الفصل الأول

نسيان الذات

(١) الذات

لا نعني ﺑ «الذات» هنا، الهويةَ المشتركة بين مجموعة من البشر، أي: الهوية القومية، أو الهوية الحضارية، أو هوية الأمة، أو هوية الجماعة، وإنما نريد بها، «الأنا الخاصة»، و«الذات الفردية»، و«الكينونة الشخصية»، التي هي قوام الحياة الباطنية للكائن البشري. من دونها يفتقد كلُّ إنسانٍ ذاتَه، ويصير نسخةً مكررةً متطابقةً مع نموذجٍ محدَّدٍ مصاغٍ سلفًا، وتجري «نمذجة» الكل في سياق صفاتِ وملامح ذلك النموذج وسماتِه وخصائصه، وكأن الجميع يُسكَبون في قوالب متماثلةٍ، تُلغَى فيها اختلافاتهم وتمايزاتهم، وتُمحى البصمة الشخصية لكلٍّ منهم. وهذه حالةٌ يتنازلُ فيها الفردُ عن ذاته، ولا يكونُ سوى بوقٍ يتردد فيه صدى أصوات الآخرين، بينما يختفي صوتُه الخاص.

الذاتُ الإنسانية بطبيعتها باطنيةٌ، داخليةٌ، عميقةٌ، تنطوي على أسرارها، وتغتني بمنابع إلهامها، وتتكامل بديناميَّتها الجوَّانية. لا يتحقق وجودُ الذاتِ إلا حين تشرع بتعبيرها عن نفسها بحرية، وتمارس تجارِبها وحياتها الخاصة. لا يمكنُ اختراق هذه الحياة واكتشاف مَدَياتها، إلا بحدود ما تبوحُ هي به.

يُولد الإنسان بمفرده، ويحيا بمفرده، ويموت بمفرده، ويتألم بمفرده، ويمرض بمفرده، ويشعر بالخطيئة بمفرده، ويستفيق ضميرُه بمفرده، ويؤمن بمفرده، ويُلحِد بمفرده. ويجتاحه بمفرده أيضًا: القلقُ، واليأسُ، والمَلَلُ، والاغترابُ، والضجَرُ، والسأَمُ، والألمُ، والاكتئابُ، والغَمُّ، والحزنُ، والهشاشةُ، والغثيانُ، وفقدانُ المعنى، وذبولُ الرُّوح، وانطفاءُ القلب، والعدميةُ، والعبثيةُ، والجنون.

لا تبدأ الحياة الإنسانية الحقيقية إلا عندما تتحقق وتوجد الذات، وهذه الذاتُ لا تتحقق من دون الفعل، الوجودُ الإنساني لا يصل إلى الامتلاء إلا بالفعل وحده. وجودُ الذاتِ وصيرورتها الحرية، وحيث لا حرية تنطفئ الذات. الحرية ليست أمرًا ناجزًا قبل أن نشرع باستعمالها، وجودُ الحرية يعني ممارستَها. الحريةُ لا تتحقق بعيدًا عن مسئولية الفرد تجاه ذاته. لحظة تنتفي الحرية تنتفي الذات، إذ لا تغتني الذات وتتسع وتتكامل إلا بالحرية.

جدلُ الحرية والعبودية في حياة الإنسان هو القيدُ الأزلي الذي لا ينتهي، ربما لو انتهى تنتهي حياتُه معه. إن هذا الجدلَ مصدرُ الحركة، ومولِّدُ الطاقة لاستمرار الحياة. كأن هذا الكائنَ مجبورٌ في حريته، بقدر ما هو مجبورٌ في عبوديته؛ ذلك أنه في توقٍ أبديٍّ للحرية، فهو لا يكون إلا بالحرية. لو لم تطارده عبوديته على الدوام لن يتطلع للحرية، الحرية بطبيعتها في صراعٍ أبديٍّ مع العبودية.

الحرية لا تُمنح، بل تُمتلك، امتلاكُها يتطلب: شجاعةَ الإرادة، وجسارةَ العقل، ومغامرةَ تحطيم الأغلال. الإنسان اليقظ يكدحُ ما دام حيًّا للتحرر من سجون: جسده، هُويَّته المغلقة، تاريخه، ثقافته، لغته، رؤيته للعالم، أوثانه.

الحرية أشقُّ من العبودية؛ ذلك أنها: إرادةٌ، وحضورٌ، واستقلالٌ، وشجاعةٌ، ومسئوليةٌ، وخيارٌ إيمانيٌّ، وموقفٌ حيال الوجود. أن تكون حرًّا يعني أنك تواجه العالم كلَّه، وتتحمل كلَّ شيءٍ وحدك. العبودية: هشاشةٌ، وغيابٌ، واستقالةٌ، وخضوعٌ، وانقيادٌ، وتفرُّجٌ، وتبعيةٌ، ولا موقف، ولا مسئولية. أن تكون عبدًا يعني أنك لست مسئولًا عن أي شيءٍ، حتى عن نفسك.

آلامُ العبودية قاسيةٌ، لكنها ليست كآلام الحرية. مع كل ألم للحرية تتنفس الرُّوحُ عبيرَها، بعد أن يحطِّمَ الألمُ أحدَ أغلالها. مع كل ألم للعبودية تنزفُ الرُّوحُ جراحَها، بعد أن يصنع الألمُ أحدَ أغلالها.

أخطرُ أنماط العبوديةِ عبوديةُ العقلِ، عبوديةُ العقلِ تُفضي إلى عبوديةِ الرُّوحِ والعواطفِ والمشاعرِ والضميرِ. الجبانُ عقلُه مشلولٌ، لا طاقةَ لديهِ للتفكيرِ، ذلك أن التفكيرَ شجاعةٌ، أحيانًا تكون ضريبتُه موجعةً. في مجتمعنا من يفكر بحريةٍ لا بد أن يكونَ مُستعدًّا للتضحية بمقامه وماله وانتمائه لجماعته، بل ربما حياته.

صاحبُ العقلِ ينهكُه عقلُه، الجاهلُ يتلذذ بجهلِه. تعطيلُ العقلِ مهربٌ للخلاص من مرارات الواقع، تنويمُ العقلِ ملاذٌ لتخديرنا من آلام الحياةِ المنهكة، لكنه أيضًا ضربٌ من الحياةِ النيابيةِ، التي تغيبُ فيها الأنا الشخصية، ويكفُّ فيها الإنسان عن أن يكونَ هو.

الناسُ بطبيعتهم ينفرونَ من التفكيرِ، ومن كلِّ ما يوقظ العقلَ من سُباته، لذلك يفتشون على الدوامِ عمن يفكر عنهم بالنيابة، فيعودون في كل شيء يسيرٍ أو خطيرٍ في حياتهم إلى من ينوب عن عقلهم. من لا يدرب عقلَه على التفكير لن يتعلمَ الحرية في التفكير والتعبير. لا نتعلم التفكيرَ إلا بالإدمان على التفكير.

(٢) تنميط الإنسان

أدبياتُ الجماعات والأحزاب تتجاهلُ فرديةَ الإنسان، ولا تتحدث عن الأنا الشخصية عادة. وهو ما يبدو ماثلًا في أدبيات الأحزاب اليسارية، والقومية، والجماعات الدينية، إذ تتعاطى مع الفرد بوصفه عنصرًا يذوبُ في مركَّبٍ هو الجماعة، ليس له وجودٌ حقيقيٌّ مستقلٌّ خارج إطارها، وتُشدِّد في مقولاتها وشعاراتها وتربيتها على أن مهمةَ كلِّ شخصٍ في الحياة هي: الامتثالُ لما يؤمر به، والتنكرُ لذاته، والذوبانُ في المركَّب، والكفُّ عن أية محاولةٍ لاستبطان الذات، واكتشاف أعماقها ومَدَيات عالمها الجوَّاني، أما قيمة الفرد ومكانته وحاجاته الذاتية: الرُّوحية، والعاطفية، والقلبية، والعقلية، فلا أهمِّيَّة لها، إلا في سياق تموضعها في إطار هذا المركَّب، وهو الجماعة ومتطلَّباتها.

تجري في تقاليد التربية والتثقيف الخاص للجماعة عملية «تنميطٍ» للأعضاء من: الناشئة، والشباب، والكهول؛ إناثًا وذكورًا. يتمحور اﻟ «تنميط» على: صهر الذات في المجموع، ومحو ما يشي بخصوصيَّتها، وشخصيتها المتميزة. كلُّ شيءٍ لا بد أن يتشابه، ويُلزَمَ به الجميع. الجميعُ يكرر: النصوصَ المقروءة، وأسماءَ الكتَّاب والمؤلفين، والتدريبَ، والأنشطةَ والفعاليَّات الدورية، والبرنامجَ اليومي، والسلوكَ الشخصي، والعاداتِ، والهواياتِ، والاهتماماتِ، والأزياءَ، والطعامَ والشراب، بل كلُّ ما في حياة عضو الجماعة، وكلُّ ما حوله، ينبغي أن يعكس التطابق بين هذا الإنسان ومجموع الأعضاء.

يمسي الأفرادُ مخلوقاتٍ لا سماتِ ولا لونَ لهم، لا خصوصيات تشخصهم، متماثلين في كل شيءٍ، من دون أن نعثر على سماتٍ وخصائصَ فارقةٍ لكلِّ شخص، تُحيل إلى طبيعته الإنسانية المختلفة، وكينوناته الذاتية. كأنهم أشخاصٌ بلا ملامح خاصة، كأنهم أشباحٌ، وأشياءُ متعددةٌ كمًّا متحدةٌ كيفًا، بوصفها تنتمي إلى نَموذج تصوغه أيديولوجيا الحزب والجماعة، مما يفضي إلى: غفلة الكائن عن كينونته وطمسها، وتشيؤ الذات الإنسانية، وسُباتِ العقل، والعودة في عملية التفكير والآراء والقرارات والمواقف، سواءٌ كانت عاديةً أو هامَّةً، إلى ما تمليه تعاليم الجماعة، وتحكيه مفاهيمها. ويُنتج ذلك: هشاشةَ الإرادة، والعجزَ عن اتخاذ أي قرارٍ أو موقفٍ شخصيٍّ، بعيدًا عن اختيارات الجماعة وتوصياتها.

ربما ينتهي تجاهل الأعضاء لحياتهم الداخلية، وتكتُّمهم على عالمهم الباطني، إلى تورطهم في ارتداء أقنعةٍ شتى، تعلن عن سلوكٍ خارجيٍّ لشخصيةٍ تجسد ما تمليه تعاليم الجماعة، بينما تخفي هذه الشخصية داخلها قناعاتٍ ومعتقداتٍ ورؤًى، تنفي ما يتبدى من سلوكٍ لها، وتُفشي في العَلاقات الخاصة ومجالس السر شيئًا مما أخفته وتكتمت عليه في سلوكها الظاهري. كلُّ من عايشوا هؤلاء الأعضاء، وتوغلوا في حياتهم الشخصية، يسمعون ويرون ما يفصح عنه سلوكهم من ازدواجيةٍ ونفاق.

اللافت للنظر أن هذه الجماعات تهتم بكل شيءٍ خارج الذات، بينما تَعُدُّ الانهمام بالذات أنانيةً وتفاهةً، ومروقًا عن الجماعة، وانحرافًا عن الوظيفة العظمى في إنقاذ الجماهير وخلاصها.

لحظةَ يصحو أحدُ الأفراد يدرك متأخرًا أنه بعد أن غرِق في شئون الجماعة وشجونها، غادر حياتَه الشخصية، وأضحى بمثابة من يتعرض في غفلة منه لاستعبادٍ طوعي. في هذه اللحظة تطرده الجماعةُ وتنفيه من صفوفها. كلُّ من يستفيق وعيُه تخسره الجماعة، لأنه لم يعد نسخة مِن غيره من الأعضاء في تفكيره وتعبيره عن احتياجاته الذاتية. بعد أن يستفيق الوعي يدرك الإنسان أنه مختلفٌ عن غيره من الناس. حين يتعرف على ذاته يكتشف أنها تتفرد ﺑ: يأسها، وقلقها، وخوفها، وحزنها، وغرائزها، ومشاعرها، وعواطفها، وحاجاتها، وأحلامها، وتطلعاتها، وهمومها، وآلامها، وغضبها، وفرحها، وتَرَحها، ومرحها، ومرضها، وسقمها، وصحتها، وحياتها، وموتها.

تحرصُ أدبياتُ الأحزاب والجماعات في بلادنا، خاصة الدينية منها، على مناهضة الثروة الفلسفية، ورفض مدونة العرفان في الإسلام، وتتهمها بالهرطقة والخروج عن الدين، وتحذر أتباعها من الاطلاع عليها والنظر فيها. وهو موقفٌ تتضامن وتلتقي فيه تلك الجماعات بأَسْرها، لا تشذ عنه أية واحدةٍ منها؛ ذلك أنها تدرك ما تنطوي عليه الكتاباتُ الفلسفية من: إيقاظ العقل، والنظر والتدبر والتفكير والتأمل. تعلنُ هذه الجماعات موقفها المناهض لما تفيض به مدونة التصوف والعرفان، من: التوغل في فضاء الذات، واستكناه أسرارها، وإيقاظ الرُّوح، وإحياء القلب، وإثراء العاطفة، وتكريس الحياة الرُّوحية الفردية، والحث على سبر أغوار الحياة الشخصية، واكتشاف طبقات النفس، واستبطان عالمها الجوَّاني، والحفر في أعماق انفعالاتها وتوتراتها وتذبذبها واضطرابها وقلقها.

(٣) الشخصية المستعارة

يسود منابر ووسائل إعلام هذه الجماعات ضجيجٌ، تغرَق فيه الصحف والمطبوعات والفضائيات، وكلُّ ما هو مرئيٌّ ومسموعٌ، يستنزف وقت المجتمع، ويرهقه بأحاديث وكتابات لا تقول معنًى جديدًا، ولا تمنح الناس فرصةً للتفكير والتعبير عن ذواتهم، وإنما تغرقهم بفائضٍ لفظيٍّ، وشعاراتٍ تعبويةٍ، وضوضاء تقودهم إلى حالة تنويمٍ اجتماعيٍّ شاملةٍ، يتحولون فيها إلى بشرٍ مسطَّحين، شخصياتهم مجوَّفةٌ، لا تعثر على صورتها الواضحة، وصوتِها المتميز، وبصمتِها الخاصة. يغيب هؤلاء عن ذواتهم، وواقعهم، وعصرهم الذي يعيشون فيه.

تُعلَّق مشكلاتهم كافةً على مِشجبٍ جاهزٍ، يختزل كلَّ ذلك في أعداءٍ خارجيين، ولا يبوح بالجذور التاريخية الداخلية لتلك المشكلات، ونمط السياقات الدينية والثقافية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية المُنتِجة لها.

غالبًا ما يتشبع ذلك الفائض اللفظي بكلمات ومصطلحات وعباراتِ عداءٍ وكراهيةٍ قاسية، تنعتُ الآخرَ بمختلف ألوان الهجاء، متَّكِئةً على تفسيرٍ تآمريٍّ جاهزٍ للأزمات والصراعات كافةً، يسعى لترحيل بواعث كل المشكلات إلى الغير، من دون أن يُرشِد إلى جذور وعناصر التخلف والانحطاط المترسبة في طبقات الماضي، والغاطسة في البِنى اللاشعورية للمجتمع.

عندما يغيب الوعي الفردي، تضمحل تبعًا له الذات، حيث تتلاشى في الجماعة. في هذه الحالة تختفي الشخصية الحقيقية الأصيلة، ويسود نموذج الشخصية النيابية المستعارة. يفضي ذلك إلى تفشي رُوح القطيع، وشيوع منطق الجموع وأحكامها الجاهزة، وتتبدل معه معايير الحقيقة والحق والقيم، بنحوٍ تُمسي منحصرةً بما يقتضيه منطق الجمهور، ورغبات الجموع؛ أي أن ما كان أصيلًا وحقيقيًّا لا محلَّ له في معايير وأحكام الجماعة.

ويئُول ذلك إلى تفشي التعصبات، والمواقفُ الإقصائية الحادة؛ لأن أي شخصٍ أو جماعةٍ بشريةٍ، لا تتبنى القيم السائدة لمعتقدات وسلوك الجماعة لن تجد من يتقبلها، وتُنبَذ معتقداتها ومفاهيمها.

ينتهي ذلك إلى اضمحلال القدرة على الخلق والإبداع، وهي فرديةٌ دائمًا، أما النسخ المتماثلة من البشر، فإنها عاجزةٌ عن اختراق السائد، وابتكار أي شيءٍ خارج ما هو مألوفٌ. لا قدرة لدى النسخ المتماثلة تمكنها من أن تتخطى ما هو شائعٌ، كلُّ ما تنجزه إنما هو محاكاةٌ لما هو مكررٌ دائمًا.

في هذه المناخات لا يستفيق وعيُ الناس، ولا يستطيعون مواجهة ذواتهم، ويغرَقون في سكرةٍ وذهولٍ، ينسون فيها أنفسَهم، فضلًا عن نسيانهم حاضرَهم ومصيرهم. ينخرط الناسُ في أزماتِ ومعضلاتِ ومتاعبِ المجتمع، ولا يكفُّون عن الاستغراق فيها كلَّ يوم، والتورط في كل ما هو خارج ذواتهم، بينما تغيب الذات، وربما تُمحى نهائيًّا، فلا تجد أثرًا واضحًا يشير إليها، ويتوهم الجميع أن سعادتهم لا تعني ذواتهم، ولا يتنبهون إلى التفكير في حياتهم الشخصية، وطرح أسئلةٍ جريئةٍ على أنفسهم، مثل: ما فائدة أن يتغيرَ العالَمُ إن لم أتغيرْ أنا قبل ذلك؟ ما فائدة أن يسود العالَمَ السلامُ إن لم تكن حياتي أنا قبل ذلك سلامًا؟ ما فائدة أن يغدو العالَمُ سعيدًا إن لم أكن أنا قبل ذلك سعيدًا؟ ما فائدة أن يغدو العالَمُ جميلًا إن لم أكن أنا قبل ذلك جميلًا؟ «ما فائدة أن تربح العالَمَ وتخسر نفسك»١ حسب قول السيد المسيح عليه السلام؟

(٤) الإنسان كائن عميق

الإنسان كائنٌ عميق شديدُ الغموض، فلو أنفقنا العمرَ كلَّه باكتشاف الإنسان لم نضيِّع عمرَنا هدرًا. مشكلاتُ الإنسان تعود للفشل في اكتشاف حقيقة الإنسان. اكتشافه في غاية الصعوبة؛ يتعذر اكتشاف كل شيء داخل الإنسان، ففي كل شخصٍ بسيطٍ عمقٌ لا نراه، وفي كل شخصٍ عميقٍ صوتُ طفلٍ لا نسمعه.

تختبئ في أعماق الأشخاص الذين نعيش ونتعامل معهم كلَّ يومٍ أشياء من أشخاصٍ لم نكتشفهم. كلُّ شخصٍ نظن أننا عرفنا كلَّ شيء داخله، ما زالت لديه أبعادٌ غاطسةٌ لم نصل إليها، ولن نصل إليها ما دمنا أحياء. يمكننا أن نتصيد أحيانًا ما يكشف عما هو مضمرٌ لديه، مما يؤشِّر إليه ما يصدر عنه، من: الهفوات، وفلتات اللسان، والنسيان، والرغبات المتضادَّة، والآراء المتهافتة، والمواقف المتناقضة.

الشخص البشري تجتمع في ذاته التناقضات. ليس هناك شخصيةٌ ساكنةٌ قارَّةٌ كالصخرة، إلا إن كانت من جنس الحجر لا البشر. كلما اشتدت حيوية الذات ومواهبها اشتدت تناقضاتها. نعم، تبدو هكذا؛ أي أنها تناقضاتٌ بحسب معايير العرف والتقاليد والأديان والأيديولوجيات، ولكن هل الإنسان إلا تلاقي الأضداد؟ أليس ضعفنا جزءًا من طبيعة الحياة؟ أليس التضاد هو ما تتحقق به صيرورةُ الحياة ويتواصل تدفقها؟

هذه التناقضات يؤشِّر إليها في الكائن البشري اجتماع: الضعف والقوة، الكراهية والحب، القسوة والرحمة، وغير ذلك. لكننا لا نتنبه إلى أنه لولا الفشل لم يكن هناك نجاحٌ، ولولا الضعف لم تكن هناك قوةٌ، ولولا الكراهية لم تكن هناك محبةٌ، ولولا القسوة لم تكن هناك رحمةٌ. كلُّها يمكن أن نعثر عليها في منجم الذات البشرية.

هكذا نرى التضاد في العالم أيضًا؛ كي يكون مسرحًا للصيرورة والتكامل، لأن تلك الصيرورة لا تتحقق بلا وجود الشر مقابل الخير، والنقص مقابل الكمال، فلولا الجهل ما اكتسب الإنسان العلم، ولولا الحرب لم يصنع الإنسانُ السلام، ولولا المرض لما ابتكر الإنسانُ الدواءَ ووسائل الاحتفاظ بصحته، وهكذا. يقول صدر الدين الشيرازي: «لولا التضاد ما صح دوام الفيض من المبدأ الجواد.»٢ العالم مخلوق ناقص ينشد الكمال، الخير المحض غاية الكمال، ولولا ذلك لتعطلت حركة التاريخ ومكث الإنسان يكرر كل شيء في حياته. حركة التاريخ صيرورة موجعة تُبيد الأزهار اليانعة الجميلة العطرة مثلما تُبيد الأشواك الخشنة العنيفة القبيحة.

في شخصية كل إنسان بؤرةٌ مضيئةٌ، في الجسد أو العقل أو القلب، حتى أسوأ البشر يمكن أن ترى يومًا ما فيه بؤرةً مضيئة مختبئة.

مشكلات الإنسان تعود للفشل في اكتشافه لذاته وسبر أغوار كينونته. كلُّ من يفشل في ابتكار صورته، وإنشاد لحنه الخاص، ورسم بصمته الفريدة، يخطَف بصرَه كلُّ ضوءٍ، فتتشكل شخصيتُه ظلًّا لغيره، ويردد على الدوام كلَّ صوتٍ يُسكر سمعه.

يتوهم الإنسانُ حين يعتقدُ أنه يجدُ ذاتَه خارجَ ذاته، وهو لا يدري أنه لن يجدَ ذاته إلا في ذاته. ما أدق تصوير أبي اليزيد البِسطامي لنسيان الذات، وكيف غفل أبو يزيدَ عن نفسه أربعين عامًا، كما يصرح هو بذلك، حين سأله شخصٌ عمن يكون هو، فأجاب: «يا بُنَيَّ، أبو يزيد يطلب أبا يزيد منذ أربعين سنةً».٣

اكتشافُ العالم يبدأ باكتشاف الذات. وعي العالم يبدأ بوعي الذات. استبصارُ العالَم يبدأ باستبصار الذات. الإحساسُ بظلام العالَم يبدأ بالإحساس بظلام الذات. نقدُ العالَم يبدأ بنقد الذات. معرفة أسرار العالَم تبدأ بمعرفة أسرار الذات. تنويرُ العالَم يبدأ بتنوير الذات. قبولُ العالَم يبدأ بقبول الذات. الاعترافُ بالعالَم يبدأ بالاعتراف بالذات. التسامحُ مع العالَم يبدأ بالتسامح مع الذات. احترامُ العالَم يبدأ باحترام الذات. السلامُ مع العالَم يبدأ بالسلام مع الذات.

من يفشل في إخماد حرائق ذاته يتعذر عليه إخماد حرائق العالَم. تخليص العالَم من أغلاله يبدأ بتخليص الذات من أغلالها. تحرير العالَم من عبودياته يبدأ بتحرير الذات من عبودياتها. تغيير العالَم يبدأ بتغيير الذات. تقدير العالَم يبدأ بتقدير الذات. كيفيةُ تدبير العالَم يبدأ بكيفية تدبير الذات. الشعورُ بآلام العالَم يبدأ بالشعور بآلام الذات. التضامنُ مع العالَم يبدأ بالتضامن مع الذات. حُبُّ الله والإنسان والعالَم يبدأ بحب الذات، نسيان الله في الذات نسيانٌ لله في العالَم، غياب الله في الذات غيابٌ لله في العالَم، حضورُ الله في الذات حضورٌ لله في العالَم، من لا يلتقي الله في ذاته لا يلتقيه في العالَم، من لا يرى اللهَ في ذاته لا يراه في العالَم، معرفةُ الله في الذات معرفةٌ لله في العالَم، «من عرَف نفسه فقد عرَف ربَّه»،٤ كما هو مرويٌّ عن النبي «ص». وذلك ما يصوره قول النِّفَّري: «من سألك عني فسله عن نفسه، فإن عرَفها فعرِّفني إليه، وإن لم يعرفها فلا تعرِّفني إليه، فقد غلَّقت بابي دونه.»٥

هناك صوتٌ دفينٌ في عالم الذات الجوَّاني، هو حوار الذات مع ذاتها، إنه مونولوجٌ باطني. يستفيق لهذا الصوت بعضُ الناس، فيجده يكرر في باطنه: أنا لست أنا، صورتي مرآة هُويَّتي، فائض هُويَّتي يصادرُ ذاتي، مثلما يصادرُ حريتي. لا أسمع صوتي أبدًا، صوتي صدى جماعتي، صوتي صدى طائفتي، صوتي صدى قبيلتي، صوتي صدى هويتي. يفرض عليَّ انتمائي لهُويَّتي ألا أكون أنا، كي تتطابق صورتي مع ما تَنشده هُويَّةُ جماعتي. لو خلوت ونفسي سرعان ما تباغتني ذاتي، فتتمزق الأقنعةُ وكلُّ ما طمس ذاتي واختفت فيه شخصيتي، لا أجد نفسي إلا حيث تكون ذاتي في مواجهة ذاتي.

الأب والأم والعائلة والجماعة والكل، يريدون منك أن تكون شخصًا آخر، أن تكون نسخةً مكررةً منهم. ستلبث على الدوام تصارع طبيعتك الإنسانية؛ لا يقبلونك إلا أن تتنازل عن ذاتك. ذاتك تظل تلحُّ على فرديتك، ولا تكفُّ عن التطلع للاستقلال، والخلاص مما تفرضه عليك العائلة والطائفة والجماعة والهوية والمعتقد من سجون.

ربما يتوهم الإنسان أنه سيجد ذاته في كل ما هو خارجٌ عن ذاته، وهو لا يدري أنه لن يجد ذاته إلا في ذاته. يفتقدُ المرءُ ذاته لو حاول أن يُعرِّف نفسَه بغيره؛ ذلك أن نهايتَه غدًا نهايةُ من يُعرِّف نفسَه به، وموتَه غدًا موته. لا تتجلى إرادتك وثقتك بنفسك وشجاعتك وحريتك وهويتك الشخصية، إلا في أن تكون أنت.

(٥) الإيمان خيار شخصي

الإيمانُ خيارٌ فرديٌّ، كذلك الإلحاد خيارٌ فرديٌّ، وهكذا هو الموت ومصير الإنسان بعد الموت. يفر الإيمان مع التلقين، ويهرب بالقسر والإكراه، ولا يكرسه الكلام الكثير عن الدين، أو التبشير به، وتحشيد جماعات من البشر من أجل تلقينهم الإيمان. كلُّ ذلك يفضي إلى نتائج منافيةٍ لرُوح الإيمان والضمير الديني العميق. «الانهيار الديني ناجم عن كثرة الكلام في الدين»٦ كما يقول كيركيغورد. الإيمانُ حالةٌ رُوحيةٌ متساميةٌ ليست حسِّيةً، الإيمان جوهرةٌ كيفيةٌ، لا تخضع لقياساتٍ كَميةٍ ماديةٍ، إنه حالةٌ فرديةٌ لا جماعية، تتحقق في الذات، عبر الشروع في رحلة كدحٍ للعروج نحو الحق.

حينما لا يحيا الإيمان بما هو صلةٌ حية متوثبة بالله، وإنما يُقدَّم بوصفه معتقداتٍ ومقولاتٍ ومفاهيمَ وأفكارًا وشعاراتٍ، يجب أن يعتنقها الكلُّ، ويمضغها الكلُّ، ويحفظها الكلُّ، ويتطابق فيها الكلُّ، فلن يرتوي القلبُ عندئذٍ بلذة وصال الحق؛ ذلك أن العقلَ هنا يحتفظ بمجموعة مفاهيم، هي بمثابة مومياواتٍ محنطةٍ خاوية، مفرغةٍ من أية حيويةٍ متدفقة.

الإيمانُ، خلافًا للفهم والمعرفة، لا يتحقق بالنيابة؛ ففي عملية الفهم يمكن أن يتلقى الإنسانُ معارفه من شخصٍ آخر، أو يقلد غيره في آرائه. الإيمان تجرِبةٌ ذاتيةٌ تنبعث في داخل الإنسان، إنه صيرورةٌ تتحقق بها الرُّوح وتتكامل، ونمط وجودٍ يرتوي به الظمأ الأُنطولوجي للكائن البشري، إنه مما تضيق به العبارة ولا تشير إليه إلا الإشارة. أعمق المعاني هي ما نتذوقها، وما تضيق كلماتنا عن استيعابها، ويتعذر على قوالب ألفاظنا البوح بها. الإيمانُ من جنس الحالات. يقول محيي الدين بن عربي: «قوالب الألفاظ والكلمات لا تتسع لمعاني الحالات.»٧
لا يعني ذلك الدعوةَ لتصوف مُقنَّع، ذلك أني لست مع تصوف الخلاص الفردي الذي يُخرِج الفرد من العالم. العزلة والهروب من المجتمع منجم الأوهام، الآخَرُ مرآة الذات، بل الذات عينها لا تتجلى صورتها إلا في الآخَر، كما يشرح ذلك بول ريكور في كتابه: «الذات عينها كآخَر».٨

رحلةُ الحياة مضنيةٌ مُنهِكة، ‏من يريد أن يعيشَ في أفق المعنى، ويحققَ لقلبِه الطمأنينةَ ولرُوحِه السكينة، عليه أن يبدأ باكتشافِ ذاته أولًا. لا يتعرَّفُ الإنسانُ على الذات إلا بمختبر الذات، ولا تتكشفُ له مواطنُ قوتها وهشاشتها إلا بحوارٍ صامت يبدأ بالذات ولا ينتهي معها ما دام حيًّا. سلامُ العالَم يبدأ بسلامٍ داخلي في الذات، سلامُ الذات يتطلب كدحًا شاقًّا، وتربيةً رُوحية وأخلاقية صارمة، وترويضًا على التراحم والشفقة، واحترامَ الإنسان المختلِف بما هو إنسانٌ، ‏بغضِّ النظر عن دينه ومعتقَده ومذهبه وهويته القومية وموطنه. هذا هو الطريقُ الذي يبدأ فيه الإنسانُ أسفارَه إلى الله، طريقٌ تتواصلُ فيه الأسفارُ الأبديةُ إلى الحق، كلما واصل الإنسانُ هذه الأسفارَ تكرست صلتُه بالله وتكامل وجودُه، فيرتقي من طورٍ وجودي أدنى إلى طورٍ أسمى، في رحلةِ تكاملٍ لا تنتهي ولا تقفُ عند حد. هذا هو طريقُ أسفار الإنسان إلى الله الذي يبدأ باكتشافِ الذات، واكتشافِ الاحتياجات الرُّوحية والأخلاقية والجمالية المشتركة له ولكلِّ الناس، والقيمِ الكونية التي تفرض احترامَ الإنسان المختلِف وتكريمَه ومحبتَه.

(٦) الحق في الاختلاف

متاعب حياتنا وحسَّاسيَّاتُنا تنشأ غالبًا من نمط رؤيتنا للعالَم والإنسان والحياة، نحن عادةً لا نرى إلا لونين في العالَم: «الأسود والأبيض». نصنف الناس والسلوك البشري والمواقف والأشياء طبقًا لها، إما خيرٌ أو شرٌّ، إما قبيحٌ أو حسنٌ، إما صديقٌ أو عدوٌّ، إما معنا أو ضدنا. يتسعُ العالَمُ لما لا حصر له من ألوانٍ ومواقف، لا معنى لسَجن كلِّ شيءٍ في ثنائياتٍ مانوية، هذا منطقٌ قاد المجتمعات إلى حروبٍ مرعبة، شيَّدت مسيرة البشرية بالجماجم.

لا سبيل للعيش المشترك إلا أن نُشْبه الجميع دون أن نكون نسخة مكررة منهم، وألا نسعى للتطابق معهم. نتعلم من كلِّ جميلٍ جمالَه، من كلِّ مضيءٍ ضوءَه، من كلِّ أخلاقي أخلاقَه، من كلِّ مهذبٍ تهذيبَه، من كلِّ يقِظِ الضمير يقظةَ ضميره، من كلِّ إيجابي إيجابيتَه، من كلِّ ناجحٍ نجاحَه، من كلِّ متفوقٍ تفوقَه.

الحقُّ في الاختلاف ضرورةٌ تفرضها طبيعةُ الإنسان، وحاجتُه العميقة للإنجاز والفرادة والتميز. لا إبداعَ بلا موهبةٍ، لا تميزَ بلا فرادةٍ. لا تنمو وتترسخ الموهبةُ والفرادة إلا في مجتمعٍ يكفل حق الاختلاف للإنسان. الجماعاتُ الدينية والعرقية كافةً تناضل من أجل الاعتراف، فن العيش معًا يتطلَّب وعيًا وسعيًا وجهدًا حقيقيًّا من أجل الاعتراف المتبادل بالتنوع والاختلاف.

منطق الفكر الوثوقي على الضد من حق الاختلاف، بوصفه ينشُد التوحيد القسري لأنماط التفكير والتعبير كافةً، ومناهضة التعددية بمختلف تجلِّياتها وتعبيراتها. منطق الفكر الوثوقي ينشأ من شعور المرء بوجود وجهٍ واحدٍ للحقيقة، وطريقٍ خاصٍّ به دون سواه لاكتشافها، وهو ما يسوقه للاعتقاد بامتلاك الحقيقة المطلقة، واستباحة كل فعلٍ عدوانيٍّ ينتهك القيم والأخلاق. من هنا يصبح تأويل النصوص الدينية، في سياق رهانات العصر، ضرورةً تفرضها الحاجة لإلغاء المسافة بين الماضي والحاضر، وتحرير النصوص من الاغتراب التاريخي، ومن إكراهات التأويلات والتفسيرات والشروح التي تطمس ما تكتنزه النصوص الدينية من بؤرٍ مضيئةٍ، ورؤًى ومفاهيمَ ساميةٍ، تُنتج أُلفةً وانسجامًا وتناغمًا بين ما تبوح به وعصرنا.

أحكامُ العقل العملي الأخلاقي أبديةٌ، الحُسنُ والقُبحُ الذاتيان من أحكام العقل الأخلاقي. تطبيقاتُ ومصاديقُ الأخلاق نسبيةٌ، تتغير تبعًا لوعي الإنسان الذي يتغيرُ ويتطور، واحتياجاتِه المتجددة، وأنماطِ عيشه المتحولة.

ينبغي أن نتنبه إلى أن ما نراه اليوم حقًّا، لعل غيرنا يراه ضلالًا، وربما نتخلى عنه نحن غدًا، لو انكشف لنا زيفه؛ لذلك ينبغي ألا نكره أحدًا على الانخراط فيه، ولا نرتكب انتهاكًا لحرية أي كائنٍ بشريٍّ، لنكرهه على ما نراه بالسياط. ينبغي أن نحمل مصباحًا، يضيء للناس ما نراه صراطًا مستقيمًا، لا أن نتحول إلى قضاةٍ ننصبُ محاكمَ لتفتيش ضمائرهم، والتحري عن معتقداتهم.

أدركتُ مبكرًا أن أفكارَ الإنسان كائناتٌ حية، كلُّ كائن حيٍّ لا يتجددُ إلا بموت بعض خلاياه وولادة أخرى. هكذا تظل تنمو وتتجددُ الأفكار ما دام الإنسانُ يقرأ بتأمل، ويفكر بهدوء، ويتعلم من إخفاقاته وأخطاءِ قراراته، ويُنصت لنقد الأذكياء، ويمتلك شجاعةَ الاعتراف بخطأ شيء من أفكاره السابقة، ولا يرى ما يتبناه ويقوله حقائقَ نهائية.

تعلمتُ من الحياةِ أن شيئًا مما كان يراه الناسُ بدعةً أمسِ أضحى سُنَّةً اليوم، وأن شيئًا مما كان يراه الناسُ هرطقةً أمسِ أضحى دينًا اليوم، وأن شيئًا مما كان يراه الناسُ كفرًا أمسِ أضحى إيمانًا اليوم. طالما تحمستُ لأفكار ومقولاتٍ ومواقفَ ثم اكتشفتُ خطأها في محطةٍ لاحقة من حياتي. الموقفُ الأخلاقي يفرضُ علينا مراجعةَ أفكارنا ومقولاتنا ومواقفنا الماضية وغربلتها باستمرار.

١  ورد قول السيِّد المسيح في: متَّى فصل ١٦ آية ٢٦، مرقس فصل ٨ آية ٣٦، لوقا ٢٥/ ٩، قصدي ٩ / ٢٥.
٢  صدر الدين الشيرازي، الأسفار الأربعة، ج٧، ص٧٧، دار إحياء التراث العربي، بيروت، الطبعة الثالثة، ١٩٨١م. هذه العبارة في الأصل لشيخ الإشراق السُّهرَوردي في «كتاب المشارع والمطارحات» بهذا اللفظ: «ومن ضرورة التفاعل تضادٌّ ما، فصَحَّ أنه لولا التضادُّ ما صحَّ دوام الفيض على التجدُّد المستمر، ولم يحصل من النفوس الناطقة المبلغ الغير المتناهي، ولتعطَّل العالم العنصريُّ عن الحياة وبقي على العدم البحت أكثر ما يمكن‏» (راجع: مجموعة مصنفات شيخ الإشراق، طهران، الطبعة الثانية، ١٩٩٣م، ج١، ص٤٦٧).
٣  البِسطامي أبو الفضل محمد بن علي، «النور من كلمات أبي طيفور» في شطحات الصوفية، تحقيق عبد الرحمن بدوي، الكويت، وكالة المطبوعات، ١٩٧٨م، ص٨٥.
٤  السيوطي جلال الدين، الحاوي للفتاوي، «القول الأشبه في حديث: من عرَف نفسه فقد عرَف ربَّه»، بيروت، دار الفكر للطباعة والنشر، ٢٠٠٤م، ص٢٨٨.
٥  النفري، المواقف والمخاطبات، بيروت، دار الجمل، ص٧٥.
٦  ميخائيل، فوزية أسعد، سُورِن كِيركِيغارد أبو الوجودية، تقديم أنور مغيث، القاهرة، المجلس الأعلى للثقافة، ط٢، ٢٠٠٩م، ص١٦.
٧  ابن عربي، تنزُّل الأملاك من عالم الأرواح إلى عالم الأفلاك، تحقيق طه عبد الباقي وزكي عطية، دار الفكر العربي، بيروت، ط١، ١٩٦١م، ص١١٦.
٨  بول ريكور، الذات عينها كآخَر، ترجمة وتقديم وتعليق جورج زيناتي، ط١، ٢٠٠٥م، المنظمة العربية للترجمة، بيروت.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤