تدهور الحضارة القديمة
أوضحنا في الصفحات السابقة الأعمال الضخمة التي حققتها الحضارات القديمة، وما أثمرته في مجال التكنولوجيا والعلم والإنتاج والفكر والميثولوجيا. ولقد أسلفنا أننا ما زلنا إلى اليوم محاطين في حياتنا المنزلية وغيرها بعديد من منتجات هذه الحضارة. بل إن كثيرًا من مؤسساتنا الاجتماعية لم تتغير إلى حد كبير عما كانت عليه في ذلك العهد. فلدينا اليوم التاجر والحرفي ورجل البوليس والمدعي العمومي وضابط الجيش، وهذا هو نفس ما كان عند أسلافنا القدامى منذ خمسة آلاف عام. وفضلًا عن ذلك فالاضطرابات والقلاقل السياسية التي هي سمة المجتمعات الطبقية في عصرنا الراهن لم تكن مجهولة عندهم أيضًا. وبمعنًى آخر فمعظم الكرة الأرضية اليوم يعيش في المجتمع الطبقي الذي صاحَب ظهور المدن الأولى في هذا العهد السحيق. نعم لقد تغيرت الطبقات واندثر بعضها وساد بعضها الآخر؛ غير أن حقيقة انقسام المجتمع إلى طبقات بما يستتبع هذا الانقسام الاجتماعي من نتائج ظلَّت كما هي.
أما من ناحية الميثولوجيا فعلى الرغم من التطورات الدينية الكبيرة التي حدثت منذ ذلك الحين، وعلى الرغم من أن الديانات القائمة على التوحيد لم تظهر إلا بعد انتهاء حضارات الشرق الأدنى القديمة، إلا أن بعض الأفكار التي ارتبطت بالأديان الآسيوية بعد ذلك يمكن تتبُّع أثرها إلى مرحلة هذه الديانات القديمة. بل إن فكرة تناسخ الأرواح التي ما زالت قائمةً حتى اليوم في مناطق آسيوية عديدة، نجد أصلها في مصر القديمة. وعن طريق مصر انتقلت إلى اليونان فالثابت أن فيثاغورس وهو أحد الذين روَّجوا لفكرة تناسخ الأرواح قد زار مصر ودرس بها.
ويقدم التاريخ أمثلة على ثورات عديدة قامت للتعبير عن السخط على هذه الأوضاع، ومن بينها ثورة أخناتون التي أخذت الطابع الديني وإن كانت في الحقيقة ثورة أهل الصناعة والحرف والتجارة ضد «الإقطاع» الزراعي الممثَّل في كهنة المعابد الكبار الذين ركَّزوا في أيديهم جزءًا ضخمًا من ثروة البلاد الزراعية وعاشوا حياة البذخ والترف، مستغلِّين فوضى الصراع بين معابد المدن المختلفة وضعف الحكومة المركزية وتفكُّك نفوذها؛ غير أن ثورة أخناتون لم تدم مدة طويلة كما أسلفنا من قبل. وفي سومر يذكر التاريخ ثورة مشابهة قامت في مدينة لاجاش (حوالي ٢٤٠٠ق.م.) وهي المدينة الرئيسية في جنوب العراق. وأخذت الثورة صورة قيام ملك بالاستيلاء على السلطة من حكام أسرة ملكية أخرى، وبدأ في وضع سلسلة من الإصلاحات الاجتماعية تستهدف الحد من إرهاب البيروقراطية ونفوذ الكهنة والأثرياء. ولقد وضع النظام الجديد حدًّا للرشوة والفساد وفصَل وأعدم الذين أدينوا بهذه التهم، وخفض مرتبات الجيش، وحرم الكهنة من كثير من امتيازاتهم المالية مثل العوائد التي كانوا يتقاضونها من الأهالي في مناسبات الزواج ودفن الموتى! … إلخ.
غير أن هذه الثورة لم تدُم طويلًا. فالإجراءات الجديدة لم تكن سوى محاولة لإصلاح الحال؛ ولذا انتهز أبناء الطبقة الحاكمة أول فرصة وعمدوا إلى الهجوم المسلَّح على النظام الجديد وتحطيمه كما حدث في ثورة أخناتون.
وهذه النهاية المحزنة لتلك القصة تكشف لنا عن مصدرٍ آخرَ هامٍّ من مصادر عدم استقرار اقتصاد المدن الأولى؛ ونعني به العنف المنظَّم؛ أي الحرب. لقد كان ثمة حدود لاستغلال الجماهير المشتغلة بالزراعة، ولم يكن من الممكن تخطي هذه الحدود إلا عن طريق التوسع المستمر في زراعة أراضٍ جديدة حول المدينة. وفي أول الأمر كان من الممكن تحقيق ذلك بوسائل سلمية، ولكن إذ اتبعت مدن مختلفة نفس السياسة في إطار حيز محدود من الأرض، كان الطبيعي أن يؤدِّي ذلك إلى الاصطدامات بين المدن؛ وبالتالي إلى ظهور ظاهرة اجتماعية جديدة: الحرب.
فالحرب بمعناها الكامل هي في الحقيقة إحدى نتائج الحضارة. وفي المجتمع الحجري القديم لم تكن المصادمات بين العشائر حربًا بالمعنى المفهوم. فلم يكن من الممكن تركيز قوات مسلحة كبيرة متفرغة للعمل الحربي والمحافظة عليه، وكان الأسرى في مثل هذا المجتمع عبئًا على اقتصاده البدائي؛ ولذا كانت العشيرة المنتصرة تعمد إلى قتلهم بالدرجة الأولى للتخلص منهم.
أما في مجتمعات المدن فقد اختلف الأمر تمامًا؛ إذ مكَّن فائض الإنتاج الزراعي من تكوين الأداة البشرية المتخصصة في العمل الحربي؛ (أي الجيش) كما أتاح تقدُّم التكنيك مدَّها بالأسلحة المناسبة. وكان للطبقة الحاكمة المسيطرة على المدن دوافع اقتصادية قوية للعمل العسكري. فثروة هذه الطبقة كانت تتناسب مع مساحة الأرض التي تستغلها؛ ولذا اتجهت دائمًا إلى محاولة انتزاع أرض المدن الأخرى بفلاحيها عنوة. وفضلًا عن ذلك فهنالك إمكانية الاستيلاء على معادن جديدة وحيوانات وأدوات من هذه الأرض الجديدة.
لقد جعلت الحرب من تجييش الجيوش وقيادتها ضرورة حيوية، وهذا في حدِّ ذاته كان لا بد أن يغيِّر من طبيعة الحكومة والدولة. لقد تحولت الوظيفة الرئيسية لرئيس الدولة من طابع مدير الزراعة والأعمال العامة إلى القائد العسكري. وكان من نتائج هذا الوضع كذلك تدهور مركز المرأة في المجتمع؛ ففي المرحلة الأولى من الحضارة احتفظت النساء بالمركز الهام الذي كان لهن في حضارة القرية. وبمجرد أن ازدادت أهمية الحرب سحب الرجال من النساء وظائفهن الإدارية في المجتمع. ومع ذلك فقد ظل للنساء مركزٌ هام في العصر البرونزي ولم يهبطن إلى حضيض العبودية المنزلية إلا في عصر الحديد.
التكنيك والحرب
عندما أصبحت الحرب شيئًا فشيئًا هي القاعدة لا الاستثناء بدأت المدينة تتميز عن القرية بسورها الدفاعي وقلعتها المنيعة، أو بدأ الاتجاه العام للتكنيك يتأثر أكثر وأكثر باحتياجات الجيوش المحاربة. وهكذا حدث تحسُّن واضح في صناعة الأسلحة والدروع وبناء الأبراج والقلاع والسفن والعربة الحربية في الوقت الذي تميَّز بالركود الكامل في مجالات التكنيك الأخرى. ولقد أدَّى هذا كله إلى ظهور مهنة جديدة هي مهنة المهندس، وهي مهنة تميزت بالصفة الحربية الواضحة وإن استحدثت مهارتها الأصلية من منابع مدنية.
وثمة مشاكل أخرى تتعلق بالحرب وكان لها تأثير على دفع العلم خطوات إلى الأمام. ومن أهمها المسائل الخاصة بإمدادات الجيوش وتشييد الطرق وتصميم التحصينات الحربية. ويقدِّر بعض المؤرخين أنه لولا الحرب لكان من الممكن أن تتقدَّم الفنون والحرف السلمية أكثر مما فعلت. وإذا جاز أن هذا صحيح إلا أن من الواجب ألا ننسى أن الحرب قد حافظت على حيوية العلم عندما كانت جوانب أخرى من الحضارة تتدهور وتنحط.
التجارة والإمبراطورية
ونتيجة للحرب من ناحية، وسلسلة من التحالفات المبنية على التجارة من ناحية أخرى، اتجهت المدن المستقلة أصلًا شيئًا فشيئًا إلى الترابط وتكوين وحدات أكبر تحت سلطة مدينة مركزية مثل منف في مصر (أو طيبة بعد ذلك) أو بابل في العراق. وفي بعض الأحيان اضمحلت هذه العواصم وتكونت عواصم أخرى. وارتبط هذا التحول باعتبارات عدة منها الصراع بين الأمراء وتنافس الكهنة … إلخ. وفي مصر بالذات تركزت الثروة في يد فرعون والكهنة تركزا ضخمًا سمح ببناء الأهرام. وفي العراق كان الوضع أخف من ذلك. وعلى الرغم من أن حكام العراق قد عرفوا نفس القدر من الترف الذي عرفه فراعنة مصر إلا أن ثروة البلاد لم تكن أبدًا مركَّزة في مدينة واحدة كما كان الحال في مصر.
ومن أهم نتائج نمو الإمبراطوريات تأكيد سيادة إله معين على آلهة المدن الأخرى التي رضخت بالقوة أو بالاتفاق. فبظهور إمبراطورية طيبة في مصر انضم إلهها المحلي آمون (المعبَّر عنه طوطميًّا بالكبش) إلى إله الشمس رع (المعبَّر عنه طوطميًّا بالعَقاب)، فأصبح آمون-رع هو سيد الآلهة. وفي بابل أصبح للإله المحلي «مردوك» نفس الأهمية أيضًا. ولقد زادت سلطة سيد الآلهة وضعفت بازدياد سلطة كل دولة وضعفها. ولقد حاول أخناتون تبني هذه الفكرة رسميًّا في مصر عن طريق الدعوة إلى عبادة قرص الشمس باعتباره هذا الإله الواحد، ولكنه فشل.
البرابرة
وقد يبدو غريبًا أن الحضارة، عندما بدأت تركد وتتدهور في مراكزها الأصلية الثلاث، أخذت في الانتقال إلى مناطق أخرى جديدة لم تكن تعرفها. ولكن هذا هو الواقع الذي حدث على أي حال. إن قيام إمبراطوريات ودول من هذا النوع الذي أسلفنا في الوديان الثلاثة العظمى قد خلق مشكلة العلاقة بين هذه الإمبراطوريات وبين جيرانها المتخلفين في السهول المفتوحة والجبال. وإذ استطاعت الحضارة في المدن أن تنشئ تكنيكات متقدِّمة كالمحراث والمقص المعدني والعجلة، كان من الطبيعي أن تنتشر هذه التكنيكات بوسائل مختلفة وتمتد إلى البقاع المتخلفة. ومن بين هذه الوسائل انتقال المتحضرين أنفسهم إلى هذه البقاع. فعندما عجزت المدينة عن امتصاص الأعداد الغفيرة من القرويين، أخذ هؤلاء يتحركون بدوابهم وعرباتهم إلى مناطق برِّية جديدة نائية لم تُستصلح. وهكذا تكونت مجتمعات قروية في أراضي أوروبا وأفريقيا وربما أمريكا كذلك. وفي مثل هذه المجتمعات المعزولة كان من الطبيعي أن يضيع كثير من تكنيكات الحضارة المعقدة أو أن تبسط، حتى ليصعب علينا اليوم أن نعرف من مخلفات هذه المناطق ما إذا كان سكانها هم أصلًا متحضرون مهاجرون فقدوا صلتهم بحضارتهم الأولى، أو أنهم كانوا سكانًا أصليين عرفوا لمحات من تكنيكات الحضارة بطريق الانتقال غير المباشر.
وكل الوثائق المتوفرة عن مصر القديمة والعراق مليئة بأنباء حملات غزو موجهة ضد جبال الذهب وبلاد العاج وجزر الأحجار الكريمة.
ولقد أدَّت حملات الغزو شيئًا فشيئًا إلى تزايد المقاومة لإمبراطوريات المدن، وتركزت هذه المقاومة من جانب البرابرة على وجه الخصوص الذين كانوا يعيشون بعيدًا عن مدن الحضارة وإن تأثروا بها واستطاعوا أن يستخدموا بعض تكنيكاتها، ولا سيما الخاصة بالحرب؛ (أي الأسلحة). وعلى الرغم من أن الأسلحة كانت باهظة الثمن نسبيًّا فإنها كانت تعود بفوائد ضخمة إذا استُخدمت في الهجوم على المراكز الأكثر ثروة.
ولقد حدث تحوُّل هامٌّ في مؤسسات البرابرة الاجتماعية عندما عرفوا الملكية الفردية التي أكدت بدورها أهمية الجندي المحارب وزادت من سلطة رؤسائهم. وبلغ تأثير هذا الاتصال الحضاري أشُده في العشائر الريفية التي كانت تتمتع بقدرة فائقة على الحركة، وكانت عاجزة عن استساغة الحضارة وهضمها وإن اعتمدت عليها في كثير من الضرورات كالأدوات والأسلحة والحلي؛ إذ لم تتوافر في هذه العشائر المهارة الفنية لصنع مثل هذه الأشياء.
ومن الطبيعي أن تكون العلاقات بين إمبراطوريات ودول المدن وبين عشائر البرابرة متغيرة ومعقدة. فلقد لجأت بعض هذه الدول إلى ضرب هذه العشائر بعضها ببعض، وقامت بغزو هذه العشائر واستعبادها. أما الإمبراطوريات الضعيفة فقد أنهكها استيراد العبيد البرابرة وتجنيدهم، وغالبًا ما انتهت الأمور إلى قيام البرابرة بتقويض الحكم القائم وتأسيس حكم جديد.
العبيد
ومن نتائج نشأة العلاقات بين حضارة المدن والبرابرة ازدياد أهمية ظاهرة العبودية باستمرار. فمؤسسات العبودية، التي ما زالت لها آثار حتى اليوم في السعودية وبعض مناطق أفريقيا، تعود إلى بدء حضارات الأنهار. وفي أيام الصيد (أو حتى الزراعة المبكرة) لم يكن للاستعباد أي مغزًى اجتماعي؛ إذ لم يكن الفرد قادرًا على الحصول على أكثر من قوته هو. أما في البلاد المتحضرة فيستطيع الفرد أن ينتج أكثر مما يحتاجه لقوته بكثير. وقد جعلت هذه الحقيقة من أسْر الناس واستعبادهم عملًا مغريًا ومفيدًا من الناحية الاقتصادية؛ ولذا أصبح غزو المدن الأخرى واستعباد أهلها، أو غزو مناطق البرابرة (وهذا أمر سهل) عملًا عاديًّا. نعم إن التطور الكامل للزراعة المبنية على عمل العبيد لم يتحقق إلا في عصر الحديد؛ غير أن ظاهرة الاستعباد بدأت، منذ بدء حضارة عصر البرونز، تؤتي آثارها الضارة على الحضارة. ولقد زخرت رسوم المعابد السومرية (التي تعود إلى ٣٠٠٠ق.م.) بصور الأسرى المأخوذين للعمل العبودي، كما حفلت رسوم المعابد المصرية بأمثال هذه الصور كذلك. وما من شك في أن وجود العبيد، كظاهرة اجتماعية، كان له أسوأ الأثر على مركز العمال الأحرار أنفسهم؛ إذ لم تعد لدى هؤلاء (ولا لدى المجتمع عمومًا) أي دوافع لتحسين التكنيك ما دامت قوة العمل متوافرة. وكان من نتائج هذه الأحوال أن النظرة العلمية، التي كانت متقدِّمة في علوم الرياضة والفلك والطب، أخذت تنعزل عن المشاكل والمعلومات الموجودة في الحرف والصناعات؛ كالصناعة الكيميائية وفنون الزراعة. أما في الجانب السياسي فقد كانت آثار العبودية المدمرة أسرع مفعولًا. فكلما زاد اعتماد المدينة على العبيد صارت أكثر عجزًا عن حماية دفاعها. وكلما ازدادت معرفة العبيد والبرابرة بفنون الأسلحة والحرب الحضرية أصبحوا أكثر قدرة على تعويض حكم هذه المدن والاستيلاء عليها.
التدهور
ولعدة قرون، قبل انهيارها، (أي منذ ١٦٠٠ق.م. تقريبًا) فقدت الحضارات القديمة الحيوية على التقدُّم إلى الأمام وأصبحت بشكل متزايد ماضيةً في طريق التدهور والانهيار. وعلى الرغم من بقاء إطار الحياة الحضرية، فإن الأدب والفن اكتسبا طابع التحجر، وازداد انغماس الدين الفرعوني في عديد من الطقوس المعقدة التي يمكن أن نسميها خرافة بالمعنى الحقيقي. وتدهور العلم فأصبح متسمًا بالتكرار وفقدان الجدة وفقر الدم. ومن الجائز أن بعض العلوم قد بقيت وحافظت على نوع من الحيوية (كالفلك مثلًا) إلا أن الطابع العام كان التدهور العلمي الواضح.
لقد انهارت حضارة الوديان الثلاثة على يد البرابرة الذين كانوا عاجزين عن إقامة حضارة في أراضيهم الأصلية؛ إذ كانت تنقصهم وسائل إقامة شكل مستقر من أشكال الزراعة. وعندما اتصل البرابرة بالحضارة وعرفوا الملكية الفردية وأجادوا استخدام الأسلحة بدأت جحافلهم في غزو مجتمعات الحضارة موجة بعد أخرى حتى استطاعوا في النهاية أن يفرضوا كلمتهم.
وفي مصر استطاع بعض الفراعنة كأحمس أن يجلي الغزاة من الهكسوس وأن يحرر مصر من حكمهم؛ غير أن مجتمعات الحضارة كانت عاجزة لظروف تدهورها الاجتماعي الداخلي عن أن تقاوم موجات البرابرة أمدًا طويلًا. ولقد كان حتميًّا في نهاية الأمر أن تنهار مجتمعات الحضارة الراكدة والمتدهورة اجتماعيًّا وفكريًّا أمام طَرقات البرابرة المتكررة.
ولقد قوَّى من هذا الاتجاه ودعمه اكتشاف معدن جديد: الحديد. ويرجِّح بعض المؤرخين أن خام الحديد قد صهر لأول مرة (بكميات قابلة للاستعمال) في مكان ما جنوب القوقاز في القرن الخامس عشر قبل الميلاد. ولكنه لم يُستخدم بكميات كبيرة ذات طابع اقتصادي إلا في القرن الثاني عشر قبل الميلاد. وهكذا أنهى التوزيع الواسع للحديد — مع سهولة صناعته — الاحتكار الحضاري للوديان الثلاثة العظيمة. وأسرع بهذه العملية ظهور تطورين هامَّين؛ أولًا: ظهور الفارس الممتطي صهوة الجواد القادم من أراضي الإستبس حيث أمكن استئناس الحصان. ثانيًا: التحسن السريع في شكل وبناء السفن نتيجة اكتشاف الحديد وتحسُّن التكنيك بسببه.
غير أن هذه قصة أخرى سنعود إليها عندما نتعرض لعصر الحديد بالتفصيل.