العميل الأفعى!
كانت كلمات العميل «الأفعى» لها أكبرُ الأثر في نفوس الشياطين؛ فلم يكن من قبيل المصادفة أن يودع «خالد» قائلًا: إلى اللقاء يا سيد «صفر»!
فالزعيم لا أحدَ يعرف حقيقتَه مطلقًا … فكيف توصل هذا العميل العربي إلى سرِّ الزعيم الغامض … لقد حار الشياطين في تفسير هذا اللغز … وبات كلُّ تحرُّكٍ لهم محسوبًا بدقة، كانت ساعات النوم التي تأتي في أخريات الليل قد أجهدَت الشياطين من السهر، فخلدوا جميعًا إلى النوم عدا «خالد» الذي ظل ساهرًا … يعيد ترتيب الحسابات، ويسترجع شريط الأحداث الذي مرَّ بها وقلعة الأسرار المقامة في باطن الأرض في مكان لا يعرفه أحد … ثم الوسائل التي اتبعت لتضليله.
قام «خالد» وأعدَّ لنفسه كوبًا من الشاي، ثم جلس في شرفة الفندق يراقب حركة السيارات الساهرة وهي في طريق العودة … وأضواء العاصمة «بوجوتا» الصفراء تُحيل المباني إلى أشباح باهتة … كان كلُّ ما يشغل «خالد» ما قاله العميل «الأفعى»، ثم كيف يواجه هؤلاء الأشرار المحصنة بداخل القلعة «قلعة الأسرار» … في نفس الوقت الذي أخذ يتخيل فيه الزعيم ذا السبعة أرواح … «لوكا برازي» أو «كارلوس روبيرتو» … وهل هو الحقيقي فعلًا؟ أم أنه مجرد شبيه آخر يحاول لعب دور الزعيم؟
أسئلة كثيرة دارَت برأس «خالد» … وكانت تبحث عن الإجابات دون جدوى … ثم هناك شيء آخر يتعلق ﺑ «كازان» أو «سولا» كما ناداه «رومايرو»؛ فقد اختفى دون مبرر، ولم يَعُد الرجل الذي يعتمد عليه … فهل اكتشف أمره أم أن اختفاءه شيء محسوب لصالح المغامرة؟! كانت الساعة تشير إلى الثالثة بعد منتصف الليل حين أوى «خالد» إلى فراشه ورأسه يدور من كثرة الأسئلة التي تبحث عن إجابات.
وحمل الصباح الباكر مفاجأة لم تكن بحسبان الشياطين مطلقًا … بل إنهم جميعًا راحوا في حالة من الذهول وعدم التصديق … لقد عثروا على رسالة ملقاة من أسفل الباب … وكانت الرسالة بلغة الشفرة السرية التي لا يعرفها سواهم … كانت تقول: من رقم «١» إلى الشياطين اﻟ «١٣» ٥٥٠٠–٣٢–٣٤ «وقفة» ثم ٦٥–٢٤–٢٦–٢٨–١٠ «وقفة» … وأخيرًا ٣١٤–٣٠٦–٣٠٠–١١٥ … وانتهَت الرسالة الشفرية، ولم تصدق «زبيدة» نفسها وهي تقوم بحل رموز الشفرة؛ فقد كانت تقول: من الشيطان رقم «١» والمقصود به «أحمد» إلى مجموعة الشياطين اﻟ «١٣»… إنني العميل «الأفعى» … لقد جئت خلفكم بناء على تعليمات الزعيم وهي مفاجأة لي قبل أن تكون مفاجأة لكم … إنني أعمل الآن مع مستر «رومايرو» وهو تاجر محترف في البودرة البيضاء … وهو أحد المقربين إلى الزعيم الحقيقي «كارلوس روبيرتو» إنني على وشك الوصول إلى مكان «كارلوس» أو «لوكا برازي» الحقيقي … وانتظروا مني رسائل أخرى لتوحيد عملية القبض على الزعيم الذي مات سبع مرات … وانتهت إلى هنا رسالة «أحمد».
كان «خالد» لا يصدق نفسه، وراح يضرب كفًّا على كف، فكيف خدعه «أحمد» بهذه الدرجة، لقد أتقن التنكر لدرجة أنه قد لا يعرف نفسه.
وارتفعَت روح الشياطين المعنوية، وجلس «خالد» لوضع خطة الاقتحام لقلعة الأسرار … في حالة وصول تعليمات جديدة من «أحمد» أو العميل «الأفعى».
طالَت فترة انتظار الشياطين … ولم تصلهم أية رسالة جديدة، فبدأت نوبات الشك تُطاردهم من حين إلى آخر … فهل اكتشفت حقيقة «أحمد»؟
كان الوقت يمضي مسرعًا وحالة التوتر تزداد، وفجأة ظهر «كازان» من جديد … كان شكله هذه المرة مختلفًا تمامًا عندما قابل «خالد» في «النادي الدولي» … قال والكلمات تخرج من فمه مرتعشة: إنها المرة الأخيرة التي أساعدكم فيها … لقد طلب مني الزعيم «رومايرو» بتوصيل هذه الرسالة لك … فهو يريد إنهاء الصفقة حالًا لأنه قد يغادر «كولومبيا» إلى مكان آخر … وسيرسل لك أحد أعوانه للاتفاق على كل شيء في هذه الزيارة التي ستقوم بها إلى مقره الذي لا يعرفه أحد.
فقال «خالد» ﻟ «كازان»: وماذا عن العميل «الأفعى» … أو العميل العربي الذي يعمل لخدمة «رومايرو»؟! …
فقال «كازان» ليس لديَّ أية معلومة عن هذا العميل سوى أنه أصبح من المقربين جدًّا للزعيم الغامض «لوكا» السحري.
قال «خالد»: ومتى سألتقي بالزعيم «رومايرو»؟
ردَّ «كازان»: ربما غدًا أو بعد غد.
قال «خالد»: ولكنني لا أعرف كيف سأذهب لملاقاة الزعيم «رومايرو» بدونك!
ضحك «كازان»: وهو يردد … سوف تعرف، ثم أكمل: إنك على درجة عالية من الذكاء، ولا تنسَ يا صديقي أنني أعمل لصالح منظمتكم، فكن مطمئنًا لكل ما أقوله لك.
نهض «كازان» وقال ﻟ «خالد»: انتظر مبعوث الزعيم «رومايرو»؛ فقد يأتيك في أي وقت.
شكر «خالد» «كازان» وقال: سأنقل ما فعلته معنا ومن أجلنا إلى الزعيم … وأكمل: ولكن هناك رجاء آمل أن تستطيع تحقيقه، فهو مهمٌّ للغاية.
قال «كازان» وهو يتجه إلى باب الخروج من «النادي الدولي»: وما هو يا مستر «كردغلي»؟
ابتسم «خالد» وهو يقول: نريد سيارة … فقط سيارة قوية …
ردَّ «كازان»: وهل تنفعكم سيارتي؟!
قال «خالد»: لا بأس إذا كانت بحالة جيدة.
ابتسم «كازان» وهو يقول: نعم في حالة ممتازة وصاحبها … ثم ضحك وهو يُكمل حديثه: هي ملك لكم منذ هذه اللحظة.
كانت سيارة «كازان» من النوع السويدي وهي السيارة «الفولفو» الشهيرة … كانت سوداء اللون وموتورها بحالة جيدة، وبعد أن فحصها «مصباح» قال ﻟ «خالد»: إن سيارة «كازان» قوية، لكنها ليست مريحة.
قال «خالد»: إننا لا نريد منها سوى أن تكون قوية … وأكمل: فنحن كما تعرف لا نبحث عن الراحة.
قال «مصباح»: أعرف يا صديقي، لكني أتحدث بشكل عام، فكلما كانت السيارة مريحة كانت مرغوبة أكثر، والدليل على ذلك أن السيارات «المرسيدس» تحقِّق أعلى المبيعات؛ لأنها تجمع بين المتانة والراحة في نفس الوقت.
بعد أن فرغ «مصباح» من إعداد السيارة «الفولفو» للمهمة الغامضة اجتمع الشياطين بغرفة «خالد» … لقد أصبحت الأمور تسير إلى الأسوأ … فلا مبعوث السيد «رومايرو» حضر، ولا ثمة أخبار جديدة من «أحمد».
كانت ساعة الفندق الحائطية تُعلن عن الثامنة مساءً حين دق باب الغرفة، فقام «رشيد» وفتح الباب … وكان الجرسون الذي يعمل بالفندق واقفًا أمامه، وقد مدَّ يده برسالة أخذها منه «رشيد» بسرعة، ثم أغلق الباب، وفتح الرسالة … كانت تقول: استعد يا مستر «كردغلي»، اللقاء اليوم في العاشرة أمام الفندق … وانتهت الرسالة … وقام بعدها الشياطين بتجهيز أسلحة المهمة، وقد تأكد كلٌّ منهم من وجود علبة السحب الرمادية السحرية أو السلاح الجديد الذي يُستخدم لأول مرة.
وما إن أشارت الساعة إلى العاشرة حتى أسرع الشياطين بالهبوط من الفندق، والانتظار بالسيارة «الفولفو» السوداء.
كانت الخطة تقتضي أن يقتحم الشياطين «قلعة الأسرار»، وخاصة بعد أن انقطعت أخبار «أحمد»، فلم يكن أمامهم أية خيار …
كان مستر «كردغلي» واقفًا بمفرده، وبعد ثوانٍ انضمت إليه «زبيدة» سكرتيرته الخاصة، ولم يقفَا طويلًا، فقد اقتربت منهما السيارة «البورش» الحمراء، وأطل منها سائقها، ثم قال بلهجة إنجليزية غير سليمة: مرحبًا بكم مستر «كردغلي» … ولم يُجبه «خالد»، بل فتح باب السيارة «البورش»، وصَعِد ومعه «زبيدة» لتنطلق السيارة «البورش» باتجاه «كالي».
كان قائد السيارة هو نفس القائد الذي قام بتوصيل «خالد» إلى «قلعة الأسرار»، وكان من الواضح أنه شديد الذكاء صارم القسمات برغم نحافته، ولكنه كان بارعًا في قيادة السيارة التي راحَت تلتهم الطريق المتعرج باتجاه «كالي»، في نفس الوقت الذي صارت خلفه السيارة «الفولفو» السوداء التي يقودها «مصباح»، والذي جعل هناك مسافة ثابتة بينه وبين السيارة «البورش» حتى لا يلفتَ نظرَ السائق.
استمرت مسيرة السيارتَين ساعتين ونصف، وظهرَت من بعيد المدينة الصغيرة «كالي» التي تحوطها الأشجار من كل مكان … انحرفَت السيارة «البورش» يمينًا من طريق ضيق غير ممهد … يعلو ثم ينخفض فجأة، وقد ارتفعت خلف عجلات السيارة سحبٌ كثيفة من الغبار الناعم … ووصل «مصباح» بالعربة «الفولفو» إلى نفس الطريق، وظل سائرًا، وهدأ من سرعة السيارة حتى يحافظ على المسافة بينه وبين السيارة «البورش» … وكان أغرب مشهد رآه الشياطين عندما اختفت السيارة «البورش» الصغيرة وكأن الأرض قد ابتلعتها … وصاح «رشيد»: إنني لا أصدق نفسي، لقد كنت أراها الآن!
وردَّ «باسم»: من الواضح أن هناك بوابة صخرية تفتح أتوماتيكيًّا بمجرد وصول السيارة … كما قال «خالد»!
فقال «مصباح»: وما العمل الآن؟!
اقترب «مصباح» بالسيارة «الفولفو» إلى المكان الذي اختفت فيه السيارة «البورش» الحمراء التي كانت تنقل «خالد» ومعه «زبيدة»، هبط الشياطين من السيارة، وراحوا يفحصون المكان وقد ارتسمَت الدهشة على وجوههم.
فجأة شعر الشياطين بحركة من خلفهم، وسمعوا بعدها أحد الرجال وهو يقول: مرحبًا بكم، لقد جئتم إلى مثواكم الأخير أيها العفاريت!
كان الموقف في غاية الصعوبة؛ فعشرة رجال مسلحين يحوطون بالشياطين من كل جانب وقد تطاير الشرر من أعينهم … اقترب أحدهم وكان طويل القامة مفتول العضلات وشعره مجعد يتناثر فوق رأسه بطريقة غريبة … وشهر مسدسه في وجه الشياطين، ثم صاح: ارفعوا أيديَكم، ولم يكد ينتهي من جملته حتى التفَّ الرجال التسعة الباقون حول الشياطين … نظر «مصباح» إلى «باسم» و«رشيد»، وتلاقَت عيونهم لحظات، ثم رفعوا أيديَهم وهم يرددون: «أوكيه»، ومعناها بالإنجليزي: «تمام» … أو «سمعًا وطاعة» …
وسرعان ما أمسك كلُّ ثلاثة رجال بواحد من الشياطين واقتادوهم بضع خطوات للأمام، وفجأة انفتحَت إحدى البوابات الصخرية … ودفع الرجال الشياطين إلى الداخل، حيث كانت بانتظارهم سيارة صغيرة أقلَّتهم ومعهم ثلاثة حراس إلى «قلعة الأسرار»، وهناك كانت المفاجأة بانتظارهم … لقد اكتشف «رومايرو» حقيقة مستر «كردغلي» ومعه سكرتيرته «زبيدة» … وضحك «رومايرو» بصوت وهو يردد: بضعة شباب صغار يحاولون الضحك على الزعيم، ثم ارتفع صوت ضحكاته الممزوجة بحقد الانتقام … قال وهو يسدِّد النظرات النارية إلى «خالد»: أتريد خداعي يا مستر «كردغلي»، ولم يُجب «خالد»، بل ظل صامتًا يفكر في الخطوة المقبلة … وكان كل ما يشغله هل اكتشف «أحمد» أيضًا؟ وكانت الإجابة بالنفي عندما دخل العميل «الأفعى» إلى القاعة، وقال «رومايرو» وهو يداعبه: هل حان وقت لقائهم بالزعيم «لوكا»؟! فقال العميل «الأفعى»: نعم يا سيدي «رومايرو» سيراهم بعد لحظاتٍ قبل أن يذهبوا إلى بئر الأفاعي … وضحك بصوتٍ عالٍ وهو يردد: إخواني الأفاعي … ستكون الوجبة دسمة هذه المرة، وخاصة ومعهم فتاة جميلة، واقترب من «زبيدة» وهو يهزُّها بعنف ويضحك في هيستريا.
كان «أحمد» أو الرجل «الأفعى» يقوم بأداء دوره بشكل غريب حتى إن الشياطين تخيلوا أن هذا خطأ ما، وأن هذا العميل حقيقي وليس «أحمد» … سمع بعدها الشياطين صوت جهاز الهدفون وهو ينادي على العميل «الأفعى» قائلًا: ائتني بالمخادعين.
في نفس الوقت الذي وقف فيه «رومايرو» مرعوبًا … وردَّد بعد أن سكت جهاز الهدفون: إنه صوت الزعيم «لوكا»، فقال العميل «الأفعى»: لا تخف مستر «رومايرو»؛ فالزعيم لم يقصدك أنت … ولم يكَد ينتهي الرجل «الأفعى» من كلماته حتى اقتحم القاعة مجموعةٌ من الحراس المدججين بالسلاح، واقتادوا الشياطين يتقدمهم «خالد» و«زبيدة»، بينما صاح الرجل «الأفعى»: بسرعة أيها الجبناء!
سار الشياطين في دهليز صغير بضع خطوات، ثم توقفوا بناءَ على الأوامر التي صدرَت إليهم، وفجأة تهاوت الأرض تحتهم، وشعروا بعدها بأنهم يسيرون أوتوماتيكيًّا في مكان مظلم، ثم ارتفعت الأرض بهم مرة أخرى … وارتفعت أحد الحوائط العملاقة أمامهم ليشاهدوا أغرب ما رأوا في حياتهم.