مدخل

الدين والظمأ الأُنطولوجي

ما كان لهذه النصوص أن تجتمعَ في كتابٍ واحد، لولا رغبة مجموعة من الأصدقاء، ممن بدءوا يتساءلون عن مفهوم «الظمأ الأُنطولوجي»، وترويجه بكثافة في كتاباتي المتأخرة، بوصفه منشأً لحاجة الكائن البشري للدين. لذلك جاء هذا الكتاب بعنوان: «الدين والظمأ الأُنطولوجي»؛ لعله يكشف غموضَ المفهوم، ويفصح عن شيء من إبهامه.

أعني بالظمأ الأُنطولوجي الظمأ للمقدس، أو الحنين للوجود المطلق، إنه ظمأ الكينونة البشرية، بوصف وجود الإنسان وجودًا محتاجًا على الدوام إلى ما يثريه؛ الإنسانُ كائنٌ مُتَعَطِّشٌ إلى وجود غنيٍّ مكثَّفٍ بذاته يرتوي به ظمؤه، ويثري به وجودَه ويسقي عطشَه المزمن.

موضوعات هذا الكتاب شروح ومعالجات للظمأ الأُنطولوجي للمقدس، من مداخل متعددة، كلُّها تتحدث عن أنه حيثما كان في الأرض إنسان لم يفارقه ذلك الظمأ، وحيثما كان الظمأ للمقدس لا بد أن يحضر الدين. ولو استعرنا لغة الحكماء والمتصوفة والعرفاء، فإن الإنسانَ لا ينفك عن نقصٍ في كينونته، وهو في توقٍ وشغف أبديٍّ يطلب كمالَه الوجودي. ليس الإنسانُ فقط هو ما يعتريه النقص في عالَم الإمكان، بل النقص حقيقة هذا العالَم الوجودية، إذ لا كامل إلا الواجب.

لكلِّ موجودٍ نمط كماله الذي هو من جنس كينونته، ويتناغم مع وجوده. الظمأ الأُنطولوجي هو الفقر الوجودي، وارتواء هذا الظمأ هو الغِنَى الوجودي. هذا النقصُ لا يكتملُ إلا ببلوغ الإنسانِ طورًا وجوديًّا جديدًا، يضعُه في رتبة أعلى في سلَّم التكامل. الدينُ هو ذلك السلَّم الذي يرتقي عبره هذا الكائن صعودًا للكمال، ويرتوي من خلاله ظمؤه الوجودي.

الفقرُ الوجودي حقيقةٌ يتفق عليها الكثير من الفلاسفة والمتصوفة والعرفاء. ربما يُقال: لماذا الدين هو سلَّم الكمال لا غيره؟ لماذا بالدين يرتوي ذلك الظمأ، ولا يكون للفنون والآداب والعلوم والمعارف ومختلِف إبداعات الإنسان نصيبٌ في ذلك، فمثلما يسكن ويطمئن المرء بالدين، بوسعه أن يظفر بذلك مما تهبه لرُوحه الفنونُ، حين يمارس المبدعُ إبداعَه، وحينما يلتقي الإنسانُ عملًا فنيًّا يتذوق جمالياته، ويمكن أن يبتهجَ الإنسانُ لو ابتكر منجزًا إبداعيًّا، أو اكتشف نظرية، أو اهتدى إلى اختراع، أو تفانى من أجل إسعاد المعذبين والضحايا، وغير ذلك؟

لا أشك أن كلَّ ذلك وغيره مما يعزز كينونة الإنسان ويثري وجوده، ويمنحه السكينة والسعادة. لكن ذلك كله لا يغنيه عن الحاجة للدين، ولا يكون بديلًا عنه، وإن قدَّم له شيئًا مما يهبه الدينُ.

ما دام هناك إنسانٌ على الأرض هناك موت، الموتُ هو الحقيقةُ الوجودية العميقة الصادقة التي يكفُّ فيها الإنسانُ عن الكذب. ما دام هناك موتٌ هناك دين. الدينُ هو الجوابُ الوحيد لتحدي الموت. الموتُ هو النهايةُ، نهايةُ وجود الكائن البشري في هذه الحياة. وجودُ الإنسان هو الأغنى، مقارنة بسواه من الموجودات الممكنة، ولا يمكن أن يئُول هذا الوجود لنهاية ينعدم فيها؛ ذلك أن هذا النوع من الوجود لا يطلب إلا الأبديَّة.

الدينُ يقدم تفسيرًا وتبريرًا لتأبيد الحياة، واستمرار وجود هذا الكائن على الدوام. يشرح الدينُ الموتَ بالشكل الذي يغدو فيه مجردَ تحوُّل من طورٍ وجودي إلى طورٍ وجودي آخر، أو تبدُّلٍ من نمطِ وجود إلى نمطٍ آخر، أو انتقالٍ من نشأة إلى نشأةٍ أخرى. صحيح أن الطور الثاني يكتنفه إبهام ولا يتكشف إلا بشكل غامض، غير أن الدين يقدمه كمعطًى نهائي ناجز لا نقاش فيه، ويصوره بنحو يتبدى فيه مقنعًا لمعتنقيه، بوصفه شكلًا من التطور والتجرد والتسامي في رحلة تكامل الكائن البشري.

كينونة الكائن البشري أكثف وأعمق وأغنى مما نظن. لا يعني الموت في مفهوم الدين حالة سكون، أو توقف، أو تعطيل، أو نهاية، بل إن ما بعد الموت مسعًى تكامليٌّ يغادر فيه هذا الكائنُ نمط كينونة دنيوية، ويدخل نمطًا مختلفًا لكينونته. الحياة حركة، الموت أيضًا حركة يتواصل فيها إثراءُ كينونة الإنسان وتطورها. في ضوء هذا الفهم فإن جماعة من حكماء ومتصوفة وعرفاء الإسلام يقولون بعدم الخلود الأبدي في النار.

تتضمن الفلسفةُ والآداب والمعارف والفنون محاولاتٍ لتفسير معنى الحياة، وشيئًا من إجابات سؤال الموت، وأسئلةً ميتافيزيقية أخرى، غير أن الدين هو مصدر التفسير الأخصب والأكثر قَبولًا لأكثر الناس في تفسيره لمعنى الحياة والموت، وغيرِ ذلك من الأسئلة الميتافيزيقية، وكل أسئلة المبدأ والمصير والخلود.

الدينُ والفن كلٌّ منهما ضروري لحياة الإنسان، إلا إنه لا يمكن الاستغناء عن الدين، والاكتفاء بالفن؛ ذلك أن الدين، خاصةً، هو ما يروي الظمأ للمقدس، ويُشبع الحاجة للخلود، بوصف الكائن البشري ينزِع للكمال، وهو في توْقٍ أبدي للخلود، ولا يُشبع الشغف بالكمال والخلود سوى الحق تعالى، وهو ما يحدِّد الدينُ السبلَ للوصول إليه.

وُعودُ الدين تلتقي ووعودَ الفن أحيانًا، غير أنهما لا يتطابقان في كل شيء. الفنُّ ينشغل بتصوير عوالم الموت والحياة، إنه يهتم برسم ما نتخيل، أي يبتكر لأحلامنا وأوهامنا وآلامنا عالمها المتخيَّل، مما ننشده وما لا ننشده منها، من صور الخير وصور الشر، وما يبهجنا وما يحزننا.

الدين مثلما يحكي لنا ما ينبغي أن ننشده في هذا العالم، يهتم أيضًا برسم صورة ممتدة رحبة للحياة. تمديد الحياة وتخليدها، وإشباع توق البشر للتكامل والأبدية، كلها خارج حدود الفن، إنها ليست من وعوده. الفن يخلِّد الذاكرة، إلا إنه لا يُقدِّم تفسيرًا يؤكد تخليدَ الحياة.

الفن يرفِدُ حياةَ الكائن البشري بشيء من المعنى، غير أنه لا يمكن أن يكون بديلًا عن الدين، ذلك أن الفن يلوِّنُ العالمَ بالجمال، أما الدين فيخلع هالةَ سحر على العالم، وهو بذلك يسافر بنا إلى خارج ما هو مَعيش ومحسوس ومادي لا جذوة رُوحية فيه، ينقلنا الدين مما نحن فيه من عالم محدود، لننخرط في إيقاعِ موسيقى الوجود اللامتناهية.

مضافًا إلى أن الفن لا ينشد طقوسًا، أو يُرسِّم شعائرَ وعبادات. لا دين بلا طقوس وعبادات، لا دين بلا عبادة منبثقة عن اعتقاد. الطقس يوصل الكائن البشري عضويًّا بإيقاع صيرورة الوجود ولغته، ويشدُّه إلى مداراته، بل يدمُجه في تلك الصيرورة الأبدية، ويوصله بها بشكل عضوي، ولا يبقيه متفرجًا مغتربًا، لا تربطه به أيةُ وشيجة، مما يقوده إلى اغتراب عميق، يشعر معه أنه منفيٌّ عن هذا الوجود والوجود غيب عنه، يظهر الوجودُ له مخيفًا لا يشعر بالانتماء إليه، على الرغم من أنه يعيش فيه، لكنه يعيش هشاشةً ومرارةً وقلقًا وجوديًّا، بسبب اغترابه.

يفسِّر لنا الدينُ ألغازَ هذا العالَم، المليء بالألغاز، وكلِّ ما هو غير مفهوم. ما هو غير مفهوم يجعله الدين مفهومًا، وما لا معنى له يضع الدينُ له معنى. ليس بوسع الإنسان أن يعيشَ في عالَم كلُّهُ مجاهيل وألغاز غامضة، عالَم مبهم غريب مظلم، عالَم لا يعرفُ عنه شيئًا؛ ذلك سيقوده إلى الخوف والرعب، وربما إلى الجنون.

ينشدُ الدينُ إضفاء دلالات متماسكة على العالَم، تُشعِر الكائن البشري بالانتماء إليه، وتخلصه من الاغتراب الوجودي. الإنسان يبحث عما يتجاوز الوقوف عند سطوح الأشياء، والاكتفاء بظواهرها، ومفهوم أعراضها الحسية، هو يفتش على الدوام عما هو أبعد مدًى من المعنى البسيط. إنه في توق لاكتشاف «معنى المعنى». في رحلته مع الدين وبالدين يمكنه بلوغ «معنى المعنى» ورُوحه، ذلك أن الدين يمتلك جهازًا تفسيريًّا يسمح بتعدد التأويلات وتوالدها، فكما أن الوجود لا متناهٍ، فإن الكائن البشري بطبيعته لا يكفُّ عن ملاحقة التفسيرات والتأويلات اللامتناهية أيضًا، كي يعزز ذلك شعورَه بأنه ليس متناهيًا.

العالَمُ كلُّه أسرار، الإنسانُ مسكون بأن تبوح له الأسرار بما هو محتجب في أعماقها. الإنسانُ بطبيعته لا يكتفي بالتفسيرات المبسطة، وَلَعُهُ أبدي بتفسيرات تقوده إلى الماهية المحتجبة لتلك الأسرار. ذلك هو منبع تعدد التأويلات، وهو ما يفضي إلى تنوعها وتهافتها، بل هو منشأ نزوع الإنسان المزمن للتأويل، والتنقيب عن فهم إضافي جديد، يراكمه على ما يمتلكه من فهم قديم. وهو ما ينجزه اللاهوت والفلسفة، إذ كثيرًا ما نعثر في مباحث الفلسفة على لاهوت خفي، وإن كانت تبدو فلسفةً لا صلة لها باللاهوت.

يتكرر هذا التساؤل لدى الباحثين: ما الذي يسوق الشبابَ في الغرب وغيره، ممن هم في كفاية معيشية، وبعضهم يعيش ترفًا ماديًّا، للهجرة إلى ولائم الذبح وحفلات الرقص على أشلاء الضحايا في بلادنا، والتسابق على الانخراط في وحشية عبثية تتلذذ بالدم المسفوح، وتتهافت على مغامرات مهووسة في العمليات الانتحارية؟

الشبابُ يتساقطون في ولائم الذبح، ويتلذذون بالدم المسفوح، كالفَراش المتهافت على لهيب الشمعة في ليلة مظلمة، بسبب ما يعانونه من ظمأ أُنطولوجي للمقدس، وبسبب رتابة الحياة ومللها وجفافها، وتكرار كل شيء فيها، وانطفاء المتعة التي تمنحها لهم الملذات الحسية. مهما كان شغفهم بالملذات الحسية، فإنهم يصلون حدًّا يفقد فيه كلُّ شيء معناه في حياتهم. لحظة يبلغ غرقُهم في كل ما هو مادي من متع جسدية درجةَ الغثيان، تتخشب فلا تبوح لهم بأي معنى؛ لذلك يتهافتون على ما يتوهمون أنه منبع المعنى الذي يفتقدونه في بلادهم، فيحسبون هذه الدروب الخاطئة المظلمة هي ما يوصلهم إلى رُوح المعنى، وفجأة يجدون أنفسهم في متاهات كئيبة.

إنهم ما انفكوا يهرولون بُغية التشبث بأي شيء يتكامل به وجودهم، واقتباس لهيب شعاع يوقد جذوة أرواحهم، بعد أن انطفأت فيها جذوةُ الحياة، والشغف بامتلاك بصيرة تكشف لهم عن تجليات جماليات الوجود المحتجبة عن قلوبهم، وتخلصهم من كل هذا القبح المتفشي في العالَم.

إنهم بمثابة الظامئ الذي يحسب ماءَ البحر عذبًا، لكنه كلما شرب منه ازداد عطشًا، أو كالعطشان الذي يحسب السرابَ ماءً، لكنه يظل ينهكه المزيد من الجري وراء ذلك السراب الموهوم.

كلُّ ذلك ينشأ من قلقهم الوجودي، وتفاقم اغترابهم في مجتمعاتهم، وتلاشي الوشائج العضوية للانتماء لأوطانهم، وشعورهم المرير بالعزلة وسط محيط عدائي، وتفاقم إحساسهم الموجع بعدم الأمان؛ لأن كل شيء ضدهم: الحياة ضدهم، المجتمع ضدهم، الثقافة ضدهم. إنهم لا يعلمون أن مسار المعنى في حياة الإنسان لا تبتكره إلا الأحلام الكبيرة، لا تنجزه إلا الأرواح المتوثبة، لا يراكمه إلا الصبر الطويل، لا يشبعه إلا الإيمان.

تؤشر فصول هذا الكتاب إلى أن الصياغة الأيديولوجية للدين تخفض طاقته الرُّوحية وتجفف منابع المعنى الذي يفتش عنه الإنسان فيه، ولا تكترث بعمقه الميتافيزيقي. تهتك الصياغة الأيديولوجية للدين بعده الميتافيزيقي، وتطفئ شعلة الرُّوح وما يطلب الإنسان إشباعه من احتياجات لا تتوافر في سواه، وتغلق ما يولِّد رُوح المعنى في فضائه. يصاب الإنسان بالسأم والإحباط والضجر والغثيان، بعد أن يموت كلُّ شيء من حوله، ويفتقر إلى ما يلهمه مزيدًا من الطاقة.

ما وضَعَ الدينَ اليوم في مأزق تاريخي، هو ترحيلُه من مجاله الأُنطولوجي إلى المجال الأيديولوجي. هذا من جهة، ومن جهة أخرى، ازدراء بعض النخب للدين واحتقارهم للتدين، إثر الفهم الساذج المبتذل لحقيقة الدين في فهمهم، والصدور في أحكامهم عن نمط التدين الأيديولوجي الشائع.

الكتابات العربية التي تدرس الدين في بعده الأُنطولوجي شحيحة، رغم كثافة ما يُنشر من نصوص تتناول الدين والتدين، لباحثين وكتَّاب من الجماعات الدينية، أو المعاهد والجامعات المتخصصة بالدين ومعارفه، أو المهتمين بتطبيق مناهج العلوم الإنسانية في تحليل وتفسير الظواهر الدينية.

أخال أن دراسة الدين في بعده الأُنطولوجي، هو ما يضعنا في مستوًى غائب في الدراسات الدينية، وما ينقلنا إلى أُفُقٍ بديل، يكشف عن الحضور الحقيقي للدين في كينونة الإنسان، وحاجته الوجودية الدفينة إلى ما يروي ظمأه الأُنطولوجي للمقدس، ويفضح كل توظيف زائف للدين في صراعات المال والثروة والهيمنة.

عبر البعد الأُنطولوجي يمكننا العبورُ إلى جوهر الدين، كي يرتوي ظمؤنا للمقدس، وتشرق على أرواحنا تجلِّيات جمال الله، ونتذوق الأبعاد الجمالية المطموسة في الدين، وندرك ما يمكن أن يُفيضه الدينُ على مشاعر المتدين في عالمنا، من: جمالٍ مع كل ما يتفشى فيه من قبح، وضوءٍ مع كل ما يغرَق فيه من ظلام، وخيرٍ مع كل ما يسوده من شر، وسلامٍ مع كل ما يفترسه من حروب، وحياةٍ مع كل ما يعمُّه من موت.

عبر البعد الأُنطولوجي للدين يمكننا أن نشعر بأنه كلما طغى الشر لن ينهزم الخير، وكلما طغى القبح لن ينهزم الجمال، وكلما طغى الظلام لن ينهزم الضوء، وكلما طغى صوتُ الموت فلن يصمت صوت الحياة، ما دام هناك إله رحمن رحيم غني كريم، ونواميس أخلاق كونية.

عبر البعد الأُنطولوجي للدين يمكننا أن ندرك أنه مثلما لا يزدهر الربيع بوردة واحدة، ولا تتحقق الصلاة بسجدة واحدة، أيضًا لا يبعث التدينُ حياتَنا الرُّوحية، ولا يمنحنا طهارة أخلاقية بصلاة واحدة، بل لا ينجز الدين وعوده ما لم تصبح الحياةُ كلُّها صلاةً واحدةً، متجهةً صوب هدف رُوحي أخلاقي واحد.

لا أزعم أن في هذه الكلمات خلاصًا، وإنما هي إشارات لتنبيه القراء إلى ما هو مهمَل في دراسة طبيعة الدين، وأنماط التدين، وتجليات الظاهرة الدينية. وهو فيما أرى يمثل حاجة راهنة لتحرير الدين من الاستئثار، وإنقاذه مما انتهى إليه التوظيف المخيف له، كآلة للقتل والإبادة والتدمير، وإعادته إلى مهمته الأصيلة في الحياة البشرية، ووضعه في نصابه الحقيقي، وتحرير البحث في الدين من الاتجاهات المغالية في التعاطي معه نفيًا وإثباتًا.

أُذكِّر القارئ هنا بما أشرت إليه في مقدمة كتابي: «الدين والنزعة الإنسانية»، من أني طالما أتأخر في نشر ما أكتبه من نصوص، وكثيرًا ما أتردد في طباعتها، عندما أبتعد عن لحظة تدوينها أتهيب نشرها، ومتى حاولت طباعتها أعود إليها مجددًا، لأمحو وأحذف وأضيف وأصحح، وكأني أزج نفسي في حلقة مفرغة، أعود فيها كل مرة من حيث أبدأ. كلما أحجمتُ يشجعني على النشر قول الأديب الشهير خورخي لويس بورخيس: «كل ما نشرته كان يتطلب مني عشَرة إلى عشرين مسودة قبل صياغته النهائية، فأنا لا أستطيع أن أكتب دون مسودة. أحيانًا أقوم بتشطيبات، حتى يبدو العمل أكثر تلقائية. كل الكتَّاب يعانون من صعوبة الكتابة … سألت ألفونسو ريس: لماذا ننشر أعمالنا، أجابني: ننشر حتى لا نبقى طوال حياتنا نُصحِّح المسودات.»

عبد الجبار الرفاعي
بغداد، ١ / ٩ / ٢٠١٥م

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤