الكسوف والخسوف
أبَنَّا في الفصول السابقة أنَّ الشمس والقمر والكواكب السيَّارة وغير السيَّارة ليست على بُعْدٍ واحد من الأرض بل بعضها بعيد عنا بُعْدًا شاسعًا جدًّا حتى لا يصل النور منها إلينا على سرعتهِ الفائقة إلا بعد السنين الطوال، وبعضها قريب منا إذا قوبل بُعْدهُ عنا بتلك الأبعاد الشاسعة، وإذا كانت الحال كذلك فيحتمل أن يمرَّ جِرْم منها أمام جِرْم أبعد منهُ؛ أي بيننا وبينهُ فيحجبهُ عن نظرنا وهذا هو الواقع، ويظهر ذلك على أوضحهِ في كسوف الشمس بواسطة القمر فإنهُ أقرب منها إلينا، فإذا اتَّفق أنْ مرَّ بيننا وبينها تمامًا غطَّى وجههُ وجهها؛ أي حَجَبَها عن نظرنا أو أبقى حلقة منيرة حوله وهو أصغر منها كما تقدَّم لكنهُ أقرب وتكاد تكون نسبة بعدها إلى بعدهِ كنسبة سعتها إلى سعتهِ فيَظْهران لنا كأنهما متساويان سعة.
وإذا اتَّفق مرور القمر بيننا وبين الشمس تمامًا فالذين منا في المكان المقابل لمركز القمر ومركز الشمس يرون القمر عند تكامل الكسوف قد غطَّى وجه الشمس كلهُ وهو الكسوف الكلي أو يرونهُ قد غطَّى وجه الشمس كلهُ وترك حلقة ضيقة حولهُ؛ لأن الشمس كانت حينئذٍ في أقرب بعدها منا فيرى وجهها أوسع من وجههِ وهو الكسوف الحلقي، وقبل تكامل هذا الكسوف وذاك ترى القمر يمرُّ على وجه الشمس رويدًا وريدًا، وبعد تكامل الكسوف يأخذ القمر ينجلي عن وجه الشمس رويدًا رويدًا إلى أن يتمَّ الانجلاءُ، أمَّا إذا لم يكن مشاهد الكسوف مقيمًا حيث يظهر لهُ مركز القمر ومركز الشمس في خط واحد عند تمام الكسوف فإنه لا يرى كسوفًا كليًّا ولا حلقيًّا بل يرى كسوفًا جزئيًّا؛ أي يرى أن قرص القمر مرَّ أمام جانب من قرص الشمس لا أمامهُ كله.
حدث هذا الكسوف في الثلاثين من أغسطس سنة ١٩٠٥ وظهر كليًّا في أسوان، فأتى علماءُ الفلك لرصدِهِ من روسيا وأمريكا وإنكلترا، ووصفنا ما شاهدوهُ في مقتطف أكتوبر سنة ١٩٠٥، صفحة ٨٤٦ وصفحة ٨٤٥، وقد شاهدناه في القاهرة ولم يكن فيها كليًّا بل كان قريبًا من الكلي فابتدأ الساعة ٣ والدقيقة ٩ بعد الظهر، ولمَّا بلغ أعظمه بقي من الشمس هلال دقيق كالقمر وهو ابن ثلاث ليالٍ ولكن نورها بقي ساطعًا لا تحتمل العين النظر إليها من غير زجاجة مدخنة، وبقيت الغربان والحدآن محلِّقة في الجو على جاري عادتها ولكن العصافير الصغيرة سكنت.
أما في أسوان فحدثت المماسَّة الأولى الساعة ٣ والدقيقة ٢٦ وانحجب وجه الشمس كلهُ الساعة ٤ والدقيقة ٣٦ وبقي محجوبًا دقيقتين و٢٤ ثانية، وظهرت نجوم كثيرة ولا سيَّما المرِّيخ وكان إكليل الشمس واضحًا جدًّا، والمشاعل كبيرة في مناطق الكلف والغربية منها أقصر من الشرقية، وطول أطولها مضاعف قُطْر الشمس، وظهرت مشاعل كثيرة ناتئة من قطبَي الشمس الشمالي والجنوبي.
والأماكن التي يظهر فيها كسوف الشمس كليًّا ضيقة لا يزيد اتساعها على ١٦٥ ميلًا، والغالب أنهُ أقل من ذلك كثيرًا وعلى جانبيها إلى بعد ألفَي ميل يُرى الكسوف جزئيًّا، ومدة الكسوف الكلي في المكان الواحد قصيرة لا تزيد على خمس دقائق.
وأكثر ما يحدث في السنة الواحدة خمسة كسوفات وخسوفان أو أربعة كسوفات وثلاثة خسوفات، وأقل ما يحدث في السنة كسوفان ولكن قد لا يحدث فيها خسوف ما.
وأبهج المناظر التي تُرَى بالنظَّارات الفلكية منظر الكسوف الكلي حينما يتكامل، فإنهُ يظهر حينئذٍ حول الشمس أشعَّة من نور لؤلئي وألسنة من نار حمراء لم تكن تُرى من قبل؛ لأن نور الشمس الساطع كان يمنعنا من رؤيتها فلمَّا توسَّط القمر بيننا وبين الشمس وحجب نورها عنا بانت هذه الألسنة ببهائها، وقد أَطْلَقَ عليها العلماء اسم الإكليل الشمسي وعلى ألسنة النار اسم الكروموسفير.
وليس بين الحوادث السماوية ما هو أوقع في النفس من منظر الخسوف والكسوف ولا سيما منظر الثاني إذا كان كليًّا، فأظلم بهِ الجو وانتقل الناس في دقائق قليلة من النهار إلى ما يشبه الليل.
وقد تقدَّم أن فلك الزهرة ضمن فلك الأرض؛ أي إنه أقرب إلى الشمس من فلك الأرض؛ ولذلك يتفق أن تمرَّ الزهرة بيننا وبين الشمس تمامًا فتُرَى كنقطة سوداء جارية على وجه الشمس وما يصدق على الزهرة من هذا القبيل يصدق على السيار عطارد، ولا بدَّ لرؤية مرورهما من الاستعانة بزجاجة مدخنة تحجب أكثر أشعة الشمس لئلا تؤذي العين.
ومن الأجرام السماوية التي يحجب بعضها بعضًا المشتري وأقمارهُ، فإن لهُ أقمارًا صغيرة تدور حولهُ فإذا اتَّفق أنْ مرَّ قمرٌ منها وراءهُ بالنسبة إلينا رأيناهُ يختفي ثم يظهر بعد هنيهة؛ أي حينما يجتاز وراءَ جِرْم السيار.
إلا أنَّ خسوف القمر ليس من هذا القبيل؛ لأنهُ لا يُخسف بمرور جِرْم سماوي بيننا وبينهُ بل بوقوع ظلِّ الأرض عليهِ؛ لأن نورهُ مستمدٌّ من الشمس فإذا حُجب عنهُ أظلم، وظلُّ الأرض لا يمتد وراءَها إلا نحو مليون ميل ولا يوجد على هذا البُعْدِ القليل جِرْم سماوي ليُخْسَف بهِ غير القمر فإذا وقع هذا الظل عليهِ خَسَفَهُ ولكنهُ لا يظلم تمامًا إلا نادرًا؛ لأن هواءَ الأرض يكسر أشعة نور الشمس بما فيه من البخار فيستنير بهِ وجه القمر بعض الشيء ولكن إن كان جوُّ الأرض مغطًّى بالغيوم حُجِبَ القمر تمامًا ولو كان فلك القمر موازيًا لفلك الأرض؛ أي لو كانت الدائرة التي يدور فيها القمر حول الأرض موازية للدائرة التي تدور فيها الأرض حول الشمس لوقع ظلُّ الأرض على القمر وخسفهُ في منتصف كل شهر قمري، ولكن الفلك الواحد مائل على الفلك الآخر فيتَّفق أن يقع ظلُّ الأرض على القمر ويتَّفق ألا يقع عليهِ فإذا وقع عليهِ خسفهُ وإلا فلا، وإذا وقع عليهِ فإما أن يشمله كلهُ وهو الخسوف الكلي وإمَّا أن يشمل بعضهُ وهو الخسوف الجزئي.
ولقد كان للإنباءِ بالأوقات التي يقع فيها كسوف الشمس وخسوف القمر شأن كبير دائمًا، وكان القدماءُ يكتفون بما استدلوا عليهِ بالاستقراء من تكرار الكسوفات والخسوفات كل ثماني عشرة سنة وبعض سنة، أما المتأخِّرون فصاروا يحسبون لذلك حسابات دقيقة جدًّا تصدق إلى حدِّ الدقيقة والثانية، ومما حسبوه من كسوفات الشمس الكلية في السنوات الأربع التالية ما يأتي:
سنة ١٩٢٥ | ٢٤ يناير | يظهر كليًّا في الولايات المتحدة الأمريكية. |
سنة ١٩٢٦ | ١٤ يناير | يظهر كليًّا في شرقي أفريقية وصومطرة وجزائر الفيلبين. |
سنة ١٩٢٧ | ٢٩ يونيو | يظهر كليًّا في بلاد الإنكليز واسكتلندا وأسوج ونروج. |