البروج
نبذة تاريخية لغوية
لا يخفى أن الزمن تقسمه الشمس بدورانها الظاهر حول الأرض إلى أقسام متساوية وهي الأيام، وتقسمه أيضًا إلى سنوات متساوية كلٌّ منها ٣٦٥ يومًا وبعض يوم، وقد انتبه الكلدانيون من قديم الزمان إلى أن القمر يهلُّ ١٢ مرة في السنة في أوقات متساوية، فقسَّموا السنة إلى اثنَي عشر شهرًا قمرية ولكنهم رأوا أنَّ الشهور القمرية الاثنَي عشر لا تتمُّ السنة كلها بل يبقى منها نحو ١١ يومًا، وأنها إنما تتمُّ السنة إذا كان في كل منها ٣٠ يومًا وبضع ساعات، فعادوا إلى الشمس ليقسموا السنة بها إلى شهور تملأ السنة، وكانوا قد انتبهوا إلى أن موقع الشمس بين الكواكب يتغيَّر من يوم إلى آخر مدة السنة ثم يعود في بداءة السنة التالية كما كان في بداءة التي قبلها وهلمَّ جرًّا، كأنَّها تنتقل في منطقة من الكواكب على مدار السنة، أو كأن تلك المنطقة تدور حول الأرض دورة كاملة كل سنة، فقسَّموا نجومها ١٢ قسمًا متساويًا سمَّوها منازل، فكلُّ قسم منها يقابل ثلاثين يومًا وسمَّوها بأسماء أكثرها من أسماء الحيوانات، ووصل هذا التقسيم وهذه الأسماء إلى اليونان فالسريان فالعرب، والظاهر أنه لمَّا تمَّ هذا التقسيم واشتهر كانت الشمس تغيب في الشهر الأول من السنة، وهو نيسان (أبريل) بدء الاعتدال الربيعي في برج الحمل، فجُعِلَ الحمل أول برج من دائرة البروج.
واسم البرج في اللغة البابلية منزلت فلمَّا انتقل هذا التقسيم إلى اليونان سموا البرج دودكانيموريا (أي جزءًا من اثنَي عشر) كما ورد في كلام أفلاطون، لكن أرسطوطاليس سمَّى البروج بما معناه دائرة الحيوانات الصغيرة أو الدائرة الحيوانية كأنه رأى هذه الدائرة مصوَّرة أو عَرَفَ أسماءها، وسمَّاها العبرانيون في التوراة متسلوث نقلًا عن اللغة البابلية، والظاهر أنَّ اليونان استعملوا أيضًا كلمة برجُس للمنزلة من دائرة البروج فعرَّبها السريان بكلمة برج، ومنها نُقِلَتْ إلى العربية كما أثبته العالم فرنكل الألماني.
وقد جمع الشيخ ناصيف اليازجي أسماء البروج في الأبيات التالية حسب ترتيبها:
الحَمَل Aries
ذكره يودكسوس في القرن الرابع قبل المسيح وأراتوس في القرن الثالث، وعيَّن بطليموس في المجسطي مواقع ١٨ كوكبًا من كواكبه ونقل كتَّاب العرب ذلك عنه، وقالوا إن فيه ١٣ كوكبًا في الصورة، وخمسة خارجها، وأنَّ مقدم صورة الحمل إلى المغرب ومؤخره إلى المشرق ووجهه إلى ظهره، والنيِّران اللذان على قرنه يسمَّيان الشرطين، والنيِّر الخارج عن الصورة يسمَّى الناطح، واللذان على الإلية مع الذي على الفخذ وهي على مثلث متساوي الأضلاع تسمَّى البطين، وأن العرب جعلت بطن الحَمَل منزلًا للقمر كبطن السمكة وسمته البطين.
وفي خرافات اليونان أن نفيلي أم فركسُس وهيلي أعطت ابنها حَمَلًا جزته ذهبية، فهرب فركسس وهيلي على ظهر الحَمَل من وجه هيرا زوجة أبيهما ووصلا إلى البحر وحاولا عبوره، فوقعت هيلي عن ظهره وغرقت في المكان الذي سمِّي هيليسبنط، ودخل فركس إلى كولشس وضحَّى بالحمل للمعبود زفس وقرَّب له الجزة الذهبية، فنقل زفس الحمل إلى السماء ووضعه بين الكواكب.
وكانت الشمس تغيب في برج الحمل منذ نحو ٢٢٠٠ سنة، أمَّا الآن فتغيب في برج الثور؛ بسبب ما يسمَّى بمبادرة الاعتدالين وهو نحم خمسين ثانية في السنة.
الثورة Taurus
انتبه الناس إلى كواكب هذا البرج من قديم الزمان، فإن الثريَّا مذكورة في التوراة، والدبران مذكور في إشعار هسيود وهوميروس؛ أي منذ القرن الثامن قبل المسيح. وذكر بطليموس ٤٤ نجمًا من نجومه، وقال الصوفي والقزويني إنَّ صورته صورة ثورة مُؤخِّره إلى المغرب، ومُقدمه إلى المشرق وليس لهُ كفل ولا رِجْلان، رأسه ملتفت على جنبه وقرناه إلى ناحية المشرق وكواكبه اثنان وثلاثون من الصورة سوى النير الذي على طرف قرنه الشمال، فإنه على الرِّجْل اليمنى من ممسك الأعنة مشترك بينهما، والخارج من الصورة أحد عشر كوكبًا، والنيِّر الأحمر العظيم الذي على عينه الجنوبية يسمى الدبران وعين الثور وتالي النجم وحادي النجم والفنيق وهو الجمل الضخم والتي حواليه من الكواكب القلاص، وهي صغار النوق والكواكب التي على كاهله الثريَّا وهي كوكبان نيِّران في خلالهما ثلاثة كواكب صارت مجتمعة متقاربة كعنقود العنب؛ ولذلك جعلوها بمنزلة كوكب واحد وسمَّوها النجم، وتسمِّي العرب الاثنين المتقاربين على الأذنين الكلبين، ويزعمون أنهما كلبا الدبران وتتشاءم الدبران وتقول: أشأم من حادي النجم، ويزعمون أنهم لا يمُطَرون بنَوءِ الدبران إلا وسنتهم مجدبة، وعدَّ هفليوس ٥١ كوكبًا في الثور، ويُقال الآن إن فيه ١٤١ كوكبًا ظاهرًا.
والنجم الثالث في الثور يُسمَّى الغول وهو مُتغير يكون أحيانًا بين القدر الثالث والرابع وأحيانًا بين الرابع والخامس.
وفي خرافات اليونان أنَّ هذا هو الثور الذي حمل أوروبا وعبر بها البحر إلى كريت فأصعده زفس إلى السماء ووضعه بين الكواكب.
التوءمان أو الجوزاء Gemini
ذكره يودكسوس وأراتوس، وقال بطليموس: إنَّ فيه ٢٥ نجمًا وأوصلها هفليوس إلى ٣٨ نجمًا، ويعدُّ فيه الآن ٨٥ نجمًا وكان المصريون يصوِّرون الجوزاء بصورة جَدْيَين فجعلها اليونان بصورة ولدَين وصوَّرها العرب أحيانًا بصورة طاوسَين.
وقال الصوفي إنَّ كواكب هذا البرج ١٨ من الصورة و٧ خارجها، وإنه بصورة إنسانَين رأساهما في الشمال والشرق وأرجلهما إلى الجنوب والغرب، والعرب تسمِّي الاثنين النيرين اللذين على رأسيهما الذراع المبسوطة واللذين على رِجْلَي التوءم الثاني الهنقة، واللذين على قدم التوءم المتقدم وقُدَّام قدمه التحابي، والمعروف الآن أنَّ أكبر النجمين الذين على الرأسين مزدوج من نجمين وأن أصغرهما مزدوج أيضًا.
وفي خرافات اليونان أن التوءمين هما ابنا زفس من ليدا امرأة تنداروس ملك أسبارطة ولها قصص مختلفة.
السرطان Cancer
وفي السرطان نجم صغير مؤلَّف من نجمين يدور كلٌّ منهما حول الآخر في ستين سنة، ونجمٌ ثالث يدور حولهما في ١٧ سنة ونصف وفي جهة مقابلة لجهة دورانهما.
الأسد Leo
هو البرج الخامس وقد ذكره يودكسوس وأراتوس بين صور السماء، وقال بطليموس وتابعه الصوفي والقزويني إنَّ كواكبه ٢٧ من الصورة و٨ خارجها، والعرب تُسمِّي الكوكب الذي على وجهه مع الخارج عن الصورة السرطان الطرف، وتُسمِّي الذي على المنخر والرأس الأشفار والأربعة التي في الرقبة والقلب الجبهة، وهو المنزل العاشر من منازل القمر، وتُسمِّي التي على البطن وعلى الحرقفة الزبرة، والذي على مؤخر الذَّنَب قنب الأسد وهي المنزل الحادي عشر من منازل القمر، وتُسمِّيه أيضًا الصرفة لانصراف البرد عند سقوطه بالمغرب، وانصراف الحرِّ عند طلوعه من تحت شعاع الشمس بالغدوات وهو المنزل الثاني عشر من منازل القمر.
وقد قُسم أسد بطليموس الآن، وحسب بعضه كوكب شعر برنيكي، وفي خرافات اليونان أنَّ هذا هو الأسد الذي قتلهُ هرقل في الألعاب الأولمبية فنقله زفس إلى السماء إكرامًا لهرقل.
السنبلة أو العذراء Virgo
البرج السادس وهي أيضًا من الصور السماوية التي ذكرها يودكسوس وأراتوس وعين بطليموس فيه ٣٢ نجمًا، وأوصلها هفليوس إلى ٥٠، وقد صوَّره اليونان بصورة عذراء، ولكنهم اختلفوا في نسبتها والأكثرون على أنها يوستيشيا بنت استريوس وأنكورا، وقد عاشت قبلما أخطأ الإنسان فعلَّمته ما يجب عليه، ولمَّا انقضى عصره الذهبي عادت إلى السماء، أمَّا هسيود فيقول إنها ابنة زفس من ثاميس وقال غيره إنها ابنة أبلون.
وقال الصوفي إنَّ كواكب السنبلة ٢٦ من الصورة، و٦ خارجها وهي بصورة امرأة رأسها على جنوب الصرفة، وهو النير الذي على ذَنَبِ الأسد، وقدمها قُدَّام الزبانيتَين اللتين على كتفي الميزان، والعرب تُسمِّي الكواكب الأربعة التي على طرف منكبها الأيسر العواء، وهو المنزل الثالث عشر من منازل القمر، والكوكب النيِّر الذي في كفِّها اليسرى السماك الأعزل؛ لأنه بإزاء السماك الرامح، قال الصوفي: «ورأيت على كرات كثيرة قد صُوِّر هذا الكوكب بصورة سنبلة، ورأيت في بعض نسخ المجسطي والجدول قد سُمِّي بالسنبلة وتسمَّى ساق الأسد.»
الميزان Libra
الميزان: البرج السابع ولعله سُمِّي كذلك؛ لأن الشمس تدخل فيه في الاعتدال الخريفي ولم يذكره يودكسوس ولا أراتوس ولكن ذكره منيثو في القرن الثالث قبل الميلاد وجمينوس في القرن الأول قبل الميلاد، وذكره بطليموس بين الصور السماوية، وقال إنَّ فيه ١٧ كوكبًا وتابعه الصوفي والقزويني فقالا إنَّ فيه ثمانية كواكب من الصورة وتسعة خارجها، وأوصلها هفليوس إلى ٢٠ كوكبًا، قال الصوفي: والعرب تُسمِّي النيرَين اللذين على الكفتين زبابي العقرب، وهما المنزل السادس عشر من منازل القمر، ويسميان يدي العقرب. والنجم الثالث فيه هو النجم المتغيِّر الذي يُطْلَق عليه اسم الغول، فإنه قد يتغيَّر بين القدر الخامس والسادس كل يومين ونحو ٨ ساعات.
العقرب Scorpio
العقرب: البرج الثامن وقد ذكره يودكسوس وأراتوس، وعيَّن بطليموس فيه ٢٤ نجمًا وتابعه الصوفي والقزويني، فقالا إن فيه ٢١ كوكبًا من الصورة وثلاثة خارجها، وأن العرب تُسمِّي الثلاثة التي على الجبهة الإكليل والنير الأحمر الذي على البدن قلب العقرب، وتسمِّي الذي قُدَّام القلب والذي خلفه النياط، وتُسمِّي الذي في الخرزات القفرات، وتُسمِّي الاثنين اللذين على طرف الذَّنَب الشوكة أو الإبرة، وتُسمَّى الشولة أيضًا لأنها مشالة أبدًا.
وفي خرافات اليونان أنَّ الجبار افتخر أمام ديانا ولانونا أنه عازم أن يقتل كل حيوان على الأرض، فأرسلت هاتان الإلهتان إليه عقربًا سامًّا لسعه فأماته، فرفع زفس ذلك العقرب إلى السماء ثم طلبت منه ديانا أن يرفع الجبار أيضًا إلى السماء ففعل، ومع قلب العقرب نجم صغير من القدر السابع أخضر اللون.
الرامي أو القوس Sagittarius
البرج التاسع وهو من الصور التي ذكرها يودكسوس وأرانوس، وفي بطليموس أن كواكبه ٣١ كوكبًا وتابعه الصوفي والقزويني فقالا إن العرب تُسمِّي الأول الذي على النصل، والذي على مقبض القوس، والذي على الطرف الجنوبي من القوس، والذي على طرف اليد اليمنى من الدابة النعام الوارد؛ لأنها شبَّهت المجرَّة بنهر، والنعام قد ورد النهر وتُسمِّي الذي على المنكب الأيسر والذي على فوق السهم والذي على الكتف الأيسر والذي تحت الإبط النعام الصادر شبهتها بنعام شرب الماء وصدر عن النهر، وتُسمِّي اللذين على الطرف الشمالي من القوس والذي على السية الشمالية من القوس الظليمين والكواكب الستة التي على خط مقوس خلف السحابي الذي على عين الرامي القلادة، وهذه الستة المقدَّسة هي التي قدَّر أبو حنيفة أن هذا البرج سُمِّي القوس بها؛ لأنها تشبه القوس ويسمَّى اللذان على يد فرس الراعي ركبة الرامي وعرقوب الرامي واللذين على الفخذ اليسرى والساق الصردين.
ويصوِّره اليونان بصورة شخص نصفه الأعلى من إنسان والأسفل من فرس وقد وتر قوسه، وقد شاهدت فيه مسز فلمنغ نجمًا جديدًا سنة ١٨٩٩.
الجَدْي Capricornus
الجَدْيُ: البرج العاشر والكلمة الإفرنجية لاتينية معناها قرن الجَدْي، وهو من الصور الجنوبية وقد ذكره يودكسوس وأراتوس، وقال بطليموس: إنَّ نجومه ٢٨ وتابعه الصوفي والقزويني، وقالا إنَّ العرب تُسمِّي الاثنين النيِّرَين اللذين على القرن الثاني سعد الذابح، وهو المنزل الثاني والعشرون من منازل القمر، والاثنين النيِّرين على الذَّنَب المحبين ويسميان سعد ناثرة.
ومقدمه في صور كتاب الصوفي بصورة مقدم الجَدْي ومؤخره بصورة مؤخر سمكة، وكذا في كل الأطالس التي أمامنا، والنجم الأكبر فيه مزدوج من نجمين أحدهما من القدر الثالث والآخر من الرابع، ولكلٍّ منهما تابع من القدر التاسع.
الدلو Aquarius
الدلو: البرج الحادي عشر وعلامته الفلكيَّة علامة الماء عند المصريين؛ لأن الشمس تغيب فيه في زمن المطر، وقد ذكره يودكسوس وأرانوس، وقال بطليموس إنَّ فيه ٤٥ نجمًا وتابعه الصوفي والقزويني، وقالا إنَّ كواكبه ٤٢ في الصورة و٣ خارجها، وإنَّ العرب تُسمِّي اللذين على منكبه الأيمن سعد الملك، واللذين على منكبه الأيسر مع الذي على طرف ذنب الجَدْي سعد السعود، والثلاثة التي على يده اليسرى سعد بلع، والذي على ساعده الأيمن مع الثلاثة التي على يده اليمنى سعد الأخبية وإنما سمِّي بذلك؛ لأنه إذا طلع طاب الهواء وخرج ما كان مختبئًا من الهوام تحت الأرض من البرد، وتُسمِّي النيِّر الذي على فم الحوت الجنوبي الضفدع الأول والنير الذي في آخر النهر الظليم.
الحوت أو السمكتان Pisces
الحوت: البرج الثاني عشر وهو صورة سمكتين مربوطتين بذنبيهما، وقد ذكره يودكسوس وأراتوس، وقال بطليموس إنَّ فيه ٣٨ كوكبًا، وتابعه الصوفي والقزويني وقالا إن كواكبه ٣٤ في الصورة و٤ خارجها، وهما سمكتان أحدهما السمكة المتقدِّمة وهي على ظهر الفرس الأعظم في الجنوب والأخرى على جنوب كواكب المرأة المسلسلة، وبينهما خيط من الكواكب يصل بينهما على تعريج، وقد جاء ما يقوله العرب في كواكب الحوت في الكلام على المرأة المسلسلة.
وفي خرافات اليونان أنَّ أفروديت (الزهرة) وأروس ابنها كانا على ضفة الفرات، ففاجأهما الوحش تيفون فغاصا في الماء هربًا منه واستحالا إلى سمكتين، وأكبر نجم في الحوت من القدر الثالث وهو مزدوج.