الأمنية الأخيرة
بالطبع عندما ترون أن عنوان الفصل الحادي عشر الذي بين أيدينا هو الأمنية الأخيرة، تدركون أن اليوم الذي يتناوله هذا الفصل لا بد أن يكون اليوم الأخير الذي سيحظى فيه سيريل وأنثيا وروبرت وجين بفرصة الظفر بأي شيءٍ نافعٍ من عفريت الرمال.
لكن الأطفال أنفسهم لم يكونوا يعرفون هذا، فلقد كانت تملؤهم الأحلام الوردية، وفي حين أنهم في كثير من الأحيان وجدوا صعوبة بالغة في التفكير في أي شيءٍ لطيف يتمنَّونه، فإن عقولهم أصبحت الآن مليئة بأجمل الأفكار وأكثرها منطقية، وكما علقت جين لاحقًا «هذه دومًا هي أفضل طريقة.» استيقظ الجميع في وقت مبكر جدًّا من صبيحة ذلك اليوم، على أمل أن يناقشوا خطط الأمنيات هذه في الحديقة قبل الإفطار، كانت الفكرة القديمة المتمثِّلة في مائة جنيه من الفلورينات الحديثة (فئة من شلنين) لا تزال هي الأكثر تفضيلًا، ولكن كانت هناك أفكارٌ أخرى تُضاهيها منها بل وأهمها فكرة «مُهْر لكل منهم.» وكان لهذه الفكرة ميزة كبرى، فبإمكانك أن تتمنى الحصول على مُهْر كل صباح، وتمتطيه طوال اليوم، ويتلاشى هذا المُهْر عند غروب الشمس، ثم تتمناه مرة أخرى في اليوم التالي، وهو ما سيكون توفيرًا للإسطبل الذي ينام فيه المُهْر، ولكن في الإفطار حدث شيئان، أولهما، استلام خطاب من الأم، جاء فيه أن صحة الجدة قد تحسَّنت، وأن الأم والأب يأملان في العودة إلى المنزل بعد ظهر ذلك اليوم، فارتفعت الهتافات، وبطبيعة الحال، فإن هذه الأنباءَ بعثرت كلَّ الأفكار التي كانت تدور في بالهم قبل الإفطار، اعتقد الجميع بوضوحٍ تامٍّ أن أمنية اليوم يجب أن تكون شيئًا يسُر الأم لا أن يكون من أجل أنفسهم.
قال سيريل متفكرًا: «أتساءل عما يمكن أن يسعدها؟»
قالت جين بصرامة: «إنها تريدنا جميعًا أن نكون بخير.»
قال سيريل: «نعم، ولكن هذا ممل للغاية بالنسبة إلينا، وعلاوة على هذا، آمل أن نصبح كذلك بدون مساعدة عفريت الرمال، لا؛ يجب أن يكون ما سنتمناه شيئًا رائعًا، لا يمكننا الحصول عليه دون أن نتمناه.»
قالت أنثيا بنبرةٍ تحذيرية: «لا تنسوا ما حدث بالأمس، تذكَّروا أننا سنحصل على أمنياتِنا فورًا أينما كنا حالما نقول: «أتمنى» لا تجعلونا نضع أنفسنا في موقف سخيف كسائر الأيام.»
قال سيريل: «حسنا، لم تكوني في حاجة إلى كل تلك الثرثرة.»
حينئذٍ جاءت مارثا ومعها إبريق مليء بالماء الساخن لبرَّاد الشاي. كان وجهها يشي بمزيد من الاهتمام وهي متجهة نحوهم.
قالت بحزن: «إننا جميعًا في نعمة أننا على قيد الحياة ونتناول إفطارنا.»
سألها الجميع: «ماذا حدث؟»
قالت مارثا: «أوه، لا شيء، يبدو فقط أنه لا أحدَ في مأمن من القتل في فراشه هذه الأيام.»
قالت جين وقد انتابتْها حالة من الرعب سرت في ظهرها وساقَيها وخرجت من أصابع قدمَيها: «هل قُتِلَ أحدٌ في فراشه؟»
قالت مارثا: «حسنًا، ليس بالضبط، لكنه ربما يكون كذلك، كان هناك لصوص في «بيسمارش بليس»، أخبرني بيل بذلك، وقد سرقوا كل قطعة ماس وحجرٍ كريم وأشياء أخرى من السيدة تشيتيندين، وهي الآن تنتابها حالاتٌ متتابعة من الإغماء، تقول فيما بينها بصعوبة: «يا لماساتي!» حدث هذا بينما كان اللورد تشيتيندين قد سافر إلى لندن.»
قالت أنثيا: «السيدة تشيتيندين! لقد رأيناها، كانت ترتدي ثوبًا باللونين الأحمر والأبيض، وليس لديها أطفالٌ ولا يمكنها رعاية أشخاص آخرين.»
قالت مارثا: «تلك هي، حسنًا، لقد وضعت كلَّ ثقتها في الثروات، وأنتم ترَوْن كم كانت مُرفَّهة، يقولون إن الألماس والأشياء الأخرى كانت قيمتها تُقدَّر بآلافٍ مُؤلفة من الجنيهات. كانت لديها قلادات وأقراط وأساور لا حصر لها إضافة إلى عددٍ كبير من الخواتم. دعوني وشأني الآن. يجب ألا أقف هنا وأتحدث وأترك المكان برمته بحاجة إلى التنظيف قبل أن تعود والدتكم إلى المنزل.»
قالت أنثيا عندما انتهت مارثا من كلامها: «لا أفهم لِمَ كان عليها أن تحوز كلَّ هذا القدر الكبير من الألماس، لقد كانت إلى حدٍّ ما سيدة سيئة، وأمنا ليس لديها أي ألماس، إنها لا تمتلك سوى القليل جدًّا من الحُلي، فهناك عِقد الأحجار الكريمة المُلونة، وخاتم الياقوت الذي أعطاها إياه والدنا عندما كانا مخطوبَين، ونجمة العقيق، والدبوس الصغير المُزخرف باللؤلؤ الذي فيه بعض من شعر جدِّنا الأكبر؛ هذا هو كلُّ ما لديها.»
قال روبرت: «عندما أكبر سأشتري لأمي ألماسًا لا نهاية له، سأجني الكثير من المال باستشكافه في أفريقيا، وسيكون كثيرًا لدرجة أنني لن أعرف ماذا سأصنع به.»
قالت جين حالمة: «ألن يكون الأمر ممتعًا، إذا تمكنت أمُّنا من العثور على كل تلك الأشياء الرائعة من قلائد وخواتم وأقراط وأزاور؟»
قال سيريل مصححًا: «أساور.»
«أساور، إذن وخواتم وكل شيءٍ آخر ثمين. أليس ممتعًا أن تجد كل هذا في غرفتها عندما تعود إلى المنزل؟ أتمنى أن يتحقق ذلك!» عندئذٍ حدَّق فيها الآخرون في رعب.
قال روبرت: «حسنًا، هذا ما ستجده أمُّنا، فقد تمنيتِ، يا جين الرائعة! وفرصتنا الوحيدة الآن هي العثور على عفريت الرمال، ولو كان في مزاجٍ جيد فقد يستطيع ألا يحقق لنا الأمنية وأن يحقق لنا أخرى بدلًا منها، وإلا، حسنًا، فالله وحده الذي يعرف ما نحن مقبلون عليه! الشرطة — بالطبع — ولا تبكي يا أيتها البلهاء! سنقف بجانبك، يقول أبي إننا يجب ألا نخاف أبدًا إذا كنا لم نرتكب خطأً وأن نكون صادقين دومًا.»
لكن سيريل وأنثيا تبادلا النظرات المتشائمة، فقد تذكَّرا كيف كانت الحقيقة الخاصة بعفريت الرمال غير مقنعة عندما أخبروا الشرطة بها.
لقد كان يومًا مؤذنًا بمحنة، وبالطبع لا يمكن العثور على عفريت الرمال ولا الحُلي، على الرغم من أن كلَّ واحد من الأطفال فتَّش غرفة والدتهم مرارًا وتكرارًا.
قال روبرت: «بالطبع لن نتمكَّن من العثور على الحُلي، فسوف تكون أمُّنا هي مَنْ يفعل ذلك، ربما ستظن أن تلك الحُلي كانت في المنزل لسنواتٍ وسنوات، ولن تعرف أبدًا أنها الحُلي المسروقة على الإطلاق.»
قال سيريل بنبرة تملؤها السخرية: «عندها ستتسلَّم أمُّنا بضائعَ مسروقة، وأنت تعرف جيدًا كيف أن هذا أسوأ.»
فشل بحثٌ آخر مضنٍ في الحفرة الرملية في الكشف عن عفريت الرمال؛ لذلك عاد الأطفال إلى المنزل على مهلٍ وهم يشعرون بالحزن.
قالت أنثيا بشجاعةٍ: «لا يهمُّني، فسوف نقول لأمُّنا الحقيقة، وهي التي ستُعيد المجوهرات وستجعل كلَّ شيءٍ على ما يرام.»
قال سيريل بتمهُّل: «هل تعتقدين ذلك حقًّا؟ هل تعتقدين أنها سوف تصدقنا؟ هل يمكن لأحد أن يصدق بوجود عفريت رمال ما لم يرَه؟ سوف تعتقد أننا نزعم ذلك، أو ستعتقد أننا أُصِبْنا بالجنون، وبعد ذلك سنُرسل إلى مستشفى المجانين، كيف ستشعرين عندها؟» ثم استدار فجأة تجاه جين البائسة «كيف سيكون شعورك وأنتِ محبوسة في قفصٍ حديدي ذي قضبان وجدرانٍ مُبطنة، ولا يمكنك فعل أي شيء سوى العبث بشعرك طيلة اليوم، والاستماع إلى صياح وهذيان المجانين الآخرين؟ فكروا جميعًا في الأمر، لا جدوى من إخبار أمي.»
قالت جين: «ولكنها الحقيقة.»
قالت أنثيا: «بالطبع هذه هي الحقيقة، لكنها ليست حقيقية كافية لكي يصدقها الكبار، سيريل محق، دعونا نملأ كل المزهريات بالزهور، وحاولوا ألا تفكروا في الألماس، فبرغم كل شيء، عادت الأمور إلى نصابها في ختام كل المرات السابقة.»
وهكذا فقد ملئوا جميع الأُصُص التي وجدوها بالزهور؛ زهور النجم وزهور الزينيا والورود الحمراء التي أَتَوْا بها من فناء الإسطبل، حتى أصبح المنزل أشبه تمامًا بكوخ ريفي.
وبمجرد أن فرغوا من غدائهم، وصلت الأم، وعانقها ثماني أذرع مُحِبة، كان من الصعب جدًّا عدمُ إخبارِها بكلِّ شيءٍ عن عفريت الرمال على الفور؛ لأنهم اعتادوا على إخبارها بكل شيء، لكنهم نجحوا في ذلك، وكان لدى الأم من جهةٍ أخرى الكثير لتخبرهم به عن الجدة، وحَمَامات «الجدة»، وحمار الخالة «إيما» الأعرج، كانت مسرورة جدًّا بتعريشة الزهور المنزلية؛ وبدا كل شيء طبيعيًّا وممتعًا بعد عودتها إلى المنزل، حتى إن الأطفال أحسوا بأن عفريت الرمال كان مجرد حلم.
ولكن عندما تحرَّكت الأم نحو الدرَج صاعدةً إلى غرفة نومِها لتخلع غطاء رأسها، تشبَّثَت الأذرع الثماني بها كما لو أن لديها طفلين فقط؛ أحدهما الحَمَل والآخر أخطبوط.
قالت أنثيا: «لا تصعدي يا أمي الحبيبة، دعيني أحمل عنكِ متاعَكِ.»
قال سيريل: «أو يمكنني أن أفعل أنا ذلك.»
قال روبرت: «نريد منكِ أن تأتي وتنظري إلى هذه الورود الجميلة.»
قالت جين بلا حولٍ ولا قوة: «أوه، لا تصعدي لأعلى!»
قالت الأم بخفة: «هذا غير معقول، يا أعزائي؛ فأنا لست امرأةً عجوزًا بعدُ لكيلا أستطيعَ أن أخلع غطاء رأسي في مكانه المناسب، إلى جانب ذلك، لا بد لي من غسل يديَّ المتسختَيْن.»
لذا فقد صعِدَت، والأطفال في إثرها يتبادلون نظراتٍ خائفة.
خلعت الأم قُبعتَها، كانت قبعةً جميلةً جدًّا، حقًّا، عليها ورود بيضاء، وبعدما خلعتْها ذهبتْ إلى طاولة تصفيف الشعر لتصفيف شعرها الجميل.
وعلى الطاولة بين حامل الخواتم ووسادة الدبابيس، كانت هناك علبة من الجلد الأخضر، فتحتها الأم.
كان بداخل العلبة خاتمٌ، به لؤلؤةٌ كبيرة مُرصَّعةٌ بألماسات متلألئة، فصاحَت قائلة: «أوه، كم هو جميل! من أين جاء هذا؟» وهي تجرِّبه على إصبع زفافها، كان مناسبًا وجميلًا. قالت: «كيف بأي حال جاء هذا إلى هنا؟»
قال كلُّ طفل على حدة: «لا أدري.»
قالت الأم: «لا بد أن أباكم قد أخبر مارثا أن تضع ذلك هنا، سأنزل بسرعة وأسألها.»
قالت أنثيا، التي عرفت أن مارثا لن تتمكَّن من رؤية الخاتم: «دعيني أنظر إليه.» وعندما سُئلت مارثا — بالطبع — أنكرت وضع الخاتم هناك، وكذلك فعلت إليزا والطاهية.
عادت الأم إلى غرفة نومها، مهتمةً للغاية ومسرورةً بالخاتم، ولكن عندما فتحت درج طاولة الملابس ووجدت علبةً خشبية طويلة تحتوي على قلادةٍ ثمينة جدًّا من الألماس، أصبحت أكثر اهتمامًا، رغم أنها لم تكن سعيدة للغاية، وفي خزانة الملابس، عندما ذهبت لوضع «قبعتها»، وجدت تاجًا وعدة دبابيس زينة، ثم ظهرَت بقية الحُلي في أجزاء مختلفة من الغرفة خلال النصف ساعة التالية. بدا الأطفال أكثرَ انزعاجًا، كما بدأت جين تلهث.
نظرت الأم إليها بهدوء، وقالت: «جين، أنا متأكدة من أنك تعرفين شيئًا عن هذا، والآن فكري قبل أن تتحدثي وأخبريني بالحقيقة.»
قالت جين مطيعةً: «لقد عثرنا على عفريت.»
قالت والدتها: «هذا غير معقول، من فضلك.»
قاطعها سيريل قائلًا: «لا تكوني بلهاءَ يا جين.» ثم أكمل في يأس: «اسمعيني يا أمي، لم نرَ هذه الأشياء من قبل، لكن السيدة تشيتيندين في «بيسمارش بليس» فقدَت كلَّ حُليَّها على يد اللصوص الأشرار الليلة الماضية، فهل يمكن أن تكون هذه هي الحُلي المسروقة؟»
تنفَّسُوا جميعهم الصعداء، فقد نجوا.
سألت الأم وهي تحاول أن تعقل الأمور: «لكن كيف أمكنهم وضعها هنا؟ ولماذا؟ بالتأكيد كان من الأسهل والأكثر أمانًا لهم أن يهربوا بها بعيدًا، أليس كذلك؟»
قال سيريل: «لنفترض، ربما ظنُّوا أنه من الأفضل الانتظار حتى غروب الشمس وحلول الظلام، أعني، قبل أن يهربوا به، ولا أحد غيرنا كان يعرف أنكِ ستعودين اليوم.»
قالت الأم بحيرة: «يجب أن أُبلغ الشرطة على الفور، أوه، كم أتمنَّى لو كان أبوكم هنا!»
سألها روبرت: «ألن يكون من الأفضل أن ننتظرَ حتى يعود أبي؟» كان يعلم أن أباه لن يعود إلى المنزل قبل غروب الشمس.
صرخت الأم: «لا، لا؛ لا أستطيع الانتظار دقيقة أخرى وكل هذا هنا.» كانت تقصد بعبارة «كل هذا» كومة من حقائب الحُلي على السرير. وضعوها جميعًا في خزانة الملابس، وقفلتها الأم، ثم دعت مارثا.
قالت: «مارثا، مَنِ الشخص الغريب الذي كان في غرفتي منذ سافرت؟ الآن، أجيبيني بصدق.»
ردَّت مارثا: «لا أحد يا سيدتي، على الأقل، ما أودُّ قوله أن …»
ثم سكتت.
قالت سيدتها بلطف: «هيا، أرى أن شخصًا ما دخلها، يجب أن تخبريني على الفور، ولا تخافي، أنا متأكدة من أنكِ لم ترتكبي أيَّ خطأ.»
تنهَّدت مارثا تنهداتٍ ثقيلة.
«لقد كنت عاقدة العزم على إخباركِ اليوم سيدتي، أنني سأغادركم نهاية هذا الشهر؛ وذلك لأني سأُسعد حياة شابٍّ مُهذَّب، إنه حارس صيد مُتمرِّس، سيدتي. ولن أُخفيَ عنكِ اسمه، إنه يُدعى بيل. ما أقوله صحيح مثلما أنا واقفة أمامكِ الآن، لقد كانت عودتكِ إلى المنزل في تلك العجالة، ودون إنذار، هي ما جعل قلبه يرق، ويقول: «مارثا، يا جميلتي …» — كما يقول — وأنا لست كذلك ولم أكن قَط، لكنكِ تعرفين ما يقوله الرجال «لا أستطيع أن أراكِ تكدحين وتتعبين ولا أقدم لكِ يدَ المساعدة. إن ذراعي قوية وهي في خدمتك، يا مارثا العزيزة.» وهكذا ساعدَني في تنظيف النوافذ، لكنه كان بالخارج، سيدتي، طوال الوقت، وأنا بداخل المنزل؛ فلتُصِبْني اللَّعنة إن لم أكن أقول الصدق.»
سألتها سيدتها: «هل كنتِ معه طوال الوقت؟»
قالت مارثا: «كان بخارج المنزل أما أنا فكنتُ بالداخل، إلا في الوقت الذي ذهبتُ فيه لأجلب سطلًا من الماء النقي وقطعة قماش التنظيف التي كانت إليزا المهملة قد خبَّأَتْها خلف المجفِّف.»
قالت الأم: «هذا يكفي، أنا لست سعيدةً بما فعلتِه يا مارثا، لكنكِ قلت الصدق وهذا ما يهم.»
وعندما ذهبت مارثا، تَعلَّق الأطفال بوالدتهم من كل اتجاه.
قالت أنثيا وهي تبكي: «أماه الحبيبة، إنه ليس خطأ بيل، إنه ليس كذلك! إنه شخصٌ حنون ونبيل؛ هو كذلك حقًّا وهو في غاية الصدق، لا تجعلي الشرطة تقبض عليه يا أمي! أوه، لا، لا، لا!»
كان الأمر مُروِّعًا حقًّا؛ فهناك رجلٌ بريءٌ متهمٌ بالسرقة بسبب أمنية جين البَلْهاء، وكان من غير المجدي إطلاقًا قول الصدق، كانوا جميعًا يتطلَّعون إلى ذلك، لكنهم فكَّروا في تلك الأفعال المجنونة التي سينخرطون فيها وصرخات المجانين، فلم يجرءوا على فعل ذلك.
سألتِ الأم بانفعال: «هل هناك عربة في هذه الناحية؟ أو حنطور من أي نوع؟ يجب أن أركب إلى روتشستر وأُبلغ الشرطة في الحال.»
قال الأطفال وهم يبكون بشدة: «هناك عربة في المزرعة، لكن، لا تذهبي! لا تذهبي! أوه، لا تذهبي! انتظري حتى يعود والدنا إلى المنزل!»
لم تلتفتِ الأم لمناشدات الأطفال؛ فقد كان من طبعها أنها إذا عزمت على أمرٍ، شرعت في تنفيذه فورًا؛ كانت تشبه أنثيا كثيرًا في هذا الجانب.
قالت وهي تُثبِّت قبعتها بدبابيس طويلةٍ حادة ذات رءوسٍ بنفسجية: «اسمع يا سيريل، أتركك هنا مسئولًا بالنيابة عني. ابقَ في غرفة الملابس. تظاهر بأنك تُسيِّر قوارب في حوض الاستحمام، أو أي شيء من هذا القبيل. قل إنني أذنتُ لك بذلك لكن ابقَ هناك واجعل الباب الطابقي مفتوحًا، لقد أغلقت الباب الآخر، ولا تدَعْ أيَّ شخص يدخل غرفتي. تذكروا أنه لا أحد يعلم أن الحُلي موجودة إلا أنا وأنتم واللصوص الأشرار الذين وضعوها هناك. روبرت، يمكنك البقاء في الحديقة ومشاهدة النوافذ. إذا حاول أيُّ شخص الدخول، فعليك الجري وإخبار العاملَيْنِ اللذَيْن سأرسل إليهما كي يمكثا في المطبخ، وسأقول لهما إننا نتوقع قدوم أشخاصٍ خطرين، هذا صحيح بما فيه الكفاية. الآن، تذكرا، أنا أثق بكما، لكنني لا أعتقد أنهم سيحاولون ذلك إلا بعد حلول الظلام، لذلك أنتم آمنون تمامًا، إلى اللقاء يا أعزائي.»
وأغلقت باب غرفة نومها وانطلقت بعد أن وضعت المفتاح في جيبها.
استحوذَتِ الطريقة الجسورة والحاسمة التي تصرَّفَت بها على إعجابهم. لقد فكروا كم كانت أمهم ستنفعهم في الخروج من بعض المآزق السابقة التي وجدوا أنفسهم عالقين فيها مؤخرًا بسبب أمنياتهم غير المناسبة في توقيتها.
قال سيريل: «إنها قائدة بالفطرة، لكنني لا أعرف ما الذي سيحدث لنا، حتى لو ذهبت الفتاتان للبحث عن عفريت الرمال الوحشي ووجدتاه، وطلبتا منه أن يعيد الحُلي، فإن أمَّنا ستظنُّ أننا لم نراقب الأمور كما ينبغي وتركنا اللصوص يتسلَّلون ويأخذون الحُلي، أو ربما تظن الشرطة أننا منهم، أو أن أمَّنا تخدعهم، يا له من قَدْرٍ عظيم من الفوضى هذه المرة، دون أدنى شك!»
لقد صنع قاربًا ورقيًّا وبدأ يجعله يطفو في حوض الاستحمام، كما قيل له.
وذهب روبرت إلى الحديقة وجلس على العشب الأصفر البالي، واضعًا رأسه البائس بين يديه قليلتي الحيلة.
تهامست كلٌّ من أنثيا وجين في الطابق السفلي، حيث كانتا تقفان على سجادة جوز الهند، التي بها فجوةٌ دائمًا ما يتعثَّر المرء بها ما لم يكن حذرًا، كان يمكن سماع صوت مارثا في المطبخ وهي تتذمَّر بصوتٍ عالٍ.
قالت أنثيا: «إنه ببساطة أمرٌ في غاية الرعب. كيف تعرفين إنْ كان كل الألماس هناك أيضًا؟ إن لم يكن هناك، فستعتقد الشرطة أن والدينا قد أخذاه، وأنهما تركا بعضًا منه فقط لصرف الانتباه عما أخذاه، وسيُودعان السجن. سنصبح أطفالًا منبوذين، سنصبح أبناء المجرمين.» ثم أضافت بعد تفكير عميق: «لن يكون موقف أبوينا جيدًا على الإطلاق.»
سألت جين: «لكن ماذا يمكننا أن نفعل؟»
«لا شيء، على الأقل يمكننا أن نبحث عن عفريت الرمال مرةً أخرى، فهذا يوم شديد الحرارة، وربما يكون قد خرج لتدفئة شاربه ذاك.»
قالت جين بنبرةٍ حاسمة: «إنه لن يحقِّق لنا أيَّ أمنياتٍ شريرة أخرى اليوم، وهو يزداد غضبًا في كل مرة نراه، أعتقد أنه يكره الاضطرار إلى تحقيق الأمنيات.»
كانت أنثيا تهز رأسها في حزنٍ شديد، لكنها الآن توقفت عن هزِّها فجأة فبدت وكأنها كانت تنصب أُذنَيها.
سألتها جين: «ما الأمر؟ أوه، هل فكرتِ في شيء؟»
صرخت أنثيا بتأثُّرٍ شديد: «لدينا فرصةٌ واحدة، الأمل البائس الوحيد المتبقِّي، هيا.»
هرولتا بسرعةٍ عَبْر الطريق المؤدِّي إلى الحفرة الرملية، ويا لسعادتهما! لقد وجدا عفريت الرمال هناك يتشمَّس في تجويفٍ رمليٍّ ذهبيٍّ ويهذِّب شواربه بسعادةٍ في شمسِ ما بعد الظهر المتوهجة، وفي اللحظة التي رآهما فيها، أسرع بالاستدارة وبدأ في الحفر؛ من الواضح أنه فضَّل البقاء مع نفسه عن صحبتهما، لكن أنثيا كانت أسرع منه، وقد أمسكت بكتفَيه المغطَّاتَين بالفراء، أمسكت بهما بلطف ولكن بحزم، وحملته.
قال عفريت الرمال: «كُفِّي عن هذا، اتركيني أذهب، هلَّا فعلتِ؟»
لكن أنثيا حملتْه بسرعة.
قالت بصوتها اللاهث: «عزيزي عفريت الرمال الطيب العطوف.»
قال: «نعم، كلُّ شيء على ما يُرام، أعتقد أنكِ ترغبين في طلب أمنيةٍ أخرى، لكنني لا أستطيع الاستمرار في العمل من الصباح إلى الليل على تحقيق أمنيات الناس. يجب أن أنعم ببعض الوقت من أجل نفسي.»
سألته أنثيا بلطفٍ وصوتها يرتجف من الانفعال: «هل تكره تحقيق الرغبات؟»
قال: «بالطبع أكره ذلك، دعيني أذهب وإلا فسأعَضُّكِ، صدقيني سأفعل، أنا أعني ما أقول، أوه، حسنًا، لو اخترتِ المخاطرة بذلك.»
خاطرت أنثيا وظلت تحمله.
قالت: «انظر، لا تَعَضَّني، اسمع السبب، لو أنك فحسبُ حقَّقتَ ما نريده اليوم، فلن نطلب منك أيَّ أمنيةٍ أخرى أبدًا ما حيينا.»
تأثَّر عفريت الرمال كثيرًا.
وقال بصوتٍ باكٍ: «أنا على استعدادٍ لفعل أي شيء. بل أنا جاهز لتعريض نفسي لخطرٍ شديدٍ كي أحقِّقَ لكم أمنيةً تلو الأخرى، ما دمتُ أقدر على ذلك، لو أنكم عقدتم العزم على ألَّا تطلبوا منِّي تحقيقَ أمنيةٍ جديدةٍ أبدًا بعد اليوم. أنتم لا تدرون كم أكره أن أنفخ نفسي كما رأيتم لتحقيق أمنيات الآخرين، وكم يُخيفني هذا الأمر؛ إذ دائمًا ما تُصاب عضلاتي بالإجهاد، ثم أستيقظ كلَّ صباح وأنا أعلم أنني يجب أن أفعل ذلك مرةً أخرى، أنتم لا تعرفون كيف يكون هذا الشعور، لا تعرفونه، كلا.» كان صوته متصدعًا من التأثر، وخرجت منه كلمة «كلا» مُحدثة صريرًا.
وضَعَته أنثيا بلطف على الرمال.
وقالت بصوتٍ هادئ: «لقد انتهى الأمر الآن، نحن نعِدُك بصدقٍ ألا نطلب أبدًا تحقيق أمنيةٍ أخرى بعد اليوم.» قال عفريت الرمال: «حسنًا، هيا بنا، دعونا ننتهي من هذا الأمر.»
«كم من الأمنيات يمكنك تحقيقها؟»
«لا أدري؛ لكن أقول أستطيع تحقيق الأمنيات ما دمت استطعت الصمود.»
«حسنًا، أولًا، أتمنى أن تكتشف السيدة تشيتيندين أنها لم تفقد حُليَّها قط.»
أخذ عفريت الرمال نفسًا عميقًا فانتفخ ثم أرسله فعاد إلى حجمه، وقال: «قد تحقق.»
قالت أنثيا ببطءٍ أكثر: «أتمنى ألا تصل أمي إلى الشرطة.»
قال المخلوق بعد الفاصل الزمني المناسب: «قد تحقق.»
قالت جين فجأة: «أتمنى أن تنسى أمي كلَّ شيء يتعلق بالحُلي.»
قال عفريت الرمال ولكن بصوتٍ أضعف: «قد تحقق.»
سألتْه أنثيا باهتمامٍ بالغ: «ألا تود أن تستريح قليلًا؟»
قال عفريت الرمال: «بلى من فضلِك، وقبل أن نستكمل، هل يمكنكِ أن تتمنَّي شيئًا من أجلي؟»
«ألا يمكنك أن تحقق أمنياتك بنفسك؟»
قال: «بالطبع لا، لقد كنا نعتمد على بعضنا البعض في تحقيق أمنياتنا، هذا لا يعني أنه كان لدينا ما نتحدَّث بشأنه في الأيام المجيدة العتيقة للميجاثيريم، تمَني فقط، من فضلكِ، ألَّا يستطيع أحدٌ منكم أن يخبرَ أي شخصٍ عني.»
سألته جين: «لماذا؟»
«ألا ترين أنكِ إذا أبلغتِ الكبار، فلن أستريح على الإطلاق طوال حياتي، سيحتفظون بي، ولن يتمنوا أشياء تافهةً مثلما تمنيتم، لكنهم سيتمنَّون أشياء جادة حقيقية؛ وسيجد العلماء طريقة ما لجعل الأشياء تدوم لما بعد غروب الشمس — على الأرجح — وسيطلبون ضريبة دخل متدرجة ومعاشات للشيخوخة وحق الانتخاب للرجال ومجانية التعليم الثانوي، وأشياء مملة من هذا القبيل؛ سيطلبون الحصول عليها، والاحتفاظ بها، وسينقلب العالم كله رأسًا على عقب. تمنَّي ذلك وبسرعة!»
ردَّدت أنثيا أمنية عفريت الرمال، فنفخ نفسه إلى حجم لم يسبق لهم أن رأوه يبلغه.
وعندما عاد إلى حجمه الطبيعي قال: «والآن، هل هناك ما يمكنني أن أفعله لكِ غير هذا؟»
«شيءٌ واحد فقط وأعتقد أن هذا يزيح كلَّ شيء، أليس كذلك يا جين؟ أتمنى أن تنسى مارثا الخاتم الماسي، وأن تنسى الأم الحارس الذي تولى تنظيف النوافذ.» قالت جين: «كما في رواية القنينة النحاسية.»
«نعم، أنا سعيدة لأننا قرأنا تلك الرواية وإلا لم أكن لأفكر في الأمر.»
قال عفريت الرمال: «والآن، لقد بلغت مبلغي من الإنهاك، هل هناك أي طلبات أخرى؟»
«لا؛ نشكرك فحسب على كل ما فعلته من أجلنا، وآمل أن تنام نومًا هادئًا طويلًا، كما آمل أن نراك مجددًا في يوم من الأيام.»
قال بصوتٍ ضعيف: «هل هذه أمنية؟»
قالت الفتاتان معًا: «نعم، من فضلك.»
ثم — ولآخر مرة في هذه القصة — رأوا عفريت الرمال ينتفخ ويتضاءل مرة أخرى فجأة، ثم هزَّ رأسه لهم، وغمز بعينَيه، وحفر، واختفى، وهو يخمش بأظفاره إلى عمق الرمال، وتنهال عليه الرمال من فوقه.
قالت جين: «آمل أن نكون قد فعلنا الصواب.»
قالت أنثيا: «أنا متأكدة من أن ما فعلناه كان صائبًا، هيا بنا إلى المنزل لنخبر أخوينا.»
وجدت أنثيا سيريل عابسًا مع قواربه الورقية، فأخبرته، كما أخبرت جين روبرت. وبمجرد أن فرغتا من كلامهما، دخلت الأم وهي منفعلة ومغبرة، وأوضحت أنه أثناء ذهابها إلى روتشستر لشراء الملابس الخريفية المدرسية للفتاتَين، انكسر محور إحدى عجلات العربة، ولولا ضيق المسار وسياج الشجيرات الناعمة العالية، لسقطت من العربة. وبذلك هي لم تصب بأذى، لكنها اضطرت إلى المشي عائدةً إلى المنزل، قالت: «أوه، صغاري الأعزاء، كلُّ ما أتوق إليه هو كوب من الشاي! فليذهب أحدكم وينظر ما إذا كان ماء الغلاية يغلي!»
همست جين: «إذن، كما ترون فكل شيء على ما يرام، إنها لا تتذكر.»
قالت أنثيا التي كانت قد ذهبت لترى الغلاية: «لن تتذكر ما حدث أبدًا.»
وعندما جاءت الخادمة بالشاي، مرَّ بيل وهو في طريقه ليخبرهم بالأخبار السارة، وهي أن حُلي السيدة تشيتيندين لم تكن مفقودة، وإنما أخذها اللورد تشيتيندين معه ليعاد صقلها وتلميعها، وأن الخادمة التي كانت على علمٍ بالموضوع كانت في إجازة؛ لذا فقد كان كل شيء على ما يرام.
قالت جين بحزن عندما كانوا يمشون في الحديقة بينما كانت الأم تضع الحَمَل في فراشه: «أتساءل ما إذا كنا سنرى عفريت الرمال مرة أخرى.»
قال سيريل: «أنا متأكد من أننا سنفعل، إذا كنتِ تتمنين ذلك حقًّا.»
قالت أنثيا: «لقد وعدناه ألا نطلب منه أي أمنيةٍ أخرى أبدًا.»
قال روبرت بجدية: «وأنا لا أريد ذلك.»
لقد رأَوْه مرةً أخرى — بالطبع — ولكن ليس في هذه القصة، كما أن اللقاء كذلك لم يكن في حفرة رملية، بل في مكانٍ مختلف تمامًا، كان في … ولكن ينبغي عليَّ ألَّا أقول أكثر من ذلك.