إلى شكسبير وأوفيد وحكايات الجِنِّيَّات. تشترك تقنيتها
القصصية في الكثير مع أسلوب «الواقعية السحرية» التي ارتفعت إلى
الصدارة في العقود الأخيرة من القرن العشرين، مستمتعة بالتجليات
الجماعية في كتابات مؤلفين من أمريكا الجنوبية والوسطى، وفي الفن
الأوروبي الغربي، وفي نصوص ما بعد الأنثوية وما بعد الحداثة. تناول
الفصل السابق معالجة الأسطورة في روايات سلمان رشدي في هذا السياق
والتأثير الأولي على رشدي، وعلى نسخة أتكينسون من الواقعية السحرية
مصدره أنجيلا كارتر. تَطلَّعَت كارتر بدون شك إلى حكايات
الجِنِّيَّات بحثًا عن مصدر للدافع الواقعي السحري في
كتابتها:
تمزق كارتر باستخدام مكونات حكاية الجِنِّيَّات الواقعية
التي ترعاها [كتابتها] لولا ذلك. تقر كارتر كراهية النساء
في حكاية الجِنِّيَّات التقليدية، بالإضافة إلى طواعية
حكايات الجِنِّيَّات للتنقيح والانتشار بطرق تُثري شفرات
اجتماعية خاصة (البطريركية بشكل خاص)؛ لكن من خلال هذا
الإدراك تروض كارتر حكاية الجِنِّيَّات كوسيط للكاتبة
الأنثوية.
(هد Head، ٢٠٠٢م،
٩٢)
تقترح ساره جمبل Gamble ذلك
بالنسبة لكارتر «الانتحال والإعداد هما حقًّا ما تدور حوله حكاية
الجِنِّيَّات» (١٩٩٧م، ٦٧)، مستشهدة بالتعريف الشخصي الذي تقدمه
كارتر للشكل:
الفرص هي، وقد جُمِعت القصة بالشكل الذي نعرفه، إلى حد
ما خارج كل أنواع القصص الأخرى لوقت طويل وموغل في القدم،
ولُحِمتْ مع أجزاء أخرى مفقودة، وأضيفتْ لها أجزاء،
وامتزجت مع قصص أخرى، حتى فصلت مرشدتنا نفسها القصة بشكل
شخصي لتناسب الجمهور … أو لتناسبها ببساطة.
(كارتر، ١٩٩٠م،
x)
هذا تلخيص رائع لعمليات الارتجال.
تناسبها وتناسب جمهورها، تبدي حكايات الجِنِّيَّات التي راجعتها
كارتر اهتمامًا عميق الجذور بالنصوص الثانوية الجنسية التي
يُحدِّدها بتلهايم. مجموعة القصص القصيرة التي تشكل مجموعتها
«الغرفة الدموية
Bloody Chamber»،
وتعيد فيها كتابة «الجميلة والوحش»، و«قطة في حذاء»، و«ذات القبعة
الحمراء»، وقصة قلعة بلوبرد (في عنوان القصة)، زاخرة بأوصاف الجسم
الإنساني والعملية الجنسية، بالإضافة إلى الحيض، وهو بالنسبة
لكارتر مختصر العتبة الجنسية التي تقف عليها بطلات حكاية الجِنِّيَّات.
١٢ «الشال القرمزي» في «شركة الذئاب
The
Company of the Wolves»، على سبيل المثال،
كناية عن ذات القبعة الحمراء التي لا يُذكَر اسمها، لا يدل فقط على
هويتها الأدبية التقليدية بالنسبة للقارئ لكنه يصبح رمزًا إضافيًّا
لعتبة الشعور الجنسي التي توضع عليها؛ إنه «لون الخشخاش، لون
الأضاحي، لون الحيض …» (١٩٩٥م، [١٩٧٩م]، ١١٧).
١٣ «شركة الذئاب» تحدث على عتبة التقويم أو حافة تقويم
الانقلاب الشتوي؛ أحبت كارتر استخدام هذه اللحظات «المفصلية» في
السنة كفضاء احتمالي في كتاباتها التنقيحية.
في هذه النسخة الخاصة من حكاية «ذات القبعة الحمراء» يعربد
الازدواج الجنسي العنيد للبطلة مع الذئب بدلًا من الالتهام العنيف
الذي تتعرض له جدتها. تجد كارتر في حكايات الجِنِّيَّات إمكانية
شاسعة لتحقيق التحرر بالإضافة إلى تقييد النساء، محررة العديد من
بطلاتها من المسار الضيق للزواج. كما وصفتها لورنا ساج بفصاحة، في
يدي كارتر «يفقد الوحوش والأميرات المواضع التي احتلوها في النسخة
القديمة …» (١٩٩٤م، ٣٩).
١٤ لكن حكايات كارتر المتمركزة حول الأنثى لا تبدل بعض
النسخ الساذجة من البطلة بالبطلات المحدودات في مصادرها. في الكثير
من الحكايات تثبت البطلات أنهن متواطئات في حبسهن وترحالهن، بدون
شك على ما يبدو، إلى «بلاد الزواج التي لا يمكن تخمينها» (٧). في
«الغرفة الدموية»، على سبيل المثال، يكمن جزء من منحنى التَّعلُّم
الحادِّ للراوية البطلة في معرفة أن ثروة زوجها الغامض أغرتها،
ويعرف القارئ على الفور أنه بلوبرد القاتل من إشارات يقدمها الأدب
الإباحي في مكتبته الشخصية، وكل المفاتيح الدالة تمامًا. سيطرت هذه
القصة عن العنف المكبوت ضد النساء، بالطبع، على الكثير من القصص
الأنثوي: في القرن العشرين، مستلهما، على سبيل المثال، «بيضة
بلوبرد وقصص قصيرة أخرى
Bluebeard’s Egg and other
short stories» لمارجريت أتوود، و«يوميات بلو
Blue Diary» لأليس هوفمان، وفي
القرن التاسع عشر مرفرفة تحت جناح «جين إير» لشارلوت برنتي.
١٥ في المخيلة الحية لكارتر، يبدو أن الحنفيات الذهبية في
حمام الماركيز والقماش الرقيق الذي يملأ به خزانة ثياب عروسه تحجب
قدرتها على التساؤل حول سجله السيئ في الزيجات السابقة. تسمح كارتر
لنفسها، في شخصية الأم التي لا تُقهَر التي تنقذ ابنتها في
النهاية، بتوغل أنثوي درامي إلى قلب أسطورة بلوبرد، مصنفة من جديد
بفاعلية الأخوة المخلصين، أخوة تشارلز بيرو من النسخة الفرنسية
للحكاية التي ترجع إلى القرن السابع عشر.
١٦
حرَّرَت كارتر، في مسيرتها المهنية، مجموعتين من حكايات
الجِنِّيَّات لدار فيراجو
Virago
للنشر (١٩٩٠م، ١٩٩٢م). في ١٩٩٧م ترجمت أيضًا المجموعة المؤثرة
لبيرو «تواريخ أو حكايات الزمن الماضي
Histoires ou
contes du temps passé» (١٩٩٧م). وكانت دارسة
بالإضافة إلى كونها مُعِدَّة للشكل؛ كانت حكايات الجِنِّيَّات
بوضوح جنسًا فنيًّا نموذجيًّا في أعمالها، تظهر في أشكال وصور
متنوعة في روايات منها «محل الدمى السحرية
The
Magic Toyshop» (١٩٦٧م)، وفيها في رأي دومنيك
هد: «يتم تحدي حكايات الجِنِّيَّات بروح متناقضة. حيث حكايات
الجِنِّيَّات عند الأخوين جريم أو بيرو تقمع نصها الثانوي عن
النشاط الجنسي، تجعل كارتر النشاط الجنسي المنبثق لبطلتها ميلاني
ابنة الخامسة عشرة القوة الدافعة للقصة» (٢٠٠٢م، ٩٢-٩٣).
١٧ تظهر نسخ ما بعد الحداثة من حكايات الجِنِّيَّات أيضًا
مجموعات القصص القصيرة التي نشرتها، ومنها «ألعاب نارية
Fireworks» وكتابها الذي نشر
بعد موتها «الأشباح الأمريكية وعجائب العالم القديم
American Ghosts and Old World
Wonders» (١٩٩٤م). ولا تحتوي المجموعة الأخيرة
على نسخة واحدة بديلة فقط من أسطورة سندريلا بل على ثلاث نُسَخ،
كما لو كان ذلك لتأكيد وعي كارتر بإمكانية تنقيح هذه
النصوص.
الراوي المشغول والمتطفل في «أشبوتل أو شبح الأم، ثلاث نسخ لقصة
واحدة Ashputtle or The Mother’s Ghost, Three
Versions of One Story» يناقش إمكانية إعداد
منظور جديد عن أسطورة سندريلا: «يمكنك بسهولة إبعاد القصة عن
أشبوتل وتركيزها على الأخوات المشوهات …» (١٩٩٤م، ١١٠). تعيد كارتر
متعمدةً عنف النسخ القديمة من القصة، مشاهد تشوه فيها زوجة الأب في
هذه الحكاية أقدام بناتها في محاولة لتجعلها تناسب حذاء الأمير
بالقوة. الصورة مزعجة في السياق، وتوحي باليأس المحيط بإمكانية
زواج البنات في المجتمعات القديمة، لكن كارتر توحي بتوازٍ حديث
مزعج في طقوس ربط القدم وختان الإناث (١٩٩٤م، ١١٠). يفكر الراوي
أيضًا في فشل الأب في مواجَهة العنف الذي تمارسه زوجته الثانية
تجاه ابنته في بيت الأسرة، متأملًا أنه إذا جعل البنات الثلاث في
القصة بناته بالفعل فقد يعدل الأمور: «لكن ذلك قد يحول القصة أيضًا
إلى شيء آخر؛ لأنه قد يقدم حافزًا، وهلم جرًّا؛ قد يعني أن عليَّ
أن أُقدِّم ماضيًا لكل هؤلاء الناس، وأن عليَّ أن أزودهم بثلاثة
أبعاد …» (١١٠). تتلاعب كارتر هنا بتعمد، حيث إن هذه الفقرة
الشرطية عمَّا قبل التاريخ والحافز، واستعادة الأبعاد الثلاثة، ما
اعتبرناه مركزيًّا في تجديدات أعمال شكسبير والأسطورة وحكاية
الجِنِّيَّات التي درسناها في هذا القسم وهي بدون شك مركزية
بالنسبة لدافعها التنقيحي.
العلاقة بين حكاية الجِنِّيَّات والفلكلور مُعقَّدة في تاريخ
الطباعة. بينما صارت أسماء بيرو والأخوين جريم وهانز كرستيان
أندرسن مُرادِفة لحكايات الجِنِّيَّات، كان هؤلاء المؤلفون
يُقدِّمون للطباعة نسخًا تحمل الطابع الشخصي من قصص جرت على الألسن
لفترات طويلة في سياق الثقافة الشعبية الشفهية.
١٨ وكما أوضحت مارينا ورنر كانت الثقافة الشفهية أيضًا
بيئة تتمركز أكثر بكثير حول الأنثى، برغم أن ورنر وكارتر كلتيهما
تدركان بالقدر نفسه سلفًا أنثويًّا مطبوعًا لحكايات الجِنِّيَّات
الحديثة التي تناولتاها. «حكايات الجِنِّيَّات
Les
Contes des Fées» لمدام دي أولنوي
(١٦٩٧–١٦٩٨م) التي نَشرَت عددًا من القصص المطبوعة المتداولة في
ثقافة الصالونات الفرنسية، مشروع أنثوي إلى حد بعيد (زيبس، ١٩٩٤م، ٢٠).
١٩ مهدت بشكل خاص حكاياتها عن عرسان الحيوانات الطريق
لقصة «الجميلة والوحش
La belle et la
bête» التي حظيت باهتمام متكرر من كارتر. في
«الغرفة الدموية» بالإضافة إلى عرسان الذئاب، توجد تنويعتان خاصتان
على حكاية الجميلة والوحش: «مغازلة مستر ليون
The
Courtship of Mr. Lyon» التي تحتوي على حل
مُبتَذل بشكل واعٍ لزواج بطليها، والحكاية الأكثر ظلمة وتشبعًا
بالجنس «عروس النمر
The Tiger’s
Bride»، حيث في عملية قلب نموذجية من خلال
الانتحال، لا تحول جميلة كارتر الوحش إلى التصور العادي لأمير لكن،
بمجرد أن يلعق العروس النمر طبقات جلدها، يكسوها الفراء. وفيما
يتعلق بالتَّناص السينمائي للكثير من نثرها، المراجعة القوطية التي
تقدمها كارتر لهذه القصة تدين أيضًا لنسخة الفيلم الرائع الذي قدمه
جان كوكتو (١٩٤٥م).
من المذهل أن نلاحظ أن العديد من المؤلِّفين الذين تم استدعاؤهم
في هذا التحليل لانتحال حبكات حكاية الجِنِّيَّات ونماذجها انشغلوا
أيضًا كثيرًا بشكسبير في كتابتهم: أتكينسون بكوميديات شكسبير في
«الكروكيت الإنساني»، كارتر بتراث شكسبير كله في روايتها الصعبة
«الأطفال الحكماء
Wise Children».
رواية مارينا ورنر «اللازوردي»، وقد ذكرناها من قبل في الفصل
الثالث فيما يتعلق بالمقارَبة التنقيحية لمسرحية «العاصفة»، نص
تَشرَّب أيضًا ميثولوجيا أوفيد وحكايات الجِنِّيَّات. تتشكل
الرواية برواية الشخصية شبه السحرية سيرافين كلابري، التي تُربَط
في نقاط متنوعة من الرقصة بالساحرة الشكسبيرية الثانوية ساكوركس.
القصة الأولى التي ترويها عن ملك، ابنته الجميلة، ذات الشعر
الذهبي، كما هو الحال في أفضل حكايات الجِنِّيَّات كلها، وطالب
يدها بدين يأكل المحار، يستدعي الاثنان أسطورة المسخ الأوفيدية عن
ميداس الذي حول الأشياء إلى ذهب، وتقدم نموذجًا لفهم العلاقة في
الرواية بين شخصيات السير أنطوني إفرارد
Everard وابنته الفاسدة زانث
Xanthe وزوجها في المستقبل سي
نبريس
Nebris، الذي وجد مزرعة محار
في أرض العائلة في الكاريبي.
٢٠ اسم زانث يعني «المذهَّب» باللاتينية، وتُلقَّب أيضًا
بأنها «ذهبية» في الرواية، مستدعية عددًا من نماذج حكاية
الجِنِّيَّات عن ذوات الضفائر الذهبية الأنانيات الشرهات وحكايات
لا تنتهي عن منافسات الإخوة بين الأخوات اللائي يوصفن بالتناوب
بأنهن «طيبات» و«شريرات»، غالبًا عَبْر أوصاف مُزعِجة عن الشَّعر
الساطع والقاتم. ميراندا الأخت غير الشقيقة لزانث والمختلطة العرق
أزعجتها بشكل واضح ما تتضمنه القصص من هذه التقاليد الأدبية. تشيد
ورنر خلال نسجها المتناص، نسجها للحوريات وتقلُّبات البحر في
مسرحية «العاصفة» لشكسبير مع تلك الحكايات عن الجِنِّيَّات، قصة
متمركزة حول الأنثى بشكل واضح. يبدو من المناسب أن الرواية تنتهي
وسيرافين لا تزال تروي القصص وتكررها بأسلوب الأم الساذجة وغازلات
الملابس اللفظية في حكاية الجِنِّيَّات. تحتوي الأساطير والحكايات
التي ترويها سيرافين، عاكسة الاهتمامات ما بعد الكولونيالية
والأنثوية لرواية ورنر، قصصًا عن الالتهام وعن الموت، والاستهلاك،
سواء كان جنسيًّا أم شيئًا آخر، لكنها تُراجَع باستمرار وتنقح،
وتُروَى من جديد في سياقات جديدة: «لكن هذه القصة البشعة ليست
مكتوبة على ما يبدو للفتيات الإنجليزيات الصغيرات، ومن ثم قامت
سيرافين بإعدادها، كما يفعل رواة القصص» (١٩٩٢م، ٢٢٤). هذا هو فن
الانتحال الواعي الذي تقدمه ورنر وكارتر وأتكينسون وكثيرات أخريات.
إنهن يكسرن تقاليد حكاية الجِنِّيَّات بتعمد ويحطمنها، ويرين
الأشياء من زاوية جديدة. كما يذكرنا جاك زيبس، يفعلن هذا: «ليغيرن
قراءاتنا للقصص المفضلة التي شكلت نوعًا من التراث في الثقافة
الغربية» (١٩٩٤م، ١٥٧). لكن، كما يلاحظ زيبس أيضًا: «تنقيح ما بعد
الحداثة الذي يقدمنه … لا يشبه حكايات الجِنِّيَّات التي يكسرونها
إلى شظايا ويحولونها إلى كل جديد. إنهن، بدلًا من ذلك، يستكشفن
براعة حكاية الجِنِّيَّات ويجعلننا ندرك أن هناك طرقًا مختلفة
لصياغة القصص ورؤيتها» (١٩٩٤م، ١٥٧).
في النهاية، إن النهاية السعيدة لحكاية الجِنِّيَّات هي ما تنكره
هذه النسخ التنقيحية بأكثر الطُّرق صخبًا، أو على الأقل تُشكِّلها
بوعي. مبرهنة مرة أخرى على أن الركود نموذج غير جدير بالثقة
بالنسبة لعمليات النصوص التراثية عَبْر الثقافات والزمن، هذه
«النسخ الأخرى» تفتح الاحتمالية ولا تغلقها، مقدمة «ليس استعادة بل
تمييزًا، لا ترسخ معيارا جديدًا بل تشك في كل المعايير» (زيبس،
١٩٩٤م، ١٥٧-١٥٨؛ انظر أيضًا زيبس، ١٩٧٩م، ١٧٧).