في السديم
فالسديم اللولبي قرص تحيط به أذرع معكوفة عليه أو دوائر تحيط به كأنه إسفنجة ملئت ماءً، وأديرت على نفسها فخرج منها الماء بقوة التباعد عن المركز، ودار حولها قبلما ابتعد عنها، وله شأن كبير في علم الفلك إذ يظنُّ أن النظام الشمسي كان سديمًا مثل هذا، فانفصلت أجزاء منه تكوَّنت منها السيَّارات وبقيت بقيته فتكوَّنت منها الشمس كما سيجيء.
وأول مَنْ رأى السديم اللولبي لورد روس، وذلك بنظَّارته الكبيرة التي قُطْرُ مرآتها ست أقدام، وسديم المرأة المسلسلة أكبر السدام اللولبية؛ لأنه يمتدُّ نحو درجة وهو الذي ذكره الصوفي باسم اللطخة السحابية، ويُرَى بالعين المجردة في الليالي الصافية إذا لم يكن القمر مضيئًا.
والسدام اللولبية بيضاء النور ونورها ضارب إلى الزُّرقة وهي أكثر أشكال السدام عددًا، فقد قدَّر الأستاذ كيلر عدد ما يرى منها بنظارة مرصد لك مائة وعشرين ألفًا، وأوصل الأستاذ بيرن هذا العدد إلى خمسمائة ألف، ومن رأيه أنه قد يرى منها أكثر من مليون سديم إذا زادت آلات التصوير إتقانًا ولكن أكثرها صغير جدًّا لبُعْدِهِ الشاسع.
والسديم المستدير صغير جدًّا إذا نظر إليه بالتلسكوب ظهر كأحد السيَّارات، وواحد منه سائر في الفضاء نحو الأرض بسرعة بين ثلاثين ميلًا وأربعين ميلًا في الثانية من الزمان، فيقطع في السنة أكثر من مائة مليون ميل، فهل هو غاز لطيف لا خوف منه؟ وكيف يتأتَّى للغاز أن يسير بهذه السرعة ويحفظ قوامه أو الفضاء الذي هو جارٍ فيه خالٍ من كل مادة يحتمل أن تعوق سيره؟
والسدام غير المنتظمة ليس لها شكل قياسي مخصوص أشهرها سديم الجبار ومركزه وسط سيف الجبار، وهو يُماثل سديم المرأة المسلسلة حجمًا ويظهر بالسبكتروسكوب أنه غاز ملتهب، وفي برج الرامي سديم مثلث الأجزاء يخرج من قلبه ثلاثة خطوط مظلمة تقسمه إلى ثلاثة أجزاء، وفي شعر برنيكي أكثر من مائة سديم مجتمعة معًا في بقعة لا تزيد سعتها على وجه القمر.
ويظهر من البحث بالسبكتروسكوب أنَّ مادة السديم اللولبي باردة نوعًا؛ ولذلك يكون نوره أبيض، وأمَّا السديم الذي نوره ضارب إلى الخضرة فغاز كله، وفيه آثار العنصر المسمَّى كروميوم وهو موجود أيضًا في إكليل الشمس.
يظهر مما تقدَّم أن بين الأجرام السماوية لطخًا سحابية منيرة وهي السِّدام على أنواعها وعناصرها مثل عناصر الشموس والسيَّارات والأقمار، وطيوف الأجرام السماوية كلها متدرِّجة من البسيط في السدام إلى المركَّب في الشموس والسيَّارات، أفلا يحقُّ لنا إذن أن نستنتج أنَّ هذه الأجرام يتولَّد بعضها من بعض؟ وأبسطها السدام وبعدها الأجرام المركَّبة الملتهبة كالشموس ثم الجامدة الباردة كالأرض والمريخ، ويستحيل على الإنسان أن يثبت ذلك بالمشاهدة؛ لأن سنيَّه قليلة وهذا التولُّد يقتضي ملايين الملايين من السنين، ولكن ما تتعذَّر رؤيته بالعين لا يتعذَّر على العقل استنتاجه وهنا يتصل بنا البحث إلى آراء العلماء في تكوُّن أجرام السماء.