مظاهر الفلك
نظر القدماء إلى الشمس والقمر والنجوم كما ينظر إليها عامة الناس الآن فرأوا الشمس جسمًا منيرًا كراحتَي اليد سعة، تطلع صباحًا من الشرق وتغيب مساءً في الغرب، وبين شروقها اليوم وشروقها في الغد يوم كامل نهار وليل، فتقسم الزمان إلى أيام متساوية، ويختلف المكان الذي تشرق منه والمكان الذي تغييب فيه من يوم إلى آخر اختلافًا قليلًا أو كثيرًا فيطول النهار أو الليل بحسب ذلك. وإذا راقبنا المكان الذي تشرق منه والمكان الذي تغيب فيه في فصل الربيع حينما يكون النهار والليل متساويين؛ وجدنا أنها تشرق من الشرق تمامًا وتغيب في الغرب تمامًا، ثم تنحرف شمالًا في شروقها وغروبها، وبعد شهر من الزمان نجد أنها انحرفت كثيرًا فصارت تشرق من مكان يبعد شمالًا عن المكان الذي كانت تشرق منه وتغرب في مكان يبعد شمالًا أيضًا عن المكان الذي كانت تغرب فيه وأن النهار طال والليل قصر، وإذا دُمنا على مراقبتها حتى يصير النهار على أطوله والليل على أقصره وجدنا أنها تكتفي بما تقدمته شمالًا في شروقها وغروبها ثم تجعل ترتدُّ جنوبًا يومًا بعد يوم في الشروق والغروب على أن يعود النهر والليل متساويين، وتتخطَّى ذلك جنوبًا إلى أن يصير النهار على أقصره والليل على أطوله، وتعود فتتقدَّم في شروقها وغروبها شمالًا إلى أن يعود التساوي بين النهار والليل، ثم تتخطَّى ذلك كما تخطَّتْه قَبْلًا إلى أن يصير النهار على أطوله والليل على أقصره، وتكون المدة بين الوقت الذي كان فيه النهار على أطوله أوَّلًا والمدة التي عاد فيها النهار على أطوله ثانيةً نحو ٣٦٥ يومًا، وإذا راقبنا الشمس كذلك زمانًا طويلًا وجدنا أن النهار يعود إلى أطوله والليل إلى أقصره كل نحو ٣٦٥ يومًا بالاطراد، وأن الفصول من صيف وخريف وشتاء وربيع تتكرَّر دوامًا في هذه المدة؛ أي إنَّ الشمس في دورانها الظاهر حول الأرض تُقسِّم الزمان أولًا إلى أقسام متساوية كلُّ قسمٍ منها نهار وليل وهي الأيام، وثانيًا إلى أقسام أخرى متساوية كلُّ قسم منها نحو ٣٦٥ يومًا وهو السنة الشمسية، وفي السنة أربعة فصول مرتبطة بالشمس ولو لم تكن محدودة في عدد أيامها.
والقمر يُماثل الشمس جِرْمًا حسب الظاهر ولكنه أقل منها نورًا ويختلف عنها أيضًا في أنه يكون هلالًا يظهر في المساء فوق الأفق الغربي بُعَيدَ غروب الشمس وينحدر نحو الغرب ويغيب فيه ثم يظهر في المساء الثاني أعلى مما ظهر في المساء الأول، والجزء المنير منه أوسع مما كان في المساء الأول ويزيد بُعْدًا نحو الشرق وإشراقًا ليلة بعد ليلة إلى أن يتكامل ويصير بدرًا كاملًا بعد ١٤ ليلة أو ١٥ ليلة، ويتأخَّر طلوعه من الشرق ليلة بعد أخرى ويتناقص الجزء المنير منه ليلة بعد ليلة إلى أن يعود هلالًا فيطلع في الصباح قبل الشمس ويغيب في المساء بعدها بقليل، والمدة بين الهلال والهلال نحو ٢٩ يومًا ونصف يوم وهي الشهر القمري، فالقمر يحدِّد الزمان ويُقسِّمه إلى شهور قمرية ولكن هذه الشهور لا تُقسِّم السنة قسمة صحيحة كما لا يخفى.
والنجوم تظهر بعدما تغيب الشمس، الكبيرة منها أولًا قُبَيل اشتداد الظلمة ثم الصغيرة عند اشتدادها، وترى كأنها تسير من الشرق إلى الغرب كما يسير القمر ليلًا وكما تسير الشمس نهارًا، فما يكون منها في كبد السماء يغرب نحو نصف الليل وما يكون منها عند الأفق الشرقي يغرب نحو الصباح ولكن ما يكون منها اليوم عند الأفق الشرقي في ساعة معلومة لا يكون هناك بعد ليلة أو ليلتين في تلك الساعة عينها، بل نراه قد تقدَّم قليلًا نحو الغرب، وبعد شهر من الزمان نرى أن تقدمه نحو الغرب بلغ سُدس الفلك؛ أي إنه يقطع السماء كلها من الشرق إلى الغرب في ستة أشهر.
وبعد ستة أشهر أخرى أي بعد سنة كاملة يظهر في السماء في المكان الذي كان فيه في أول تلك السنة، والنجوم كلُّها جارية هذا المجرى كأنها تدور حول الأرض دورتين: دورة كاملة من الشرق إلى الغرب كل نحو أربع وعشرين ساعة، ودورة أخرى كاملة حول الأرض من الشرق إلى الغرب كل سنة، ويُسْتَثْنَى من ذلك خمسة كواكب تُرَى بالعين يتغير مقرُّها بين النجوم من شهر إلى آخر وهي: الزهرة والمشتري والمرِّيخ وزُحَل وعطارد، فإنَّ هذه النجوم ويقال لها: الكواكب السيَّارة والمتحيِّرة، تدور حول الأرض حسب الظاهر كل يوم من الشرق إلى الغرب كما تدور سائر النجوم ولكنها لا تدور حولها دورة كاملة كل سنة بل لها حركات مختلفة كما سيجيء.
وبعض النجوم المنظورة كبير شديد اللمعان كالمشتري والشِّعرى والعيوق والدبران وبعضها صغير جدًّا لا يراه إلَّا حديد البصر، وما بقي بَين بين، وفي السماء أيضًا شيءٌ مضيءٌ كالسحاب يسير سير النجوم من الشرق إلى الغرب وهي المجرَّة أو درب التبان، وقد ظنَّ البعض أنها مؤلَّفة من نجوم صغيرة قبلما ثبت ذلك من رؤيتها بالنظارة.
ومجموع النجوم الذي يكون عند الأفق مدة شهر من الزمان حيث تغيب الشمس أطلق القدماء عليه اسم برج، وقالوا: إن الشمس تغيب في هذا البرج أو ذاك بحسب غيابها في شهور السنة، وكانوا قد قسَّموا السنة إلى اثنَي عشر شهرًا فقالوا: إن البروج اثنا عشر برجًا حسب شهور السنة سمَّوها بأسماء مختلفة وقد جمع بعضهم أسماءها العربية بقوله:
وتوهَّموا لها صورًا تنطبق على هذه الأسماء، فصوَّروا نجوم برج الحَمَل بصورة حَمَل وهو صغير الخرفان، ونجوم برج الثور بشكل ثور، ونجوم برج الجوزاء بشكل ولدين توءمين، ونجوم برج السرطان بصورة سرطان، وهلمَّ جرًّا، والظاهر أنَّ الشمس كانت تغيب في برج الحَمَل في بداءة فصل الربيع حينما قسَّموا هذه النجوم إلى بروج، وقد تغيَّر ذلك الآن بعض التغير كما سيجيء.
وهناك أمور أخرى لا تُرَى كل يوم متعلِّقة بالشمس والقمر والنجوم، فالشمس تُكسَف في بعض السنين فيُظلم وجهها كله أو بعضه، يبتدئ الكسوف من طرف منها وينتهي في طرف آخر ويدوم ساعة أو أكثر أو أقل، والقمر يخسف أحيانًا كثيرة فيظلم وجهه كله أو بعضه، وقلَّما تمضي ليلة ولا ترى فيها نجوم تسقط من السماء وتضيء قليلًا ثم تختفي، وقد تتساقط نجوم كثيرة جدًّا في ليلة واحدة، ويظهر في السماء أحيانًا نجم له ذَنَب طويل أو قصير يُقيم أيامًا أو شهورًا يظهر كل ليلة بين النجوم ويغيب معها، ولكن محله بينها ينتقل من مكان إلى آخر إلى أن يختفي تمامًا، وقد رأى الناس ذلك كله من قديم الزمان ولا يزال عامتهم وخاصتهم يرونه الآن كما رآه أسلافهم، وجمهورهم لا يهتمُّ بما يرى ولا ينتبه لما فيه من الغرابة أو الدلالة، ولكن بعض الخاصة انتبه إلى ما رأى فقاس السنة من حركة الشمس كما تقدَّم، فرأى أنها ٣٦٥ يومًا ونحو ربع يوم، وقاس الشهر القمري من سير القمر ورأى أن القمر لا يُخسَف إلا إذا كان بدرًا والشمس لا تُكسَف إلا في آخر الشهر القمري، وأنَّ كلَّ كسوف وكل خسوف يتكرَّر بعد ١٨ سنة وعشرة أيام ونحو ثلثي يوم، وأن فصول السنة تابعة للجهة التي تُشرق منها الشمس وكذا طول النهار وطول الليل وقِصَرُهما.