الدين – والحضارة – والعلم
إننا لا نستطيع أن نتكلم عن الدين بمعناه الحقيقي، وباعتباره دعامة إيديولوجية في المجتمع، في العصر الحجري القديم أو العصر الحجري الحديث. فالحقيقة أنه قبل الحضارة لم يكن هنالك غير السحر وما صاحبه من طقوس كانت تعبيرًا عن عجز الإنسان إزاء الطبيعة الجامحة ومحاولة منه لإغرائها بالعمل في الاتجاه الذي يريده ويحقق له مطالبه الدنيوية.
ولما كان السحر في منشئه محاولة من الإنسان كما أسلفنا، لتطويع الطبيعة وتفسيرها بأساليب وهمية، وكان العلم في منشئه له نفس الاتجاه وإن قام على أسُس مادية كان من الطبيعي أن توجد أوجه شبه وتداخل بين العلم والسحر.
ولما كان الدين في تلك المرحلة هو التطور الطبيعي للسحر لا يكون غريبًا أن نتعرض للسحر أولًا في بحثنا هذا. لقد ارتبط منشأ السحر بالإنسان الحجري القديم. ويُظن أنه من ناحية الشكل قام — بشكل غير واعٍ أولًا ثم بوعي بعد ذلك — على أساس محاولة تقليد الطبيعة والتعاطف معها. ثم انتقلت هذه الفكرة إلى عمل رموز ونماذج تتشابه مع الأصل تمامًا بحيث إن كل ما يجري عليها من طقوس يمكن أن يتحول بالتعاطف إلى ما يجري في العالم الحقيقي. ولقد ظن الإنسان الأول أنه بهذه الوسيلة يمكن أن يغري الطبيعة على مساعدته في إكثار المحصول واستجلاب المطر وضمان فيضان النهر … إلخ، بل ومساعدته في مواجهة كبرى المشاكل التي كان الإنسان في الحقيقة عاجزًا عن مواجهتها؛ ونعني بذلك مشكلة الموت. ولهذا فإن السحر قد نشأ في الحقيقة كمحاولة من جانب الإنسان لسد الثغرات الناجمة عن فقر التكنيك ومحدوديته.
وقد اتخذت هذه المحاولات السحرية أشكالًا متعددة أحيانًا بهدف اقتباس شيء من قوة الطبيعة ونقله إلى الإنسان مباشرة، وأحيانًا بهدف إغراء الطبيعة عن طريق الطقوس على إظهار قوتها إذا كان ذلك مرغوبًا فيه. ومن أمثلة الشكل الأول ما عثر عليه لدى شعوب البحر الأبيض في العصر الحجري الحديث من فئوس حجرية صغيرة تُثقب وتُستعمل كعقود على أساس أن النموذج يعطي لابسه شيئًا من القوة الخارقة أو الروح الكامنة في الآلة الأصلية؛ أي الفأس. ومن أمثلة الشكل الثاني ما كان يحدث أيضًا في العصر الحجري الحديث من عقد الاتصال الجنسي بين الرجل والمرأة المشتغلين بالزراعة بصورة احتفالية على أساس أن هذا الاتصال الجنسي يرمز إلى التلقيح في الطبيعة؛ ولذا فقد يسببه؛ أي يؤدِّي إلى تكاثر المحصول الزراعي.
وهكذا نشأت أيضًا فكرة «الطوطم»؛ أي الرمز الذي يمنح الإنسان القوة اللازمة له. وهذا «الطوطم» في العادة حيوان وإن كان أخذ في بعض الأحيان شكل النبات. وإذ استقر لكل عشيرة طوطمها الخاص كان من الطبيعي أن يتحول هذا الطوطم شيئًا فشيئًا إلى إلهٍ يُعبد وطقوس وقواعد يضمن عن طريقها تكاثر العشيرة وإنتاجها الغذائي ما ظلَّت هذه القواعد مرعية. وثمة أدلة تاريخية عديدة على أن هذه الطقوس التي تصاحب الاحتفالات الطوطمية كانت معروفة في العصر الحجري القديم ولا سيما الطقوس الخاصة بالولادة والموت والتكريس؛ أي وصول الطفل مرحلة البلوغ والاحتفال به كعضو من أعضاء العشيرة؛ فقد عُثر في الآثار في كهوف العصر الحجري القديم على رسوم عديدة خاصة بهذه الطقوس.
ولقد صحب هذه الطقوس في الغالب أناشيد تحاول أن تعطي «تفسيرًا» عن أصل العالم وتطوره في تعبير طوطمي واضح، أو تعتبر هذه الأناشيد في الحقيقة أول محاولة بشرية في التعليم بمعناه الرسمي، أو لعلها أول محاولة في المعرفة البشرية يذكرها التاريخ. ولقد كان من أهم مظاهر التكريس إعطاء الشخص الجديد اسمًا يحدد به علاقته في السلالة الطوطمية. والحقيقة أن كلمة «اسم» في معناها الأصلي تعني المعرفة؛ أي إن الإنسان لم يكن ليعرف قبل أن يكرس، وهكذا يضع قدمه على أولى درجات المعرفة.
على أن هذا لا ينطبق بالطبع على كل الخرافات القديمة، فقد انمحى الكثير منها، ولا سيما تلك التي نشأت لمواجهة اعتبارات عشائرية محلية بحتة وكان من الطبيعي أن تزول بعد زوال هذه الاعتبارات. ليس هذا فحسب، بل إن خرافات طوطمية عديدة قد تطورت بعد اتصال مستمر في التقاليد، ومن مجموع هذه الخرافات نشأت الأديان البدائية من ناحية، كما نشأت «نظريات» العلم من ناحية أخرى؛ تلك «النظريات» التي حاول بها الإنسان الأول أن يفسر العالم وظواهره. ولو أمعنَّا النظر لوجدنا أن محاولات رجل مثل طاليس في تفسير العالم تعود في أصلها إلى الأساطير الميثولوجية التي نشأت فيما قبل الحضارة.
لقد أثبت التاريخ أن هذا الموقف القائم على نسبة القوة الخارقة إلى الإنسان أو الحيوان قد وقف حجر عثرة في طريق التفكير الإنساني الواضح؛ أي في طريق العلم، خصوصًا إذا كانت الصفات المنسوبة وهمية في الواقع. فالاهتمام الإنساني الشديد بمعدن الذهب حتى اليوم إنما يعود في الحقيقة إلى الخرافة القديمة، على الرغم من أننا نعلم أنه معدن ليس له أي قيمة عملية في حياتنا. ومع ذلك فعندما تكون الصفات المنسوبة إلى الشيء تعبيرًا عن شيء موضوعي قائم في الواقع، تصبح الخرافة وثيقة الصلة بالعلم، وهذا ما حدث في حالة الخرافات الخاصة بالمغناطيس؛ تلك التي ساهمت في تطوير علم المغناطيسية.
وثمة جانب آخر من التفكير البدائي انفصل في مرحلة متأخرة عن السحر الرمزي واستقل بذاته وكان له أبلغ الأثر في تأسيس الأديان البدائية؛ ونعني بذلك الاعتقاد الفرعوني في «الأرواح» وتأثيرها في عالم الواقع؛ وبالتالي ضرورة استرضائها وخدمتها. ولا يوجد حتى اليوم ما يقطع بأصل هذه العقيدة؛ غير أن المرجَّح هو أن هذه العقيدة الفرعونية قد نشأت من خلال عجز الإنسان عن قبول فكرة الموت. فالنصوص المصرية القديمة تكشف عن خوف المصريين وهلعهم من الموت، وثمة وثائق مصرية عديدة تعدد الرقى التي تتيح لمن يستطيع أن يحفظها «الهرب من ظلمة القبر والخروج نهارًا والعودة إلى بيته على ظهر الأرض». وفي مبدأ الأمر تصوَّر الإنسان الروح في صورة جسدية تمامًا، ليس لها قوة أكثر من قوة الإنسان الحي؛ فهي لا تستطيع أن تبقى حية إلا إذا غُذيت بالطعام المادي (ومن هنا جاء تقديم القرابين للموتى)، وإلا إذا كان لها مسكن (ومن هنا جاءت ضرورة وجود المقبرة). ثم تطورت فكرة الروح وأصبحت شيئًا منفصلًا عن الجسد وقادرة على حياة غير منظورة، وهي سلطان خاص. وظلت هذه الفكرة تتطور حتى انقسم مفهوم الروح إلى شيئين مختلفين تمامًا.
- أولًا: تحولت روح الرجل القوي إلى روح البطل الأسطوري، ثم تحولت بعد ذلك إلى روح الإله أو المعبود. وهكذا تحولت الميثولوجيا إلى لاهوت. وفي عصر الحضارة القديمة والأديان البدائية لم تكن مهمة الكهنة ابتكار أساطير وخرافات جديدة بقدر ما كانت تنظيم خرافات ما قبل الحضارة التي ورثوها وثبَّتوها؛ ولذا لم يقدم هؤلاء الكهنة فلسفةً وإنما قدموا ما يسمونه لاهوتًا. أي إنهم أعطوا خرافات البربرية المائعة شكل العقيدة اللاهوتية الجامدة المسنودة بمؤسسات دينية بدائية ذات مصالح دنيوية واضحة مرتبطة بالطبقة الحاكمة.
- ثانيًا: عزل الروح عن أصلها الإنساني وتحويلها إلى قوة طبيعية غير منظورة كالريح مثلًا أو كالروح التي توجِّه العمليات الكيميائية. وقد أدَّى هذا المفهوم الأخير مرة أخرى إلى ارتباط الميثولوجيا بالعلم منتهيًا إلى فكرة الأرواح في المشروبات المسكرة، والأرواح غير المستأنسة عند فان هلمونت والتي هي الغازات كما نعرفها اليوم.
وبمجرد أن استقرَّت فكرة الروح وأصبحت الطقوس أكثر انتظامًا، كان من الضروري أن تنتهي الأمور إلى الأديان البدائية؛ غير أنه من الضروري أن نوضح أن أهداف الديانات الشرقية الأولى كانت «مادية» في جوهرها؛ إذ لم يكن الغرض منها الحصول على القداسة والطهارة والسلام؛ وإنما الحصول على مواسم زراعية جيدة، وأمطار في الفصل المناسب، ونصر في الحروب، ونجاح في الحب والأعمال، والتمتع بالمال والبنين والصحة وطول العمر. ومن هنا كان الخلود بالنسبة للمصريين بالدرجة الأولى استمرارًا على الحياة في الأرض.
لقد أوضحنا كيف تطورت الأمور حتى تحولت روح الرجل القوي القادر في العشيرة إلى روح الإله، وأصبح هذا الرجل القوي القادر والإله شيئًا واحدًا في كثير من الأحيان. وهذه النشأة للرجل القوي القادر في التاريخ القديم هي في الحقيقة منشأ فرعون في مصر ومصدر تأليهه. وبنشأة هذا النوع من الرجال نشأت الحكومة بمعناها الحقيقي.
ويذكر التاريخ أن فرعون لم يكن في مبدئه سوى رجل قوي قادر تم اختياره في احتفالات الحصاد الزراعي ملكًا للقمح أو المحصول أو مانعًا للأمطار، وأنه أعطى اعتبارًا خاصًّا وسلطانًا ضخمًا باعتباره ضروريًّا في حياة المجتمع. وهكذا تحول «ملك القمح» إلى ملك زمني عندما تحوَّل المجتمع من العصر الحجري الحديث إلى العصر الحضاري، وهكذا يرجِّح المؤرخون نشأة الفراعنة في مصر.
ومن الطبيعي أن تتطور فكرة التضحية فتتحول من التضحية بالملك إلى من ينوب عنه، ثم إلى قتل الحيوان بدلًا من الضحية البشرية وإن كان ذلك تم في مصر في مرحلة متأخرة تمامًا (الأسرة الثامنة عشرة).
الدين وتوحيد الآلهة في الحضارة القديمة
لقد كان من الطبيعي أن تتعدد الآلهة في ظل الحضارة الأولى. فكل مدينة لها إلهها الخاص المعبِّر عن كيانها ووجودها، والنزاع بين المدن المختلفة كان له مظهر الصراع بين الآلهة المختلفين المحليين، ثم تطوَّر النزاع بعد ذلك بين الأقطار المختلفة وأخذ مظهر الصراع بين آلهة هذه الأقطار. وهذه الظاهرة المعقدة كان مصدرها نشأة المدن قبل توحيدها في قطر واحد، ووراثة هذه المدن لطواطم العشائر التي تكونت منها المدن. وفي مصر مثلًا كان مينا في مبدأ الأمر زعيم قبيلة كان طوطمها «العَقاب»؛ (وهو العَقاب المقدَّس المسمى حورس). وعندما فتح مينا بقية وادي النيل وضم القرى والقبائل المستقلة وجعلها دولة واحدة، كان من الطبيعي أن تقول نصوص هذه المرحلة أن العَقاب قد ابتلع الطواطم المحلية التي كانت تمثِّل الأجيال السالفة.
وفي مرحلة أخرى من تاريخ مصر كان آمون هو إله طيبة، بدأ كإله محلي تافه ثم وصل إلى مركزه السامي كالإله الأعظم عندما أصبحت طيبة هي المدينة الأولى في مصر. وكان آمون يمثَّل على هيئة إوزة أو كبش عندما كانت طيبة مجرد مدينة ريفية لا تتعدى حدود القرية الكبيرة. ثم بدأت الإوزة في الاختفاء، ولم يبقَ منها إلا الريشتان وبقي شكل الكبش حتى الزوال النهائي للوثنية.
وفي إحدى مدن الدلتا (بوبسطة) كانت «باست» إلهة محلية يُرمز لها برأس القطة، وثمة آلهة محليون آخرون مثل الإله «تحوت» الذي عُرف بأنه كان يُعبد في الشمال ثم انتقل من موطنه الأصلي في الشمال إلى الأشمونين في الجنوب. وعلى الرغم من أن «تحوت» بدأ كإله محلي، فإنه تحوَّل بعد ذلك وأصبح إله الحكمة والمعرفة وسيد الكلمة (أي الكتابة)، والإله المسئول عن قياس الوقت والمحاسب الرياضي ومن ثم الساحر. وليس غريبًا بعد هذا التحول في «تحوت» أن يكون كل الكتاب والمنجمين والمهندسين والفلكيين والمشتغلين بالرياضة التطبيقية عبَّادًا متحمسين لتحوت.
وهكذا فمن الواضح أن تعدد الآلهة كان مرتبطًا بتعدُّد العشائر أولًا فيما قبل الحضارة، ثم تعدُّد المدن والإمارات والأقاليم بعد ذلك. وعندما تم التوحيد السياسي بين المدن، كان من الطبيعي أن يكون لأحد الآلهة المحليين مركز الصدارة الأولى، وإن لم يقضِ هذا على وجود الآلهة الآخرين. فالوضع الاجتماعي والزراعي لم يكن ليسمح بهذا، والمركزية الجديدة تركت للإمارات والأقاليم نوعًا من الاستقلالية أبقى على الآلهة المحليين. وهكذا تأخرت فكرة توحيد الآلهة؛ إذ إنها كانت في حاجة إلى ظروف اجتماعية متقدِّمة. وحتى عندما بدأت تتوفر هذه الظروف في مصر في عهد أخناتون، بذلت القوى المعادية للتوحيد كل جهودها لإفشال ثورة أخناتون الدينية.
ولقد عقَّد الأمور من هذه الناحية أن الملك نفسه كان يُنظر إليه باعتباره إلهًا. ولذلك اتجه الأمر إلى أن يكون لفرعون إله غير إله الشعب، وكان هذا الإله هو «رع» إله الشمس. وباعتباره إله فرعون كانت تقدَّم له فروض الطاعة والإجلال أكثر من أي إله آخر باستثناء أوزريس وإيزيس. وحتى الأسرة الثامنة عشرة في مصر لم يجرؤ أحد من الشعب على عبادة إله فرعون.
وفيما يتعلق بمصر، لا يعرف التاريخ سوى محاولة واحدة في هذا الاتجاه وهي المعروفة باسم ثورة أخناتون الدينية، والتي كانت في الحقيقة تعبِّر عن اتجاه أرباب الصناعات والتجار ضد «الإقطاعية» الزراعية الممثلة في الكهنة.
ومن الناحية الشكلية اتخذ الصراع مظهر النزاع بين كهنة آمون (الذي كان إله الدولة العام) وبين كهنة عين شمس الذين كانوا يدينون بالولاء لإله الشمس ويعتبرونه أعظم الآلهة. وعندما مات أمنحوتب الثالث (۱۳۹۲ق.م.) خلفه ابنه «أخناتون» الذي كان ميالًا إلى عقيدة كهنة عين شمس، والذي حاول بقوة السلطان السياسي أن يفرض في البلاد عبادة الإله الجديد «آتون» (ومعناه باللغة المصرية القديمة قرص الشمس). ومن أجل ذلك هجر أخناتون مدينة طيبة عاصمة ملكه، وانتقل إلى عاصمة جديدة عند تل بني عمران سُمِّيت باسم أختاتون (أي أفق قرص الشمس). وتتميز العقيدة الجديدة في جوهرها بأن آتون هو الخالق والمنظم والحاكم للعالم أجمع لا مصر وحدها.
ولقد فشلت هذه الثورة في نهاية الأمر؛ إذ لم تكد جثة أخناتون توارى التراب، حتى هبَّ كهنة آمون «طيبة» وثاروا على النهضة الدينية والاجتماعية التي مثَّلها أخناتون، واستعادوا عبادة آلهتهم الأقدمين، وفتحوا معابدهم مرة ثانية واستردُّوا ضياعهم ومراكزهم وأملاكهم المصادرة. ولقد حاول صهر أخناتون وخلَفه على العرش أن يقاوم الكهنة فخلعوه من العرش سريعًا، وعيَّنوا بدلًا منه «توت عنخ آتون» الذي عرف فيما بعد باسم «توت عنخ آمون» عندما عادت عبادة آمون دينًا للدولة مرة أخرى. لقد كان عهد «توت عنخ آمون» (على عكس الصورة المرسومة في الأذهان) هو عهد الردة الدينية والانهيار الاجتماعي على الرغم من الذهب الذي تمرَّغت فيه الطبقة الحاكمة. وهذا العصر وما تلاه كان في الحقيقة نهاية حضارة البرونز في مصر؛ تلك النهاية التي تميزت بشكلٍ عامٍّ بانتقال السلطة السياسية شيئًا فشيئًا إلى يد الكهنة عندما استطاع كبير كهنة آمون أن يصبح فرعونًا على مصر إثر موت آخر الرعامسة. وببدء الأسرة الحادية والعشرين بدأ عصر الملوك الكهنة في طيبة، وظل هذا هو الوضع حتى أجهز البرابرة من الجنوب والغرب على حضارة عصر البرونز تمامًا.
الأخلاق والأديان البدائية
بقيت كلمةٌ عن صلة أخلاق مثل هذا المجتمع بالأديان البدائية. إن من المحقق أن «الفضائل الأخلاقية» في المجتمع الحضاري القديم على أساس الانقسام الطبقي كانت بالطبع هي «فضائل» الطبقة الحاكمة، وقد تركزت هذه «الفضائل» الطبقية في فضيلتين أساسيتين: احترام الملكية الفردية، والإحسان. فاحترام الملكية الفردية قانون أخلاقي في المجتمع الطبقي، والإحسان فضيلة أخرى في مجتمع في حاجة دائمًا إلى الأيدي العاملة لزيادة فائض الإنتاج. وهكذا نرى النبلاء في مصر القديمة يعلنون في الكتابات التي على مقابرهم: «إنني لم آخذ قط ما يخص إنسانًا آخر … ولم أظلم أحدًا ممن يتمتعون بأملاكهم.» ويقول آخر: «لقد أعطيت خبزًا للجائعين وألبست كل من كان عاريًا.»