الفصل السادس
بناء وجهات نظر بديلة
تبيَّن بجلاء في مناقشة الإعداد والانتحال في هذا الكتاب أن هذه
العمليات كثيرًا ما تكون أعمالًا سياسية، وإن لم يكن ذلك حتميًّا.
بينما رأى ت. س. إليوت في «التقاليد والموهبة الفردية» أن عملية
إعادة التفسير في سياق جديد بُعدٌ ضروري بالغ القيمة حقًّا من
أبعاد الإبداع الأدبي، وكان يناقش ظاهريًّا شكلًا من أشكال العلاقة
بين المتناصات التي عكست ارتجاله الثقافي في الاقتباس والتلميح في
قصائد مثل «الأرض الخراب». تشير تلك القصيدة التي ترجع إلى سنة
١٩٢٢م إلى: «الشيطان الأبيض
The White
Devil» لجون ويبستر، و«أنطونيو وكليوباترا»
لوليم شكسبير، و«مسخ الكائنات» لأوفيد، وهنري جيمس، وأشعار شارل
بودلير، إضافة إلى تأثيرات ونصوص أخرى جمة.
١
تتغير أهمية العلاقة بين المتناصات والعملية المرجعية حيث يمتد
الانتحال إلى ما بعد التلميح المتشظي إلى تجديد ومراجعة أكثر
استمرارية. إذا كان على القراء الانتباه إلى علاقات المقارَنة
والتضاد التي رأى إليوت أنها حاسمة في العملية الجمالية، وهي تسير
غالبًا بدون القول بأن النصوص التي تم الاستشهاد بها أو تجديدها لا
بد أن تكون معروفة جيدًا. ويجب أن تكون جزءًا من بيئة معرفية
مشتركة، بالنسبة لكل من تداخل العلاقات والتفاعل ليكونَا قابِلَين
للتعريف وعلى هذه بدورها أن يكون لها التأثير المطلوب على القراء.
وهذا هو السبب، كما ناقَشْنَا في المقدمة، الذي يجعل الإعداد
والانتحال يميلان عمومًا إلى العمل ضمن معايير تراث راسخ، ويقومان
أحيانًا بتعزيز هذا التراث بتأكيد الاهتمام المستمر بالنص الأصلي
أو المصدر، برغم تغير ظروف الفهم. لنكرر عبارة ديرك أتريج التي تم
الاستشهاد بها في المناقشة التمهيدية: «تعتمد ديمومة أي تراث
جزئيًّا على إشارات الخلَف إلى السَّلَف …» (١٩٩٦م، ١٦٩). وهذه
العمليات الضرورية ضمن معايير التراث لا تعني بالضرورة أن عمليات
الانتحال تقبل فقط نصها السابق أو تستشهد به بدون تساؤل أو نقد.
تُستحَث دراسة عمليات الانتحال في سياق أكاديمي جزئيًّا بالقدرة
المعروفة للإعداد في الاستجابة أو الرد على أصل مهم من وضع سياسي
وثقافي جديد أو معدَّل، وبقدرة عمليات الانتحال على إلقاء الضوء
على الفجوات المزعجة ومواطن الغياب والصمت في النصوص التراثية التي
تشير إليها. الكثير من عمليات الانتحال لها استثمار سياسي وأدبي
مفصلي في إعطاء صوت لتلك الشخصيات أو لأوضاع أشخاص تدرك أنهم
قُمِعوا أو قُهِروا في الأصل.
لفت أتريج الأنظار بصورة مفيدة إلى المأزق المزدوج الذي تنتهي به
عمليات الانتحال المدمرة أو الاستطرادية المضادة، بإعادة تعزيز
الوضع التراثي للنص الذي تختلف معه، لكن المسألة المهمة التي يجدر
ذكرها هي حقيقة أننا، قراء أو مشاهدين، لا نرى أبدًا تلك الرواية
أو القصيدة أو المسرحية في الضوء نفسه بمجرد أن نجد مدخلًا للنقد
المتضمن في عمليات انتحالها. بالطريقة ذاتها يمكن القول إن رواية
«جين إير» لشارلوت برنتي (١٨٤٧م) لا يمكن أن تُقرَأ الآن من منظور
القرن الحادي والعشرين بدون البصائر المهمة لما بعد الكولونيالية
أو الأنثوية، ثم قد تقرأ «جين إير» أيضًا بصورة مختلفة في ضوء
الانتحال المؤثر إلى حد بعيد لجان رايس «بحر سرجاسو الواسع»
(١٩٦٦م).
بالتوازي يمكن أن يوجد هذا في مجال الأداء المسرحي، خاصة حين
يقيس تأثير نظريات برتولد بريخت وممارساته. حاول بريخت في «مسرحه
الملحمي» أن يشغل القوى العقلانية لاستجابة المشاهد (ويليت
Willett، ١٩٩٢م، [١٩٦٤م]،
٣٣–٤٢). أراد أن يكسر الرابطة الحسية بين المشاهد والممثل جزئيًّا
بعمليات «محو الألفة» أو
verfremdungseffekt، وتترجم
غالبًا إلى «تأثير الاغتراب»، واستراتيجياتها (كونسيل، ١٩٩٦م،
١٠٢-١٠٣؛ ويليت، ١٩٩٢م، ٩١–٩٩). يمكن ممارَسة محو الألفة إلى حد
بعيد على نص تراثي كأداء. في هذا السياق يمكن فهم التفسيرات
الجديدة التي قدمها بريخت لمسرحيات تتراوح من «هاملت» لشكسبير إلى
«أوبرا المتسولين» لجون جاي على أفضل وجه. في «البزوغ السهل لأرترو
وي The Resistible Rise of Arturo
Ui» (١٩٤١م)، على سبيل المثال، انتحل بريخت
المسرحية التاريخية «ريتشارد الثالث» لشكسبير ليثير قضية خاصة
جدًّا تتعلق بظهور الفاشية في ثلاثينيات القرن العشرين. يدعونا
الكثير من عمليات الإعداد التي تتم بآلية مماثلة «لمحو الألفة»،
كقُرَّاء أو مُشاهِدين، إلى إلقاء نظرة جديدة على نص تراثي ربما
نشعر، بدون ذلك، أننا «فهمناه» أو فسرناه بما يرضينا. وكثيرًا ما
تقوم عملية محو الألفة بكشف ما كُبِت أو قُمِع في أصل.
ثمة مُمارَسة مسرحية أخرى يمكن فحصها من منظور الانتحال وهي
الأداء بين الثقافي
intercultural.
طبقًا لرأى باتريس بافيه
Pavis:
«يبدع [المسرح بين الثقافي] بأضيق معنًى أشكالًا مهجنة تعتمد على
خليط واعٍ وإرادي تقريبًا لأداء التقاليد التي يمكن اقتفاء أثرها
حتى مناطق ثقافية محددة» (بافيه، ١٩٩٦م، ٨). وقد يعني هذا الأعمال
الغربية التي تَغيَّرت نتيجة تقنيات أعمال وتقاليد تنتمي لثقافات
أخرى، مثل نسخة للمخرج البريطاني بيتر بروك مُتأثِّرة بكاثاكالي من
المسرح الملحمي الهندي في «الماباراتا
The
Mahabharata» أو نوه وكابوكي اليابانيين
للمخرجة الفرنسية أريان منوشكي التي استلهمَت نسخًا من المسرحيات
التاريخية لشكسبير (كيندي
Kennedy،
١٩٩٣م، ٢٧٩–٢٨٨)؛ ربما يعني الأمر أيضًا نسخ كاثاكالي أو كابوكي
لنصوص من التراث الغربي.
٢ المشكلة دائمًا في مواجهات ثقافية من هذا النوع أن
الانتحال يمكن أن يبدو معاديًا أو افتراضيًّا اعتمادًا على الاتجاه
الذي ينبع منه– يجب صياغة السؤال دائمًا على النحو التالي: «مَنْ
ينتحل مَنْ؟» و«على أي أساس؟» إن منظِّري الأداء بين الثقافي قلقون
بشأن سياسات التعامل التي تحدث، حيث إن هناك دائمًا خطر مقاربة
إمبريالية، برغم أن البعض، مثل مارفين كارلسون، قد يدافعون أيضًا
عن الممارسة:
٣
تحافظ بعض الانتقالات الثقافية على الثقافة الأصلية،
وجهة نظر الآخر، بينما تمتصها الثقافة المستقبلة. برغم أن
التحولات أو إعادة تناول مادة أصلية ربما تحدث، إلا أن
هناك في الحقيقة علامات على تمثيل بين ثقافي بشكل حقيقي.
إن الاستعارة من ثقافة أخرى ليست استشهادًا خالصًا أو
بسيطًا وليستْ نسخة طبق الأصل مطلقًا.
(بافيه، ١٩٩٦م، ١٢)
يتم تأمل مجموعة جديدة كاملة من المصطلحات ونحن ندرس الإعداد
والانتحال، ناهيك عن السياق بين الثقافي، تنقلها هذه الانعطافات:
الحفظ، الامتصاص، إعادة التناول، الاستشهاد، النسخ،
الاستقبال.
جادلت جوتري شكرافورتي سبيفاك في أن ما بعد الكولونيالية
انتحالية بشكل مُتأصِّل في تلميحاتها، وفي الوضع السياسي الذي
تحتله: «فيما بعد الكولونيالية، يُزاح كل تعريف متروبوليتاني.
الصيغة العامة لما بعد الكولونيالية هي الاستشهاد، إعادة الكتابة،
إعادة توجيه التاريخي» (١٩٩٠م، ٤١).
٤ في حركة موازية، تقترح سيلفي موري
Maurei أن «الخطاب الأنثوي
يوجد على حواف أي بناء، أي ممارسة استطرادية» (١٩٩٨م، ٥٠). يعتبر
بيتر ويدوسون الكتابةَ المنقحة «مكوِّنًا حاسمًا» من المكونات
الأدبية، مجادلًا في أنه يمثل «ثقافة خيالية مضادة معاصرة، تعيد في
الرد على النصوص التاريخية، وعلى الأوضاع التاريخية التي شكلتها،
كتابة التاريخ الرسمي بمراجعة قصصه الرئيسية» (١٩٩٩م، ١٦٦). يحاول
هذا الفصل فحص قطاع عرْضي من هذه «القصص الرئيسية»، متراوحًا من
مسرحيات شكسبير التي ألقينا الضوء عليها بالفعل في الفصل الثالث
باعتبارها مركزًا لتاريخ فن الانتحال وكتابته، إلى الروايات
الواعدة في القرون الثامن عشر والتاسع عشر والعشرين. وبشكل خاص فحص
الطرق التي تنقح بها عمليات الانتحال نفسها من المنظور المؤثر لبعض
أكثر الحركات النظرية السائدة والمؤثرة في الأزمنة الحديثة:
الأنثوية وما بعد الكولونيالية وتاريخ الشذوذ.
«بحر سرجاسو الواسع» لجان رايس: «مجرد إعداد آخر؟»
في فترة مبكرة من حياتها حين كانت تقيم وتدرس في الدير
الدومينيكي، دير القديسة إنوسينزا
Innocenzia، بطلة رواية
«بحر سرجاسو الواسع» لجان رايس (١٩٦٦م)، أنطوانيت ماسون
Mason، تقرأ حيوات القديسين.
٥ لاحظت أن إنوسينزا نفسها ليست لها قصة في هذه
المجلدات الموجزة: «لا نعرف قصتها، ليست في الكتاب» (رايس،
١٩٨٧م، [١٩٦٦م]، ٤٥). تصلح العبارة تصديرًا للرواية كلها؛ لأن
ما تحققه رواية رايس بصورة رائعة هو تزويد شخصية هامشية من عمل
تراثي في الأدب الإنجليزي بتاريخ مُعقَّد وصوت. في الحقيقة،
رأت باتريشيا وو أن رايس بهذا العمل دعت بشكل نبوي إلى
الاهتمام المتكرر لما بعد الحداثة المتمثل في منح صوت للشخصيات
الصامتة أو الغائبة في التراث:
٦ «بشكل نبوي وتَوقُّعِي أمسكتْ بما تصادف أن يكون
الاهتمامات الأدبية السائدة في السنوات الخمس والعشرين
التالية: التيمة الأنثوية عن المجنونة المقموعة في العلية؛
إعادة اكتشاف البنيوية للتناص …» (١٩٩٥م، ٢٠٣). مرجع التَّناص
الذي تشير إليه وو هنا هو العمل الواعد في النقد الأنثوي،
العمل الذي قدمته ساندرا جليبرت وسوزان جوبار بعنوان «المجنونة
في العلية
The Madwoman in the
Attic» (٢٠٠٠م، [١٩٧٩]).
٧ يأتي هذا النص، كما تقترح وو، بعد رواية رايس لكنه
يغلف اهتمامها بشخصية الأنثى الصامتة في «جين إير»
ويوسعه.
«المجنونة في العلية» بالمعنى الحرفي «والأدبي» في رواية
رايس هي بِرْتا روشستر
Rochester، وكانت من قبل
برتا أنطوانيت ماسون من جاميكا، الزوجة الأولى لمستر روشيستر،
البطل المعقد الشبيه ببايرون في «جين إير». في رواية برنتي،
تُختزَل برتا إلى ثرثرة مجنونة تنبعث من الصفوف العليا في قاعة
ثورنفيلد
Thornfield، عزبة
أسرة روشستر، والبنى السلبية والبارانوية للآخرين. وقد أصابها
شكل وراثي من الجنون، حبسها روشستر في علية تحرسها الخادمة
جريس بول
Poole واختفت من
العالم. تُهمَّش برتا في النص اجتماعيًّا ومكانيًّا؛ روشستر
مستعد حتى لأن يتزوج على جين إير، برغم أنه أثناء حفل العرس
نفسه تُكشف حقيقة ماضيه على الملأ. توضح خطابات رايس التي
تتناول فيها تأليف «بحر سرجاسو الواسع» أنها كانت قلقة من
تقديم هذا التهميش لشخصية برتا نصف الكريولية:
٨
الكريولية في رواية شارلوت برنتي شخصية عادية،
مُنفِّرة، لا تهتم بما يحدث، ولم تكن على قيد الحياة
ذات يوم. إنها ضرورية للحبكة، لكنها تصرخ دائمًا وتصيح
وتضحك بشكل رهيب، وتهاجم الجميع بمختلف أشكالهم،
بعيدًا عن الأنظار. بالنسبة لي (وبالنسبة لك على ما
أتمنى) يجب أن تكون على خشبة المسرح مباشرة.
(رايس، ١٩٨٥م، ١٥٦)
لرايس مساهَمة شخصية في هذه المقارَبة، لكونها هندية غربية
بيضاء وواعية دائمًا بأنها غريبة في المجتمعات التي عاشت فيها.
في حركة مماثلة لتلك التي استكشفناها بالفعل في مراجعة نصوص
شكسبير، تنقل رايس شخصية هامشية من الطرف إلى المركز؛
استغاثاتها على المسرح وبعيدًا عنه في الخطاب المقتبس موحية
إلى حد بعيد فيما يتعلق بهذا الشأن.
بمنهج مماثل لعمليات الإعداد الأدبي، العمليات الأخرى التي
تسعى إلى إنطاق الشخصيات الصامتة أو المقهورة، تحقق رايس هدفها
في استعادة أنطوانيت في «بحر سرجاسو الواسع»، بالتحدث بضمير
المتكلم. لكن بدلًا من أن تمنح رايس لأنطوانيت المنظور الوحيد
في الرواية، تُدخِل أقسامها مع أقسام أخرى تفصح عنها أصوات
إضافية، وخاصة شخصية «روشستر» في الرواية، العاقل الذي تُحرَّر
قصته بشكل ساخر، مشوشة تقريبًا، باستجابته البارانوية
paranoid لوضعه الجغرافي
والشخصي: «سوف تحل شعرها الأسود وتضحك وتتملق وتداهن (فتاة
مجنونة. لن تبالي بمن تحب)» (رايس، ١٩٨٧م، [١٩٦٦م]، ١٣٥-١٣٦).
في القسم الأخير الحاسم من الرواية، حين ننتقل نهائيًّا إلى
إنجلترا، وحرفيًّا تمامًا إلى حقل نص برنتي، هناك صوت قصصي غير
مُحدَّد يروي بالتبادل مع الخادمة جريس بول. ذكر هذه الشخصية
الخاصة من رواية برنتي يضع القارئ المطلع للمرة الأولى بدون شك
في عالم «جين إير»، الذي، حتى هذه النقطة، يتم الإيحاء به
تلميحًا لكنه لا يُعرَّف بصورة قاطعة أبدًا.
في «جين إير»، بالطبع، لا تُمنَح برتا صوتًا (باستثناء نباح
حيواني مجنون، «ضوضاء» بمعنى الكلمة) وقليلًا من الاعتبار في
وصف مُدمِّر ومحدود يقدمه روشستر ويختزلها بمعنى الكلمة إلى
«وحش» (برنتي ١٩٨٥م، [١٨٤٧م]، ٣٣٦)، «برتا مانسون مجنونة؛
وجاءت من أسرة مجنونة؛ بلهاء ومهووسون عَبْر ثلاثة أجيال. كانت
أمها الكريولية مجنونة وسكيرة …» (٣٢٠). تُختزَل قصةُ حياتها
كلها إلى فصل واحد (الفصل ٢٧) في «جين إير». من هذه الحبكة
الضئيلة أو الهامشية، هذا الفصل الواحد، تضع رايس تصورًا
لرواية كاملة. كما تصفها نانسي هاريسون
Harrison: «تبني رايس
روايتها لتوضح لنا كيف يمكن الكشف عن نص صامت ليسود نصًّا كان
من قبل سائدًا» (١٩٨٨م، ٢٥٢). ما تكشفه رايس أيضًا في الخبرة
الثقافية الثرية والصوت الشعري، وحتى الموسيقي، الصوت الذي
تمنحه لأنطوانيت هو العنصرية الكامنة والتحيز في رواية برنتي
وثقافتها. قضية التسمية مهمة: «برتا» اسم فرضه على أنطوانيت
شخص لم يُذكر اسمه ويرمز إلى روشستر في الرواية، مكمل
supplement روشستر بمصطلح
دريدا (دريدا، ١٩٧٦م، ١٤١–١٥٢). تمثل إعادة التسمية بهذه
الطريقة محاولة لإعاقة ارتباطاتها الوراثية بأمها وبالامتداد
مع الجنون الوراثي المفترض في عائلتها. وتشرِّع أيضًا من جديد
ما وصفه إدوارد كامو برثويت بعملية «كرولة
Creolization» في جاميكا
في القرن التاسع عشر: «بدأت الكرولة مع «الموسم» – فترة من سنة
إلى ثلاث سنوات، كان العبيد يوسمون، ويُمنحَون أسماء جديدة
ويدرَّبون على صنعة كعبيد مكريلين
creolized» (أشكروفت
وآخرون
Ashcroft et al.،
١٩٩٥م، ٢٠٣).
٩
وصفت هيلين كر Carr «بحر
سرجاسو الواسع» بأنها «تحليل رائد للإمبريالية في قلب الثقافة
البريطانية» (١٩٩٦م، ٢٠). وحوافز رايس تدفعها في وقت واحد
أبعاد عرقية ترتبط بالنوع. تمنح صوتًا للقصص المكبوتة في
التراث الأدبي الإنجليزي، وبهذه الطريقة أصبحت روايتها تراثية
في حد ذاتها، حاملة معياريًّا للدافع التنقيحي في الأدب،
الخطاب المضاد أو الثقافة المضادة التي يعتبرها ويدوسون مركزية
لممارستها. تمثل «بحر سرجاسو الواسع» مثالًا مركزيًّا لرواية
الأنثوية وما بعد الكولونيالية. ومن المثير، بالطبع، أن «ترد»
رايس على نص تراثي كتبته امرأة أخرى، كاشفة في العملية أن كل
إمكانية التحرر التي تصورها برنتي في هويتها كمؤلفة منشورة
أعمالها، كانت في مواقفها السياسية نتاجًا لثقافة إمبريالية
(سبيفاك، ١٩٩٧م، [١٩٨٩م]، ١٤٨).
لا تشترك «بحر سرجاسو الواسع» بكل معنى الكلمة في الفضاء مع
سابقتها الأدبية إلا في المراحل الأخيرة جدًّا من رواية رايس.
في القسم الأخير من الرواية، الذي يبدأ بصوت الراوي الذي لم
يُذكَر اسمه، تُحبس أنطوانيت القلقة والمرتبكة في غرفة العلية
في قاعة ثورنفيلد. كما لو أن الرواية كانت تُدفَع باتجاه هذه
اللحظة طوال الوقت في مخيلة القارئ، على الأقل ذلك القارئ الذي
يفهم أن «جين إير» تيار خفي أو قصة خلفية لرواية «بحر سرجاسو
الواسع». لأنها حقيقة لا مفر منها أننا إذا قرأنا قصة أنطوانيت
في سياق قصة برتا روشستر نتنبأ بحبسها في العلية، ونتوقع موتها
في النهاية بعد محاولة حرق قاعة ثورنفيلد. تشجع رايس، وربما
حتى تغذي، هذا التوقع بانتحال استخدام برنتي للنار بشكل رمزي
طوال «جين إير». مبكرًا في «جين إير» يُغلَق على جين الشابة
ظلمًا في غرفة عقابًا لها من الأسرة التي تعيشها معها. تسقط
فجأة فاقدة الوعي في حالة صدمة، وتستيقظ على نار في الغرفة،
ويتم إنقاذها. بهذه الفقرة، ترسخ برنتي عددًا من الموتيفات
المركزية في روايتها، ناهيك عن الحبس والنار. تكرر رايس ذلك
التلميح في «بحر سرجاسو الواسع» حين يُحرَق بيت عائلة
أنطوانيت. وحين تشير أنطوانيت في الجمل الختامية في نص رايس
إلى الشمعة التي تمسك بها يكون القارئ اليقظ قد تنبأ بالتأكيد
بنهاية حياة برتا في «جين إير». يوحي بروس وودكوك بأن رايس
تترك النهاية مفتوحة للبدائل: «إن تبني رايس للمضارع والاختيار
الفني لنهاية الرواية في هذه اللحظة من الغاية غير المحددة
يسمح أيضًا لنا بتخيل أنطوانيت وهي تهرب من سلسلة الأحداث
المحددة سلفًا إلى بياض صفحة المستقبل» (٢٠٠٣م، ١٣١).
١٠ لكن إذا كانت القوة المشكلة لتفسير معظم قراء «بحر
سرجاسو الواسع» هي «جين إير»، كما نوت رايس بالتأكيد، يبدو هذا
أيضًا يوتوبيًّا في آماله. في عقول قراء كثيرين محكوم على
أنطوانيت أن تكرر النهاية التراجيدية التي تصورتها برنتي
لها.
«بحر سرجاسو الواسع» رواية تُبنَى حول أنواع متنوعة من
التكرار بالإضافة إلى المراجعة. تكتب سيلفي موري ببصيرة، واصفة
الرواية بأنها «غرفة صدى» (١٩٩٨م، ١٢٩)، عن العنوان الموحي
للنص. بحر سرجاسو مشهور بأنه منطقة هادئة وسط دوامات، ولهذا
يمتلئ ببعض أنواع الأعشاب البحرية. إلا أن هذا الموضع الراكد
هو أيضًا مكان يعود إليه سمك الأنقليس سنويًّا للتوالد. إنه
بالتالي يحقق في رأي موري احتمالية التكرار الراكد إلا أنه
يحمل إمكانية لإبداع رائع: «للتكرار في مياهه الساكنة وظيفة
خلاقة؛ بحر سرجاسو، مميتًا وولودًا، موضع التجدد الدوري،
التكرار الخلاق» (١٩٩٨م، ١٢٩). يدفع الوجود المتناقض نفسه
للتكرار الخانق واحتمالية خلق شيء جديد أي عمل من أعمال
الانتحال، ويدفعان «بحر سرجاسو الواسع» بقوة قهرية بشكل خاص.
تبدو حقيقة لا مفر منها أنه إذا كانت رواية رايس، كما ذكرنا،
مبنية حول التكرار والأنماط المتكررة، من غير المحتمل أن
تستطيع أنطوانيت أو القارئ الهروب من المصير المحدد لشخصيتها
سلفًا. حين يقوم «روشستر» في الرواية برسم منزل يكون، على
الأقل في ذهن القارئ، قاعة ثورنفيلد، وأنطوانيت محبوسة بالفعل
في سجن عليتها: «رسمْتُ منزِلًا تحيط به الأشجار، منزِلًا
كبيرًا. قسَّمْتُ الدور الثالث إلى غرف وفي غرفة رسمْتُ امرأة
واقفة …» (رايس، ١٩٨٧م، [١٩٦٦م]، ١٣٤). عميقًا فيما دون وعي
أنطوانيت يبدو أنها تتنبأ بهذه النهاية أيضًا: «لأنني أعرف ذلك
المنزل حيث أكون باردة لا منتمية، السرير الذي سوف أنام فيه له
ستائر حمراء وقد نمتُ هناك من قبل مرات كثيرة، منذ زمن بعيد»
(٩٢). هذه بالتأكيد قضية الشخصيات والقصص والأحداث التي
تُنتحَل: تتحدد نهايتها سلفًا في مخيلتنا بالمعرفة السابقة
بالنص السابق. أنطوانيت، بالنسبة لكل استثمار رايس في منحها
صوتًا وتاريخًا، لا يمكن أن تفر من القيود سواء كانت قيود
غرفتها أم مسار حبكتها التي تنسب إليها سلفًا: «الآن على الأقل
أعرف لماذا أتوا بي إلى هنا وما ينبغي علي أن أفعل»
(١٥٥-١٥٦).
يبدو أن رايس نفسها قلقلت بشأن مدى اعتماد المخلوقة الروائية
التي أبدعتها على «جين إير» في وجودها. خشيت حقًّا أن تعتبر
روايتها «مجرد إعداد آخر» (رايس، ١٩٨٥م، ١٥٩) وعند نقطة معينة
في رسائلها تتأمل في «فصل» الرواية عن سابقتها، برغم أنها
تقتنع بسرعة بالعدول عن هذا: «ربما يكون ممكنًا فصل العمل كله
عن رواية شارلوت برنتي، لكنني لا أريد ذلك. تلك الكريولية
الخاصة هي ما أريد أن أكتب عنه، لا عن أحد آخر من الكريوليين
المجانين» (رايس، ١٩٨٥م، ١٥٣). الإعتاق موضوع رئيسي في «بحر
سرجاسو الواسع»؛ يُذكَر التشريع الذي أعلن إلغاء العبودية في
المستعمرات البريطانية في الصفحة الأولى. إلا أنه في ربط قصة
أنطوانيت بقوة بقصة برتا روشستر، تدرك رايس بصورة مماثلة أنها
تحدُّ من احتمالية الشخصية التي تقدمها، مقدرة مصيرها (موري،
١٩٩٨م، ١٣٣-١٣٤). يمكنها أن تحرر برتا من العلية، بمعنى أنها
تستطيع أن تهبها صوتًا وتاريخًا سابقًا لكنها لا تستطيع أبدًا
أن تعتقها تمامًا من توقعات القارئ المنبثقة من وعيه برواية
«جين إير».
ربما ذلك في النهاية هو المصير الذي يمكن أن نتوقعه من نص
منتحل: بالضبط مثلما تعتمد ما بعد الكولونيالية، بحكم علامتها
المميزة «ما بعد»، على فَهْم العمليات الكولونيالية لتستمد
قوتها الكاملة كحركة، ومن ثم ترتبط «بحر سرجاسو الواسع» إلى
الأبد بالنص الذي تحاول بمثابرة شديدة أن تعيد كتابته (سافوري
Savory، ١٩٩٨م، ٢٠٣). ليس
أمام الخطابات المضادة، في البحث عن تحدي القيم التي يرسخ
عليها تراث، سوى أن تعيد نقش التراث، لكنها تفعل ذلك بطرق
جديدة وبطرق نقدية جديدة. إذا كان ادعاء ولتر بنيامين صحيحًا
في «عن مفهوم التاريخ» (٢٠٠٣م،
a، ويعرف أيضًا بعنوان
«أبحاث في فلسفة التاريخ») بأن «هناك وثيقةً ثقافية ليست في
الوقت ذاته وثيقةً بربرية.
١١ وحيث إن تلك الوثيقة لا تتحرر أبدًا من البربرية،
فإن البربرية تلطخ الأسلوب الذي نُقِلتْ به من يد إلى أخرى»
(بنيامين، ٢٠٠٣م،
b: 4، ٣٩٢)،
ومن ثم تكون النصوص المنتحلة أو المُنقَّحة من قبيل «بحر
سرجاسو الواسع» قادرة على كشف أو توضيح ما تقمعه «جين إير»،
وبالتالي ما يقمعه المجتمع في القرن التاسع عشر. وكما أشارت
دراسة ميشيل فوكو عن الخطاب الفيكتوري القمعي عن النشاط
الجنسي، يمكن أن تكون عملية العودة حركة متحررة بشكل ضمني
بالإضافة إلى كونها تكرارية (١٩٨٤م، [١٩٧٨م]، ٩٢–١٠٢). وهذا
صحيح بالتأكيد بالنسبة لرواية ننتقل لمناقشتها الآن، رواية «فو
Foe» للكاتب ج. م. كوتسي،
وقد أصبحت، مثل «بحر سرجاسو الواسع»، تراثية في حد ذاتها،
نموذجًا للحركة الاستطرادية المضادة في الانتحال
الثقافي.
«فو» ج. م. كوتسي والنص الرئيسي
أصول التَّهكُّم قديمة، وهو نوع من التقليد يحدث عادة لتأثير
أو غرض هجائي (دِنْتيث، ٢٠٠٠م)، وتعتبر المعارضة شكلًا أدبيًّا
مرتبطًا به، حيث إنها تتضمن، مثل التهكم، التقليد على مستوى
الأسلوب غالبًا. إلا أن «المُعارَضة» تشير في أضيق استخداماتها
في مجال الفنون الرفيعة والموسيقى، بشكل أكثر خصوصية، إلى مزيج
من الإشارات إلى أساليب أو نصوص مختلفة أو مؤلِّفِين مختلقين.
ويرتبط هذا بدوره بالمصطلح الذي ناقشناه من قبل، مصطلح
الارتجال. إذا كانت ما بعد الحداثة، كما رأينا، اتحادًا
معقَّدًا من الإحياء والتشظي، يبدو أن الارتجال والمعارضة
يُشكِّلان صيغًا طبيعية للخطاب خاصة بهما. السؤال الذي تثيره
أي عملية تقليد هو ما إن كان التجسيد يتم بأسلوب احتفاء أم
نقد. إلا أنه في الكثير من الحالات تكون الحقيقة هجينًا من
الموقفين بشكل أكثر تعقيدًا.
يبدو اللجوء إلى التراث الأدبي في عمليات الإعداد والانتحال
حتميًّا في هذه الدراسة تقريبًا فيما يتعلق بأن أحد التأثيرات
الأساسية للإعداد تحريك إحساس القارئ أو المشاهد بالتشابه أو
الاختلاف. ومن الحتمي بصورة مماثلة أن السرد النثري الذي
اعتُبِر غالبًا النصَّ المؤسِّس — لحظة الإنشاء إذا أحببْتَ —
للرواية الإنجليزية، «روبنسون كروزو» لدانيال ديفو (١٧١٩م)،
ينبغي أن يكون بؤرة سلسة من عمليات الإعداد والتجديد (وات
Watt، ١٩٥٧م، ٦٦–١٠٣).
بالإضافة إلى نصوص مداهنة وموازية عن المنبوذين في الجزر
المعزولة، بما فيها «عائلة روبنسون السويسرية»، يقدم عدد من
هذه التجديدات نقدًا واعيًا لأيديولوجيات الأصل وسياساته.
١٢ نشر جان جيرودو «سوزان والمحيط الهادئ
Suzanne et le Pacifique»
(١٩٢١م)، وتعيش بطلتها في جزيرة معزولة، بدأت فورًا في تحقير
القيم البطريركية والإمبريالية في «روبنسون كروزو».
١٣ ويرى جينيت أن هذا النص «تفنيد» لا تجديد لرواية
ديفو (١٩٩٧م، [١٩٨٢م]، ٣٠٣). يتركز اهتمام جيرودو على استكشاف،
في حركة موازية لمعالجة رايس لرواية «جين إير» في «بحر سرجاسو
الواسع»، السياسات المثيرة للخلاف في الأصل. تحتفي روايته
بالخصوبة الطبيعية في الجزيرة في مقابل الأعباء الميكانيكية
للطموح الإمبريالي. وهذه، بالطبع، مناظرات أثيرت مع التماهي
غير الإشكالي في رواية جيرودو، تماهي الأنثى مع الطبيعة،
ومزايا طبيعة الجزيرة على كل ما سواها، لكنها مقاربة كُرِّرتْ
في رواية ميشيل تورنيه «فندريدي؛ أو تخوم المحيط الهادئ
Vendredi; ou les Limbes du
Pacifique» (١٩٦٧م)، وترجمت إلى
الإنجليزية في ١٩٨٤م بعنوان «فريداي؛ أو الجزيرة الأخرى
Friday; or the Other
Island» (العنوان الفرعي إشارة إلى
التصدير الفرنسي للرواية: «إنها دائمًا جزيرة أخرى
il y a toujours une autre
île»).
١٤ بالإضافة إلى الإشارة إلى الغرائز الأولية التي
تكشف عنها الحياة على الجزيرة في كروزو: «عاد إلى المستنقع حيث
كاد يفقد رشده، وخلع ملابسه، وترك جسمه يغطس في الوحل الفاتر»
(١٩٨٤م، [١٩٦٧م]، ٤)، يقدم التجديد شبه الفرويدي الذي قام به
تورنيه في عنوان الرواية الاحتياجات الجنسية لبطله، وتكاد تكون
غائبة تمامًا عن نص ديفو. تصبح الجزيرة الرفيق الجنسي لكروزو،
نتاج هذا الاتحاد هو نبات يشبه اللُّفَّاح عبر الجزيرة، وهو
عند تورنيه بمثابة رمز للتأثير التَّحوُّلي وأثر النشاط الكولونيالي.
١٥ إنه سرد بضمير الغائب لكنه سرد اهتم بانتحال عقل
فريداي لكروزو وشخصه دعمًا لإخضاعه الجزيرة ونباتها وحيواناتها
لسيادته وسيطرته. رأي فريداي اهتمام مندفع بالكثير من تجديدات
ما بعد الكولونيالية في القرن العشرين لنص ديفو، ويجدر أيضًا
ملاحظة أن نصَّ تورنيه — منعطفًا في كل الدورات بالأعراف وخطاب
التحليل النفسي — مثالٌ آخَر لعمل منقح شَكَّلَته الاهتمامات
النظرية والفكرية للحظة تأليفه.
ربما يبدو أن مفهوم جيرار جينيت عن الهيبر نص الذي استدعته
هذه الدراسة في عدة مناسبات يُقصِي المصطلح عن استخدامه
المعاصر الأكثر ألفة في معجم الكمبيوتر حيث يشير إلى النصوص
والرسوم التي بينها ترابط داخلي على شاشة مما يُمكِّن القارئ
من القراءة والتَّنقُّل عَبْر الوثائق، لكن تلك الفكرة عن
الترابط والتَّنقُّل بين النصوص والصور تبقى فكرة قوية في سياق
الإعداد. أحد الأنماط الشائعة التي تنبثق من كل النصوص التي
تتم مناقشتها في هذا الكتاب أن الهيبر-نصوص كثيرًا ما تصبح
«هيبر-هيبر-نصوص»، ملمِّحًا ليس فقط لنص أو مصدر أصلي مؤسِّس
لكن أيضًا إلى عمليات تنقيح أخرى معروفة لذلك المصدر. يبدو أن
كلًّا من نَصَّي جيرودو وتورنيه على علاقة بمراجعة قصة
«روبنسون كروزو» أصبحت تراثية في حد ذاتها (أتريج، ١٩٩٦م،
١٦٩)، «فو» ج. م. كوتسي (١٩٨٦م). «فو»، مثل «سوزان والمحيط
الهادئ»، تأنيث لرواية «روبنسون كروزو»؛ إن الشخصية المركزية
فيها اسمها سوزان، ومعظم سرد راويتها بضمير المُتكلِّم. يتعقد
رنين تَناصِّها أكثر حين ندرك أن سوزان بارتون
Barton هي الشخصية
المركزية في رواية أخرى من روايات ديفو، «روكسانا
Roxana»، عن محظية من
القرن الثامن عشر. وهذه الطبقات من الاستشهاد القصصي والمراجع
استراتيجيات مدروسة في هذه الرواية التي وصفتها دومينيك هد
بشكل مفيد بأنها «تصفية نصية للاستعمار» (١٩٩٧م، ١٤). يستخدم
بورتر أبوت
H. Porter Abbott
مصطلح «النصوص الرئيسية» لوصف تلك «القصص التي نعيد روايتها في
أشكال لا تُعَد ولا تُحْصَى» (٢٠٠٢م، ٤٢). عدد كبير من
الهيبو-نصوص التي نتناولها هنا أمثلة دقيقة للنصوص الرئيسية،
خاصة «روبنسون كروزو» حيث إنها تُوِّجتْ باعتبارها الأب
المؤسِّس (وأنا أستخدم التعبير بتدبر) للرواية الإنجليزية،
محتْ تقاليد سابقة للقصة النثرية للنساء بطابع رومانسي، بما في
ذلك أعمال أفرا بيهن، وتُبقِي على رأس تقاليد الرواية
الإنجليزية قصة تقمع تمامًا أي دور للنساء.
١٦
يسعى كوتسي بوضوح إلى إفساد النص الرئيسي «روبنسون كروزو».
يُعرف مؤلِّفه هنا باسم «فو»، ولا يلعب فقط على الإحساس بالعدو
أو الخصم المتضمن في هذا الاسم، لكنه يلفت الانتباه إلى انتحال
عمل ديفو بكتابة اسم مستعار ليحجب الحقائق الطبقية لوضعه: تهتم
هذه الرواية في كل منعطف بالتزوير والتزييف والانتحال في
العملية القصصية.
١٧ بالإضافة إلى ذلك ربما تكون هناك إشارة أدبية
دقيقة للنوع من حيث إن النساء في بدايات الأدب الحديث كان يشار
إليهن غالبًا بكلمة
foemenine (انظر، على سبيل
المثال، القصيدة الملحمية التي كتبها إدموند سبنسر في القرن
السادس عشر «ملكة الجِنِّيَّات
The Faerie
Queene»).
١٨ ولأن النوع مهم بالنسبة «للمراجعة» التي يقدمها
كوتسي لنص ديفو يبدو هذا معقولًا إلى حد بعيد. تقدم هذه
الرواية باستمرار آراء ونتائج وتفسيرات بديلة، والاحتمالات
المتعددة لعنوانها ليست استثناء.
بكل الطرق، يتحدى هذا النص الميتا-قصصي «الحقيقة» الأدبية
والأصالة. تبدأ الرواية براوٍ بضمير المتكلم يرى أن القارئ
المنغمس في قراءة «روبنسون كروزو» قد يتوقع أن تكون هذه عن
كروزو نفسه: «في النهاية أستطيع أن أُجدِّف أبعد» (كوتسي،
١٩٨٧م، ٥). ويتبين أن الصوت صوت سوزان بارتون وقد تَحطَّمَت
سفينتها على سخونة رمال هذه الجزيرة الخاصة المهجورة. الدَّال
الحاسم «تنورة داخلية» وهي كل ما فرَّتْ به (٥). يوجد،
بالتالي، وَعْي سردي منذ البداية بشأن توقُّع القارئ: «بالنسبة
للقراء الذين شبُّوا على حكايات الرحالة، ربما تستحضر كلمتا
جزيرة مهجورة desert isle
مكانًا به رمال ناعمة وأشجار وارفة حيث تجري الجداول لتطفئ عطش
المنبوذ … لكن الجزيرة التي نُبِذتُ عليها مكانٌ مختلفٌ
تمامًا» (٧). تشير «لكن» الدالة تمامًا إلى الابتعاد
المُتعمَّد للسرد عن نص مصدره.
نواجه كروزو
Cruso في نص
كوتسي، برغم أن اسمه يُتَهجَّى بشكل مختلف على الصفحة (حرف
e المحذوف مهم تمامًا)،
يبرهن على أنه بهيمة بشكل مختلف إلى حد ما مقارَنة بالشخصية في
نص ديفو؛ إنه هنا عجوز مُشتَّت الذِّهن ومُشوَّش الذاكرة. لا
يَتنافر بشكل تام عدم مصداقية كروزو كمصدر للحقيقة مع نص ديفو،
وهو ممتلئ ببراعة بالتضارب مثل نَفَاد الحبر، ومُواصلة كروزو
تسجيل يومياته بعد ذلك بلحظات فقط. إلا أن كروزو كوتسي لا يكتب
يوميات؛ تقوم بهذا سوزان بارتون في إعادة تَصوُّر آخَر حاسم
للأصل. واليوميات هي التي تذكر ذات مرة أنها فرَّت من الجزيرة
وعادت إلى لندن. أثناء إحياء هذه اليوميات والرسائل (التي لا
تُرسَل غالبًا) التي تُوجِّهها سوزان لفو حين تعتقد أنه غادر
لندن إلى بريستول، ينغمس كوتسي في أداء أدبي بارع، في معارضة
واعية للكثير من الأساليب النثرية السائدة في أدب القرن الثامن
عشر أو الإيحاء بتغيير مصدر الصوت متراوحة من اليوميات غير
الموثوق فيها و«السير الذاتية» لديفو نفسه إلى مغامرات صمويل
ريتشاردسن المكتوبة في شكل رسائل.
١٩ يستدعى وَلَع هنري فيلدنج برواية التَّشرُّد في
نصوص مثل «توم جونز
Tom Jones»
و«جوزيف أندروز
Joseph
Andrews» أيضًا في هذا القسم من الرواية حيث
تذهب سوزان إلى بريستول لتجد فو يبيع كُتُبَه في الطريق كبرهان
قوي جدًّا على القيمة المادية للأدب.
٢٠
تتمثل الإشكالية التي يثيرها كوتسي هنا في السؤال الذي أثار
كثيرًا من الجدل بشأن ملكية القصص. في أي مناقشة أنثوية يكون
من المعقول ادعاء أن قصة الجزيرة قصة سوزان، قُدِّمتْ إلى فو
بجلاء ليكتبها وينشرها، برغم أن في ذلك تخلِّيًا ضمنيًّا عن
حقوق لا يمكن تجاهلها. لكن هل كانت دائمًا قصتها لتمتلكها؟
كانت خبرة الجزيرة خبرة مشتركة رغم كل شيء، وهي قصة كروزو كما
توحي هي نفسها، ترويها في غيابه فقط (في هذه النسخة يموت كروزو
على السفينة وهو في طريق عودته إلى أرض الوطن). وسوف نعود إلى
السؤال الآخر عن حقوق فريداي في القصة. تشعر سوزان بوضوح بولاء
لكروزو الميت، وكانت على علاقة به على الجزيرة، لكن إذا كانت
قصة سوزان أو حتى كروزو، فهي ليست قصة مُؤهَّلة لأن تحكيها في
السياق الذكَرِي في عالَم النشر في القرن الثامن عشر: حيث إنها
تعتمد على السُّمعة الراسخة التي يتمتع بها فو. هناك بالتالي
إحساس تُسَلِّم به قِصَّتها يؤدي إلى فَقْد مصاحب لهويتها:
بدون أي تدوين ملموس للوقت الذي قضته على الجزيرة، تصبح
«كائنًا بدون مادة، شبحًا» (كوتسي، ١٩٨٧م، ٥١) إلا إذا روى فو
قصتها. تُستدعَى بوضوح عمليات تأصيل الأدب وتحديد مُؤلِّفه،
لكن يستدعى أيضًا الإيحاء بأن «دي» فو (De)
Foe لص يسرق قصص الآخرين، لص أدبي بتعبير
آخر. مهنته الأساسية كصحفي تزيد من تعقيد فهمنا لعلاقته
بالمصدر الذي استقى منه مادة «قصته».
بهذه الطريقة الدقيقة والمُعقَّدة، يحيي كوتسي مُناظَرة
عمرها قرون حول قانونية حقوق النشر وملكية المادة الفكرية.
يفعل ذلك حتى بتأكيد حذر من روايته في شكل مطبوع: توضع
العبارات السردية لسوزان بين علامات تنصيص. وهذه الحقيقة تؤكد
أن الكلمات «تنتمي» إليها، لكنها تجعل منها إشكالية، جاعلة
القارئ يدرك بألم في كل وقت الطبيعة الاستعادية والأدبية
للكلمات، وبالتالي طبيعتها البنيوية. علامات التنصيص في الوقت
ذاته ادعاء بالأصالة واعتراف بالحيلة. تلاحظ مرجريتا دي جرزيا،
كاتبة عن قانونية عملية علامات التنصيص، أن «علامات التنصيص
تزود الصفحة بمراسيم، حامية المواد الخاصة من الاستخدام العام»
(١٩٩٤م، ٢٩٠)، إلا أن سوزان تسعى خلال العمل إلى تعميم خبراتها
على الجزيرة.
٢١
هذه القراءة لمُطالبة سوزان بتاريخها her
history («قصتها
herstory») كمِلْكِية أو
سلعة في المجال العام تعقدها بصورة مضاعفة طبقات من إشارات
التَّناص الداخلية في نص كوتسي؛ لأن سوزان نفسها، كما اعترفت
دومينيك هد، بِنْيَة قصصية شخصية من رواية أخرى لديفو. من
المعاني الضمنية أن فو يسرق قصة حياة سوزان منها ليشكل مادة
أساسية لما يسمى «عملًا قصصيًّا أصيلًا» آخَر مربحًا، رواية
«روكسانا»، وترجع إلى سنة ١٧٢٤م. ثمة تضمين آخَر وهو أنه يسرق
من ذلك السرد القصصي ليعطيها فهمًا زائفًا لتاريخها. تبدو
سوزان في النهاية عاجزة عن تمييز الحقيقة من الخيال. تفترض أن
الشابة التي تدعي أنها ابنتها مخلوق قصصي من مخلوقات فو، وهي
بالطبع كذلك إذا اخترنا كقراء أن نستدعي «روكسانا»، العمل
المتناص بصورة خاصة، حيث تعود في تلك الرواية ابنة سوزان
بارتون المفقودة منذ وقت طويل لتُقتَل في عمل ظالم وبَشِع من
أعمال الولاء على يد آمي الخادمة. لكن هذه القراءة بدورها
تختزل سوزان «فو» إلى وضع قصصي مَحض. يبدو أن رواية كوتسي تعبث
أكثر بهذه الاحتمالات التفكيكية حين يحل، في النهاية، مكان
السرد بضمير المتكلم سرد لراوٍ نكرة، مقلقلًا السرد أكثر فيما
يتعلق بالزمني والقصصي، ويتكرر الفعل الاستهلالي الذي يتمثل في
الانزلاق من فوق السفينة. ينتقل الراوي والقارئ إلى الجزيرة
مرة أخرى، ليكتشفا فقط، في المثال الأخير للانزلاق السردي، أن
جثة سوزان بارتون لا تزال على السفينة، مما يوحي بأن السرد
الذي كنا نتتبعه للتو زائفٌ تمامًا وبدون أساس ملموس، ومستساغ
تمامًا حين نضع في الاعتبار أننا نقرأ قصة.
وسط كل هذه الاهتمامات بحقوق سوزان بارتون أو بشكل آخر بسرد
خبرة الجزيرة، هناك شخصية أخرى تشترك في هذه الخبرة، صامتة
تمامًا: فريداي. كان كوتسي، ككاتب جنوب أفريقي في أواخر القرن
العشرين، على وعي تام وهو يؤلف نسخته من قصة المنبوذين بأن
التاريخ غالبًا سرد إمبريالي كثيرًا ما يكون فيه أولئك
المضطهدون أو المقهورون نتيجة السلوك الاستعماري صامتين أيضًا:
«في كل قصة هناك صامت، رؤية محجوبة، كلمات لا تُنطَق …»
(١٩٨٧م، ١٤١). كما لاحظ أتريج: «بقدر ما يُسمَع المضطهدون [في
الأدب التراثي]، يبدو الأمر مثل لهجة مُهمَّشة في لغة سائدة»
(١٩٩٦م، ١٨٤). صمت فريداي في هذا السرد حرْفي بالإضافة إلى أنه
سيكولوجي: قُطِع لسانه، ربما، على ما يخمن النص، على أيدي
النخاسين، ربما على يد كروزو المستعمر نفسه. يحافظ كوتسي في
حركة لا تتماشى مع رغبة جان رايس في أن تمنح برتا روشستر صوتًا
في سرد أنطوانيت في «بحر سرجاسو الواسع» على صمت فريداي حتى
نهاية روايته. وهذه، كما تلاحظ دومينيك هد «مقاومة للسياق
السائد كما أنها نتاج له» (١٩٩٧م، ١٢١). في قسم النهاية
الغريبة في «فو»، رغم ذلك، يدخل الراوي الذي ذكر سابقًا بدون
ذكر اسمه وبدون تعريف ملكية لندن ويجد سوزان وفو، موتى على ما
يُفترَض، في سرير وفريداي، في اختلاف هائل عن مجاز المجنونة في
العلية، خلف حائط من القرميد حيًّا في كوة. يسمع الراوي،
ضاغطًا أذنه قرب الباب، ضوضاء مُبْهَمة تنبعث من خلف الباب:
«من فمه، بدون نفَس، يصدر أصوات الجزيرة» (كوتسي، ١٩٨٧م، ١٥٤).
يصبح فريداي أو يبقى، وهو لا يزال صامتًا بالمعنى الحرفي فيما
يتعلق بالصوت، في صمته دالًّا سيمنطيقيًّا للجزيرة، وقد قُمِع
هذا كله أو خُمِد أو كُبِت في «النص الرئيسي» الذي كتبه
ديفو.
طبيعة الدم لكارل فيليبس: السرد المُتضافر والأنظمة الدورية٢٢
شاهدنا في الفصل الثالث عدة طرق كشفت عن اهتمام عمليات
الإعداد والانتحال التي تمت لأعمال شكسبير واستثمارها في منح
حافز لإنطاق الضحايا أو المهمشين أو الصامتين في مسرحياته، أو
«جلبها على خشبة المسرح»، من جرترود
Gertrude في «هاملت» إلى
ساكوركس التي لا ترى أبدًا في «العاصفة». وقد تم اختيار نصوص
مثل «ألف هيكتار» لجين سميلي لتناسب حافزًا سيكولوجيا معقَّدًا
لأوغاد تافهين تمامًا من أمثال جونريل وريجان في «الملك لير»،
في عملية تنقل مسرحية شكسبير إلى الغرب الأمريكي الأوسط في
سبعينيات القرن العشرين. تفعل الرواية الشعرية «طبيعة الدم
The Nature of Blood»
لكارل فيليبس (١٩٩٧م) شيئًا مختلفًا إلى حد ما من حيث أنها
تُنطِق شخصية شكسبيرية مركزية بالفعل، عطيل، لكنها تُخضع قصته
ومساره التراجيدي لإعادة الفحص. ويتحقق هذا عن طريق السياق
الذي يحمل وجهات نَظَر مُتعدِّدة لسرد بضمير المتكلم بجوار سرد
بضمير الغائب في الرواية، وفي سياق رئيسي لقصص مماثلة عن
الشتات والنفي. تُبنى الرواية حول خبرات تتابع الغرباء على
المجتمع، ينسجون حكاياتهم عن الاضطهاد على أساس العرق أو
الدين.
قصة عطيل مُجرَّد قصة من قصص كثيرة متشابكة في الرواية
تَعبُر الحدود التاريخية والجغرافية. وبرغم أن انتحال مسرحية
شكسبير التي ترجع إلى سنة ١٦٠٤م، يمكن أن يعتبر قوة خلَّاقة
مرشدة في نص فيليبس، فما نتعرف عليه باعتباره قصة عطيل لا يظهر
إلا بعد حوالي مائة صفحة، ومعظم أحداث حياته التي تم تناولها
في السرد تحدث قبل الفصل الأول من مسرحية شكسبير أو أثناءه.
بشكل مُعبِّر، في هذه الرواية التي تستحوذ عليها فكرة الأسماء،
لا يُسمَّى عطيل بشكل مباشر في النص أبدًا، برغم أن الكلمة
الأخيرة من الفقرات التي بصوته السردي هي «اسمي» (١٩٩٧م، ١٧٤).
إذا كان الكثير من عمليات الانتحال يمنح بشكل فعال صوتًا
لشخصيات مُعيَّنة، فإن فيليبس يبدو بالقدر نفسه مضطرًّا في
قصته إلى إسكات الشخصية التي تُحمَّل بأفعال محددة ومناوِرة
يقوم بها عطيل في المسرحية: إياجو القديم لا يُذكَر إلا مرة
واحدة في «طبيعة الدم»، فقط حين يؤتمن بوصفه «القديم» على
الزوجة الفينيسية للجنرال الأفريقي أثناء رحلة بحرية إلى قبرص.
القارئ، بالطبع، مضطر مرة أخرى إلى ملء الفراغات بإحساس
بالنذير التراجيدي وبالحتمية: نعرف القصة التالية لهذا المخيم
القبرصي وأنه سيحقق شيئًا بعيدًا عن «النهاية السعيدة» التي
يتنبأ بها عطيل (١٧٤).
نعرف أيضًا بشكل جيد في السرد الدوال المعجمية للمحرقة في
القرن العشرين، مثل القطارات والحمَّامات والمُعسكرات والغاز.
في التشابك الحذر الذي يخلقه في روايته بين العنصر الفينيسي في
بداية العصر الحديث وتلك المشاهد الموضوعة في معسكرات
الاعتقال، يهتم فيليبس أكثر بالحاجة إلى اللجوء إلى قصة عطيل
من جديد في سياق قصص المهاجرين الآخَرين والغرباء واللاجئين.
يصر في هذه النهاية على وضع قصة عطيل بجوار قصص الضحايا اليهود
في القرن العشرين. ويحقق هذا من خلال استراتيجيات الصدى
والتوازي. ستيفان ستِرْن
Stern، على سبيل المثال، الذي
يبدأ سرده الرواية في منتصف القرن العشرين في معسكر للاجئين في
قبرص قبل تأسيس دولة إسرائيل، هجر، شأنه شأن عطيل، زوجته وطفله
ليبدأ حياته في وطن جديد. تتوازى معاناة إيفا سترن في معسكرات
الاعتقال النازية بشكل مباشر مع إعدام اليهود في القرن الخامس
عشر في فينيسيا: تقدم النيران ورماد الإعدام والإبادة الجماعية
استمرارية مؤثرة عبر القرون.
«طبيعة الدم» بالتالي صدًى آخَر حقيقي لنص؛ يتحقق تأثيرها
العاطفي والشعري الكامل بالتوازي والتَّماثُل الموجود بين
أجزائها المكونة المتنوعة والأطر الزمنية. ننتقل، بطريقة
عشوائية وغير منظمة بشكل مُتعمَّد، بين فينيسيا في القرن
الخامس عشر، حيث يُحرَق أعضاء الجالية اليهودية ظلمًا بجريرة
قتل مفترض لطفل مسيحي، وفينيسيا في أواخر القرن السادس عشر حيث
يعيش عطيل، وفيها نشاهده يزور الجيتو اليهودي في كناريجيو
ليلًا، المعسكرات المتقطعة لأوروبا النازية، معسكرات اللاجئين
بعد الحرب التي أُقِيمت في قبرص (تردد قبرص الثانية في الرواية
بدورها صدى فينيسيا في الحالتين)، ودولة إسرائيل الحديثة.
٢٣ ولا تكون «عطيل» شكسبير، في كل هذه التنقلات،
المتناص الأساسي الوحيد. تُوحي الأحداث الفينيسية في الرواية
وتردد صدى مسرحية فينيسية أخرى للشاعر عن العنصرية، «تاجر
البندقية»، وفي سرد راوية مصدومة بضمير المتكلم تقدمه إيفا
(ابنة أخ ستيفان) يستدعي بوضوح النص التراثي لأدب المحرقة،
«يوميات
Diary» آن فرانك.
٢٤ يقدم فيليبس نسخة مزعجة من قول مأثور عن أن
«التاريخ يكرر نفسه». ومن أكثر الأوجه المُقلقة في الرواية أن
القصة، وقد أثارت التعاطف مع اليهود المضطهدين في القرون
السابقة، تنتهي بتأمل الانحياز العكسي في إسرائيل اليوم في
الشخصية المحرومة من حقوقها، مَلْكَا
Malka اليهودية الإثيوبية،
التي لا يُسْمَح لها حتى بالتبرع بالدم في وطنها الجديد خوفًا
من تلويث «السلالة النقية».
تُبنَى «طبيعة الدم» بشكل مُعقَّد بسلسلة من الصور والكلمات
المُكرَّرة: الدم، والنار، والدخان، والرماد، والأنهار،
والطعام. وهذه الكلمات والأفكار بمثابة موتيفات مهيمنة
leitmotifs، لوازم في
النص، وقد لاحظ بنديكيت لدنت «موسيقية» هذه التقنية (٢٠٠٢م، ١٦٠).
٢٥ ومن المهم أن أُوضِّح أن مصادر الصدى أو اللازمة
الموسيقية — سطور الدراما التراجيدية التي قدمها شكسبير—
تُبعَد في معظم الرواية. برغم أن أحداث فقرات «عطيل» لها
ارتباط واضح بما وصفته في بداية مسرحية شكسبير: «أحبني أبوها
وكثيرًا ما دعاني …» (الفصل الأول، المشهد الثالث، ١٢٧)، «هذه
الأشياء لتسمع/ هل تحبني ديدمونه حقًّا …» (الفصل الأول،
المشهد الثالث، ١٤٤-١٤٥)، تستدعي فقط بعض جمل «عطيل» بفاعلية
سطورًا شهيرة من مصدر فيليبس. «لم أمتلك إلا قبضة أولية من
اللغة التي كانت تُنطَق من حولي …» (١٩٩٧م، ١٠٨)، على سبيل
المثال، توحي بجلاء بادِّعاء عطيل في الفصل الأول، المشهد
الثالث، السطر ٨١، «تعوزني البراعة في الكلام»، برغم أن هذه
الكلمات لم تُستَخْدم بشكل مباشر قبل صفحة ١٨١ من الرواية
وحينذاك على لسان شخصية مختلفة تمامًا:
وهكذا تظلل كل حركة من حركاتها، تراقب كل نزوة من
نزواتها، مثل العم توم الذي هو أنت. تخوض حرب الرجل
الأبيض بدلًا منه/ متلقى رحب في الجيش الفينيسي/ ساتشامو
الجمهورية المبتسم يرفع سيفه مثل بوق/تواري بشرتك
السوداء تحت زِيِّهم المزين/ تنتحل كلماتهم (تعوزني
البراعة في الكلام).
٢٦
(١٩٩٧م، ١٨١)
إنها لحظة من عدة لحظات تُسمَع فيها أصوات غير أصوات الأبطال
المركزيين وخطاباتهم. تشير الدَّوال هنا بوضوح إلى صوت ينتمي
لأواخر القرن العشرين منبعث من الولايات المتحدة الأمريكية —
«متلقى رحب»، «ساتشامو» — ويُذكِّرنا التصميم الشعري بالتصميم
الشِّعري الدرامي في مسرحية شكسبير وبإيقاعات موسيقى الراب
المُعاصِرة، إنه شكل انتحالي متأصِّل وهو ما تم اقتراحه في
الفصل الثاني. إن كلمة «ينتحل» التي تظهر في هذه الفقرة أيضًا
تَلفِت الانتباه إلى الطُّرق القصصية الخاصة التي يستخدمها
فيليبس، كما في تضمينه في موضع آخَر مواد موسوعية ومعجمية عن
بعض مواضيعه المركزية: فينيسيا والجيتو والانتحار. وتتضمن مادة
عن «عطيل» تُؤكِّد على قيام شكسبير بانتحال مصدر إيطالي، قصة
قصيرة من تأليف سينثيو، وهو يصنِّع مسرحيته الرائعة.
في «طبيعة الدم» سردُ فردٍ يعلق غالبًا فيما يفترض أنها نقطة
نهاية قصتهم أو آخرها (تحرُّر إيفا من المعسكر على سبيل
المثال)، فقط ليتراجع حينها زمنيًّا. تترك الحركات الدائرية
المتشابكة والمُكرَّرة في السرد السؤال مفتوحًا عما إذا كانت
رؤية فيليبس متفائلة أو يائسة في النهاية. يبدو أن قصة مَلْكَا
تتضمن أن التاريخ ببساطة سلسلة مكررة من المآسي والأعمال
الوحشية. تنتهي الرواية، رغم كل شيء، بصورة لعناق مستحيل. في
النهاية، رغم ذلك، ربما تكمن الإجابة الحقيقية في الصورة
الدائرية. قد لا تكون هناك إجابات سهلة أو ختام في مثل هذه
المواضيع المُعقَّدة. في هذا الفحص الدقيق للذاكرة والنسيان،
لا يمكن للقارئ تجاهل معرفة بعض الحقائق. بالضبط كما أن قصة
إيفا لا يمكن أن تنتهي، ولا تنتهي، عند نقطة التَّحرُّر من
المعسكر — إننا، كقراء، مرغَمون على مُشاهَدة جهودها المضنية
للبقاء على قيد الحياة بعد الحرب، مما يجعلها تقوم برحلتها
الفاشلة إلى إنجلترا وتنتحر في النهاية — وهكذا نعرف أن قصة
عطيل لا تتوقف عند لحظة الوصول السعيد إلى شواطئ قبرص. تدفعنا
الأطر الإيحائية التي يقدمها فيليبس إلى مواصلة القراءة أكثر،
وراء هذه الصفحات، ويبرهن الزخم التراجيدي في روايته على أنه
لا بد من نتيجة.
«الساعات» لمايكل كننجهام: توقيع على «مسز دلوواي»
وصف مايكل كننجهام روايته «الساعات
The
Hours» (١٩٩٨م)، وهي رواية تُحكى بواسطة
ثلاثة أصوات أنثوية تمتد من إنجلترا في أوائل القرن العشرين
عبر لوس أنجلوس في أربعينيات القرن العشرين إلى نيويورك في
تسعينيات القرن العشرين، بأنها «عزف» على «مسز دلوواي
Mrs. Dalloway» لفرجينيا
وولف (يانج
Young، ٢٠٠٣م، ٣١).
٢٧ تحكي رواية وولف (١٩٢٥م) قصة مجموعة من مواطني
لندن في أحد أيام يونيو ١٩٢٣م. لم يروِ كننجهام مرة أخرى هذه
الأحداث أو يُعِدْ كتابتها بشكل مباشر أبدًا إلا أن وجودها
محسوس في كل موضع من «الساعات». إن «الساعات» كان عنوانًا
يناسب جهد وولف لتطور قصتها القصيرة «مسز دلوواي في شارع بوند»
لتحولها إلى رواية (تُستخدَم مادة يومياتها ليوم ٣٠ أغسطس
١٩٢٣م تصديرًا لرواية «الساعات» [وولف، ١٩٨١م، ٢٦٣]). نشاهد
فرجينيا وولف في مراحل مختلفة من سرد كننجهام تفكر في إبداع
روايتها التجريبية؛ ونرى أيضًا ربة بيت من الولايات المتحدة في
عام ١٩٤٩م، لورا براون
Brown،
تفر من السأم اليومي في حياتها بقراءة الرواية؛ وفي مقاطع
تسعينيات القرن العشرين، يصبح الارتباط الضمني بين كلاريسا
فوجان
Vaughan ونظيرتها
الروائية صريحًا: ريتشارد، صديق كلاريسا وكاتب، يدعوها مازحًا
«مسز دلوواي»، دافعًا كلاريسا إلى أن تفكر: «كانت هناك مسألة
وجود اسمها الأول، علامة أوضح من أن تتجاهلها …» (كننجهام،
١٩٩٨م، ١٠-١١). يستمتع كننجهام هنا بمزاح ما بعد الحداثة؛
تمتلئ معارضته المُتناصَّة بدلالات ودَوال، بعضها أوضح من أن
يتم تجاهله، عن علاقتها بسابقتها الأدبية. أسماء أخرى مُعبِّرة
بالقَدْر نفسه: تستدعي لورا براون بتعمد شخصيةً في مقال
مُؤثِّر لوولف «مستر بينيت ومسز براون»، وكان إلى حد ما
مانيفستو لمقاربة جديدة للقصة ميزت كتابتها عن كتابة أرنولد
بينيت وويلز وجون جلزورثي وآخرين (١٩٨٨م، [١٩٢٣م]).
٢٨
التناظر الموسيقي الذي طرحه كننجهام مع «النغمة»، وهو تناظر
استدعيناه من قبل في هذا الكتاب في عدة مناسبات كنظير مُؤثِّر
لعملية الإعداد والانتحال، نظير يعبر عن بصيرة نافذة.
٢٩ وكما تلاحظ توري يانج: «في إيحائه بإيقاع معروف
يَتردَّد بنتيجة جديدة، هذا التعريف الموسيقي أكثر إلحاحًا من
بعض المصطلحات الأدبية — «التقليد»، «الولاء» — التي يستخدمها
النقاد لوصفه» (٢٠٠٣م، ٣٣).
٣٠ التناظر الخاص «للنغمة» مع المُقارَبات التي
تَبنَّتها موسيقى الجاز عن الإعداد — «النغمة» بتعريف قاموس
أكسفورد الإنجليزي «جملة قصيرة مُكرَّرة من موسيقى الجاز» —
جدير بالتوقف عنده وتأمله. رسم تِرِنْس هوكز في مساره المهني
توازيًا موحيًا بين التفسيرات المستمرة لشكسبير وإعادة تفسيره
في الثقافة الغربية والتقنيات الارتجالية لموسيقى الجاز (انظر،
على سبيل المثال، هوكز، ١٩٩٢م).
٣١ لا يعزف كننجهام هنا على نص أصلي واحد فقط، برغم
أن «مسز دلوواي» المتناص الأساسي مع روايته، لكنه يبدع عملًا
يوجد في تفاعل تَكافُلي مع قصة وولف وأعمالها غير القصصية
(الرسائل والمقالات واليوميات)، وسيرتها الشخصية. وكثيرًا ما
اعترف كننجهام بدينه لسيرة حياة وولف التي كتبتها هرميون لي
(١٩٩٦م). يَحْدُث التفاعلُ التكافلي على مستوى الشكل مثلما
يحدث على مستوى الحبكة. يُقلِّد الأسلوب النثري في «الساعات»
بوعي تقنية تيار الوعي عند وولف، مرددًا أصداء كلمات وعبارات
من «مسز دلوواي» مثل «يقامر» (وولف، ١٩٩٢م، [١٩٢٥م]، ٣؛
كننجهام، ١٩٩٨م، ٩). ولا تقتصر الأصداء على «مسز دلوواي»، بل
تمتد إلى أعمال أخرى في أعمال وولف حيث يعارض كننجهام ببراعة
أسلوب كتابتها وجمالياتها.
إلا أن أحداث «مسز دلوواي» تُظلِّل أحداث «الساعات» وتستظل
بها: انتحار سِبتيموس سميث
Smith في قفزة على سياج
لندن والأطباء يطاردونه، وكان يعتبرهم غير متعاطفين مع «صدمته
العصبية» أو اضطراب توتر ما بعد الصدمة، يتجدد في القفزة
الانتحارية التي قفزها ريتشارد من شقته في نيويورك.
٣٢ يختار ريتشارد إنهاء حياته لأنه في مراحل متأخِّرة
من الإصابة بفيروس الإيدز. تشكل السياسات الجنسية الشخصية
لكننجهام، بالإضافة إلى تعاطفه الأنثوي الواضح، جوهر انتحاله
الخاص لرواية «مسز دلوواي». وهو انتحال تشكل جوهره سياسات
الشذوذ في أواخر القرن العشرين ونظريته كما تشكله نظائر
الأنثوية وما بعد الحداثة. تجد «حركة التقريب» الخاصة التي قام
بها كننجهام مثيلًا في أواخر القرن العشرين للحروب التي شكلت
نصفه الأول، مثيلًا يتمثل في أوبئة فتاكة مثل الإيدز. في هذا
المنحى ربما يبدو تجديده لمواضيع رواية «مسز دلوواي» في سياق
حديث؛ ذا نبرة تراجيدية تمامًا. لكنَّ هناك أيضًا في القلب من
هذه الرواية علاجًا متحرِّرًا لحقوق الشواذ وسياساتهم. يحقق
كننجهام لشخصياته حرية العلاقات بما يتجاوز «المعيار» الموصوف
من منظور المغايرة الجنسية الذي كان بعيدًا جدًّا عن متناول
جالية وولف، الجالية المطوَّقة بالنسبة لكل ما قام به بلمزبوري
Bloomsbury من تجريب جنسي.
في نسخة كننجهام، لا تتزوج كلاريسا من ريتشارد، وهو شاذ بشكل
صريح، وبدلًا من ذلك دخل في علاقة ثرية ومجزية مع سالي سيتون
Seton؛ ولم يتم التلميح
إلى هذه العلاقة إلا بشكل خفي في «مسز دلوواي» برغم أنها،
بالطبع، بدورها جدَّدَت العلاقة الحميمة بين وولف وفيتا ساكفيل ويست.
٣٣
يساعد الخط الزَّمني الثلاثي في رواية كننجهام القارئ على
تسجيل التحولات الاجتماعية الهائلة التي حدثت منذ كانت وولف
تكتب: القبلة المتوترة والخاطفة في المطبخ بين لورا براون
وجارتها كيتي Kitty بمثابة
إشارة لاحتواء الاحتمالية الجنسية والاجتماعية للأنثى في
١٩٤٩م، لكن تتحقق في مقاطع تسعينيات القرن العشرين في الرواية
الإمكانية الكاملة لعلاقات وصداقات متنوعة. يُحدِّث كننجهام
رواية وولف في حركات متتابعة من خلال اللوح الثلاثي لشخصياته
في صورة زمنية وجغرافية وثقافية حددناها بالفعل كعامل مشترك في
«حركات التقريب» هذه (جينيت، ١٩٩٧م، [١٩٨٢م]، ٣٠٤). يحل مكان
لندن في عشرينيات القرن العشرين بالتتابع لوس أنجلوس سنة
١٩٤٩م، ونيويورك في تسعينيات القرن العشرين. موقع «مسز دلوواي»
في ويستمنستر يحل مكانه ويكمله القرية الغربية في نيويورك، وهي
نفسها موضع تاريخي شهير في وعي الشاذين مثل ستونول ريوتس
Riots في ستينيات القرن
العشرين. تضع هذه الرواية في موسيقاها وحركاتها التنقلات
وتبديل المواضع كعامل في الأدب الانتحالي. ينبغي، رغم ذلك،
التأكيد على أنه ليس هناك مكان يحل مكان آخر بشكل تام؛ يحتوي
كل عنصر من اللوح الثلاثي في داخله على روابط وارتباطات مع
البقية. ويَتجلَّى هذا بأوضح صورة في اللحظات الختامية من
الرواية حين تصل، بعد انتحار ريتشارد، أمه الغريبة إلى شقة
كلاريسا. يدرك القراء متأخرًا أن أمين مكتبة تورنتو
Toronto، الذي شغل ذهن
ريتشارد غيابه من حياته ولوَّن مؤلفاته الخاصة، هو لورا براون
من مقاطع لوس أنجلوس في الرواية. وبصورة مماثلة، تكمل الرواية
التي تبدأ بانتحار وولف نفسها سنة ١٩٤٠م غرقًا، الدائرة
بالانتهاء مع قفزة ريتشارد التي لقي فيها حتفه محاكاة لإحدى
شخصياتها الأدبية.
الحركات الدائرية المُتكرِّرة بُعْد حيوي في البنية الجمالية
لهذه الرواية. وهو أسلوب رأيناه عمليًّا بالفعل في عمليات
انتحال أخرى في هذا الفصل، من «بحر سرجاسو الواسع» لرايس، وهي
رواية مُشبَّعة بالتكرار، والأحداث المتكررة في ظروف معدَّلة
في «طبيعة الدم» لفيليبس، والانزلاق السردي في «فو» كوتسي.
بالإضافة إلى هذا الارتباط الشبكي بين الأصوات الثلاثة
والمواقف الثلاثة في «الساعات»، هناك العديد من الرموز الرابطة
والمتكررة للدائري والكروي، تشكل موتيفة لفظية مهيمنة في
السرد: أكواب وطاسات وكعك (يانج، ٢٠٠٣م، ٣١). وتكرر هذا التصور
مرة أخرى في نسخة فيلم لستيفن دلدراي (٢٠٠٢م)، في هذه المرة في
سياق ووسط بصريين، لكن نسيج الارتباط الحقيقي قدَّمَته
الموسيقى التصويرية التي وضعها فيليب جلاس، وكانت موسيقى رائعة
متموجة ترتكز على البيانو وتشبه انسياب النهر.
٣٤
جزء من موسيقى الرواية زمني بالإضافة إلى أنه مكاني. يتم
إنكار التسلسل الزمني بشكل متعمَّد في «الساعات». نبدأ بنهاية
وولف إذا جاز التعبير، انتحارها في النهر، لكننا بعد ذلك نعود
إلى زمن في حياتها حتى قبل أن تُكتَب «مسز دلوواي». هذا التحرك
إلى الخلف بالإضافة إلى التحرك إلى الأمام حاسم بالنسبة للبنية
المضادة للخطية في رواية فيليبس المستقاة من التاريخ «طبيعة
الدم» أيضًا. صار من الشائع ربط السرد الدائري المضاد للخطية
بكتابة النساء (ساندرز، ٢٠٠١م، ١٤٢)؛ يربط كننجهام مرة أخرى
رأيه الشخصي ككاتب شاذٍّ هنا بمنهج كان اجتماعيًّا (ونقديًّا)
يصنف باعتباره خاصًّا بالأنثى، لكنه هنا يطالب من جديد
بَقُرَّاء آخرين وجالية أخرى. ربما يكون التكرار والاندفاع
أيضًا حتميين في رواية تتطلع إلى الخلف بحثًا عن مصدر تراثي،
وتنغمس في صفحاتها آثار نصية لمخلوق موسيقي رائع من مخلوقات
وولف. كما تلاحظ كلاريسا فوجان سائرة إلى مشهد الشارع في
نيويورك في تسعينيات القرن العشرين في خبرتها في التمشية في
المدن بعد سبعين عامًا من البريطانية التي تحمل اسمها التي
استهَلَّت رواية وولف بهذا الفعل في لندن في عشرينيات القرن
العشرين: «لا تزال هناك زهور تُشترَى» (كننجهام ١٩٩٨م،
٩).