الشمس تشرق من جديد!
قضى الشياطين الستة ساعةً كاملةً في منزل «أحمد نعمان»، بعد أن اطمأنوا عليه … وخرجوا معه إلى شرفة المنزل المواجهة للمقبرة … لقد كان شيئًا واضحًا تمامًا …
سار «أحمد» خطوات، واقترب أكثر من الشرفة، ونظر إلى مقر العصابة المتهدم في المقبرة، وقال: لم أكن أتصور أن تنتهي هذه المغامرة هذه النهاية الرائعة. القبض على أفراد العصابة، الوصول إلى الأموال التي نهبوها من الفقراء والمغلوب على أمرهم، هروب عناصر الشر من القرية. شيء وحيد فقط أحزنني.
رد الصديق «أحمد نعمان»: وما هو؟
قال «أحمد»: آسف يا صديقنا العزيز، إن كنت سأجرح مشاعرك بهذا الكلام، لكنه لا بد منه. الشيء الذي أحزنني هو اختفاؤك أنت وأمثالك من حياة الناس، لقد تركتم الأوهام والخرافات تسيطر عليهم، إن ما أصاب الناس في هذه القرية لك فيه دور أنت وأمثالك.
قال «أحمد نعمان» في شيء من الاستغراب: كيف؟
رد «أحمد»: بسلبيتكم وانعزالكم عن حياة الناس … وقد وجد هؤلاء في عقول الناس الفارغة من الفكر الصحيح، مرتعًا للخرافة، فنشروا ما نشروا، وجعلوه سلعةً يأكلون بها الملايين.
إنَّ لهؤلاء الناس حقًّا عليكم … أن تمحوا من حياتهم رواسب الخرافة والدجل، حتى لا تؤثر في فكرهم وعقليتهم …
نكس الصديق «أحمد» رأسه … وصمت …
استأنف «أحمد» الكلام، ثم قال له: إن ما حدث يُعدُّ درسًا بليغًا للجميع … ويجب على الكل أن يستفيد منه.
ثم سمع الجميع أصواتًا أسفل المنزل، لقد كانت مفاجأة، الشرطة وصلت. بجوار المنزل، رأى «أحمد» ضابطين ينزلان من السيارة، وقد قفز بعض الجنود من خلف السيارة إلى الأرض، حيَّا أحد الضابطين «أحمد» من الشرفة … ثم أسرع «أحمد» إلى النزول، وبقية الشياطين خلفه.
وحين التقى «أحمد» بالضابطين سلَّما عليه وعلى بقية الشياطين … وشكرا «أحمد» على هذا المجهود العظيم، وهذا الإنجاز الذي لم يستطع أحد أن يحققه هنا.
وصل الضابطان إلى منزل «أحمد»، وصعدا إلى الطابق الثاني لعمل معاينة للمكان، وما أحدثه فيه الأشرار من إتلاف.
التفت المقدم إلى الشياطين، وضحك وقال: لا بد أن نفتح المحضر بأثر رجعي … ونُثبت فيه كل تلفٍ حدث لأي بيت في القرية، وكل قرشٍ تمَّت سرقته.
ضحك الجميع وقال «أحمد»: إن هذا سيستغرق شهرًا على الأقل.
ضحك الضابط وردَّ: حتى يطمئن الناس ويشعروا بالأمان.
استدار «قيس» وفتح الحقيبة وأخرج الصور، ثم سلَّمها للضابط، وقال: وهؤلاء لهم نصيب.
تناول الضابط الصور، ثم نظر فيها، وقال: لا أظن أنهما سيفكران في العودة إلى هنا يومًا ما … لقد اختفيا تمامًا.
نزل الشياطين مع الضابطين وركبوا سيارة الشرطة إلى المقبرة، حيث البنك السري الذي تركه الأشرار، ولم يستفيدوا منه.
ومضت السيارة ببطء، حيث كان الناس يملئون الطرقات … وأحس الجميع براحة النفس والهدوء، حين رأوا هذا الكابوس ينزاح عنهم.
غادر الشياطين والضابطان السيارة عند المقبرة، ووقف الجنود يمنعون الناس من الدخول، حتى تتم معاينة المكان تمامًا.
وحين وصل الجميع إلى المقر المتهدم، نظر الضابطان إلى المكان، وقال أحدُهما: إنه لشيء مؤسف للجميع، أن يوجد هؤلاء في هذا المكان، ولا يدري بهم أحد.
أشار «أحمد» إلى «بو عمير»، ثم انحنوا ورفعوا الكتلة الصخرية عن فتحة السرداب … ثم أشار «أحمد» بيده للضابطين: تفضَّلا.
فقال أحدهم: إلى أين؟
ردَّ «أحمد»: هذا هو أهم شيء في المعاينة.
هبط الجميع سلالم السرداب، والضابطان في دهشة، وحين وصلوا إلى الغرفة السرية تحت الأرض … وقف المقدم مشدوهًا، ثم قال: إنَّ هذا شيء غير معقول.
قال «أحمد»: تفضل عندي هنا … انظر … من هنا تبدأ المعاينة.
بدأت علامات التعجب تظهر على وجهي الضابطين … إنَّ هذا غير مصدق … أهم في حلم؟ أم كابوس سخيف؟ إنَّ العرق يتصبب منهما … كل هذه الأموال والمسروقات … أين كانت الشرطة إذن؟ أين كان الناس؟
إنَّ الأمر خطير … لا بد من وجود مسئول أمني كبير بقوة أكبر … أخرج المقدم جهاز اللاسلكي … وفتح زر الاتصال: مدير الأمن … سيادة العقيد «ممدوح الرفاعي» أوصلني بمكتب السيد مدير الأمن.
مرت ساعة، وصلت خلالها سيارة شرطة، بها مدير الأمن وبعض الضباط، وسيارة أخرى محملة بعشرات من جنود الأمن، والتفُّوا حول المقبرة … وخطا مدير الأمن ومن معه داخل المقبرة وهم يتعجبون مما يرون.
ثم قال مدير الأمن: الذين صنعوا هذا … أهُم من البشر؟ لا ليسوا أبدًا من البشر … لا بد أن ينالوا جزاءهم كاملًا.
وصل الجميع إلى المقر المتهدم … ونزل مدير الأمن إلى السرداب، ورأى ما بداخله، ثم صعد، وأمر من معه أن يحرِّزوا كل شيء … وأمر بعمل المحاضر فور إثبات كل ضرر لحق بأي فرد.
ثم التفت إلى «أحمد» وزملائه، وقال في تأثر: لا أدري ما أقوله لكم … إنَّ أي مكافأة مهما كانت، لن توفيكم حقكم … وأي شكر لن يبلغ عُشر ما فعلتموه … لكنني سعيد جدًّا بكم، لأنكم زرعتم الثقة والأمان في نفوس أهل القرية مرة أخرى، ليت كل الشباب مثلكم … أو ليتهم يتعلمون منكم. ثم رفع يده محيِّيًا الشياطين تحيةً عسكرية، فاهتزَّ الشياطين الستة لصنيع هذا الضابط الكبير، وصافحوه بقوة. ثم طلبوا منه أن يأذن لهم في الانصراف.
سألهم: إلى أين؟
قالوا: سنعود إلى القاهرة …
ردَّ الرجل: أنتم ضيوفي اليوم.
شكروه واعتذروا له … فنادى مدير الأمن سائقه، وأمره أن يكون مع الشياطين الستة حيث يريدون.
ركب الشياطين الستة سيارة الشرطة، وعادوا إلى منزل صديقهم «أحمد نعمان»، وأنزلوا حقائبهم إلى السيارة، ثم سلَّموا عليه وعانقوه … وهبطوا سلم المنزل، وهو واقف على قدم ومتكئ على أحد المقاعد … ثم دمعت عيناه …
قال له «أحمد»: شكرًا يا صديقنا العزيز … لا تنسَ وصيتي …
وحين همَّ الشياطين بركوب السيارة، كان الناس قد تكاثروا عليهم، وازدحموا على السيارة يسلمون عليهم، ويشدون على أيديهم … ويدعون لهم.
وسارت السيارة تشق الزحام إلى طنطا … كانت الشمس الساطعة تملأ القرية بالبهجة … كان لها لون مختلف تمامًا عما كانت عليه حين وصل إليها الشياطين بالأمس، كان الناس يتحركون في حرية ونشاط … كأن اليوم عيد …
ابتسم «أحمد»، ثم قال ﻟ «مصباح»: دخلنا القرية في سيارة «المنجودي»، وخرجنا منها في سيارة مدير الأمن.
كانت الساعة الواحدة ظهرًا، حين نزل الشياطين الستة من سيارة الشرطة، على رصيف محطة السكك الحديدية في مدينة طنطا.
وقف «أحمد»، ثم قال لزملائه: لقد أمضينا يومًا ونصف يوم في مغامرتنا، ويبقى لنا يوم ونصف … سننام نصف يوم في القطار … وحين نصحو، نفكر فيما بقي، ثم حملوا حقائبهم واختفوا وسط الزحام.
عندما دخل الشياطين المقر السري بشارع الهرم … سمعوا أزيز جهاز الاستقبال، هرع «أحمد» إلى الغرفة ليستقبل الإشارة … لقد كانت من الزعيم رقم «صفر»، وكان نصُّها: «حمدًا لله على سلامتكم … هكذا تكون المغامرة.»