الخدعة!
كان الكهف السري كخلية النحل، الكل يعمل في نشاط وخفة، وكان الشياطين قد انقسموا إلى مجموعتَين بناء على تعليمات رقم «صفر» … كانت المجموعة الأولى تضمُّ «خالد» و«باسم» و«رشيد» و«مصباح» ومعهم «زبيدة» … بينما ضمَّت المجموعة الثانية «أحمد» و«عثمان» و«فهد» و«قيس» و«بو عمير» ومعهم «إلهام»، وكانوا يستخدمون سلاحًا جديدًا من نوعه، وكان السلاح الجديد الذي يتدربون عليه … في غاية الغرابة … به قدرٌ كبير من الخداع والتضليل البصري، الأمر الذي جعلهم في غاية الحماس وهم يستخدمونه بكل دقة.
لم يكن السلاح الجديد سوى اختراع أُعدَّ مخصوصًا للشياطين عبارة عن سُحُب رمادية يُحدثها الشيطان بنفسه عندما يضغط على زرٍّ صغير بعلبة بحجم علبة الكبريت، فتنبعث منها بسرعة قياسية هذه السحبُ الرمادية التي تجعل الشيطان يرى كلَّ الأشياء من حوله، ولا يستطيع أن يراه أحد.
كانت المجموعة الأولى هي التي تستخدم السلاح الجديد، بينما كانت المجموعة الثانية تحاول اكتشافَ أيِّ نوع من الثغرات بشتى الوسائل في هذا السلاح الجديد … سواء بالأقنعة أو بوسائل الرؤية المختلفة. وظهر بوضوح قوة هذا السلاح الجديد … فقد تغلَّبَت المجموعة الأولى على المجموعة الثانية في كلِّ الالتحامات التي قامَت بينهم، وقال «عثمان»: كيف تتخيل أنك تحارب شيئًا غير مرئي بينما هو يراك ويسدِّد لك الضربات من كلِّ اتجاه؟
كان الوقت يقترب من منتصف النهار عندما تعالَى صوت الجرس الذي يعرفه الشياطين … وسرعان ما توجهوا إلى قاعة الاجتماعات الكبرى بأسفل الكهف السري.
كان رقم «صفر» بانتظارهم … قال محيِّيًا الشياطين: مرحبًا بكم … لقد أتممتم مهمتكم الأخيرة على أكمل وجه وبسرعة لم أكن أتوقعها برغم ثقتي بكم وبكفاءتكم ولكن!
لقد تدخَّل معكم الحظ بشكل جيد … واستطعتم القبضَ على «كارلوس روبيرتو» … الرجل ذو السبعة أرواح وقد انتهت السلطات «الأرجنتينية» من التحقيق معه، وكانت المفاجأة التي لم يتوقعها أحد … أن «كارلوس روبيرتو» الذي قبضتم عليه ليس هو «كارلوس» الحقيقي!
لقد ظهر فجأة في «كولومبيا» تحت اسم جديد وشكل جديد … لقد غيَّر «كارلوس» اسمَه إلى «لوكا برازي»، وغيَّر شكلَه تمامًا ليبدأ نشاطه من جديد في بلد يحكمه رجالُ العصابات وتجارُ المخدرات … و«لوكا برازي» هو اسم أحد رجال العصابات المتوفي … ولعلكم تعرفونه جيدًا.
إن «كولومبيا» من أكثر بلاد العالم شهرة في تجارة المخدرات بشتى أنواعها، والعصابات هناك قوية ومحكمة التنظيم، مما يجعل القضاء على هذه العصابات أمرًا مستحيلًا، والحكومة «الكولومبية» تعرف ذلك تمامًا، وهي تحاول من حين إلى آخر ضربَ معاقل هذه العصابات التي تحمي بعضها بشكل لم يسبق له مثيل.
صمت رقم «صفر» قليلًا ثم أكمل بعدها حديثَه قائلًا: إن العصابات في «كولومبيا» تنظِّم نفسها بشكل فوري، والحكومة هناك لا تحاول معارضتهم، الأمر الذي يجعلهم كرجال «المافيا» أخطر رجال العصابات على الإطلاق.
يستمر رقم «صفر» في حديثه قائلًا: إن «لوكا برازي» يتحرك الآن بحرية تامة وتحميه مجموعةٌ من الرجال الأقوياء، ولقد أسفر التحقيق الذي أُجريَ مع «كارلوس روبيرتو» الوهمي عن بعض الحقائق، ولكنها للأسف ليست كاملة … لقد نفَى تمامًا معرفتَه بأحد … برغم اعترافه الصريح بأنه ليس «كارلوس» الحقيقي وأنه شبيهٌ له فقط … وليست له أية صلة بعصابات أخرى.
ويسكت رقم «صفر» لحظاتٍ تعالَى بعدها صوتُه العميق قائلًا: إن المجموعة التي ستسافر إلى «كولومبيا» في أقرب وقت تضم «باسم» و«رشيد» و«مصباح» ومعهم «خالد» و«زبيدة»، ولعلكم عرفتم الآن السرَّ في اختياري لهذه المجموعة … ولمزيد من التوضيح أقول: إن هذه العصابات على قدر كبير من الوعي، ومن المؤكد أنها عرفَت أشكال الذين قاموا بالمهمة الأولى في «الأرجنتين»، وكان لا بد من خداعهم بمجموعة أخرى حتى يتسنَّى لهم حرية الحركة دون مراقبة.
أكمل رقم «صفر» حديثَه: إن السلاح الجديد الذي اخترعه العلماء ليكون أولَ اختراع من نوعه في العالم، وقد تم اختراعه مخصوصًا لكم ليجعلكم في مأمن أولًا من هؤلاء الأشرار عند الالتحام بهم سوف يعطيكم الميزة الكبرى التي تجعلكم تُلقون القبض عليهم والتأكد من شخصياتهم، إنني أعرف مدى ما أصاب «أحمد» … من المفاجأة في استبعاده لأول مرة منذ أن أُنشئَت منظمتنا الخيرية … ولكن ما العمل إذ كان من الضروري استبعاده؟!… وأكمل رقم «صفر» قائلًا: عليكم بالمزيد من التمرينات على السلاح الجديد وكيفية استخدامه على أن يكون التركيز على المجموعة المسافرة إلى «كولومبيا»، ولمزيد من المعلومات عن المهمة القادمة والتي أسميها «لعبة النهاية» لنا لقاء آخر.
سمع بعدها الشياطين صوتَ أقدام زعيمهم الخفي وهي تختفي رويدًا رويدًا، وساد الصمتُ قبل أن ينصرف الشياطين من القاعة، وقد عَلِقت برءوسهم الأسئلةُ والاستفسارات حين صاح «عثمان» وهو يداعب «أحمد»: هارد لك يا صديقي، إنني من المستبعدين أيضًا.
فابتسم «أحمد» وهو يقول: برغم المفاجأة التي لم أكن أتوقعها إلا أنني لستُ حزينًا؛ فنحن جميعًا على قدر واحد من الكفاءة، ولعلها تكون المرة الأولى والأخيرة التي أُستبعد فيها … ردَّ «بو عمير» على كلام «أحمد» قائلًا: إن من المؤكد أن «كارلوس» الوهمي له صلة وثيقة ﺑ «كارلوس» الحقيقي، ومن المرجح أنهم قد التقطوا لنا الصور، وميَّزوا الأصوات، فكان من الصعب اشتراكنا في هذه المغامرة مهما كانت درجة إجادتنا للتنكُّر.
أيَّدَته «إلهام» قائلة: إن ما يقوله «بو عمير» صحيحًا، وأكملت: لقد كان اختيار الزعيم صائبًا تمامًا، وما علينا إلا أن نتمنَّى لهم التوفيق.
لم تكَد «إلهام» تنتهي من جملتها حتى انطلق الشياطين صوب ساحة التمارين ليتدربوا على السلاح الجديد الذي سيكون له أكبر الأثر في مغامرتهم الصعبة ﺑ «كولومبيا».
•••
كان «باسم» و«رشيد» و«مصباح» ومعهم «خالد» يحملون هذه العلب الصغيرة، بينما كان يواجههم «أحمد» و«عثمان» و«بو عمير»، وكان «أحمد» ممسكًا بمسدس حقيقي، بينما أمسك «بو عمير» خنجرًا طويلًا، وداعب «عثمان» كرتَه السوداء الجهنمية، ونظر ﻟ «خالد» وهو يردِّد: سنرى الآن ماذا يفعل سلاحك أمام كرتي التي لا تخطئ أبدًا.
أعلنَت «إلهام» بعدها بدْءَ النزال، وضغط بسرعة «باسم» و«رشيد» و«خالد» بسرعة على زرٍّ صغير بهذه العلب العجيبة، وتعالَى بعدها صياحُ «أحمد» و«عثمان» و«بو عمير» … لقد حجبَت هذه السحب الرؤيةَ تمامًا عن «أحمد» و«بو عمير» و«عثمان»، ولم يستطع «عثمان» أن يُطلق كرتَه، بل أخذها منه «باسم» بمنتهى السهولة دون أن يراه … وكذلك فعل «خالد» مع «بو عمير»، لقد سحب منه الخنجر دون أية مقاومة، وتعالَى صوتُ «أحمد» منهيًا النزال وهو يقول: انتهى … استوب … المعركة ليست متكافئة.
لم تمضِ لحظات حتى توقَّفَت السحب المنبعثة من العلب الصغيرة، وظهر «خالد» و«باسم» و«رشيد» من جديد، وكانوا يُمسكون الأسلحة التي كانت مع «أحمد» و«بو عمير» و«عثمان» … وهذا ما يؤكد فعالية هذه الخدعة الجديدة وقدرة الشياطين على استخدامها.
قضى الشياطين بقية الوقت في التحدث عن قدرة هذا السلاح العجيب أو السحب «العفريتية» كما أطلق عليها «عثمان».
كانت الساعة تقترب من أخريات الليل حين أوى الشياطين إلى مخادعهم ومخيلتهم تمتلئ بصراعات المغامرة الجديدة «لعبة النهاية»، والتي سيُلقون فيها القبض على الزعيم الحقيقي «كارلوس روبيرتو» … أو «لوكا برازي» الاسم الجديد.
أشرقت شمس النهار على الكهف السري … في يوم صحو اعتدلَت فيه درجة الحرارة، وأصبح الطقس في أبهى صورِه حين صحَا الشياطين من نومهم تباعًا، وذهبوا لتناول طعام الإفطار بعد أن انتهوا من الاغتسال والقيام بالتمارين الرياضية اليومية.
كان رقم «صفر» قد حدد ميعاد الاجتماع في الحادية عشرة صباحًا كما شاهدوها عبر شاشات الكهف السري الفسفورية، وما إن دقَّت الساعة الحائطية لتُعلنَ عن الحادية عشرة حتى سارع الشياطين إلى القاعة الصغرى الدائرية.
كان رقم «صفر» بانتظارهم حين دخلوا القاعة … وأتاهم صوتُه العميق وهو يرحب بهم ويبدأ الاجتماع قائلًا: لقد حان وقت التحرك … ففي الغد ستنطلق المجموعة المتفق عليها إلى «باريس» عبر الخطوط «المصرية» للطيران، وفور هبوطها بمطار «شارل ديجول» سيكون بانتظارهم أحد رجالنا، ستقضون بعضَ الوقت هناك ﺑ «باريس» عاصمة النور والأزياء، وستستقلون الطائرة المتجهة رأسًا إلى «كولومبيا» وهناك … صمت رقم «صفر» لحظات قبل أن يُكمل حديثه: أقول عندما تَصِلون إلى «كولومبيا» وفور هبوطكم من الطائرة ستجدون أحد رجالنا بانتظاركم، وسيكون التعامل معه من خلال الإشارات، فكلُّ شيء في «كولومبيا» يدعو للحذر، والعصابات هناك لها ألفُ عين وألفُ أُذُن.
أما من ناحية عميلنا فستتعرفون عليه بسرعة؛ فهو حليق الرأس تمامًا، بينما تغطِّي ذقنه مساحة وجهه … ويرتدي ملابس صيفية برغم برودة الجو هناك، وسيكون بصحبته كلب صغير بنفس لون ملابسه البيضاء، سيتجه إليه «خالد» فور رؤيته ويشير إلى الكلب الصغير بعلامة الإعجاب وهو يضحك، ثم يرفع أحد أصابع يده عاليًا دون أن يتحدث ويُكمل السير … في نفس الوقت التي ستتبعون فيه «خالد».
بعدها سيكون اللقاء بينه وبينكم خارج المطار … سيرسل لكم سيارة سوداء من نوع «كاديلاك» الأمريكية، وسيقوم سائقها بالتحية وهو يردد اسمه «ألوفس»، ومع «ألوفس» عميلنا هناك ويُدعى «كازان» ستعرفون كلَّ شيء عمَّا يدور بخاطركم … وأكمل رقم «صفر»: أنصحكم بالحذر، وأتمنَّى لكم التوفيق … اختفى بعدها صوت رقم «صفر» … إثر تلاشي حركة أقدامه المنتظمة.
نهض الشياطين بسرعة واتجهوا إلى غُرَفهم … كان «خالد» هو قائد المجموعة المتجهة إلى «كولومبيا»، وقد شعر بثقل المهمة، فهم لأول مرة يسافرون بدون «أحمد» والمغامرة في غاية الخطورة … و«كارلوس روبيرتو» أو «لوكا برازي» سيكون في منتهى الشراسة معهم لو تعرَّف عليهم … خواطر كثيرة عبرت برأس «خالد» وهو في طريقه إلى غرفته.
قرأ «أحمد» بسرعة أفكاره … وسارع بالقول: لا تخش يا صديقي، وستنجحون في مغامرتكم بإذن الله، بل إنني لا أستبعد أن تأتوا بهذا الداهية إلى هنا حتى نعرف حقيقته بكهفنا السري، فابتسم «خالد» لكلمات «أحمد»، وشعر بشيء من الطمأنينة تسري ببدنه، وانطلق على الفور ليُكمل مهمات السفر … وحوله رجال المجموعة المسافرة إلى معقل المخدرات في العالم إلى «كولومبيا»!