بعض ملابسات النجوم
النجوم الملونة
إذا راقبنا السماء في ليلة ليلاء وكانت صافية الأديم لا سحاب فيها ولا ضباب، ظهرت نجومها متألِّقة كالمصابيح الكهربائية ونور أكثرها أبيض ناصع البياض، ولكن بعضها ضارب إلى الحُمْرة كالمريخ وقلب العقرب، وبعضها ضارب إلى الزُّرْقة كالنسر الواقع، والظاهر أن لون بعض النجوم غير ثابت، فقد قال بطليموس وغيره من الأقدمين إن لون الشِّعْرى أحمر، ولكن الصوفي لم يذكرها بين النجوم الحمراء كأنَّ حمرتها كانت قد زالت في عهده، ولونها الآن أبيض ضارب إلى الزرقة، وعَدَّ لالند ٣٣ نجمًا من النجوم الحمراء سنة ١٨٠٥ وشلروب ٢٨٠ نجمًا سنة ١٨٦٦، وفي زيج برمنهام الذي طُبِعَ سنة ١٨٧٦ أن النجوم الحمراء ٦٥٨ نجمًا وفي طبعة سنة ١٨٨٨ أن عددها أكثر من مضاعف ما كان في الطبعة الأولى.
النجوم المزدوجة
في ذَنَب الدب الأكبر ثلاثة نجوم كبيرة، والعرب تُسمِّي النجم الأوسط منها العناق، وتقول إنَّ فوقه نجمًا صغيرًا ملاصقًا له تسميه السها وهو الذي يمتحن الناس أبصارهم به، وفي المثل أريها السها فتريني القمر، فهذا النجم الصغير مع النجم الكبير الملاصق له هما أول نجم قيل إنه مزدوج، والنجوم المزدوجة كثيرة جدًّا تُعَدُّ بالملايين ولكنها لا تُرَى مزدوجة إلا بالنظارات الكبيرة أو بالسبكتروسكوب الذي يحلُّ النور، فيظهر فيه كون النجم مفردًا أو مزدوجًا ولو لم يُرَ مزدوجًا بأقوى النظارات لبُعْدِه الشاسع، والسبكتروسكوب يرى النجوم المزدوجة متحرِّكة بعضها حول بعض إذا كانت كذلك.
وقد قُسِّمت النجوم المزدوجة إلى قسمين كبيرين: الأول ما بين قسميه ارتباط كالارتباط بين الأرض والقمر أو بين الشمس وسياراتها، والثاني ما لا ارتباط بينهما وإنما يظهران كنجم واحد مزدوج؛ لأن أحدهما واقع في خطِّ النظر الذي فيه الآخر فتراهما العين كنجم واحد مع أن كلًّا منهما قد يكون بعيدًا عن الآخر ملايين كثيرة من الأميال، والرابط بين النوع الأول من النجوم المزدوجة هو الجاذبية؛ ولذلك يدور أحد النجمين حول الآخر أو يدور كلاهما حول مركز واحد مشترَك بينهما وهو الأكثر، ويظنُّ البعض أنَّ كل النجوم المزدوجة من النوع الأول.
وقد ثبت من رصد النجوم بالنظارات أنَّ أكثر النجوم الكبيرة مزدوج كالعيوق والشِّعْرَى العبور والشعرى الغميضاء والجَدْي؛ أي نجم القطب، وأنَّ نحو خمسة في المائة من النجوم الصغيرة مزدوج أيضًا، وكلٌّ من النجمين اللذين يريان نجمًا واحدًا قد يكون مؤلَّفًا من نجمين أو أكثر، فنجم القطب يُرَى بالعين نجمًا واحدًا ويظهر بالتلسكوب أنه مؤلَّفٌ أولًا من نجمين: أحدهما كبير من القدر الثاني والآخر صغير من القدر التاسع، والكبير منهما ضارب إلى الصُّفْرة والصغير أبيض، وإذا حلَّ نوره بالسبكتروسكوب ظهر أنه ليس نجمًا واحدًا بل ثلاثة أنجم متقاربة جدًّا ولا تُرَى منفصلة ولا بالتلسكوب لشدَّة قربها بعضها من بعض على بُعْدِهَا الشاسع، وهذه النجوم الثلاثة يدور بعضها حول بعض.
والعناق المذكور آنفًا ليس نجمًا وحدًا بل نجمان: أحدهما أبيض والآخر ضارب إلى الخُضْرَة والبُعْد بينهما شاسع جدًّا حتى لو وَقَفْنَا في أحدهما لرأينا الآخر صغيرًا كنقطة في السماء مع أنَّ كلَّ واحد منهما شمس أكبر من شمسنا، ويدور كلٌّ منهما حول الآخر دورة كاملة كل نحو عشرين يومًا.
وعلى مقربة من النسر الواقع في كوكبة الشلياق نجم صغير تسمِّيه العرب الأظفار، وهو مزدوج حتى لقد يُرَى مزدوجًا بالعين المجردة وإذا نظرنا إليه بالتلسكوب رأينا كل واحد من نجميه مزدوجًا أيضًا.
والعيوق يُرَى بالعين مفردًا لكن السبكرتوسكوب يظهره مزدوجًا ونور أحد نجميه مضاعف نور الآخر، والشِّعْرى العبور مزدوجة أحد نجميها كبير والآخر صغير من القدر العاشر وهو يدور حول الكبير دورة كاملة كل نحو خمسين سنة، وبُعْدُه عنه كبُعْدِ السيَّار أورانوس عن الشمس، والناظر إليه من الشِّعْرَى يراه كما نرى القمر من الأرض، والظاهر أن نوره ذاتي، والشِّعْرى الغميضاء مزدوجة أيضًا وتابعها يدور حولها دورة كل أربعين سنة ولا يزال في الحالة السديمية.
وفي كوكبة ذات الكرسي نجم صغير يظهر بالتلسكوب أنه مؤلَّفٌ من نجمين يدوران حول مركز واحد دورة كل ٢٠٠ سنة وهما من أقرب النجوم إلينا؛ لأن بُعْدَهما عنا نحو تسع سنوات نورية؛ أي إنهما أقرب قليلًا من الشِّعْرَى.
وأحد نجمَي الذراع المبسوطة في التوءمين مؤلَّف من نجمين أحدهما أقل إشراقًا من الآخر، وهو مؤلَّف من نجمين أيضًا أحدهما يدور حول الآخر كل ثلاثة أيام، والمشرق منهما مؤلَّف من نجمين أيضًا أحدهما يدور حول الآخر كل تسعة أيام، فما نراه نجمًا واحدًا هو في الحقيقة ستة أنجم، والنجم الأنور من كل كوكبة قنطورس وهو أقرب النجوم الثوابت إلى الأرض مؤلَّف من نجمين يدور كلٌّ منهما حول الآخر مرة كل نحو ٨١ سنة.
النجوم المجتمعة
وفي السماء نحو ١٠٠ بقعة منيرة كلٌّ منها كالقمر سعة أو أصغر، وإذا نُظر إليها بالتلسكوب ظهر أنها مؤلَّفة من نجوم كثيرة صغيرة من القدر الثاني عشر إلى السادس عشر، ولا يُعْلَم هل هي نجوم صغيرة فعلًا أو بعيدة جدًّا فتظهر صغيرة لبُعْدِها الشاسع، ومن أوضحها مجتمع الجائي وفيه أكثر من ٥٠٠٠ نجم يُرَى في الليلة الظلماء الخالية من السحاب والضباب كلطخة مبيضة في السماء، وفي كوكبة ممسك الأعنَّة والفرس الأكبر والسلاقي والجبار وقنطورس مجتمعات أخرى وفي مجتمع قنطورس أكثر من ٦٠٠٠ نجم.
ومما يجري هذا المَجْرَى الثريَّا والقلاص، وكلٌّ منهما مجتمع من النجوم الصغيرة في برج الثور، لكن نجوم الثريَّا تظهر أكبر من نجوم القلاص وإذا صُوِّرَت صورًا فوتوغرافية كبيرة ظهر حول نجومها الكبيرة مادة سديمية كالضباب المنير كما ترى في الرسم المقابل.
النجوم المتغيِّرة
رصد بعض العلماء النجوم من قديم الزمان وعيَّنوا مواقعها وأقدارها، وقد تقدَّم أن مواقع بعضها تغيَّر فثبت من ذلك أنها متحرِّكة، وثبت أيضًا أنَّ أقدار بعضها تغيَّر أيضًا، ولا نريد بذلك أنَّ نجمًا كبير الحجم صار صغيره أو صغير الحجم صار كبيره؛ لأن القدماء ما وصلوا إلى قياس حجم النجوم، والمدة التي مرَّت من حين قيست أحجام بعض النجوم إلى الآن لا تكفي لإظهار فرق فيها إذا كان الحجم يتغيَّر، ولكن القدر الظاهر قد يتغيَّر بقلة إشراق النجم أو بزيادة إشراقه، والنجوم التي تغيَّر قدرها الظاهر كذلك هي النجوم المتغيِّرة، وقد عُرِفَ منها حتى الآن أكثر من ٤٠٠٠ نجم وبعضها يتغيَّر تغيرًا قياسيًّا؛ أي يزيد إشراقه ويقلُّ في أوقات محدودة، وبعضها يتغيَّر تغيرًا غير قياسي والتي تتغير تغيرًا قياسيًّا تختلف مدتها من ٣ ساعات و١٢ دقيقة وهي الأقصر إلى ٦١٠ أيام وهي الأطول.
فمن طويلة المدة نجم في كوكبة قيطس انتُبه لتغيره سنة ١٥٩٥ ينتقل من القدر الثاني إلى التاسع في نحو ٣٣٣ يومًا وعُرِفَ حديثًا بالسبكتروسكوب أنه يحدث تغيُّر دوري في جسم هذا النجم.
وقصيرة المدة أشهرها الغول يكون بين القدر الثاني والثالث، وفي يومين وعشرين ساعة و٤٩ دقيقة يقلُّ نوره حتى يصير بين القدر الثالث والرابع والمدة التي يبقى فيها ضعيف النور تبلغ ٩ ساعات و١٥ دقيقة، وقد ظنَّ من أول الأمر أنَّ ضعف نوره حادث من نجم آخر مظلم يمرُّ أمامه فيكسف بعض نوره، ثم ثبت ذلك بالرصد وعُلِمَ أن القُطر الغول ١٠٠٠٠٠٠ ميل، وقُطر النجم المظلم الذي يكسفه ٨٣٠٠٠٠ ميل، والبُعْدُ بين مركزيهما نحو ٣٠٠٠٠٠٠ ميل، وقد عُرِفَ حتى سنة ١٩٠٧ نحو ٥٦ نجمًا تتغيَّر مثل الغول وكلها مزدوجة.
النجوم الوقتية والجديدة
ومن يوليو سنة ١٩١٧ إلى آخر سنة ١٩١٩ بلغ عدد النجوم الجديدة التي رُئيت بالعين أو بالتلسكوب ١٧ خمسة عشر منها في سُدُم لولبية وأحد عشر من هذه السبعة عشر في سديم المرأة المُسلسلة.
ويظهر مما تقدَّم أن النجوم الجديدة محصورة في المجرَّة، وفي السُّدُم اللولبية مما يحمل على الظن أن كل سديم من هذه السُّدُم عالم كالمجرَّة التي عالمنا منها؛ لأن النظام الشمسي من نجومها ويبلغ عدد هذه السُّدُم اللولبية نحو ٧٥٠ ألف سديم، فإن كان كلٌّ منها عالمًا مثل المجرَّة التي منها شمسنا وسياراتها فما أعظم قدرة مكوِّن هذا الكون وما أعجب حكمته.
ثم أسهب الأب كورني في وصف طيف النجوم الجديدة ما يظهر فيه من الخطوط بالسبكتروسكوب ودلالتها على عناصر كل نجم منها، والسديم الذي يحيط به وكونه مقتربًا منا أو مبتعدًا عنا حسب طول أمواج النور والواصل منه إلينا وما فيه من العناصر، ودرجة حموها وحركات السُّحُب السديمية المتصلة به التي تبلغ سرعتها أحيانًا ٢٨٠٠ ميل في الثانية من الزمان إلى غير ذلك مما يُسْتَدَلُّ منه على وجود علاقة تامَّة بين النجوم الجديدة والسُّدُم واستطرد إلى آراء العلماء في كيفية تولُّد هذه النجوم مما لا يخرج عما نشرناه غير مرَّة في هذا الموضوع، ويظهر من مقاله أنه هو نفسه من الباحثين في هذا الموضوع بحثًا علميًّا، ولعله قال مرارًا كما يقول أكثر الباحثين في أعمال الله أي شيء هو الإنسان حتى تعرفه وابن الإنسان حتى تفتكر به.
وقال الأستاذ هنري رسل في السينتفك أمريكان أنه يستنتج من رصد النجوم الجديدة أن أشدَّها إشراقًا يظهر في أنحاء المجرَّة على السواء؛ أي لا يظهر في جهة أكثر مما يظهر في أخرى، والنجوم الجديدة القليلة الإشراق أكثرها يظهر في النصف الواحد من المجرَّة الذي يمتدُّ من كوكبة الدجاجة، فالنسر الطائر فالرامي إلى قنطورس، وأمَّا النصف الآخر الذي يحوي ذات الكرسي وممسك الأعنَّة والجبار فلا يظهر فيه إلا القليل منها، وأكثرها يظهر في الرامي حيث السحب الكبيرة من النجوم ويمكن تعليل ذلك بأنَّ عالم النجوم الذي أرضنا منه مركزة يبعد عن الشمس مسافة ٥٠٠٠٠ سنة نورية أو أكثر وهو في جهة برج الرامي، ومن هناك تمتدُّ المجرَّة ٢٠٠٠٠٠ سنة نورية، وأمَّا امتدادها في الجهة المقابلة فأقل من ذلك كثيرًا، وكلُّ نجمٍ من النجوم الجديدة الشديدة الإشراق يزيد نوره على نور عشرة آلاف شمس مثل شمسنا، وأقرب هذه النجوم منا لا يصل النور منه إلينا إلا في مئات كثيرة من السنين، أمَّا النجوم الجديدة التي نراها قليلة الإشراق فإذا كان إشراقها الأصلي مثل كثيرة الإشراق فهي أبعد منها عنا خمسين ضعفًا أو أكثر، فلا يصل النور منها إلينا في أقل من ١٠٠٠٠٠ سنة، ولا نرى بالعين إلا واحدًا في المائة من النجوم الجديدة وباقيها يظهر في الصور الفوتوغرافية التي تصور بها النجوم، وإذا ظهر من النجوم الجديدة ١٥٠٠ نجم كل مائة سنة، وحَسْبُنا أن الأحياء ظهرت على الأرض في العصور الجيولوجية منذ مائة مليون سنة، فعددُ النجوم الجديدة من حيث ابتدأت الأحياء تُظْهِرُ على الأرض إلى الآن لا يقلُّ عن ١٥٠٠ مليون نجم مما هو فوق القدر العاشر.
والمُرجَّح أنَّ عدد النجوم التي تُرَى في الجانب الظاهر لنا من الكون أقل من ذلك، وعليه فكلُّ نجم منها قد أصابه ما يصيب النجوم الجديدة من الانفجار ولو مرة واحدة مدة العصور الجيولوجية، فلو أصاب شمسنا شيء من ذلك لهلكت كلُّ الأحياء الأرضية من شدة الحرارة، ومن المؤكَّد أنه لم يحدث في الأرض شيء من هذا منذ الدور الجيولوجي الذي قبل الكمبري أو منذ ابتدأت الأحياء تظهر على الأرض، فهل شمسنا ممتازة على غيرها من الشموس، والجواب: كلا، بل هي مثل ملايين غيرها ولكن تعلَّل نجاتها من الانفجار كل هذه السنين بما وَجَدَه العالم لندمرك وهو أنَّ للنجوم الجديدة مواقع محدودة على حدود البقع المظلمة التي يظنُّ أنها مجاميع من الغبار العالمي، وأنَّ انفجار النجوم ناتج من اصطدامها بهذه المجاميع، فالنجوم البعيدة عن هذه المجاميع قلَّما يحتمل أن تنفجر وتظهر كأنها نجوم جديدة وشمسنا من هذا القبيل على ما يظهر.