تصدير الطبعة الثانية
إنما نعيش لنهتديَ إلى الجَمال، وكلُّ ما خلا ذلك لونٌ من الانتظار.
روى الإمام أبو حامد الغزالي في «الإحياء» عن بعض السَّلف: «من لم يُحركه الرَّبيع وأزهاره، والعود وأوتارُه؛ فهو فاسد المزاج ليس له علاج.»
الفنُّ ليس حرامًا وليس جائزًا، الفن لازم، والأمة التي تطرح للنقاش، في القرن الحادي والعشرين، مسألة مشروعية الفن هي أمةٌ محمومةٌ تهذي، ويبقى أن نُبين ما هو الفن، ولماذا هو لازمٌ لكل إنسان ولكل أمة. وقد توسَّمت في هذه الدراسة جوابًا ما عن هذين السؤالين، رغم أنها دراسةٌ في علم الجمال (الإستطيقا) وقراءةٌ في كتاب «الفن» لكلايف بِل؛ ذلك أننا لو علمنا ما هو الفن، ومم يتكون، وإلام يرمي، وكيف يُتلقى؛ لأدركنا من فورنا لماذا هو ضرورةٌ في ذاته وبمعزلٍ عن أي عوارض ثانويةٍ وعن أي عواقب لاحقة.
الجمال هو ظل الله على الخليقة، والنفس تعرف ذلك بالسليقة وتقول «الله» (بجميع اللغات) كلما صادفت الجمال، والرُّوح ترى «الحق» منعكسًا في الرائعة الفنية انعكاس الشمس على وجه القمر، وترى الأبدي في «الأشكال الدالة» كأنها فتوقٌ في الزمن. التلقِّي الإستطيقي عرفانٌ هائلٌ ولقاءٌ جلل، وإلا لما كان مصحوبًا بهذا الانفعال الفريد وهذا الوجد الشديد وهذه النشوة المستبدة. أمر الجمال جِدٌّ لا يصحُّ أن نسف به أو نَبتذله بحديثٍ عن المجون أو الخلاعة أو الانحلال، ونقد الفن لا يكون إلا بِلُغتِه وعلى ارتفاعه، فلنصبر على الفن في هذه الحقبة المُلتبسة، لنَصبِر على الرائين وعلى العميان معًا، ريثما تَسترد الروح شيئًا من عافيتِها المهدرة، وتعود ترى الفن على وجهه، وتضع أمره في نصابه.
٢٧ / ٨ / ٢٠١٢