عودة الشام ومصر إلى حظيرة العباسيين
وظهر في سنة ٢٩٣ﻫ/٩٠٥م رجل بمصر يقال له: الخليجي، وخلع الطاعة، فأمر الخليفة أحمد بن كنغلغ نائب دمشق أن يقاتله فلم يقدر عليه، ثم هاجم القرامطة دمشق فلم يقدروا عليها، فذهبوا إلى طبرية فقتلوا أكثر أهلها، وتُوفي الخليفة المعتضد في سنة ٢٩٥ﻫ/٩٠٧م، وخلفه المقتدر، وفي سنة ٣٠٩ﻫ/٩٢١م قلد المقتدر مؤنس الخادم بلاد مصر والشام ولقبه المظفر، وأمر أن يُكتب ذلك في المراسلات إلى الآفاق. البداية والنهاية (١١ / ١٣٢).
وجاء في البداية والنهاية (١١ / ١٤٨) أن الوزير ابن الفرات أشار على الخليفة المقتدر بالله أن يبعد عنه مؤنسًا الخادم إلى الشام — وكان قد قدم من بلاد الروم من الجهاد، وقد فتح شيئًا كثيرًا من حصون الروم وبلدانهم وغنم غنائم كثيرة — فأجابه إلى ذلك، فسأل مؤنس الخليفة أن ينظره إلى سلخ رمضان، وكان مؤنس قد أعلم الخليفة بما يعتمده ابن الوزير من تعذيب الناس ومصادرتهم أموالهم، فأمر الخليفة مؤنسًا بالخروج إلى الشام.
واستدعى الخليفة مؤنسًا في سنة ٣١٢ﻫ/٩٢٤م لقتال القرامطة، وكلف علي بن عيسى أن ينظر في أمر الشام ومصر، وكان مقيمًا بمكة ويسير إلى تلك البلاد في بعض الأوقات فيعمل ما ينبغي ثم يرجع إلى مكة، وفي سنة ٣١٤ﻫ/٩٢٦م ولَّى الخليفة أبا القاسم عبيد الله بن محمد الكلوذاني نيابةً عن علي بن عيسى حتى يقدم، ثم أرسل في طلب علي بن عيسى، وهو بدمشق، فقدم بغداد في أُبًّهة عظيمة، فنظر في المصالح الخاصة والعامة، ورد الأمور إلى السداد. البداية والنهاية (١١ / ١٥٤). وأصبح علي بن عيسى وزيرًا في سنة ٣١٥ﻫ/٩٢٧م.
وخُلع المقتدر في سنة ٣١٧ﻫ/٩٢٩م، وتولى القاهر، ثم عاد المقتدر، وفي سنة ٣١٩ﻫ/٩٣٠م خلع علي ابنه العباس الراضي، وجعله نائب بلاد المغرب ومصر والشام، وجعل مؤنس الخادم يسد عنه أمورها، وقُتل المقتدر سنة ٣٢٠ﻫ/٨٣٢م، وبُويع للقاهر وظهر آل بويه سنة ٣٢١ﻫ/٩٣٣م وملكوا بغداد من أيدي الخلفاء العباسيين، وخُلع القاهر سنة ٣٢١ﻫ/٩٣٣م وسُملت عيناه وعُذِّب ومات سنة ٣٣٣ﻫ/٩٤٤م، وافتقر حتى كان يستعطي، وبويع بعده الراضي بالله، وفي سنة ٣٢٢ﻫ/٩٣٣م تُوفي المهدي أبو محمد عبيد الله أول الخلفاء الفاطميين في إفريقية.
لم يبق للخليفة حكم في غير بغداد ومعاملتها سنة ٣٢٤ﻫ/٩٣٥م فكانت مصر والشام في يد محمد بن طغج، وعزل الخليفة أحمد بن كلغلغ عن نيابة الشام، وأضاف ذلك إلى ابن طُغج نائب الديار المصرية.
وفي سنة ٣٢٨ﻫ/٩٣٩م استولى محمد بن رائق على بلاد الشام، فدخل حمص فأخذها، ثم دمشق، وعليها بدر بن عبد الله الإخشيد، وهو المعروف ببدر الإخشيد، وهو محمد بن طغج، فأخرجه منها واستولى عليها.
ثم ركب إلى الرملة فأخذها، وسار فأخذها، وسار إلى العريش فلقيه محمد بن طغج الإخشيد فاقتتلا فهزمه ابن رائق، واشتغل أصحابه بالنهب، ونزلوا بخيام المصريين، فكرَّ عليهم المصريون فقتلوهم، وهرب ابن رائق، ودخل دمشق في أسوأ حال. فأرسل إليه ابن طغج أخاه نصر بن طغج فاقتتلوا عند اللجون، فهزم ابن رائق المصريين، وقُتل أخو الإخشيد، فغسَّله ابن رائق وكفَّنه، وبعث به إلى أخيه بمصر، وأرسل معه ولده، وكتب إليه يحلف أنه ما أراد قتله، ولقد شقَّ عليه، وهذا ولدي فاقتد منه، فأكرم الإخشيد ولد محمد بن رائق، واصطلحا على أن تكون الرملة وما بعد إلى ديار مصر للإخشيد، ويحمل إليه الإخشيد في كل سنة مائة ألف دينار وأربعين ألف دينار، وما بعد الرملة إلى جهة دمشق تكون لابن رائق. البداية والنهاية (١١ / ١٩٢)، وفي سنة ٣٢٩ﻫ/٩٤٠م، تُوفي الراضي بالله، وبويع للمتقي.